إسلام ويب

صور من حياة الرسول صلى الله عليه وسلمللشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم حياة عظيمة، ومليئة بالحكم والعبر والأحداث فقد أفناها داعياً إلى ربه، وقطع مشوار حياته وهو يوجه الناس إلى الخير وينهاهم عن الشر، فما من خير إلا ودلهم عليه، وما من شر إلا وحذرهم منه. فحري بالعبد المسلم أن يدرس سيرة نبيه؛ حتى يجعل من مراحل حياته صلى الله عليه وسلم نبراساً يضيء له طريق الخير في ظلمات الفتن، وينجيه من عظيم شر المحن.
    إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل:5]، فهو عليه الصلاة والسلام أول ما أنزل عليه الوحي كان يسابق جبريل في أن يأخذ القرآن عنه؛ خوفاً من أن يتفلت القرآن منه، فأنزل الله جل وعلا قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:16-19] فأصبح صلى الله عليه وسلم لا يعالج في القضية مع جبريل.

    من خبر ابن مسعود وفضله

    وفي هذا الخبر النبوي أن هناك أربعة امتازوا أكثر من غيرهم في أخذهم القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، والناظر في هؤلاء الأربعة يعرف شيئاً من الهدي والسمت الذي أخذوه عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، قال عليه الصلاة والسلام: (خذوا القرآن من ابن أم عبد)، وهو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    وهذا الصحابي الجليل من هذيل، وقد مات أبوه في الجاهلية وأصبح ينسب إلى أمه، وهو وأمه دخلا في الإسلام، يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه وهو قادم من اليمن: ما كنا نظن عبد الله بن مسعود وأمه إلا من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكثرة ما يدخلان عليه رضوان الله تعالى عليهما.

    وعبد الله كان دقيق الساقين، وقد ارتقى ذات يوم شجرة فضحك الصحابة متعجبين من دقة ساقيه، قال صلوات الله وسلامه عليه: (أتعجبون من دقة ساقيه! لهما في الميزان أثقل من جبل أحد)، والميزان أيها المبارك ينصب يوم القيامة، وله كفتان، قال الله جل وعلا: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] ما الذي يوزن؟

    وقد اختلف العلماء في الذي سيوزن اختلافاً كثيراً، لكن أرجح الأقوال أنه يوزن العمل، وصاحب العمل، والصحف التي يدون فيها العمل، وكل نشهد له أدلة وقرائن من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فهذا الصحابي الجليل يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار في منى، ومنى هي الجبال المعروفة التي يتعبد الله فيها في أيام الحج، فكان النبي في غار معه أصحابه، يقول ابن مسعود : فبينما نأخذ القرآن رطباً من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتدرتنا حية، فقطع صلى الله عليه وسلم قراءته وقال: (اقتلوها، ففرت إلى جحرها، فقال عليه السلام: سلمت منكم وسلمتم منها)، ثم أكمل قراءته، وكانت السورة سورة وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1]، إن هذا الموقف أيها المبارك يدلك على شيء عظيم، فتجاوز مسألة الحية ومسألة عبد الله بن مسعود ومسألة جحر الحية، إن النبي عاش ومات ولا يعرف التكلف في حياته، وهذه هي العظمة في حياة العظماء الربانيين حقاً، فلا يتصنعون لأحد، وإنما فطرت قلوبهم للواحد الأحد، فهذا النبي يقرأ القرآن وهو أعظم مخلوق، وحوله أصحابه، فلما رأى عدواً قد خرج وهو الحية قطع تلاوته؛ حتى ينفك وينتهي من عدوه، ولم يغير هذا في هيبته ولا وقاره ولا سكونه ولا خشيته صلوات الله وسلامه عليه، لأنه عليه الصلاة والسلام عبد لله بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

    إن أعظم ما نبتلى فيه أننا نتزين للخلق، لكن الرسل العظام والأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم كانت قلوبهم لله، فيخرج العمل منهم من غير كلفة، لأنهم يتعبدون الله وحده دون سواه، وتلك منزلة عظيمة ومرتبة جليلة لا يوفق لها إلا الصالحون، جعلني الله وإياكم منهم.

    هاجر عبد الله بن مسعود إلى المدينة، وفي غزوة بدر ضرب رجلان فتيان من الأنصار أبا جهل فسقط صريعاً دون أن يموت، فجاء عبد الله بن مسعود ليجتز رأس أبي جهل ، فقال هذا الطاغية وعبد الله بن مسعود على رأسه: لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم. وهنا تفقه أيها المبارك أن بعض الناس عياذاً بالله يقع في قلبه الكبر والطغيان، فحتى أقرب الأشياء لديه لا يراها؛ من كثرة ما جثم على قلبه من الكفر والطغيان، ففرعون وهو فرعون لما رأى الموت قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]، وأما أبو جهل فقد رأى الموت ومع ذلك لم يستعطف عبد الله بن مسعود ، ولم يقل كلمة يستجر بها الرحمة، وإنما قال يعنف عبد الله : لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم!

    وكل نفس بشرية قد أودعت فجوراً وأودعت تقوىً، يقول الله: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:7-8]، فكل نفس قابلة لأن تتقي وقابلة لأن تفجر، والفضل من الرب تبارك وتعالى وحده، فإذا أراد الله بعبد خيراً هيأه لباب التقوى كما هيأ المؤمنين، جعلني الله وإياكم منهم.

    من مواقف عبد الله بن مسعود

    من مواقفه رضي الله عنه وأرضاه أنه كان في ركب فقابلوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال لهم: أفيكم عبد الله بن مسعود ؟ قالوا: نعم، فأخذ الناس يسألونه ليعلموا هل هو ابن مسعود أم لا، قيل له: أي آية في كتاب الله أرجى؟ قال: قول الله جل وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53].

    قيل له: أي آية في كتاب الله أعدل؟ قال: قول الله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].

    قيل له: أي آية في كتاب الله أحكم؟ قال: قول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90]، وما زالوا يسألونه وهو يجيب رضي الله عنه وأرضاه. فهذا واحد ممن قال صلى الله عليه وسلم فيهم: (خذ القرآن من أربعة).

    ثانيهم: أبي بن كعب سيد القراء، أي مؤمن على الجبلة يفرح بما يشعر أنه رحمة من الله، الله يقول: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58] قال صلى الله عليه وسلم لـأبي بن كعب : (إن الله جل وعلا أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة، قال: يا رسول الله! أوقد سماني الله لك؟ قال: نعم)، فانظر يا أخي أي فخر أرفع، وأي مقام أشرف من مثل هذا، أن الله جل وعلا يوصي نبيه ويسمي أبياً باسمه، ويأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ سورة البينة على هذا الصحابي الجليل، ما نالها إلا لما كان القرآن محتوي على قلبه، ولهذا يعد عند أهل العلم سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه.

    من خبر معاذ بن جبل

    ثم قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا القرآن من معاذ بن جبل)، ومعاذ هذا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم شاباً وكان كريماً، فاضطر أن يستدين حتى يقضي دينه، حتى حجر عليه، فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن هادياً يعلم الناس وجابياً للزكاة حتى يستزيد منها رضي الله عنه وأرضاه، وودعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو غاد إلى اليمن وقال له: (يا معاذ ! لعلك أن تأتي مسجدي وقبري)، وقوله عليه الصلاة والسلام هذا إشارة إلى أن معاذاً لن يدرك موت النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة.

    وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ رضي الله عنه وأرضاه في اليمن، ثم قدم معاذ المدينة بعد وفاة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فأتى القبر وسلم وبكى كما أخبر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

    ثم خرج مجاهداً إلى الشام، فأصاب الشام طاعون عمواس، أي: نسبة إلى مدينة اسمها عمواس التي أصابها طاعون، فعرف هذا الطاعون باسم تلك المدينة، وأضيف إليها، وقد مات فيه أبو عبيدة بن الجراح ، ثم مات معاذ رضي الله عنه وأرضاه بعد أن ذكر خطبة يبين فيها صبره على البلاء، وثقته برحمة رب الأرض والسماء، وهو قد تجاوز الثلاثين بقليل رضي الله عنه وأرضاه.

    من خبر سالم مولى أبي حذيفة

    وآخر أولئك المباركون سالم مولى أبي حذيفة ، وسالم من المهاجرين الأولين، وكان يصلي بالناس في المدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان من أحفظ الصحابة للقرآن، ومات رضي الله عنه وأرضاه شهيداً في اليمامة وقد قطعت يداه، فتلا قول الله جل وعلا: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، وقول الله تبارك وتعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146]، ثم قال: ما فعل أبو حذيفة وما فعل فلان وسمى رجلاً آخر؟ قيل له: استشهد! قال رضي الله عنه وأرضاه: فادفنوني بينهما، فدفن بين صحابيين رضي الله عنه وأرضاه.

    هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلوات الله وسلامه عليه: (المهدي مني يوافق اسمه اسمي، يحكم سبع سنين، يملأ الأرض عدلاً كما ملأت جوراً)، فـالمهدي أحد الرجال المنتظرون تاريخياً، وقد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عنه: (أقنى الأنف، أجنى الجبهة)، وأجنى الجبهة أي أن شعر الرأس منحسر عن اليمين وعن الشمال، وهذا الرجل يكون في آخر الزمان، واسمه محمد بن عبد الله الحسني عند أهل السنة، وهو من ذرية الحسن بن علي رضي الله عنه وأرضاه، وهو يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويكتب له الإمامة، فيبايع ما بين الركن والمقام.

    مذاهب الشيعة في المهدي

    والشيعة ينقسمون إلى أقسام: فالشيعة الإمامية الاثني عشرية يقولون: إن الإمام المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن العسكري ، وهو عندهم قد دخل في سرداب في مدينة سر من رأى، وهو الإمام الثاني عشر في مذهبهم، وأما الإسماعيلية فيقولون بأنه غير ذلك؛ لأنهم يفترقون عند إسماعيل هذا.

    والكيسانية فرقة من فرق الشيعة ظهرت في أيام الأمويين، وكانوا يزعمون أن المهدي هو محمد ابن الحنفية أخو الحسن والحسين غير الشقيق، يقول شاعرهم:

    ألا إن الأئمة من قريش حماة الدين أربعة سواء

    علي والثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء

    فسبط سبط إيمان وبر وسبط غيبته كربلاء

    وسبط لا يذوق الموت حتى يقود الخيل يقدمها اللواء

    مذهب أهل السنة في المهدي

    والذي عليه أهل السنة أن المهدي رجل من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يكون في آخر الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.

    وظاهر النصوص والعلم عند الله يدل على أن الأقصى يحرر قبل خروج المهدي ، ثم بعد ذلك تتكالب الأمم على هذه الأمة وقت خروج المهدي ، فيصلي المهدي بالناس في المسجد الأقصى، وتقام صلاة العصر، وفي الوقت الذي تقام فيه صلاة العصر قبل أن يتقدم المهدي للإمامة ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، فإذا طأطأ رأسه يظن من يراه أنه يقطر، وهو لم يخرج من ديماس، والديماس هو المكان الذي يتوضأ فيه، أي: ليس متوضئاً، قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع، يميل إلى الحمرة، يظهر كأن به بلل وإن لم يكن متوضئاً).

    وعندما ينزل عيسى يتأخر المهدي ، فيمتنع عيسى عن التقدم، ويتقدم المهدي ليصلي، وقد قيل في تعليلها والعلم عند الله: أن عيسى في قلبه الإنجيل، وأما المهدي ففي قلبه القرآن، والقرآن مقدم على الإنجيل، ومن هنا تعلم يا حافظ القرآن كله أو بعضه أي علم موجود في صدرك.

    فيتقدم المهدي فيصلي بالناس، ومع عيسى ابن مريم حربة يقتل بها الدجال، والدجال قد خرج في أيام المهدي ، لكن الله جل وعلا يقتله على يد عيسى ابن مريم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089484771

    عدد مرات الحفظ

    785563417