قراءة الفاتحة ركن في كل ركعة في الصلاة فرضاً كانت أو نافلة، وسواء أكان المصلي منفرداً أو إماماً أو مأموماً، ولا تصح صلاة لا تقرأ فيها فاتحة الكتاب.
في الراجح من أقوال الفقهاء.
قلت: جاء في الصحيح أنها نزلت والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وكان إذا رفع صوته بالقراءة سب المشركون القرآن ومن أنزله، وإذا خفض صوته بالقراءة لم يسمعه أصحابه، فأنزل الله: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ يعني: بقراءتك؛ لئلا يسب المشركون الرب، وَلا تُخَافِتْ بِهَا؛ لئلا تخفي ذلك عن أصحابك، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا يعني: بين الجهر وبين الإخفاء.
والمراد بقوله تعالى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ يعني: وقت صلاة الفجر، وسمى صلاة الفجر قرآناً؛ لأن أعظم أركانها القراءة، وكذا العكس نطلق الصلاة على القرآن، كما في حديث: (قسمت الصلاة) يعني: القراءة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمراد صلاة الفجر كما جاء مصرحاً به في الصحيحين: (أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار) فدل ذلك كله على أنه لابد من القراءة في الصلاة، وهو اتفاق من العلماء، ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني؛ وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة غير فاتحة الكتاب أم تجزئ هي أو غيرها؟ على قولين مشهورين: فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة ].
وهذا القول ضعيف، والصواب أنه لابد من قراءة الفاتحة ولا يقوم غيرها مقامها، وأما ما زاد عليها فغير واجب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والقول الثاني: أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ولا تجزئ الصلاة بدونها، وهو قول بقية الأئمة: مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء، واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور حيث قال صلوات الله وسلامه عليه: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج)، والخداج هو الناقص كما فسر به في الحديث: (غير تمام).
ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم أنها تجب قراءتها في كل ركعة، وقال آخرون: إنما تجب قراءتها في معظم الركعات، وقال الحسن وأكثر البصريين: إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات أخذاً بمطلق الحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ].
قلت: الصواب أنها ركن في كل ركعة للإمام والمنفرد، فأما المأموم ففيه خلاف، لكن الإمام والمنفرد يجب عليه أن يقرأ الفاتحة في كل ركعة، ولا تصح الصلاة إلا بقراءتها في كل ركعة، فهذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص.
أما البخاري وجماعة فيرون أنها لا تسقط بكل حال، حتى لو جاء والإمام راكع فإنه يقضي هذه الركعة؛ لعموم حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقد ألف البخاري جزءاً في هذا سماه (جزء القراءة).
كذلك إذا كان الإمام يطيل الاستفتاح فإنه يشرع للمأموم أن يقرأ الفاتحة أثناء ذلك، ولا يعد ذلك مسابقة؛ لأن المسابقة تكون في الركوع والسجود لا في القراءة.
حكم قراءة المأموم للفاتحة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الوجه الثالث: هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنه تجب عليه قراءتها كما تجب على إمامه؛ لعموم الأحاديث المتقدمة.
والثاني: لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها لا في صلاة الجهرية ولا في صلاة السرية؛ لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)، ولكن في إسناده ضعف، ورواه مالك عن وهب بن كيسان عن جابر من كلامه، وقد روي هذا الحديث من طرق ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.