إسلام ويب

شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [22]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التيمم في الحضر لذكر الله دون الصلاة جائز كما دل عليه حديث أبي الجهيم، ومن لم يستطع استعمال الماء فقد أنزله النبي صلى الله عليه وسلم في منزلة من فقد الماء كما في حديث عمرو بن العاص.

    شرح حديث: (أقبل رسول الله من نحو بئر جمل، فلقيه رجل...)

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: التيمم في الحضر.

    حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه فقال أبو جهيم : (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام) ].

    وهذا الحديث أخرجه البخاري والنسائي ، وأخرجه مسلم منقطعاً، وحديث أبي جهيم هذا وحديث عمار هما أصح ما ورد في التيمم.

    قوله: (بئر جمل) موضعها، موضع الدخول بالمدينة.

    قال أبو جهيم : (أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام)؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، وهو ذكر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كره أن يذكر الله إلا على طهر؛ ولما كان الماء بعيداً عنه تيمم؛ لأجل أن يذكر الله، وإلا فإنه يجوز أن يرد السلام وليس على وضوء ولا حرج؛ لحديث عائشة في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه)، لكن هذا التطهر هو من باب الاستحبابـ والتيمم على الجدار جائز إذا كان فيه غبار.

    قال النووي رحمه الله: إن حديث أبي جهيم هذا محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عادماً للماء حال التيمم، أي: ليس عنده ماء؛ فلهذا تيمم على الجدار، ووافقه الحافظ ابن حجر قال: إن هذا مقتضى صنيع البخاري .

    و النووي استدل بهذا على جواز التيمم في الحضر إذا كان عادماً للماء، لكن الحافظ ابن حجر تعقبه وقال: إنه ورد على سبب، وهو إرادة ذكر الله، ولم يجزه استباحة الصلاة، ما أراد استباحة الصلاة وإنما أراد به ذكر الله حتى يكون على طهر، وهذا من باب الاستحباب.

    لكن بعضهم أجابوا وأخذوا من هذا أنه لما كان التيمم في الحضر لرد السلام مع جوازه، فإن من خشي فوات الصلاة في الحضر جاز له التيمم من طريق أولى، لكن هذا ليس بشيء، وفيه نظر، والذي يظهر أنه لابد من الوضوء في الحضر للصلاة، فإذا كان واجداً للماء فلابد أن يتوضأ، ولابد أن يأتي بشرط الطهارة، ولو خشي فوات الوقت ما دام الماء موجود؛ لقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، هذا هو الصواب، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تيمم لا ليصلي وإنما ليذكر الله، فلا يقاس عليه التيمم للصلاة؛ لأن التيمم للأمر المستحب أقل من التيمم للأمر الواجب، فلا يقاس عليه التيمم لأجل الصلاة، لكن إذا قيل: إن الماء بعيد، وإنه عادماً للماء في هذه الحالة فلا إشكال، فلو كان يريد الصلاة لتأخر حتى يصل إلى الماء ويتوضأ، لكنه عليه الصلاة والسلام تيمم لأجل رد السلام؛ لأن هذا يفوت، والتيمم في الحضر لو فقد الماء لا مانع منه؛ لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].

    والمؤلف رحمه الله استدل بهذه القصة على التيمم في الحضر، والتيمم في الحضر لا بأس به للصلاة، إذا عدم الماء، قال عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] فيتيمم ولو في الحضر، لكن الغالب أن فقد الماء يكون في غير الحضر.

    أما الاستدلال بهذا الحديث على أنه يتيمم الإنسان لخوف فوات الفريضة، أو لخوف صلاة الجماعة، أو لخوف فوات الجمعة، كما استدل به بعضهم فليس بجيد، والصواب: أنه لا يتيمم في الحضر، إذا خشي فوات صلاة الجمعة أو الجماعة أو الجنازة أو خوف فوات الوقت ما دام الماء موجوداً، لكن لو فقد الماء بالمرة وليس في المكان ماء فيتيمم؛ لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].

    شرح حديث: (مر رجل على رسول الله في سكة من السكك....)

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي أخبرنا محمد بن ثابت العبدي أخبرنا نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس ، فقضى ابن عمر حاجته، فكان من حديثه يومئذٍ أن قال: (مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة فضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر) ].

    السكة هي: الشارع الصغير، ويسمى زقاقاً.

    وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سكة من السكك، وقد خرج لقضاء الحاجة في البلد في شارع من الشوارع، فسلم عليه هذا الرجل فلم يرد عليه، فلما كاد أن يتوارى تيمم النبي صلى الله عليه وسلم وضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى ومسح ذراعيه ورد عليه السلام.

    وفيه أنه ضرب ضربتان في هذا وأنه في البلد.

    لكن هذا الحديث ضعيف جداً لا يحتج به؛ فيه محمد بن ثابت العبدي ضعيف.

    فلا يحتج بهذا الحديث على التيمم في الحضر مع وجود الماء، ولا يصح رفع الضربتين، بل الثقات الحفاظ رووه من فعل ابن عمر .

    قال الذهبي : ينكر عليه حديث ابن عمر في التيمم لا غير؛ لأنه عليه الصلاة والسلام تيمم لرد السلام، والصواب: أنه موقوف على ابن عمر .

    وكذلك قوله: (ضرب ضربتين) فالتيمم في الحضر مع وجود الماء لا يجوز.

    أما الحديث السابق فإنه عادم للماء؛ لأنه أقبل من نحو بئر جمل، وبئر جمل مكان ليس بقرب المدينة، بل خارج المدينة، إذاً: ليس عنده ماء، فتيمم لرد السلام، أما هذا فكان في وسط البلد في سكة من سكك المدينة، فلا يصح هذا الحديث، ولا يصح لفظ (الضربتين).

    [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم ].

    أبو داود يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم، وهو هذا الحديث والنكارة فيه من جهتين: من جهة تيممه مع وجود الماء، ومن جهة كون التيمم ضربتين. وإنما هذا من فعل ابن عمر .

    [ قال ابن داسة : قال أبو داود : لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه فعل ابن عمر ].

    أبو داود يقول: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين، بل تفرد بذكر الضربتين مع كونه ضعيفاً لا يحتج بحديثه، ورووه -يعني: الثقات- من فعل ابن عمر لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالصواب أنه موقوف على ابن عمر . ويكون هذا اجتهاد منه رضي الله عنه.

    شرح حديث: (أقبل رسول الله من الغائط فلقيه رجل عند بئر جمل...)

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر أخبرنا عبد الله بن يحيى البرلسي أخبرنا حيوة بن شريح عن ابن الهادي أن نافعاً حدثه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط، فلقيه رجل عند بئر جمل فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل السلام) ].

    وهذا الحديث حسن لا بأس بسنده، ومعناه معنى الحديث السابق، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه رجل عند بئر جمل، وهو مكان قرب المدينة ما عنده ماء، فسلم عليه الرجل فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم، عليه السلام حتى تيمم على الجدار ثم رد عليه السلام.

    وفي لفظ قال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر)، فهنا تيمم لرد السلام وليس عنده ماء، وليس فيه أنه تيمم للصلاة. فلا بأس بالتيمم في الحضر إذا فقد الماء. نعم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087959028

    عدد مرات الحفظ

    774935530