دين الإسلام هو دين النظافة، فلم يترك باباً فيه دعوة إلى نظافة المسلم في نفسه إلا وحثه عليه، ومن ذلك الحض على السواك في سائر الأوقات وعلى وجه الخصوص عند القيام من النوم ودخول البيت وعند الوضوء.
ما جاء في السواك
شرح حديث :(لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء ...)
قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على المؤمنين) الأمر بالسواك على الاستحباب، ويندب عند كل صلاة وعند الوضوء، وعند دخول البيت، وعند تغير الفم.
وللسواك فوائد عظيمة، حتى أوصلها بعض العلماء إلى أكثر من مائة فائدة، ومنها: أن المواظب عليه يذكر الشهادة عند الموت، وفي الحديث: (السواك مطهرة للفهم مرضاة للرب) .
والحديث أخرجه البخاري وليس فيه تأخير العشاء، ومسلم مقتصراً على السواك.
قوله: (قال: قلت: أرأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهراً وغير طاهر عمَّ ذاك؟ فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً وغير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى أن به قوة فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة).
يعني: أُمِرَ أَمْرَ استحباب، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، وقيل: ست صلوات، فسأله عمر ، قال: (عمداً فعلته يا عمر) .
قوله: (أُمر) بضم الهمزة على البناء للمجهول.
قوله: (فلما شق ذلك عليه) أي: شق الوضوء لكل صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر يحتمل كونه خاصاً به صلى الله عليه وسلم أو شاملاً لأمته، وهو يحتمل كونه شاملاً؛ لقوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا[المائدة:6] بأن تكون الآية على ظاهرها.
وهو مثل ما سبق فيه عنعنة محمد بن إسحاق ، لكن إن صح الحديث فإنه يحمل على أن الأمر أمر استحباب، أو أن الأمر كان أولاً ثم بعد ذلك نسخ الوجوب وبقي الاستحباب؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، ولما سأله عمر قال: (عمداً فعلته يا عمر)، وكقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) يعني: لأمرتهم أمر إيجاب، وهو قد أمرهم أمر ندب واستحباب.
يقول الخطابي : يحتج بهذا الحديث من يرى أن المتيمم لا يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد، وأن عليه أن يتيمم لكل صلاة فريضة. قال: وذلك لأن الطهارة بالماء كانت مفروضة عليه لكل صلاة، وكان معلوماً أن حكم التيمم الذي جعل بدلاً عنها مثلها في الوجوب، فلما وقع التخفيف بالعفو عن الأصل ولم يذكر سقوط التيمم كان باقياً على حكمه الأول، وهو قول علي بن أبي طالب وابن عمر رضي الله عنهما والنخعي وقتادة ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ، فإن سئل على هذا فقيل: فهلا كان التيمم تبعاً له في السقوط كهو في الوجوب؟ قيل: الأصل أن الشيء إذا ثبت وصار شرعاً لم يزل عن محله إلا بيقين نسخ، وليس مع من أسقطه إلا معنى يحتمل ما ادعاه ويحتمل غيره.
ما جاء في كيفية الاستياك
شرح حديث: (أتينا رسول الله نستحمله فرأيته يستاك على لسانه ... )
أيضاً في الكلام يقدم الأكبر كما في قصة عبد الرحمن بن سهل لما قتل أخوه وجاء معه ابنا عمه وأراد الأصغر منهما أن يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كبر كبر) . وفي السواك إذا أراد أن يدفعه إلى أحد يعطيه الأكبر، وكذلك الطعام والشراب يعطيه الأكبر، ثم إذا بقي فضل فالأكبر يعطي من على يمينه. نعم. وكذلك البخور يعطى الأكبر ثم هو يعطيه من على يمينه.
أي: أنها كانت تعطيه السواك ليستاك به حتى تنال البركة من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يخص به غيره، فإذا أعطاها السواك استاكت به ثم غسلته ثم دفعته إليه، وفيه غسل السواك للتنظيف، وإذا أراد أن يستاك به اثنان يغسل حتى لا يكون هناك نفرة للثاني، فإذا غسل أخذه الثاني من باب النظافة وإلا فلو لم يغسله فلا حرج.
قوله: (عشر من الفطرة) يعني: من الدين، جاء بها الإسلام، وهذه العشر منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب، فإعفاء اللحية واجب، وكذلك قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة كل هذه مؤقتة لا يجوز تأخيرها عن الوقت المحدد لها، كما في صحيح مسلم (أنه وقت في هذه الأشياء ألا تزيد عن أربعين يوماً) تأخيرها مكروه كراهة شديدة، فلا تؤخر حلق العانة ونتف الإبط، وقص الشارب، وقص الأظفار كذلك، وأما السواك فهو مستحب.
فيكون فيه ضعيف ومجهول، لكن الحديث معناه صحيح، كما سبق في الحديث السابق أن ذكرت هذه الأشياء ومنها: المضمضة والاستنشاق وهما فرضان معروفان، والاستنجاء كذلك معروف.
أسانيد أخرى لحديث: (عشر من الفطرة)
[ قال أبو داود : وروي نحوه عن ابن عباس وقال: خمس كلها في الرأس، وذكر فيه الفرق ولم يذكر إعفاء اللحية ].
والفرق يعني: فرق الرأس، إذا كان للإنسان شعر يفرقه فرقتين في الوسط.
هذا حديث صحيح رواه مسلم ، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) يعني: يدلك فاه بالسواك، وفيه مشروعية الشواص بالسواك عند الصلاة سواء كان في قيام الليل أو غيره، وفيه مشروعية الاستياك عند القيام من الليل؛ لما فيه من النظافة ولما فيه من رضا الرب سبحانه وتعالى، ولأن الإنسان عند الاستيقاظ من النوم يتغير فمه، فيستحب للمسلم إذا تغيرت رائحة فمه أن ينظفه بالسواك، كذلك عند الصلاة مشروع له أن يستاك؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) .
(وضوءه) بالفتح وهو الماء، هذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث السابق، باب السواك عند القيام من الليل، وفي سنده بهز بن حكيم وهو صدوق، فيكون الحديث حسناً.
فيه مشروعية السواك عند دخول البيت، والسواك مشروع في كل وقت، ويتأكد عند دخول البيت وعند الوضوء وعند الصلاة وعند تغير رائحة الفم، وفي الحديث: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب).