فالاستسمان والاستعظام من تعظيم شعائر الله، أي: كونه يختار من الهدي أو من الأضحية السمينة الحسنة الجميلة والعظيمة والكبيرة الجسم، فهذا من تعظيم شعائر الله؛ لأن السمينة كثيرة اللحم، والجميلة تكون محبوبة ومرغوبة، فكل هذا من تعظيم شعائر الله، وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، أي: أنه دليل على التقوى.
فكلما كانت الهدايا والأضاحي أسمن، وأغلى ثمناً، وأكثر لحماً وأعطى للفقراء فهو أفضل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال أبو أمامة بن سهل : كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون، رواه البخاري .
أي أن الموجوء مقطوع الخصيتين، وقيل: هو الذي رض خصيتاه، وهذا يدل على أن الخصي قد يكون أفضل؛ لأن هذا يفيده، فإنه إذا رض خصيتاه أو قطعا سمن.
وفي الرواية الأخيرة الصحيح أن نقول: قيل هما الخصيان، وليس الخصيين.
وورد أكثر من حديث فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى مرة بكبش وأخرى بكبشين؛ فيدل على أن هذا سنة وهذا سنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام في المدينة عشر سنوات، كل سنة يضحي، إلا في سنة حجة الوداع فإنه حج، فمرة ضحى بكبش، وأخرى ضحى بكبشين موجوءين، فلا مانع من اعتبار كل ذلك سنة.
الأعضب: المقطوع النصف من القرن أو الأذن، فإذا كان مقطوع النصف فأكثر فهذا أعضب القرن أو أعضب الأذن، ولا يجزئ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال بعض أهل اللغة: إن كسر قرنها الأعلى فهي قصماء فأما العضب فهو كسر الأسفل، وعضب الأذن: قطع بعضها، وعند الشافعي : أن التضحية بذلك مجزئة لكن تكره، وقال الإمام أحمد : لا تجزئ الأضحية بأعضب القرن والأذن لهذا الحديث، وقال مالك : إن كان الدم يسيل من القرن لم يجزئ، وإلا أجزأ، والله أعلم. وأما المقابلة فهي التي قطع مقدم أذنها، والمدابرة: من مؤخر أذنها، والشرقاء: هي التي قطعت أذنها طولاً قاله الشافعي والأصمعي ، وأما الخرقاء فهي التي خرقت السمة أذنها خرقاً مدوراً، والله أعلم ].
والسمة: الوسم، أي: العلامة، وقوله: التي خرقت السمة أي: هي التي عندما توسم يخرقها الوسم، ويكون هذا الخرق مدوراً.
وفي التضحية بمقطوعة الأذن خلاف مشهور، والأقرب أنه إذا كان قطع من الأذن أو من القرن أكثر من النصف فأكثر فيجتنب احتياطاً، أما إذا كان أقل من النصف فلا.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهذه العيوب تنقص اللحم لضعفها وعجزها عن استكمال الرعي؛ لأن الشاء يسبقونها إلى المرعى فلهذا لا تجزئ التضحية بها عند الشافعي وغيره من الأئمة كما هو ظاهر الحديث ].
الشاء تكون فيها هذي العيوب الأربعة: العوراء البين عورها فتسبقها الغنم؛ لكونها لا تبصر، وتسبق إلى المرعى، ولا ترعى الرعي الجيد، فتكون ضعيفة، وكذلك العرجاء البين ضلعها تسبقها الغنم، ولا تستطيع المشي مع الصحاح فيسبقونها إلى العلف، وإلى المرعى الجيد فتكون ضعيفة، والهزيلة التي لا مخ فيها كذلك، والمريضة البين مرضها بسبب المرض تسبقها الغنم، فهذه العيوب تنقصها وتضعفها عن الرعي، فتكون ضعيفة الخلقة هزيلة.
لا يجوز للإنسان أن يشتري الأضحية وفيها هذه العيوب، لكن إذا اشتراها ثم طرأ عليها العيب ففيه خلاف: عند الشافعي تجزئ؛ لأنه عيَّنها، وعند أبي حنيفة لا تجزئ.
هو أهداها لله، وللبيت الحرام، أي: قال: هذه هدية تذبح في البلد الحرام لله، فلما أهداها أعطاه إنسان بها ثلاثمائة دينار فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! أبيعها وأشتري بثلاثمائة دينار بدنة (فقال: لا انحرها إياها)، أي: انحرها هي، وما دام عينتها لله لا تبعها، ولو أعطيت ثلاثمائة دينار، لو ....... من ثمنها نعم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما البدن من شعائر الله، وقال محمد بن أبي موسى : الوقوف، ومزدلفة، والجمار، والرمي، والحلق، والبدن، من شعائر الله.
ابن عباس قالوا أنه يرى وجوب التمتع، ويقول: كل من طاف وسعى فقد حل شاء أم أبى، فلا يرى الإفراد ولا يرى القرآن، أي: كل حاج يجب عليه التمتع، فيطوف ويسعى ويتحلل بالعمرة ثم يحرم بالحج.
وهذه البدنة لأنها مهداة تذبح هي وولدها، وكلهم يذبحوا لله.
وله أن يركبها، وأن يشرب من لبنها؛ لأن اللبن يؤذيها فلا يتركه، بل يشرب ويوزع، وإذا كان لها ولد يأخذ ما فضل عن ولدها.
تفسير قوله تعالى: (ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله ...)
الحديث السابق ضعيف جداً، ولا شك أن الأضاحي والهدايا فيها أجر وثواب عظيم، لكن التخصيص بكل شعرة حسنة بهذا الحديث ضعيف.
وهي ثابتة بالقرآن كما قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ[الحج:78] ويكفي العمل بالسنة، فمن عمل بالسنة فله أجر عظيم، وله ثواب كبير، لكن غير مقدر والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وعن الحسن البصري وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وإنما حذفت النون ها هنا تخفيفاً، ولو حذفت للإضافة لوجب خفض الصلاة، ولكن على سبيل التخفيف فنصبت، أي: المؤدين حق الله فيما أوجب عليهم من أداء فرائضه وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[الحج:35]، أي: وينفقون ما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأقاربهم وفقرائهم ومحاويجهم ويحسنون إلى الخلق مع محافظتهم على حدود الله، وهذه بخلاف صفات المنافقين فإنهم بالعكس من هذا كله كما تقدم تفسيره في سورة براءة ].