الرحمن الرحيم من أسماء الله تعالى الحسنى، وهما اسمان مشتقان يدلان على الرحمة، والرحمن اسم خاص بالله تعالى لا يطلق على غيره، وأما الرحيم فهو اسم مشترك يطلق على الله وعلى غيره، وقد اختلف أهل العلم في تفسيرهما والفرق بينهما اختلافاً كثيراً.
الرحمن والرحيم اسمان مشتقان من الرحمة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ[الفاتحة:3] اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا ].
الرحمن والرحيم: اسمان لله عز وجل، وهما مشتقان، ومشتملان على صفة الرحمة، والرحمن خاص بالله لا يطلق إلا عليه، ولهذا لما تسمى مسيلمة بالرحمن لصق به اسم الكذب، فلا يذكر اسم مسيلمة إلا ويقال: مسيلمة الكذاب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام أنه قال: والرحمن رحمان الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال: وإنكار العرب لاسم الرحمن لجهلهم بالله وبما وجب له، قال القرطبي : ثم قيل: هما بمعنى واحد كندمان ونديم].
أي: أن الرحمن والرحيم معناهما واحد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قاله أبو عبيد، وقيل: ليس بناء فعلان كفعيل، فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل، نحو قولك: رجل غضبان، للرجل الممتلئ غضباً، وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول، قال أبو علي الفارسي : الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين، قال الله تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا[الأحزاب:43].
وقال ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، أي: أكثر رحمة. ثم حكي عن الخطابي وغيره: أنهم استشكلوا هذه الصفة وقالوا: لعله أرفق كما في الحديث: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وأنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف.
فهذا الحديث قد تشهد لها أصول الشريعة، فلابد من سؤال الله في الصلاة مثلاً: رب اغفر لي، فالمعنى له أصل ولابد للمسلم أن يسأل الله، ولا يمكن أن يظل طوال عمره لا يسأل ربه.
فالرحمن رحمة تشمل المؤمنين والكفار، والرحيم رحمة خاصة بالمؤمنين، كما قال سبحانه: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا[الأحزاب:43]، فالله تعالى رحم المؤمنين رحمة خاصة، فهداهم ووفقهم للإيمان وتاب عليهم.
والرحمن رحمته عامة تشمل المؤمنين والكفار، فمن رحمته بالكفار أن خلقهم وأوجدهم ورزقهم، ومن رحمته بهم أنه لم يعاجلهم بالعقوبة، فهم يعبدون غيره ويشركون به ومع ذلك يحلم عليهم سبحانه وتعالى ويرحمهم.
ومعنى أن الرحمن أشد مبالغة أي: فيه مبالغة في المعنى من بلوغ الشيء نهايته، فقد بلغت الرحمة كمالها ونهايتها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قالوا: فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه والرحيم خاصة بالمؤمنين، لكن جاء في الدعاء المأثور (رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما).
معنى تجهرم: هاجم الاسم الكريم، ويحتمل أنها: تجهضم. وهذا من غطرسته وكبريائه وجبروته وجرأته العظيمة.
والحضر من أهل المدر أي: الطين، وهي بيوت الطين التي يسكنها أهل المدن، والبوادي بيوت من خيام، فأصبح معروفاً بالكذب بين البوادي وبين أهل المدن.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن؛ لأنه أكد به والمؤكد لا يكون إلا أقوى من المؤكد ].
وهذا القول ضعيف.
حكم التسمي بأسماء الله عز وجل
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والجواب: أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت، ولا يلزم فيه ما ذكروه، قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسم به أحد غيره، ووصفه أولاً بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره، كما قال تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الإسراء:110]، [الإسراء: 110].
وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به، ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة.
فوصف المخلوق بأنه سميع بصير، ووصف نفسه بأنه سميع بصير، ولكن ليس السمع كالسمع ولا البصر كالبصر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والحاصل: أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره، كاسم الله والرحمن والخالق والرازق ونحو ذلك ].
فهذه الأسماء لا يسمى بها إلا الله، وهي: الله والخالق والرازق، ومالك الملك، ومدبر الأمور، والمعطي والمانع، والضار والنافع، وأما السميع والبصير والعزيز والملك والحليم والرءوف فقد يسمى بها غيره.
تابع معنى اسمي الله عز وجل: (الرحمن والرحيم)
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلهذا بدأ باسم الله ووصفه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم؛ لأن التسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص.
فإن قيل: فإذا كان الرحمن أشد مبالغة فهلا اكتفى به عن الرحيم؟ فقد روي عن عطاء الخراساني ما معناه: أنه لما تسمى غيره تعالى بالرحمن جيء بلفظ الرحيم ليقطع الوهم بذلك، فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى. كذا رواه ابن جرير عن عطاء ووجهه بذلك، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فقرأ بعضهم كذلك وهم طائفة، ومنهم من وصلها بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2]، وكسرت الميم؛ لالتقاء الساكنين، وهم الجمهور ].