إسلام ويب

تفسير سورة البقرة [125-126]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أخبر الله تعالى بما أمر به إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من تطهير البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود؛ وذلك من الشرك والأقذار الحسية والمعنوية، ثم دعوة إبراهيم عليه السلام أن يجعل مكة بلداً آمناً، وأن يرزق أهلها من الثمرات والخيرات، وذلك لمن آمن بالله واليوم الآخر، وأما من كفر فإنه يمتع قليلاً ثم يضطر إلى عذاب النار.
    قال الله تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125].

    قال المؤلف رحمه الله: [ قال الحسن البصري : قوله: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ [البقرة:125] قال أمرهما الله أن يطهراه من الأذى والنجس ولا يصيبه من ذلك شيء، وقال ابن جريج : قلت لـعطاء: ما عهده؟ قال: أمره. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيم [البقرة:125] أي: أمرناه، كذا قال، والظاهر أن هذا الحرف إنما عدي بإلى؛ لأنه في معنى تقدمنا وأوحينا ].

    سمى (عهدنا) حرفاً؛ لأن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال سعيد بن جبير : عن ابن عباس قوله: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ [البقرة:125] قال: من الأوثان، وقال مجاهد: وسعيد بن جبير: طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [البقرة:125] أن ذلك من الأوثان والرفث وقول الزور والرجس ].

    يعني: تطهير البيت من النجاسات والأذى، وأعظم من ذلك تطهيره من الشرك والأوثان والمعاصي.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال ابن أبي حاتم : وروي عن عبيد بن عمير وأبي العالية وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وقتادة أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ [البقرة:125] أي: بلا إله إلا الله من الشرك.

    وأما قوله تعالى : لِلطَّائِفِين [البقرة:125] فالطواف بالبيت معروف، وعن سعيد بن جبير أنه قال في قوله تعالى: لِلطَّائِفِين [البقرة:125] يعني من أتاه من غربة وَالْعَاكِفِينَ [البقرة:125] المقيمين فيه، وهكذا روي عن قتادة والربيع بن أنس أنهما فسرا العاكفين بأهله المقيمين فيه، كما قال سعيد بن جبير ، وقال يحيى القطان : عن عبد الملك هو ابن أبي سليمان عن عطاء في قوله: وَالْعَاكِفِينَ [البقرة:125] قال: من انتابه من الأمصار فأقام عنده، وقال لنا ونحن مجاورون: أنتم من العاكفين. وقال وكيع : عن أبي بكر الهذلي عن عطاء عن ابن عباس قال: إذا كان جالسا فهو من العاكفين.

    وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبي أخبرنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت قال: قلت لـعبد الله بن عبيد بن عمير : ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد الحرام؛ فإنهم يجنبون ويحدثون، قال: لا تفعل، فإن ابن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون ].

    الطائف هو الغريب، والعاكف هو المقيم في الحرم، فقوله: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِين [البقرة:125] أي: الغرباء.

    وأما الطهارة للطواف فبعض العلماء يرون اشتراط الطهارة له، ويستدلون بما روي عن ابن عباس أنه قال: الطواف بالبيت الحرام صلاة إلا أنه أبيح فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير. وبأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وطاف.

    وبعض العلماء يرون عدم اشتراط الطهارة في الطواف، والذين اشترطوا الطهارة في الطواف منهم من قال: إنه واجب، ومنهم من قال غير واجب، وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يرى وجوب الطهارة، وهو مذهب الأحناف.

    و عطاء الذي يروي عن ابن عباس هنا هو عطاء الخراساني، فيكون منقطعاً.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ورواه عبد بن حميد عن سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة به.

    قلت: وقد ثبت في الصحيح: أن ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عزب].

    (عزب) يعني: غير متزوج، يقال: عَزَب وأعزب.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما قوله تعالى: وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125] فقال وكيع عن أبي بكر الهذلي عن عطاء عن ابن عباس : وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125] قال: إذا كان مصلياً فهو من الركع السجود، وكذا قال عطاء وقتادة.

    قال ابن جرير رحمه الله: فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين، والتطهير الذي أمرهما به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه، ومن الشرك، ثم أورد سؤالاً فقال: فإن قيل: فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيء من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ وأجاب بوجهين: أحدهما: أنه أمرهما بتطهيره مما كان يعبد عنده زمان قوم نوح من الأصنام والأوثان، ليكون ذلك سنة لمن بعدهما، إذ كان الله تعالى قد جعل إبراهيم إماماً يقتدى به، كما قال عبد الرحمن بن زيد : أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ [البقرة:125] قال: من الأصنام التي يعبدون التي كان المشركون يعظمونها.

    قلت: وهذا الجواب مفرع على أنه كان يعبد عنده أصنام قبل إبراهيم عليه الصلاة السلام، ويحتاج إثبات هذا إلى دليل عن المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم ].

    يعني: هل قوم نوح كانوا في مكة يعبدون الأوثان؟ هذا يحتاج إلى دليل.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الجواب الثاني: أنه أمرهما أن يخلصا في بنائه لله وحده لا شريك له، فيبنياه مطهراً من الشرك والريب، كما قال جل ثناؤه : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ [التوبة:109]، قال: فكذلك قوله: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ [البقرة:125] أي: ابنياه على طهر من الشرك بي والريب، كما قال السدي : أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ [البقرة:125] ابنيا بيتي للطائفين.

    وملخص هذا الجواب أن الله تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له للطائفين به والعاكفين عنده، والمصلين إليه من الركع السجود، كما قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج:26] الآيات.

    وقد اختلف الفقهاء أيهما أفضل الصلاة عند البيت أو الطواف به ؟ فقال مالك رحمه الله: الطواف به لأهل الأمصار أفضل، وقال الجمهور: الصلاة أفضل مطلقاً، وتوجيه كل منهما يذكر في كتاب الأحكام ].

    إنكار الله على المشركين عند بيته، وعلى أهل الكتاب في عدم حجهم إلى البيت

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمراد من ذلك الرد على المشركين الذين كانوا يشركون بالله عند بيته المؤسس على عبادته وحده لا شريك له، ثم مع ذلك يصدون أهله المؤمنين عنه، كما قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، ثم ذكر أن البيت إنما أسس لمن يعبد الله وحده لا شريك له إما بطواف أو صلاة، فذكر في سورة الحج أجزاءها الثلاثة: قيامها وركوعها وسجودها، ولم يذكر العاكفين؛ لأنه تقدم: سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ [الحج:25]، وفي هذه الآية الكريمة ذكر الطائفين والعاكفين، واكتفى بذكر الركوع والسجود عن القيام؛ لأنه قد علم أنه لا يكون ركوع ولا سجود إلا بعد قيام، وفي ذلك أيضاً رد على من لا يحجه من أهل الكتابين: اليهود والنصارى؛ لأنهم يعتقدون فضيلة إبراهيم الخليل وإسماعيل، ويعلمون أنه بنى هذا البيت للطواف في الحج والعمرة وغير ذلك، وللاعتكاف والصلاة عنده، وهم لا يفعلون شيئاً من ذلك، فكيف يكونون مقتدين بالخليل وهم لا يفعلون ما شرع الله له؟! وقد حج البيت موسى بن عمران وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما أخبر بذلك المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، وتقدير الكلام إذاً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ [البقرة:125] أي: تقدمنا بوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل، أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ [البقرة:125] أي: طهراه من الشرك والريب، وابنياه خالصاً لله معقلاً للطائفين والعاكفين والركع السجود، وتطهير المساجد مأخوذ من هذه الآية الكريمة، ومن قوله تعالى : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [النور:36]، ومن السنة من أحاديث كثيرة من الأمر بتطهيرها وتطييبها، وغير ذلك من صيانتها من الأذى والنجاسات وما أشبه ذلك، ولهذا قال عليه السلام: (إنما بنيت المساجد لما بنيت له)، وقد جمعت في ذلك جزءاً على حدة ولله الحمد والمنة ].

    أي أن الحافظ ابن كثير رحمه الله جمع ما يتعلق بالمساجد في جزء خاص.

    أقوال المفسرين في أول من بنى مكة

    قال المؤلف رحمه الله: [ وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة، فقيل: الملائكة قبل آدم، روي هذا عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين ذكره القرطبي وحكى لفظه، وفيه غرابة، وقيل: آدم عليه الصلاة السلام، رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وسعيد بن المسيب وغيرهم، أن آدم بناه من خمسة أجبل: من حراء، وطور سيناء، وطور زيتا، وجبل لبنان، والجودي، وهذا غريب أيضاً.

    وروي عن ابن عباس وكعب الأحبار وقتادة وعن وهب بن منبه : أن أول من بناه شيث عليه السلام، وغالب من يذكر هذه إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب، وهي مما لا يصدق ولا يكذب، ولا يعتمد عليها بمجردها، وأما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين ].

    يعني: أنه لا دليل على ذلك، وإنما الدليل الذي ذكره الله في كتابه أن أول من بناه إبراهيم، وأما الأقوال أن أول من بنى الكعبة آدم أو الملائكة أو غيرهم فليس عليها دليل، وإنما هو من أخبار بني إسرائيل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088797527

    عدد مرات الحفظ

    779103152