إسلام ويب

شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - أحكام الأضحية والهديللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأضحية مشروعة لمن قدر عليها، وينبغي أن تسمن، وأن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، وللذبح آداب وسنن ينبغي مراعاتها حتى يكون الذبح على ما ورد في الشريعة المطهرة.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    روى أصحاب السنن عن عبيد بن فيروز قال: سألت البراء بن عازب رضي الله عنه ما لا يجوز في الأضاحي فقال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله، فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها، والعرجاء بين ضلعها، والكسير التي لا تنقي، قال: قلت: فإني أكره أن يكون في السن نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد).

    وفي لفظ للنسائي (لا يجوز من الضحايا العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي)، وقد وردت أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم فيها بيان ما الذي لا يجوز من الأضاحي، فإذا أردت أن تضحي فخذ الشيء الذي يرضي ربك سبحانه لتتقرب به إليه.

    وهذا الشيء الذي تتقرب به إلى الله لابد أن يكون جميلاً في منظره، سيمناً، ويكون في السن المجزئة التي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها فيه.

    فهنا في حديث البراء بن عازب يذكر أربعاً لا تجوز في الأضاحي، أولها: (العوراء بين عورها)، والعور قد تبقى معه العين، لكنها تضيع، أي: لا تبصر، فالعوراء قد يكون في بصرها شيء ولكنه غير مؤثر، لكن الحديث ذكر الشيء المؤثر، وهو البين عورها، إذاً: فما فيها عور بين لا تجوز في الأضاحي، أما العور الغير بين أي: الشيء البسيط الذي ما له قيمة فتجزئ مع وجوده.

    ثانيها: (والمريضة البين مرضها)، المرض إما أن يكون مرضاً يسيراً فهي مجزئة معه، أما المرض الذي يؤثر فيها ويهزلها فغير جائز أن يضحى بها.

    ثالثها: (والعرجاء البين ضلعها)، معنى: ضعلها أي: الاعوجاج، والمعنى: العرج البين في اليد أو الرجل بحيث يبدو في مشيتها، فهذا الاعوجاج مؤثر فلا تصح في الأضاحي، والضلع يكون في اليد أو في الرجل، أما إذا كان العرج غير بين فتجزئ في الأضاحي.

    رابعها: (والكسير التي لا تنقي)، معناها: المنكسرة الرجل، ومعنى: لا تنقي، أي: لا نقي لها، فقد صارت هزيلة فلا لحم فيها ولا شحم، وهي التي لا مخ لها فلا شحم بداخلها، فهي هزيلة جداً ما فيها إلا جلد على عظم، فهذه لا تجزئ.

    وفي الرواية الأخرى قال صلى الله عليه وسلم: (لا يجوز من الضحايا: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي)، فذكر الكسير وذكر العجفاء، وكأن المعنى متقارب، أي: في كل هذه الحالات يراد أن تكون هزيلة لا تقدر على الأكل، فلا تجزئ في الأضحية.

    حكم التضحية بمقطوعة الأذن

    روى الترمذي عن حجية بن عدي عن علي رضي الله عنه قال: البقرة عن سبعة. فهذا من قول علي رضي الله عنه قال: قلت: فإن ولدت البقرة؟ فقال: اذبح ولدها معها. أي: طالما أنك جعلت البقرة أضحية ومعها ولد ولدته حين التضحية فابنها ضحية معها، قال: قلت: فالعرجاء؟ قال: إذا بلغت المنسب. والمعنى: إذا كان هذا العرج طرأ عليها في المكان التي تذبح فيه فصاحبها معذور في ذلك، قال: قلت: فمكسورة القرن؟ قال: لا بأس.

    هذا كله من قول علي رضي الله تعالى عنه، ثم رفع الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أمرنا أو أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينين والأذنين)، والاستشراف أن تنظر إلى الشيء من علو، فعندما تنظره تقول: أستشرف على كذا، أي: أنك تنظر إليه من بعيد، أو تدقق النظر على الشيء البعيد.

    وكأن المعنى هنا: أنك تنظر إليها وتجيد النظر وتبحث فيها عن هذه الأشياء والصفات في العينين والأذنين، أي: ينظر إلى العين أعوراء هي أم لا؟ أما العمياء فترد من باب أولى، وكذلك تنظر إلى الأذنين حتى لا تكون مشقوقة أو مقطوعة الأذن، فيستشرف لذلك.

    وهذا الحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت رواية أخرى توضحه وإن كان إسنادها ضعيفاً، وفيها: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينين والأذنين)، إلى هنا صحيح، ثم قال: (ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء)، هذه الأشياء تكون في الأضحية فنهي عنها، وإن كان هذا الجزء -أي: الثاني- من الحديث ضعيف الإسناد، ولكن يستحب للإنسان أن يراعي هذه الأشياء، أي: ألا يضحي بعوراء، وهي التي بعين واحدة.

    قوله: (ولا مقابلة)، المقابلة: التي طرف أذنها مقطوع، قوله: (والمدابرة)، أي: التي آخر أذنها مقطوع، إذاً: فالمقابلة: مقطوعة الأذن من الأمام، والمدابرة: مقطوعة الأذن من الخلف.

    قوله: (الشرقاء)، أي: مشقوقة، فإذا كانت الأذن مشقوقة فهي الشرقاء.

    قوله: (والخرقاء)، وهي التي فيها خرق، أي: أنها مثقوبة الأذن على هيئة كبيرة، بحيث يكون وسماً بكي ونحوه ليعرفوا أن هذه أضحية من غيرها.

    وهذا الجزء الزائد من الرواية هذا الذي فيه التفصيل ضعيف إسناده، لكن الحديث الذي عند الترمذي أمرنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينين والأذنين، أي: ننظر لسلامة العينين والأذنين، فما كان من مرض أو عاهة بسيطة غير مؤثرة فلا تؤثر، أما إذا كانت بينة كما في الحديث الآخر فإنها تؤثر.

    قال الخطابي : في الحديث دليل على أن العيب الخفيف في الضحايا معفو عنه، إلا أن الحديث قال لنا: البين، إذاً: يوجد فرق بين البين الواضح الجلي وبين غير البين، الذي هو غير الواضح وهو الخفي؛ لأن في الحديث: بين عورها، وبين مرضها، وبين ضلعها، فالقليل منه غير بين فكان معفواً عنه.

    حكم التضحية بالمعيبة

    قال النووي : أجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء لا تجزئ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها، أو أقبح منها.

    بمعنى: إذا كان الحديث يذكر لنا لا يجوز التضحية بالعوراء بين عورها، فالعمياء لا تجزئ من باب أولى.

    فالأضاحي فيها تقرب إلى الله عز وجل بهذه اللحوم، فتخرج الشيء الجميل المنظر، التي لحمها كثير، وكذا شحمها أيضاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يتقرب إلى الله عز وجل بما كان على هذه الصفات.

    وقوله: (فالعوراء البين عورها)، العادة في الحيوان إذا عورت إحدى عينيه أن يصير نظره في جهة واحدة، أي: في العين الأخرى، ولعل الطعام موضوع للشاة في مكان وعينها التي في اتجاهه عوراء، فلا يرى الطعام، فيكون الطعام موضوعاً لها جاهزاً وهي لا تذهب إليه بسبب العور، فالغالب أن تكون العوراء هزيلة، ولا يمنع أن تكون العوراء غير هزيلة، فقد تكون العوراء أو العمياء يعلفها صاحبها ويهتم بها أن تبقى أفضل من غيرها، ولكن فيها عيب من العيوب، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحب أن يضحي بما فيها عيب من العيوب، وإنما يضحي بالشيء السليم.

    وكأنه استبشار أن هذه الأضحية لله عز وجل؛ لعل الله عز وجل أن يعتق بها صاحبها، فإذا تقرب إلى الله تقرب بسليمة الأعضاء، أي: التي أعضاؤها كلها سليمة؛ لعل الله أن يعتق أعضاء صاحبها من النار بما قربه لله تبارك وتعالى.

    وهناك ما يمكن أن تكون عرجاء وصاحبها يهتم بها لكونها عرجاء، وهذا ممكن أن يكون، ولكن في النهاية فيها عيب، فلا تتقرب إلى الله بما فيه عيب، وهذه الأشياء المعيبة عندما تبيعها من يشتريها سيقول لك: هذه فيها عيب، فتباع بثمن أقل، فيبخس الثمن فيها، فإذا كان هذا في الناس فكيف تتقرب لرب الناس بما فيه عيب يراه الناس؟!

    إذاً: فالعرج إذا كان يسيراً بحيث لا يجعلها تتخلف عن الماشية لا يضر، لكن إذا كان كثيراً فهو يضر.

    وكذلك إذا كانت الأضحية عوراء فالتضحية بها ممنوع، والعمياء من باب أولى.

    إذا عين أضحية أو نذرها ثم تعيبت

    أما إذا أوجب أضحية سليمة من العيوب، ثم حدث بها عيب يمنع الإجزاء ذبحها صاحبها وأجزأته، وقولنا: (إذا أوجب أضحية) الإيجاب يكون بالنذر، أي: أن يقول: لله علي نذر أن أذبح هذه الأضحية، فهذا أوجبها على نفسه، أو على قول آخر أن الإيجاب أن يعين ويقول: هذه أضحية، كما لو اشترى الأضحية، وما اشتراها إلا للتضحية بها، فهذا لا يلزمه أن يذبحها إلا إذا تلفظ وقال: هذه أضحية، فهذا ملحق بالنذر على ما ذكره بعض أهل العلم، وهذا الأحوط في ذلك، أي: إذا عين فقال: هذه أضحية صارت أضحية بهذا القول الذي قاله.

    فإذا عينها إما بالنذر أو بالتحديد بالقول ثم حدث بها عيب بعد ذلك فلا شيء عليه، وجاز له أن يضحي بها، لكن إذا كان العيب قبل أن يشتريها، فيختار العجفاء أو المريضة لأن ثمنها قليل، فهذه لا تجزئ في التضحية.

    والعيب قد يكون بقضاء الله وقدره وهي في وسط الغنم، كأن وطأتها الغنم فصارت عجفاء، أو انكسرت فصارت عرجاء، أو صار فيها عور أو نحو ذلك، وقد تكون تعيبت بفعل صاحبها، بأن أتى بهذه الأضحية وربطها ربطاً شديداً بحيث انكسرت رجلها من شدة الربط، أو أنه دفعها من السيارة على الأرض فانكسرت رجلها، إذاً: فصاحبها هو الذي تسبب في ذلك فيلزمه بدلها.

    حكم الأضحية إذا تعيبت وقت الذبح

    ولو حدث هذا العيب وقت الذبح بأن أتى بالأضحية ثم نومها من أجل أن يذبحها فتحركت واضطربت فحدث هذا العيب بسبب منها، ففي هذه الحالة لا شيء على صاحبها، ويكمل ذبحها.

    وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم -أي: أنه لو حدث هذا العيب وقد أضجعها لذبحها-: فذهب البعض من الأحناف إلى أنها لا تجزئه؛ باعتبار أن الأضحية عندهم واجبة، وهذا نقله ابن قدامة عنهم فقال: قال أصحاب الرأي: لا تجزئه؛ لأن الأضحية عندهم واجبة، فلا يبرأ منها إلا بإراقة دمها.

    وهذا الكلام ليس على إطلاقه، فليس كل الأحناف قالوا بهذا، ولكن هناك خلاف عندهم لو أضجعها ليذبحها فحدث بها هذا العيب، فعند البعض منهم أنها تجزئه، وعند البعض الآخر: لا تجزئه.

    فمن قال من الأحناف أنها تجزئه: عثمان بن علي الزيلعي الحنفي ، يقول: لو أضجعها ليذبحها يوم النحر فاضطربت فانكسرت رجلها فذبحت أجزأته استحساناً، ولهذا قالوا: كأن الأصل أنها لا تجزئ، فمعنى (استحساناً) أي: أن هنا مخالفة للنص؛ لأن النص قال: لا تجزئ لو جاء البين ضلعها والكسير التي لا تنقي، ولا تجزئ العرجاء البين ضلعها، فهم قالوا: استحساناً، أي: كأننا خالفنا النص لنص آخر، أو خالفناه لعلة أخرى؛ لأن حالة الذبح ومقدماته ملحق بالذبح، فصار كأنه تعيب للذبح حكماً، إذاً: دليل الاستحسان عندهم: أن المضحي سيقطع رقبتها، فإذا كان قطع الرقبة ليس عيباً لها فكسر عضو من أعضائها ملحق بذلك؛ لأنها ستذبح الآن، ولا يوجد وقت للجمال وهو يذبحها، فاستحسنوا ذلك.

    وعند الشافعي لا تجزئ إذا تعيبت عند أن يذبحها صاحبها؛ وكذا لو تعيبت في هذه الحالة فانفلتت ثم أخذت من فورها وشدها صاحبها من أجل أن يذبحها وهي تقاوم فانكسرت رجلها، ثم فلتت منه أخرى فأدركها وذبحها، قالوا: المسافة بين ما حدث لها وبين ذبحها بسيطة، وعلى ذلك فلا شيء على المضحي بها، وهذا عند محمد بن الحسن خلافاً لـأبي يوسف .

    يقول النووي في المجموع: إذا أضجعها ليذبحها فعالجها فأعورت حال الذبح -أي: صارت عوراء حال الذبح- فلا تجزئ، وقال أبو حنيفة وأحمد : تجزئ، وقد عرفنا أن في مذهب الأحناف خلافاً، فليس على الإطلاق المذكور هنا.

    إذاً: فعند بعض العلماء: أنها لا تجزئ إذا تعيبت في حال ذبحها، وعند البعض الآخر: أنها مجزئة، وهو الراجح؛ لأن المضحي عمل ما عليه، طالما أنه ليس هو المتسبب في ذلك بتفريط، أما إذا تسبب في ذلك بتفريط منه فهي غير مجزئة، فلابد أن نفرق في تعيب الأضحية حال ذبحها بسبب تفريط وتقصير من الرجل، كأن نزعها ورماها على الأرض فانكسرت رجلها أو نحوها، فهي في هذه الحالة غير مجزئة في الأضحية، أما إذا كان يشدها وهي تقاوم فحدث فيها شيء، كأن رفعت رأسها مثلاً فجاءت السكينة في عينها، ففي هذه الحالة يعذر المضحي، والأضحية مجزئة.

    إذاً: إن تعيبت بفعله وبتقصيره فعليه بدلها إذا كان عينها بالنذر أو نحوه.

    حكم العشواء والثولاء والفحل

    وقد سبق معنا: أنها لا تجزئ العمياء ولا العوراء، وتجزئ العشواء، والعشى: هو عدم الإبصار بالليل، فالعشواء التي لا تأكل بالليل، وإنما تأكل بالنهار، فعلى ذلك تكون مجزئة؛ لأنها تبصر في النهار طعامها.

    وكذا مر معنا: أن العجفاء التي ذهب مخها من الهزال وبقي الشحم موجوداً داخل عظم اليدين والرجلين، فهذه العجفاء لا تجزئ، إذاً: كلمة (مخ) هنا بمعنى الشحم الذي داخل عظم اليدين والرجلين، هذا العجف.

    والثولاء: وهي المجنونة، فإذا كانت مجنونة، فلا تجزئ؛ لأنها تضطرب كثيراً، فالعادة: أن مثل هذه الحالة لا تأكل، فيؤدي بها الأمر إلى الهزال، إذاً التي تستدبر الرعي ولا ترعى إلا قليلاً فتهزل لا تجزئ.

    ويجزئ الفحل من الغنم والبقر والإبل، والفحل: هو الشديد النزوان على الأنثى، حتى وإن كثر ذلك منه، والغالب: أنه إن كثر ذلك يضعفه، ولكن لن يصل إلى درجة الهزال.

    حكم التضحية بمقطوعة الأذن والمخلوقة بلا ضرع

    ولا تجزئ مقطوعة الأذن؛ لقول علي رضي الله عنه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينين والأذنين)، ومعنى نستشرف: ننظر، فإذا كان في العين أو في الأذن عيب فهي غير مجزئة، فإن قطع بعض أذنها فلم تنفصل بل شق طرفها وبقي متدلياً لم يمنع من التضحية بها وإن أبين منه.

    فإن الأذن إذا شقت من الأمام أو من الخلف فهي غير مجزئة، لكن المسألة فيها خلاف، والراجح: أن الحديث الذي ذكر في المقابلة والمدابرة ضعيف، وعلى ذلك إذا كانت الأذن موجودة لكن فيها شق بسيط لم يجاوز النصف ولم يعيبها فالراجح أنها تجزئ مع ذلك.

    أما إذا كانت الأضحية صغيرة الأذن، أو ليس لها أذن أصلاً فهنا يفرق بين التي تعيبت والتي هي مخلوقة على هذه الهيئة، فالتي هي مخلوقة على هذه الهيئة لا شيء فيها، فيجوز التضحية بها.

    كذلك المخلوقة بلا ضرع إذا كانت أنثى من الغنم وغيرها، أي: خلقت ليس لها ضروع أو بلا ألية مثل: الخرفان الاسترالية التي تكون إليتها صغيرة، وفيها هيئة الذيل فقط، فالراجح: أن هذه خلقة فتكون مجزئة.

    حكم التضحية بمكسورة القرن

    وتجزئ التي لا قرن لها، وكذا مكسورة القرن، فالتي لا قرن لها هي الجماء كما جاء في الحديث، فإذا كانت الجماء مجزئة فالمكسورة القرن أيضاً مجزئة؛ لما جاء في السنن عن حجية بن عدي عن علي رضي الله عنه قال: (البقرة عن سبعة، قال: قلت: فإن ولدت؟ قال: اذبح ولدها معها، قلت: فالعرجاء؟ قال: إذا بلغت المنسك؟ قال: قلت: فمكسورة القرن؟ قال: لا بأس، أمرنا أو أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينين والأذنين).

    وذهب جمهور أهل العلم إلى أن المكسورة القرن غير مجزئة، فإذا أردت أن تشتري أضحية فلا تشتري مكسورة القرن خروجاً من الخلاف في ذلك، فالجمهور يمنعون؛ لحديث جري بن كليب عن علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن)، ومعنى: (عضباء) أي: مقطوعة الأذن والقرن، ولكن الحديث في إسناده ضعف، فعلى ذلك فالأولى للإنسان أن يضحي بالسليمة التي ليست مكسورة القرن، لكن إذا كان المقطوع بعض القرن فالراجح أنها مجزئة، وذات القرن أفضل؛ لما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده صلى الله عليه وسلم وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما)، والأملح: هو الأبيض الذي هو ليس خالص البياض، لكن فيه بعض طبقات من سواد أو من حمرة، ومعنى: (أقرنين)، أي: مستويا القرنين، ذبحهما بيده، عليه الصلاة والسلام، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما، والصفحة: هي الجانب، والمعنى: على صفحة العنق جانب العنق، وصفحة الوجه جانبه، فكأنه مدد الخروف على الأرض وأمسك بيده اليسرى صلى الله عليه وسلم رأسه، ووضع رجله على صفحته على جانبه الأيمن، أو من ناحية رقبته؛ من أجل أن يثبته على الأرض، وذبحه بيده صلوات الله وسلامه عليه، وقال في رواية: (ورأيته واضعاً قدمه على صفاحهما وسمى وكبر عليه الصلاة والسلام).

    حكم التضحية بما ليس لها أسنان ومن أخذ الذئب شيئاً منها

    وتجزئ ذاهبة بعض الأسنان، لكن لو انكسرت جميع أسنانها فهذا معناه: أنها لا تأكل، وكيف تأكل وهي مكسورة كل الأسنان؟! فالغالب أن تكون هذه عجفاء وهذا يكون عيباً فيها فلا تجزئ في الأضحية.

    ولا تجزئ التي أخذ الذئب مقداراً بيناً من فخذها، أي: لو أن الذئب عدى عليها فأكل شيئاً منها، وكان هذا الشيء يسيراً غير بين فلا شيء في ذلك، لكن إذا أخذ جزءاً بيناً من فخذها فتكون غير مجزئة.

    ولا يمنع قطع الفلقة اليسيرة من العضو الكبير، فإذا كان العضو كبيراً كالفخذ وأخذ منه مقدار صغير إما بفم الذئب أو الكلب العقور ونحوهما فهذا مجزئ، لكن إذا كان المأخوذ شيئاً بيناً فهذا غير مجزئ، والشيء البين كما لو قطع الذئب أو نحوه إليتها كلها أو ضرعها أو عضواً منها فهي غير مجزئة.

    حكم التضحية بالجرباء ومقطوعة بعض اللسان والموجوء والخصي

    ولا تجزئ الجرباء، فلو أن الشاة فيها جرب أو الناقة أو العجل أو البقرة، فلا تجزئ في الأضاحي؛ لأن العادة أن الجرب إن كثر فيها أفسد لحمها، لكن إن كان شيئاً يسيراً فلا شيء فيه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (البين عورها.. البين مرضها)، وهكذا.

    ولا تجزئ مقطوعة بعض اللسان؛ لأن الغالب أنها لا تستطيع الأكل إلا به.

    ويجزئ الموجوء والخصي، أي: إذا كان الخروف أو العجل أو الجمل خصياً أو موجوءاً فالراجح: أنه يجزئ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين، فليس هو صلى الله عليه وسلم الذي فعل بهما ذلك، بل قد جاء عنه أنه نهى عن ذلك، وإنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون، وهو عليه الصلاة والسلام اشتراه على هذه الهيئة، فدل ذلك على أن هذا ليس عيباً يمنع شراء الأضحية التي فيها ذلك.

    فذبح أحدهما عليه الصلاة والسلام عن أمته، لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ عليه الصلاة والسلام، وذبح الآخر عنه وعن آله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من الأدلة على عدم وجوب الأضحية، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لرحمته وحنانه رفع عن الأمة جميعها الحرج، فضحى بكبشين وقال: (هذا عن محمد وآله عليه الصلاة والسلام)، فدل على أن الخروف يجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، ثم إنه عليه الصلاة والسلام ذبح كبشاً آخر وقال: (هذا عمن لم يضح من أمتي).

    إذاً: فالأمة فيها من يضحي وفيها من لم يضح، سواء بعذر أو بغير عذر؛ ولذا قال: (هذا عمن لم يضح من أمتي).

    حكم من نذر التضحية بالمعيبة

    وإذا نذر التضحية بحيوان معين فيه عيب يمنع الإجزاء لزمه، أي: لو كان عنده خروف مقطوع الأذن أو مكسور القرن، أو كان فيه عجف، ففيه شيء مما لا يجزئ، فهذا الكبش لا ينفع للأضحية، ولكنه نذر أن هذا بعينه سأذبحه أضحية، فلو قال: إن شفى الله مريضي فلله علي نذر أن أذبح الخروف الموجود عندي في البيت، والموجود عنده على هذه الصورة، وجاء النذر على هذه الصورة، فهذا يلزمه أن يذبحه في الأضحية.

    إذاً: إن نذر التضحية بحيوان معين فيه عيب يمنع الإجزاء لزمه، أو قال: جعلت هذه أضحية، لزمه ذبحها للالتزام، ويثاب على ذلك، ويكون ذبحها قربة، وتفرقة لحمها صدقة، ولا تجزئ عن الهدايا والضحايا المشروعة.

    إذاً: فهذا من أجل النذر فقط، فأصبح مجزئاً، لكن ليس هو الأضحية التي أمرنا بها النبي صلوات الله وسلامه عليه، فلابد أن نفرق بين من وجب عليه أن يذبح هذا نذراً وله أجره في ذلك، وليس له أجر الأضحية التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين الأضحية المشروعة؛ لأن الضحايا المشروعة من شروطها السلامة، أما النذر: فلو أشار إلى ضبية أو دجاجة وقال: هذه لله علي أن أذبحها أضحية، فيكون نذراً، لكن ليست أضحية؛ لأن الأضحية لابد أن تكون من بهيمة الأنعام.

    إذاً: فلو قال: علي دجاجة أن أذبحها أضحية، فهذا له أن يذبحه، ويتصدق به، لكنها ليست أضحية شرعية؛ لأنه لابد في الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام، من الإبل، أو البقر، أو الغنم، وإذا قلنا: الغنم فسيدخل فيها الماعز؛ لأن الله عز وجل ذكر أن بهيمة الأنعام ثمانية أزواج: من الضأن اثنين، ومن الماعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، فهذه هي بهيمة الأنعام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089347051

    عدد مرات الحفظ

    783941544