[ ويحرم أصحاب الحديث المسكر من الأشربة المتخذة من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر، يحرمون قليله وكثيره، ويجتنبونه وينجسونه ويوجبون به الحد ].
أي: يحلون ما أحل الله ويحرمون ما حرم الله، ويتأدبون بالآداب الشرعية الواجبة والمستحبة.
وأصحاب الحديث هم في مقدمة أهل السنة والجماعة وهم أهل الحق، وهم الفرقة الناجية، وتشمل هذه الفرقة كل من عمل بالسنة واجتنب البدعة، سواءً كان مزارعاً أو تاجراً أو صانعاً أو حداداً أو جزاراً أو خياطاً، فأهل السنة والجماعة والفرقة الناجية هم الصحابة والتابعون والأئمة والعلماء وفي مقدمتهم أهل الحديث.
فأصحاب الحديث يحرمون المسكر من الأشربة المتخذة من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر، يحرمون قليله وكثيره؛ لأنهم يعملون بالسنة، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وعلى هذا فكل مسكر حرام، وهو من الخمر، سواء كان مأكولاً أو مشروباً أو مشموماً، وكانت الخمر تتخذ في الأزمنة القديمة من العنب، فيعصر العنب، فإذا مضى عليه ثلاثة أيام وهو في شدة الحر، قذف بالزبد وتخمر وصار خمراً.
وأحياناً يؤخذ من التمر، ويسمونه المريس، فيوضع في الماء لكي يكون حالياً، فإذا جلس ثلاثة أيام في الحر تخمر.
وأحياناً يؤخذ من العسل، وأحياناً من الذرة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعصر له العصير فيشربه اليوم الأول ومن الغد فإذا كان في اليوم الثالث صبه وأهراقه أو سقاه الخادم خشية أن يتخمر، ومعلوم أن الخادم يتأمل وينظر إليه، وذلك في شدة الحر، لكن العصير الآن إذا جعل في الثلاجة لا يتخمر، فإذا ترك في شدة الحر تخمر، وظهرت أنواع جديدة من الخمور منها: المأكول والمشروب، وقد تكون أقراصاً، وقد تكون بالشم، فكل ما يسكر فهو حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر)، فهذا من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من صيغ العموم.
وجمهور العلماء على أن الخمر من كل شراب، وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الخمر لا تكون إلا من عصير العنب، والصواب: أن الصفة عامة في العنب وفي غيره.
وللخمر أسماء كثيرة كما ذكر العلماء، منها: السكر، وتسمى الجفن، والجعة، والمزر، والبزر، والسكركة، والفضيخ، والطلاء، والباذق.
وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)، وفي الحديث الذي رواه البخاري معلقاً: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، فقوله: (الحر) أي: الفرج يعني: الزنا.
وقوله: (والمعازف) هي آلات الغناء.
وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رءوسهم بالمعازف والقينات والمغنيات يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير) رواه ابن ماجة ولا بأس بسنده.
وقوله: (يحرمون قليله وكثيرة ويجتنبونه) أي: يبتعدون عنه، وفي النسخة الأخرى (ينجسونه) أي: يرون أنه نجس، وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم هل الخمر نجس أو ليس بنجس؟! فالجمهور على أنه نجس، واستدلوا بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90].
وذهب بعض العلماء إلى أنه ليس بنجس، وقالوا: لا يلزم من التحريم النجاسة، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقتها لما حرمت فملأت سكك المدينة، والناس يمشون إلى المسجد حافين، فيطؤونها ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أرجلهم، فدل ذلك على أنها ليست نجسة، وعلى كل حال فهي محرمة سواء كانت نجسة أو ليست نجسة.
وقوله: (ويوجبون به الحد) أي: من شرب الخمر وثبت عليه ذلك، فإنه يقام عليه الحد أربعين جلدة أو ثمانين جلدة.
فحد شارب الخمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين جلدة، وكذلك في عهد أبي بكر ، أما في آخر عهد عمر فإنه جلد ثمانين جلدة، وأخذ الناس من بعده بذلك.
أهل السنة والجماعة يرون المسارعة إلى أداء الصلوات عملاً بقول الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وقوله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277]، وقوله تعالى على لسان موسى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84] جماعة في المساجد وإقامتها في أوائل الأوقات، فإن ذلك أفضل من تأخيرها إلى آخر الأوقات.
ولما جاء في الأحاديث الصحيحة من الحث على المسارعة إلى أداء الصلاة في أول وقتها فإن ذلك أفضل وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها) وفي رواية: (والصلاة في أول وقتها).
وقراءة الفاتحة ركن في حق الإمام والمنفرد بالاتفاق، فلا تصح صلاة أحدهما إلا بقراءتها في كل ركعة، فلو تركها الإمام أو المنفرد في ركعة من الركعات لم تصح صلاتهما، لبطلان هذه الركعة إلا أن يستأنفها.
أما قراءة المأموم ففيها خلاف بين أهل العلم على أربعة أقوال: فمن العلماء من قال بوجوب قراءتها مطلقاً في السرية والجهرية.
ومنهم من قال: لا تجب لا في السرية ولا في الجهرية، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة واستدلوا بحديث: (من كان له إمام فقرائته له قراءة)، لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم.
ومن العلماء من قال: تجب على المأموم إلا إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه، لحديث أبي بكرة : (أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دب دبيباً حتى وقف في الصف، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بقضاء الركعة فدل على أنه أدركها.
وذهب آخرون من أهل العلم: إلى أنه إذا أدرك الإمام راكعاً فإنه تفوته الركعة؛ لأنه لم يقرأ الفاتحة، فلابد من قراءتها وهو اختيار الإمام البخاري رحمه الله، وألف في هذا جزء القراءة خلف الإمام، فتكون قراءة الفاتحة في حق المأموم فيها أربعة أقوال:
القول الأول: أنها لا تجب لا في السرية ولا في الجهرية، وهذا أضعفها.
القول الثاني: أنها تجب في السرية والجهرية إلا إذا أدرك الإمام راكعاً، فإنها تسقط عنه.
القول الثالث: أنها تجب في السرية دون الجهرية.
القول الرابع: أنها تجب في السرية والجهرية، وإذا أدرك الإمام راكعاً فإنه لا يدرك الركعة.
والراجح أنها تجب على المأموم مطلقاً في السرية والجهرية، إلا إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه وهو القول الثاني، وهي في حق المأموم واجب مخفف، بحيث إذا نسيها سقطت عنه، أو إذا أدرك الإمام راكعاً، أو أدركه في آخر ركعة فإنها تسقط عنه، أو قلد من يقول أنها ليست واجبة، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي لا بأس بسنده: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟! قالوا: نعم يا رسول الله! قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ويكون مخصصاً لعموم قول الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204] أي: إلا الفاتحة فإنها مستثناة فتقرأ في الصلاة، وحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا) أي: إلا الفاتحة.
ومذهب الجمهور: أنها تجب في السرية والجهرية، وأنها في الجهرية تسقط عن المأموم.
والقول بوجوبها حتى في الجهرية قول قوي اختاره الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه وألف رسالة في هذا واختاره ابن خزيمة وجماعة من الشافعية كـالبيهقي والنووي وابن حجر ، واختاره أيضاً البخاري وابن حزم والشوكاني وهو اختيار جمع من أصحاب الحديث، وكذلك المؤلف رحمه الله قال بوجوبها.
فأهل السنة منهم من يوجبها، ومنهم من لا يوجبها، ومنهم من يوجبها في السرية دون الجهرية.
لابد من إتمام الركوع والسجود، فمن لم يتم الركوع والسجود ولم يطمئن فيهما فصلاته باطلة؛ لأن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، والطمأنينة في الركوع هي أنه إذا ركع يظل راكعاً حتى يعود كل مفصل إلى موضعه.
واطمئنان المصلي هو أن يجلس حتى يعود كل مفصل إلى موضعه، ويطمئن في الركوع والسجود، وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع يقف حتى ينتصب قائماً وإذا سجد فعليه أن يطمئن، وكذلك إذا رفع رأسه من الجلوس بين السجدتين فعليه أن يطمئن، فلا بد من الطمأنينة في الأركان كلها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع وقف حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود جلس حتى يقول القائل: قد نسي، يعني: أنه يطيل هذين الركنين.
وبعض الأحناف لا يرون الطمأنينة واجبة، فبمجرد أن يقول: سمع الله لمن حمده يسجد مباشرة، وإذا رفع رأسه من السجدة عاد مباشرة وسجد، فهم لا يرون الطمأنينة واجبة بعد الركوع وبين السجدتين، لذلك تجد أن بعض الإخوان الباكستانيين يفعلون هذا عملاً بمذهب بعض الحنفية، وهذا غلط ومخالف لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا بد من الطمأنينة، فقد جاء في حديث المسيء صلاته أنه جاء وصلى ركعتين ولم يتم الركوع ولا السجود فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات بقوله: (ارجع فصل فإنك لم تصل) حتى فعل ذلك ثلاثاً، ثم بعد ذلك أرشده إلى الطمأنينة، وقال له: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اجلس حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها).
إن من صفات وأخلاق أهل الحق والاستقامة، أهل السنة والجماعة أهل الحديث، أنهم يتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، كما قال الله تعالى عن المتقين: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [السجدة:16].
فقيام الليل من أفضل القربات وأجل الطاعات، وهو من صفات المتقين، قال سبحانه في وصف المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18].
فتراهم يتواصون بقيام الليل، بعد النوم وإن لم يكن واجباً ولكنه مستحب، وهذه من صفات المؤمنين.
وأقل شيء فيها رفع سماعة الهاتف للسؤال عن حالهم والسلام عليهم بين فترة وفترة، وإن كان هذا لا يكفي، لكن قد يكون في بعض الأحيان بعيداً فيكفي هذا.
ومن صفات أهل الحديث وأهل السنة الاهتمام بأمور المسلمين، وتفقد أحوالهم وإطعام جائعهم، وتعليم جاهلهم، والصفح عن أخطائهم، والسؤال عن أحوال الضعفاء والأقليات والمجاهدين في كل مكان.
ومن صفات صاحب الحق أيضاً السعي في الخيرات عموماً، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهل الحديث وأهل السنة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، وقال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
ومن صفاتهم البدار إلى فعل الخيرات أجمع سواء كان الخير من الأقوال، أو من الأفعال، وهم يتقون سوء وشر عاقبة الطمع الذي يجعل الإنسان يقدم على الشبهات في المآكل أو في المشارب، وهم يتواصون بالحق والصبر، ويدعون إلى الله، ويصبرون على الابتلاء في ذلك، وكل هذه الأخلاق من صفات المؤمنين.
إن أهل الحق يتحابون في الدين ويتباغضون فيه، وهذا أصل من أصول الإيمان، وأصل عظيم الحب في الله والبغض في الله، وهو أن تحب ما يحب الله من شخص أو فعل فتحب هذا الشخص؛ لأنه مستقيم على طاعة الله؛ لأنه يؤدي فرائض الله، ولو كان بعيداً، ولو كان أعجمياً، ولو كان في المشرق وأنت في المغرب، وتبغض من كان مستروحاً للمعاصي والكبائر والآثام والشرك، ولو كان قريباً لأمك وأبيك، فهذا من الأصول العظيمة التي أميتت في هذا الزمن عند كثير من الناس، فتجد أناساً لا يتحابون إلا لأجل الدنيا، وإذا كان بينك وبينهم مصالح حصلت المحبة، فإذا انتهت المصلحة زالت المحبة، هذا إذا كان الحب لأجل الدنيا، وأعظم من ذلك وأشد إثماً أن تكون المحبة من أجل الاشتراك في المعاصي والبدع، فيكون شريكه في المعصية أو في البدعة؛ ولذلك فهو يحبه، وأعظم منه أن يكون الحب لأجل الاشتراك في الشرك نعوذ بالله.
فالحب في الله والبغض في الله هذا أصل من أصول الإيمان، ولهذا جاء في الحديث: (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله)، وفي الحديث الآخر: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)، وفي الحديث الآخر: (لا يجد العبد طريق الإيمان - وفي اللفظ الآخر - لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب في الله، ويبغض في الله، - وفي اللفظ الآخر - أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، وفي الحديث الآخر أيضاً: (من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)، وفي اللفظ الآخر: (لن يجد عبد طعم الإيمان حتى يحب لله، ويبغض في الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله).
من أوصاف أهل السنة والجماعة، وأهل الحق، والفرقة الناجية، أنهم يتقون الجدال في الله والخصومات فيه؛ فإن الجدال يؤدي إلى المراء والخصومات، ويؤدي أيضاً إلى الشبه والشكوك، فأهل الحق يجتنبون الجدال، إلا إذا كان جدالاً بالحق لإيضاح الحق ورد الباطل بدون ترتب مفسدة على ذلك، أما إذا كان جدالاً عقيماً لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً فهذا يجب أن يترك، وكذلك الخصومات والنزاعات فإنها تؤدي إلى البغضاء والعداوة وتنافر القلوب، وأهل السنة يجتنبون أهل البدع والضلالات ويعرضون عنهم، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات، وهذه هي طريقة أهل السنة والجماعة وأهل الحق وأهل الحديث.
إن من أوصاف أهل الحديث وأهل السنة أنهم يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه، ويعملون بكتاب الله وسنة رسوله، وإذا لم يكن في المسألة نص في السنة عملوا بسنة الخلفاء الراشدين، وإذا لم يوجد في سنة الخلفاء الراشدين، ووجد قول صحابي وليس له معارض من الصحابة فإنهم يعملون به، وأما قول المؤلف رحمه الله:
(الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم) فهو يشير إلى حديث: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، وهذا حديث باطل سنداً ومتناً، والمحشي يقول: إنه موضوع وهو ليس بموضوع، ولكنه حديث ضعيف جداً، وباطل سنداً ومتناً، وهذا يستدل به الأصوليون، فأما سنده فإنه لا يوجد له سند صحيح في شيء من دواوين السنة، وأما متنه فإن معناه غير صحيح؛ لأنه إذا قال ابن عباس مثلاً: إن ربا الفضل حلال، ويرى زيد بن ثابت أنه حرام، فمعنى الحديث: إن اقتديت بمن يقول حلال فأنت مهتد، وإن اقتديت بمن يقول: إنه حرام فأنت مهتد أيضاً! وهذا باطل؛ لأنهما قولان متناقضان، والصحابي إذا قال قولاً وعارضه صحابي آخر تعارضا فتساقطا فنرجع إلى أصول السنة وإلى قواعد الشريعة وأصولها، ونبحث عن دليل آخر.
أما إذا قال الصحابي قولاً واشتهر ولم يعارضه أحد فهو حجة، فهذا الحديث ليس بصحيح وهو: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).
ومن علامات أهل الحق أنهم يقتدون بالسلف الصالح من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين.
ذكر هنا من صفات أهل الحديث وأهل السنة أنهم يبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، والبدعة: كل ما أحدث في الدين وليس منه.
فهم يبغضون أهل البدع، ولا يحبونهم؛ لمخالفتهم للسنة، ولا يتخذونهم أصحاباً، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين؛ خشية إثارة الشبه، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت بالقلوب ضرت، وجرت إليها الوساوس والخطرات الفاسدة ما الله به عليم، وهكذا شأن أهل السنة أنهم يبتعدون عن أهل البدع، ولا يجالسونهم ولا يعودون مريضهم، ولا يأتون جنازتهم، ويصونون آذانهم عن سماع الشبه؛ لأنها إذا وصلت إلى الآذان وقرت في القلب ضرت وأحدثت الوساوس والخطرات الفاسدة، ولهذا أنزل الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68]، ويدخل في هذا أهل البدع، فإنهم يخوضون في آيات الله بغير بصيرة، فيجب الإعراض عنهم.
هذه علامات أهل البدع، فهي كما يقول المؤلف رحمه الله: بادية على أهلها، وظاهرة، ومن أظهرها شدة معاداتهم لأهل السنة والجماعة، وحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم؛ واستخفافهم بهم، فهم ينبزونهم بالألقاب الشنيعة، فيسمونهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة.
فالمعطلة الجهمية والمعتزلة يسمون أهل السنة مشبهة؛ لأنهم يثبتون الصفات، والروافض يسمون أهل السنة النواصب، وقد يسمونهم حشوية، وسيأتي كلام للمؤلف رحمه الله أن كل طائفة تنبز أهل السنة بلقب؛ اعتقاداً منهم بأن أخبار الرسول عليه السلام لا تفيد العلم، وأن العلم هو ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، وأما الأحاديث والنصوص فإنها تعزل عندهم؛ لأنها ظواهر لفظية لا تفيد اليقين، وإنما يفيد اليقين عندهم الأدلة العقيلة، ويسمونها قواطع عقلية، وبراهين يقينية، وأما الكتاب والسنة فظواهر لفظية لا تفيد اليقين! وهكذا سول لهم الشيطان، ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: يرون أن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية من الخير، وحججهم العاطلة بل شبههم الداحضة الباطلة.
ثم قال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:23] يعني: أنهم يدخلون في عموم الآية، وإن كانت هذه الآية للكفرة لكن يدخل فيها المبتدعة: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18]، وهؤلاء تركوا السنة فأهانهم الله.
فالمبتدع يبغض أهل الحديث؛ لأن أهل الحديث يعملون بالسنة، وإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه، ولهذا صار أهل البدع في حيرة وشكوك حتى إنهم حاروا في آخر آمرهم، ولهذا فإن الإمام الرازي رحمه الله حار وقال هذه الأبيات المعروفة:
نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا.
وهو قد تاب في آخر حياته كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في بيان حال الرازي ، وترحم عليه، والشيخ الثاني المعروف بـالشهرستاني ، وله كتاب في الفرق تكلم فيه عن الملل والنحل وهو الذي قال:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم
وهكذا حصلت الحيرة عند بعضهم، وجاءتهم الأوهام، فتجد الرجل منهم في حيرة والعياذ بالله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وسمعت الحاكم يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن : يا أبا عبد الله ! ذكروا لـابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق زنديق حتى دخل البيت ].
هذا الأثر عن الإمام أحمد رحمه الله، وذلك أنه سئل ابن أبي قتيلة عن أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فلما سمع الإمام أحمد إمام أهل السنة هذا الكلام قام وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق زنديق زنديق، يعني: هذا الرجل الذي تكلم في أصحاب الحديث زنديق، والزنديق هو المنافق والعياذ بالله، لقد كان أمثال هذا في الصدر الأول يسمون منافقين، ثم في زمان الإمام أحمد وبعده سمي المنافق زنديقاً، وهي كلمة فارسية معربة، وصار في زمننا الآن يسمى العلماني، فالعلماني هو المنافق، والعلمانيون هم المنافقون والزنادقة، فقد كان هناك منافقون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على رأسهم عبد الله بن أبي كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، ثم بعد ذلك صاروا يسمون زنادقة، ويطلق هذا على الملحد، فهم في زماننا العلمانيون، فهم المنافقون، والعلمانيون الآن منتشرون بين المسلمين ويحاولون الدس على الإسلام والمسلمين، ويحاولون إفساد المسلمين، ويريدون أن تكون المرأة متفسخة عارية، فالعلمانيون لنفاقهم وخبث قلوبهم، يودون أن يفسد الإسلام والمسلمون، ويريدون إفساد المرأة بخروجها عارية متبرجة بين الناس، وتقود السيارة وتختلط بالرجال حتى يفسد المجتمع؛ لأنه إذا فسدت المرأة فسد المجتمع، والعلمانيون لا دين عندهم، لكنهم لا يستطيعون إظهار ما هم عليه من الكفر والنفاق؛ لأنهم لو أظهروا كفرهم الصريح فإن رقابهم ستقطع؛ لأن المؤمنين وأهل الخير كثيرون، فنجد العلماني يخفي كفره، ويحاول الإفساد وإدخال الشر على المسلمين.
هذا الأثر أخرجه الحاكم في كتابه (علوم الحديث) والخطيب البغدادي ، فليس شيء أثقل على أهل الإلحاد، ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناده؛ لأن الحديث يلزمهم بالعمل، ويلزمهم أن يتقيدوا بالشريعة، والمنافقون الزنادقة لا يريدون أن يعملوا بالشريعة، بل يعملون بأهوائهم وآرائهم، والحديث يقيدهم، فأبغض شيء إليهم سماع الآيات وسماع الحديث، فإذا ذكرت لهم الدليل من القرآن والسنة، ضاقوا وكأنه صاعقة عليهم، لخبثهم بسبب النفاق، والعياذ بالله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وسمعت الحاكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه وهو يناظر رجلاً، فقال الشيخ أبو بكر : حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: قم يا كافر! فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبداً، ثم التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد قط: لا تدخل داري إلا هذا ].
وهذا الإسناد أخرجه الحاكم في كتابه (معرفة علوم الحديث)، وذلك أن أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه ناظر رجلاً، فقال أبو بكر رحمه الله: حدثنا فلان، يريد رواية الحديث، فكان عنده رجل منافق، فقال: دعنا من حدثنا، إلى متى تظل مع حدثنا؟ فغضب الشيخ ومن شدة غضبة واندفاعه قال له: قم يا كافر، يعني: أنت تنكر الحديث، فاخرج من بيتي، لا يحل لك أن تدخل داري أبداً بعد هذا، ثم التفت الشيخ أبو بكر وقال: ما قلت لأحد: قم من داري إلا لهذا الرجل، مع أن هذا الرجل قد لا يكون منافقاً، وقد لا يكون كافراً، لكن قد يكون عنده مثلاً ضعف في الإيمان أو أنه رجل جاهل، لكن من شدة إنكار أبي بكر رحمه الله وشدة غضبه عليه وحنقه عليه، رماه بالكفر، وهذا لا بأس به كونه قاله متأولاً، مثل ما حصل لـعمر عندما قال عن حاطب بن أبي بلتعة : يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق؛ فإنه قد خان الله ورسوله، مع أن حاطباً ليس منافقاً، لكن عمر رضي الله عنه تأول بسبب فعله، لكن لو قال شخص لشخص: يا كافر بدون سبب، فهذا يجوز، بل هذا من الكبائر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما)، وقال عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وهذا إذا كان بدون تأويل، لكن بسبب التأويل إذا عمل عملاً ينافي السنة ويخالفها، ثم قال له: يا كافر متأولاً، فهذا لا يدخل في هذا الحديث، كما فعل أبو بكر بن إسحاق هنا، فإنه قال له ذلك من باب التأويل.
هذا كلام الإمام أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي ، وهو إمام معروف رحمه الله يقول: إن أهل البدع لهم علامات، كالوقيعة في أهل الأثر وفي أهل الحديث، يعني: يغتابونهم ويسبونهم، ويعيبونهم ويتنقصونهم، فإذا رأيت الرجل يتنقص أهل الحديث فاعلم أنه مبتدع، وعلامة الزنادقة يعني: أهل النفاق، تسميتهم أهل الأثر حشوية، والحشوية من الحشو: وهو الشيء الذي لا قيمة له، يريدون بذلك إبطال الاحتجاج بالأثر.
وعلامة القدرية الذين ينكرون عموم قدر الله حتى يشمل أفعال العباد، أنهم يسمون أهل الأثر مجبرة، وهؤلاء يقولون: إذا كان الله يخلق المعصية ويعاقب عليها، فالعبد إذاً: يكون مجبوراً، وهم يقولون: إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه.
وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، فالجهمية والمعتزلة وغيرهم من الذين أنكروا الصفات، يقولون: للذي يثبت الأسماء والصفات أنت مشبه قد شبهت الله بخلقه.
وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة، والشيء النابت هو الذي لا قيمة له بين الزرع، ويسمونهم أيضاً ناصبة، يعني: يناصبون العداوة لأهل البيت، وهذا افتراء، فإن أهل السنة يحبون أهل البيت ويحبون الصحابة، لكن هؤلاء الرافضة يكفرون الصحابة ويعبدون آل البيت، ومن يتولى الصحابة يسمونه ناصبياً، وهم كذبة في هذا.
قال الله عز وجل: انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [الإسراء:48]، إن المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول أصحاب الحديث وحملة أخباره، ونقلة آثاره وأحاديثه، فسماهم بعضهم حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم نابتة، وبعضهم ناصبة، وبعضهم جبرية، وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب، وليسوا إلا أهل السيرة المرضية، والسبل السوية، والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله جل جلاله لاتباع كتابه، ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منهما، وأعانهم على التمسك بسيرته، والاهتداء بملازمة سنته، وشرح صدورهم لمحبته ومحبة أئمة شريعته وعلماء أمته، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) ].
يقول أبو عثمان الصابوني هنا: قول أهل البدع لأهل السنة أنهم مجبرة، أو مشبهة، أو نابتة وناصبة، هو عصبية منهم، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث، وأهل السنة لا تلحقهم هذه الأسماء الذميمة، ولا يلحقهم إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث، أو أهل السنة والجماعة، أو أهل الحق، أو أهل الاستقامة.
إن أهل البدع بهذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة، قد سلكوا معهم مسلك المشركين لعنهم الله، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم تشبهوا بالمشركين؛ لأن المشركين لقبوا النبي صلى الله عليه وسلم بألقاب سيئة وهو بريء منها، فقد قالوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه ساحر، وقالوا: إنه مجنون، وقالوا: إنه شاعر، ولم تلحقه هذه الصفة، فهو الرسول المصطفى عليه السلام، والنبي المجتبى، وكذلك أهل السنة والجماعة، قالوا لهم: نابتة وحشوية وناصبة، ولا يلحقهم إلا الاسم الحق وهو اسم أهل السنة الجماعة، أو أهل الحديث.
إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلحقه من المعائب شيء، فهو لم يكن إلا رسولاً مصطفى نبياً، قال الله عز وجل: انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [الإسراء:48].
وكذلك المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول في حملة أخباره، ونقلة آثاره، ورواة أحاديثه المقتدين به، المهتدين بسنته، فوصفوهم بالصفات الذميمة، وأصحاب الحديث بريئون من هذه الصفات الذميمة، وعصامة من هذه المعائب، فهم بريئون أتقياء أنقياء وليسوا إلا أهل السنة المضيئة، والسيرة المرضية، والسبل السوية، والحجج البالغة القوية، وقد وفقهم الله جل وعلا باتباع كتابه ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والفعل، وزجرهم فيها عن المنكر منها، وجعلهم من اتباع أقرب أنبيائه وأكرمهم وأعزهم عليه، وشرح صدورهم لمحبته، ومحبة أئمة شريعته وعلماء أمته، وشرح الله صدورهم للعمل بالسنة، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن أحب قوماً حشر معهم يوم القيامة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)، وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه، وقد قال أنس : (إنه فرح بهذا الحديث الصحابة، فقال أنس : (فأنا أحب رسول الله، وأحب أبا بكر وعمر ، وأرجو أن أحشر معهم).
فالإنسان إذا أحب أحداً، فإنه ينبغي له أن يجاهد نفسه حتى يعمل بعمله، وكذلك من يحب الرسول والصحابة فليجاهد نفسه على العمل بسنته، وإلا كان حبه دعوى.
والإنسان الذي يعمل البدع ويقول: أنا أحب الرسول فهو كذاب، كيف يعمل البدع ويترك السنن ويقول: أنا أحب الرسول وأحب الصحابة؟! وقد قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
إن الصادق في حبه هو الذي يعمل ويجاهد نفسه للعمل بالسنة، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، فإذا حصل تقصير قليل فإن هذه المحبة تجبر هذا النقص.
أما أن يعرض عن السنة وعن الكتاب ويدعي المحبة فهذا باطل، ولذلك لما ادعى قوم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم امتحنهم الله، وأنزل هذه الآية: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].
قال العلماء: هذه الآية آية المحنة، ففيها امتحان واختبار وميزان لكل من يدعي محبة الرسول، إن كان متبعاً للرسول فهو صادق في محبة الله، وإن كان لا يتبع الرسول فهو كاذب في دعواه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر