ديننا الإسلامي هو دين النظافة ودين الأدب، وقد حثنا الله تعالى ورسوله على عدة آداب حتى في التخلي، فمن ذلك: عدم السلام حال البول، والنهي عن الاستطابة بالعظم أو الروث، وعدم استقبال القبلة أو استدبارها حال البول في الصحراء والفضاء، وعدم الاستنجاء باليمين، والابتعاد عن أعين الناس، وكذلك ألا يستجمر بأقل من ثلاثة أحجار، وغير ذلك من الآداب.
حكم السلام على من يبول
شرح حديث: (مر رجل على النبي وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام...)
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب السلام على من يبول.
هذا الحديث فيه دليل على أنه لا يسلم على من يبول، ومن سلم فلا يستحق الرد؛ لأن مكان البول ليس محلاً للسلام، حتى يقضي الإنسان حاجته، وإذا سلم عليه فلا يرد، فإن سُلِّم عليه ثم توضأ فلا بأس بأن يرد إذا بقي المسلم كما سيأتي.
هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة ووفيه أنه إذا بقي المسلَّم حتى يتوضأ المسلَّم عليه فإنه يرد عليه السلام، وأما إذا ذهب فإنه لا يرد عليه؛ لأنه سلم في وقت لا يستحق أن يرد عليه فيه، ولا يسلم على من يقضي حاجته، فإن سلم وبقي ورد عليه على ما جاء في هذا الحديث فلا بأس.
و حضين بضم الحاء المهملة، وفتح الضاد المعجمة، ثم مثناة تحتية ثم نون، قال أبو أحمد العسكري : لا أعرف من يسمى حضيناً بالضاد غيره.
النهي عن الاستطابة بالعظم
شرح حديث ابن مسعود في النهي عن الاستطابة بعظم أو روث
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الاستطابة بالعظم.
هذا فيه تحريم استقبال القبلة واستدبارها، وهذا في غير البنيان؛ لأن البنيان جاء ما يدل على الجواز فيه، وفيه النهي عن الاستنجاء باليمين، فلا يجوز للإنسان أن يستنجي باليمين إلا للضرورة؛ لأنها محل التكريم، وفيه تحريم الاستجمار بالروث والعظم، فالحديث دل على هذه الأحكام: تحريم استقبال القبلة واستدبارها، تحريم الاستنجاء باليمين، وتحريم الاستجمار بالعظم والروث.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة، والنهي عن الاستجمار بالعظم ثابت في الصحيحين.
النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار
شرح حديث حديث سلمان في النهي عن الاكتفاء بأقل من ثلاثة أحجار
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الاكتفاء بالاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار.
قوله: (إن صاحبكم ليعلمكم...) أي: أنه صلى الله عليه وسلم علمهم كل شيء حتى أحكام الاستنجاء والاستجمار.
وفيه النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، والنهي عن الاستنجاء باليمين، وفيه أنه لا يستجمر بأقل من ثلاثة أحجار إذا أراد المرء الاكتفاء بها، وأما إذا أراد أن يستنجي بالماء فلا بأس بأن يستجمر معه بحجر أو بحجرين، إنما النهي عن الاكتفاء بأقل من ثلاثة أحجار إذا أراد أن يكتفي بها عن الماء؛ إذ لابد من أن تكون ثلاثة أحجار، والحجر الواحد والحجران لا يكفيان، فلابد من أن تكون هذه الأحجار الثلاثة منقية، فإن لم تنق زاد حجراً رابعاً، فإذا زاد حجراً رابعاً وأنقى، فالأفضل أن يزيد خامساً، فإن لم ينق في الخامسة زاد حجراً سادساً، فإن أنقى في السادسة استحب له أن يزيد سابعاً؛ حتى يقطع على وتر، لحديث (ومن استجمر فليوتر).
فشروط الاستجمار بالأحجار ونحوها هي: ألا يكتفي بما دون ثلاثة أحجار، وأن يحصل الإنقاء، إلا أن يبقى أثر يسير لا يزيله إلا الماء، وألا يتجاوز الخارج موضع العادة، فإن تجاوز الخارج موضع العادة فلا يجزيه إلا الماء.
ويرى العلماء في تعدد الأحجار أنه إذا استجمر بحجر له ثلاث شعب كفاه؛ لأنه بمثابة ثلاثة أحجار.
الرخصة في الاستطابة بحجرين
شرح حديث ابن مسعود في أمر النبي إياه بأن يأتيه بثلاثة أحجار
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الرخصة في الاستطابة بحجرين.
هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، فأتى بحجرين ولم يجد ثالثاً، فأخذ روثة، وفي اللفظ الآخر: أنها روثة حمار، فأخذ صلى الله عليه وسلم الحجرين وألقى الروثة، وقال: (إنها ركس).
وقد استدل به المؤلف رحمه الله على الرخصة في الاستجمار بالحجرين، وأن النبي استجمر بحجرين، لكن هذا ليس بجيد وهذه الترجمة ليست جيدة؛ لأنه قال: (ائتني بثلاثة أحجار)، فكونه ألقى الروثة لا يدل على أنه اكتفى بحجرين، ويدل على ذلك ما جاء في رواية أحمد أنه صلى الله عليه وسلم ألقى الروثة وقال: (ائتني بحجر).
فترجمة النسائي عن الرخصة في الاستطابة بحجرين ليست بجيدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما اكتفى بحجرين بل قال: (ائتني بثلاثة) ولما ألقى الروثة قال -كما في رواية أحمد -: (ائتني بحجر).
وكأن المؤلف رحمه الله غاب عنه ما جاء في رواية الإمام أحمد ، وكذلك أيضاً ما انتبه إلى أول الحديث، فإن فيه: (ائتني بثلاثة أحجار).
وإذا كان طلب ثلاثة فأتي بحجرين فلابد من أن يكمل الثالث، حتى ولو لم تأت رواية أحمد وغيره، فكيف إذا جاء في رواية أحمد : (ائتني بحجر)، وعند غيره (فائتني بغيرها).
فإذا أراد المرء أن يكتفي بالحجارة عن الماء فلابد من ثلاثة، ولا يكفي اثنان، وأما إذا كان يريد أن يستنجي بعد ذلك بالماء فالأمر في هذا واسع.
وتفسير النسائي رحمه الله الرجس بأنه زاد الجن أيضاً ليس بجيد، وكأنه أخذه من قوله : (فإنه زاد إخوانكم).
والركس هو النجس، فقوله: (إنها ركس) يعني: أنها نجس، ولاسيما إذا كانت روثة حمار، وأما إذا كانت روثة ما يؤكل لحمه فلا تكون ركساً، وإنما تكون طعاماً لدواب الجن يعود إليه حبه، فتفسير النسائي بأن الركس زاد الجن ليس بجيد؛ لأن الركس هو النجس،وذلك يصدق على روثة الحمار.
استدل بهذا الحديث المؤلف رحمه الله تعالى على الاكتفاء بحجر واحد، وهذا ليس بجيد؛ إذ ليس فيه تصريح بأنه يستجمر بحجر واحد، وإنما أخذه من كون الحجر الواحد وتراً، والصحيح أنه لا يكتفي المرء بواحد إذا أراد أن يكتفي به عن الماء، بل ولا يكتفي باثنين، فلابد من أن يكون المستجمر به ثلاثة أحجار، وأما إذا أراد أن يتبع الحجارة بالماء فالأمر في هذا واسع.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استجمرت فأوتر) يقيده الحديث الآخر، وهو أنه لابد من ألا يكون الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار، ولكن يوتر إذا زاد على الثلاثة، فإذا اكتفى بأربعة يوتر بحجر خامس؛ حتى يقطع على وتر، وإذا أنقى بستة أحجار زاد حجراً سابعاً حتى يقطع على وتر، وأما أن يكتفي بحجر واحد فلا؛ إذ لا يكفي الحجر ولا الحجران.
هذا الحديث استدل به المؤلف على أنه يكتفى بالأحجار دون غيرها، وهذا ليس بجيد أيضاً؛ فإنه ليس الاستجمار خاصاً بالأحجار، بل يجوز بالأحجار، أو بالطين المتحجر، أو بالخشب، أو بالمناديل، أو بالورق الخشن ثلاث مسحات، فإنها تقوم مقام الأحجار.
فالاستجمار ليس خاصاً بالأحجار، بل يشمل ما ينقي إلا الروث والعظم، وكذلك ما كان كالزجاج الأملس، فهذا لا ينقي، وإنما يستجمر بشيء مما ينقي، كالأحجار، والطين المتحجر، ومناديل الورق الخشن، والخشب وما أشبه ذلك.
ويمنع كذلك الاستجمار بالشيء المحترم، ككتب العلم وما فيه ذكر الله تعالى، ويكره العلماء أن يستنجي بشيء من الدواب، كذيل البقرة ونحوه.
الاستنجاء بالماء
شرح حديث أنس في حمله الإداوة من الماء ليستنجي بها النبي صلى الله عليه وسلم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الاستنجاء بالماء.
هذا الحديث فيه مشروعية الاستنجاء بالماء، والاستنجاء بالماء هو الأفضل، وقد كان بعض العرب يستنكرون الاستنجاء بالماء ويرون الاستجمار بالحجارة، حتى إنه روي عن بعض التابعين أو غيرهم أنه أنكر الاستنجاء بالماء فقال: إنه لا يعرف الاستنجاء بالماء، وهذا ليس بجيد، والصواب أن الاستنجاء بالماء أبلغ من الاستجمار بالحجارة، وإذا جمع بينهما فهو أفضل، ويلي ذلك الاستنجاء بالماء، ثم الاستنجاء بالحجارة.
فهذه ثلاثة أحوال، والجمع بينهما أفضل، والحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود .
شرح حديث عائشة: (مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء ...)
قولهم: (إن صاحبكم) يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، (يعلمكم الخراءة) أي: أحكام الاستنجاء.
قوله: (أجل نهانا أن يستنجى أحدنا بيمينه، ويستقبل القبلة، وقال: لا يستجمر أحدكم بدون ثلاثة أحجار) يعني: إذا أراد الاقتصار عليها دون استعمال الماء فإنه لا يكتفي بأقل من ثلاثة أحجار، حتى ولو أنقى، فلابد من أن تكون الأحجار ثلاثة، فإن أنقى باثنين فلابد من ثالث، فإن لم ينق زاد رابعاً، فإن أنقى بأربعة أستحب له أن يزيد المرة الخامسة حتى يقطع على وتر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن استجمر فليوتر)، ولابد مع ذلك ألا يتجاوز الخارج موضع العادة، وأن يكون ما يستجمر به أحجار أو طين متحجر أو خشب أو مناديل من الورق، وليس فيه عظم ولا روث؛ لأن العظم والروث زاد إخواننا من الجن كما جاء في الحديث.
وكذلك لا يكون فيه شيء محترم، ككتب العلم والطعام، وما فيه ذكر الله، ولا يكون مما لا ينقي كالزجاج أو ما أشبه ذلك.
دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء
شرح حديث أبي هريرة في دلك النبي يده بالأرض بعد الاستنجاء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء.
هذا الحديث فيه استحباب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء، فإذا استنجى المرء بالماء ولم يستجمر بالحجارة فإنه قد يكون في يده شيء من رائحة الغائط، فيستحب له أن يدلكها بالأرض حتى يزيل الرائحة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدلكها بالأرض، أو يضرب الجدار؛ إذ كان الجدار من طين، لكن إذا كانت الأرض مبلطة، وكذلك الجدران؛ فإنه يستعمل ما ينوب عن التراب كالصابون مثلاً، وهذا من باب الاستحباب.