وردت أحاديث ليست بالقليلة - فضلاً عن الآيات الواردة- في الترغيب والحث على الأكل من الكسب الحلال النقي الذي يجعل الإنسان يرتجي الثواب من عند الله تبارك وتعالى.
الأحاديث الواردة في الترغيب في أكل الحلال
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام المنذري رحمه الله: الترغيب في طلب الحلال والأكل منه، والترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك.
المسافر مع طول سفره كلما دعا استجيب له، ولكن الإنسان هذا الذي يأكل الحرام لا يستجيب له ربه، مع طول سفره ومع شعثه واغبرار وجهه، ومع كثرة ما يتعب في السفر، لكن لا يستجاب له.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء)، والله يستحيي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا ولكن هذا يرد، يقول: (يا رب! يا رب!) هذا المسافر كان يتعمد أكل الطعام الحرام، سواء كان من سرقة أو من رشوة أو من سحت أو من غصب، فهو طعام ليس حلالاً فيأكل الحرام ولا يتورع، ومشربه حرام كذلك، وملبسه حرام وغذي بالحرام فقد تربى على هذا الشيء (فأنى يستجاب له؟!).
فالمسافر يستجاب له لو كان طيب المطعم وطيب المشرب، وطيب الملبس وهذا الذي يستحق أن يستجيب الله عز وجل له.
فقوله: (حفظ أمانة) أي: أن تكون حافظاً للأمانة وهي أمانة الله عز وجل تؤديها كما أمرك: في الطهارة.. في الصلاة.. في الوضوء.. في الزكاة.. في الصوم.. في الحج.. في العمرة.. في الاعتكاف.. في الجهاد في سبيل الله.. في التعامل مع الناس بالحلال.. في عدم الخيانة.. في عدم الغش، وكذلك حفظ أمانات الناس من أموال وودائع وقروض، وغير ذلك من المعاملات التي ينبغي أن تحافظ عليها، وعلى أمانتك بينك وبين الله، وبينك وبين الخلق.
قوله: (وصدق حديث) أي: أن تكون صادق اللهجة، فلا تتحدث إلا بصدق ولا تكذب أبداً، وقد رأينا في حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكذاب يشدق ويشرشر فاه إلى قفاه بسبب كذبه، ولا يزال يصنع به ذلك وهو في قبره إلى أن تقوم الساعة.
قوله: (وحسن الخليقة) أي: إذا حسنت خلقك أحبك الله وكنت قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأحبك الناس ودعوا لك.
قوله: (وعفة في طعمة) أي: يتعفف الإنسان في طعامه، فلا يتكسب إلا شيئاً طيباً ولو كان قليلاً، ولا يدخل جوفه إلا ما أحله الله سبحانه وتعالى، ويجتنب ما حرمه فإن الجسد إذا نبت من سحت فالنار أولى به، ومما نبت من لحمك من طعام قد حرمه الله سبحانه ومن أكل حرام ومن كسب حرام نبت منه لحم الإنسان فالنار أولى به والعياذ بالله.
قوله: (إذا أديت زكاة مالك)، هذه الفريضة التي عليك، وما تصدقت به بعد ذلك فهو من المستحبات، ومن جمع مالاً حراماً ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه، فالغاية لا تبرر الوسيلة أبداً، فالإنسان الذي يتعامل بالحرام ويقول: سأتعامل بالحرام من أجل أن آكل وأتصدق به لا يقبل منه ذلك.
الإنسان الذي يتعامل بالرشوة ويقول: أنا سأتصدق بها، يحرم عليه ذلك، كما يحرم عليه أن يتعامل بالربا بهذه الحجة.
وعرفتم حديث النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك: (سبق درهم مائة ألف درهم) وذلك أن هذا الإنسان صاحب الدرهم فقير مسكين ليس معه إلا درهمان فتصدق بأحدهما، فيكون قد تصدق بنصف ماله، فكان له أجر عظيم عند الله عز وجل.
والآخر لديه الملايين فأخرج منها مائة ألف، فلم تأثر شيئاً في ملايينه فله أجر عظيم عند الله، ولكنه عندما يقارن بين أجر من تصدق بنصف ماله، ومن تصدق بشيء من الأموال وإن كانت كثيرة فإن الأول يسبق الثاني وللثاني أجر عند الله عز وجل.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة أيضاً: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: (الفم والفرج) الفم: والمراد بالفم: ما يأكله الإنسان.
والفرج: أي: عند وقوعه في الزنا أو نحوه من الفواحش يكون سبباً في دخول صاحبه النار.
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: (تقوى الله وحسن الخلق) فتقوى الله من أعظم الأشياء التي تدخل الإنسان الجنة، وكذا حسن الخلق وكلما حسن خلق الإنسان كلما رضي للناس جميعهم الخير، وكلما أحب الناس فلم يخدع أحداً، ولم يغش أحداً، وكلما تعامل مع الناس بمعاملات طيبة.
وآخر الأشياء التي يسأل عنها عن علمه، فإذا كنت قد تعلمت كتاب الله وعرفت الأحكام الشرعية وعرفت سنة النبي صلى الله عليه وسلم فما الذي عملته فيما علمت من ذلك؟ فأعدوا للسؤال جواباً.
نسأل الله سبحانه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.