إسلام ويب

تفسير سورة البقرة [163-171]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثيراً ما يستدل الله تعالى بربوبيته التي يقر بها المشركون من خلق ورزق وتدبير على ألوهيته وإفراده بالعبادة وحده، فكما أنه الخالق الرازق المدبر وحده فهو المستحق لجميع أنواع العبادة وحده، وقد ذكر الله تعالى عن المشركين أنهم كانوا لا يعقلون، فإذا أمروا باتباع هذا الدين الحق الواضح احتجوا باتباع الآباء والأجداد، مع أن آباءهم كانوا في ضلال وانحراف، وكان الشيطان قد سلك بهم سبيله.
    قال الله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يخبر تعالى عن تفرده بالإلهية وأنه لا شريك له ولا عديل له، بل هو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا إله إلا هو وأنه الرحمن الرحيم.

    وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول الفاتحة.

    وفي الحديث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1-2])، ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بخلق السموات والأرض وما فيهما وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته، فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] ].

    هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] من الآيات العظيمة المحكمة الدالة على وحدانية الله عز وجل، وأنه المعبود بحق، فكما أنه الخالق الرازق الواحد المدبر الذي لا شريك له في الخلق، ولا شريك له في الربوبية، ولا في الملك ولا في التدبير، فكذلك لا شريك له في العبادة والألوهية، فهو الإله الحق سبحانه وتعالى.

    ومعنى قوله سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] أي: لا معبود بحق سواه، فالعبادة حق الله عز وجل كالدعاء والصلاة والزكاة والصوم والحج والذبح والنذر والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والخوف والرجاء والتوكل وغيرها من أنواع العبادات، ولا يتصرف بنا غيره لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فهو المعبود بالحق لا شريك له، وهو المنفرد بالألوهية فلا يشاركه فيها أحد.

    وحق الرسول عليه الصلاة والسلام هو الطاعة والتوقير والمحبة وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والرسل أحق بالطاعة والاتباع والمحبة والاقتداء بأفعالهم وأقوالهم الطيبة، فالله تعالى أحق بالعبادة، والمنفرد بالألوهية والعبادة فلا يستحق العبادة غيره، فالدعاء والذبح والنذر والاستعاذة والاستغاثة والصلاة والصوم والركوع والسجود حق الله، فلا تصرف لغيره لا لجبريل ولا لمحمد ولا لغيرهما.

    وكما أنه المنفرد في الربوبية فلا رب غيره، وكما أنه منفرد بالملك فلا مالك غيره، وكما أنه المنفرد بالتدبير فلا مدبر غيره فكذلك هو المنفرد بالألوهية.

    وهذه الآية المحكمة فيها الرد على النصارى الذين يتعلقون بالمتشابه فيقولون بتعدد الآلهة وأنها ثلاثة والعياذ بالله، فأهل الزيغ يأخذون بالمتشابه، وأهل الحق يردون المتشابه إلى المحكم، وهو قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، فهذه الآية تقطع شبهة النصراني وغيره؛ لأنها آية محكمه.

    كذلك أيضاً قد يتعلق الجهمية والمعطلة بقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84]، فيقولون: إن الله في كل مكان تعالى الله عما يقولون، فهم من أهل الزيغ، وأما أهل الحق فيقولون بأنه معبود في الأرض وفي السماء، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى، والآيات المحكمة واضحة في أن الله فوق العرش وأنه مستوٍ على العرش، قال تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]، وقال تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، وأدلة العلو تزيد على ثلاثة آلاف دليل.

    ثم استدل سبحانه وتعالى على أنه المعبود بحق بتوحيد الربوبية، كما في هذه الآية إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164].

    فهذا الدليل يدل على استحقاقه للعبادة، وكثيراً ما يستدل سبحانه وتعالى بتوحيد الربوبية الذي يقر به المشركون على توحيد الألوهية، فكما أنهم يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر، فيجب عليهم أن يعبدوه وحده سبحانه، كما قال سبحانه في الآية الأخرى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21]، فتوحيد الربوبية دليل على توحيد الألوهية، وكما في قوله سبحانه وتعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:60]، أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النمل:61]، وهكذا فيستدل سبحانه وتعالى بتوحيد الربوبية الذي يقر به المشركون على توحيد الألوهية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088799473

    عدد مرات الحفظ

    779114248