إسلام ويب

شرح الحموية لابن تيمية [7]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عقيدة أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة والناجية إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، وما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء وصفات دون تحريف أو تشبيه أو تكييف أو تفويض للمعاني، وقد أثبت الله لنفسه صفات كثيرة منها: صفة السمع والبصر واليدين والرجل والقدم وغيرها، فما على المسلم إلا أن يسلم للنصوص فبها توفيقه ونجاته.

    1.   

    بيان إجماع الصحابة والتابعين على إثبات صفة العلو لله سبحانه وتكفير من أنكرها

    قال المصنف رحمه الله: [وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف في كتابه الذي سماه: (اعتقاد التوحيد في إثبات الأسماء والصفات)، قال في آخر خطبته: فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار في توحيد الله عز وجل، ومعرفة أسمائه وصفاته وقضائه، قولاً واحداً وشرعاً ظاهراً، وهم الذين نقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حتى قال: (عليكم بسنتي.)، وذكر الحديث، وحديث: (لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً)، قال: فكانت كلمة الصحابة على اتفاق من غير اختلاف، وهم الذين أمرنا بالأخذ عنهم، إذ لم يختلفوا بحمد الله تعالى في أحكام التوحيد، وأصول الدين -من الأسماء والصفات- كما اختلفوا في فروعه ].

    الصحابة بفضل الله ومنه اتفقوا على إثبات الأسماء والصفات لله عز وجل، وأن الله في العلو، وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعون، والأئمة والعلماء من بعدهم، حتى جاءت الجهمية والمبتدعة فابتدعوا هذه الأقوال الفاسدة الباطلة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولو كان منهم في ذلك اختلاف لنقل إلينا، كما نقل سائر الاختلاف، فاستقر صحة ذلك عن خاصتهم وعامتهم، حتى أدوا ذلك إلى التابعين لهم بإحسان، فاستقر صحة ذلك عند العلماء المعروفين حتى نقلوا ذلك قرناً بعد قرن؛ لأن الاختلاف كان عندهم في الأصل كفر، ولله المنة ].

    يعني: من خالف في هذا -بأن الله في العلو- وأنكر ذلك فقد كفر؛ ولهذا كفر السلف من قال بذلك، أي: أنكر أن الله في العلو، كما قال الإمام أبو حنيفة عندما سئل عمن قال: لا أدري هل الله في السماء أم في الأرض؟ قال: كفر، فإن قال: إن الله في السماء، ولكن لا أدري هل السماء في الأرض أم في العلو؟ قال: كفر؛ لأن السماء في العلو.

    1.   

    إثبات صفة النفس لله جل وعلا

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم إني قائل -وبالله أقول-: إنه لما اختلفوا في أحكام التوحيد، وذكر الأسماء والصفات على خلاف منهج المتقدمين من الصحابة والتابعين، فخاض في ذلك من لم يعرفوا بعلم الآثار، ولم يعقلوا قولهم بذكر الأخبار، وصار معولهم على أحكام هواجس النفوس المستخرجة من سوء الطوية ما وافق على مخالفة السنة ].

    قوله: سوء الطوية، يعني: النية السيئة، أي: سبب القصد السيئ.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وصار معولهم على أحكام هواجس النفوس المستخرجة من سوء الطوية؛ ما وافق على مخالفة السنة، والتعلق منهم بآيات لم يسعدهم فيها ما وافق النفوس، فتأولوا على ما وافق هواهم، وصححوا بذلك مذاهبهم؛ احتجت إلى الكشف عن صفة المتقدمين، ومأخذ المؤمنين، ومنهاج الأولين، خوفاً من الوقوع في جملة أقاويلهم التي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ومنع المستجيبين له حتى حذرهم.

    ثم ذكر أبو عبد الله خروج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يتنازعون في القدر وغضبه، وحديث: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته)، والحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج على الصحابة وهم يتنازعون في القدر، فغضب وقال: (أبهذا أمرتم؟ أبهذا وكلتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، ما علمتم منه فاعملوا به، وما لم تعلموا منه فكلوه إلى عالمه)، وهذا الحديث لا بأس بسنده، والحديث الآخر: (لا ألفين أحدكم جالساً على أريكته يأتيه الحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا في كتاب الله عملنا به، وما لم يوجد في كتاب الله فلا نعمل به، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه).

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وحديث: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)، وأن الناجية ما كان عليه هو وأصحابه؛ ثم قال: فلزم الأمة قاطبة معرفة ما كان عليه الصحابة، ولم يكن الوصول إليه إلا من جهة التابعين لهم بإحسان، المعروفين بنقل الأخبار، ممن لا يقبل المذاهب المحدثة، فيتصل ذلك قرناً بعد قرن ممن عرفوا بالعدالة والأمانة، الحافظين على الأمة ما لهم وما عليهم من إثبات السنة.

    إلى أن قال: فأول ما نبتدئ به ما أوردنا هذه المسألة من أجلها: ذكر أسماء الله عز وجل وصفاته مما ذكر الله في كتابه، وما بين صلى الله عليه وسلم من صفاته في سنته، وما وصف به عز وجل نفسه مما سنذكر قول القائلين بذلك، مما لا يجوز لنا في ذلك أن نرده إلى أحكام عقولنا بطلب الكيفية بذلك، ومما قد أمرنا بالاستسلام له، إلى أن قال: ثم إن الله تعالى تعرف إلينا بعد إثبات الوحدانية وإقرار الألولهية: أن ذكر تعالى في كتابه بعد التحقيق بما بدأ به من أسمائه وصفاته، وأكده صلى الله عليه وسلم بقوله، فقبلوا منه كقبولهم لأوائل التوحيد من ظاهر قوله: لا إله إلا الله.

    إلى أن قال: بإثبات نفسه بالتفصيل من المجمل، فقال لموسى عليه السلام: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41]، وقال: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28]، ولصحة ذلك واستقراره ناجاه المسيح عليه السلام فقال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116]، وقال عز وجل: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، وأكد عليه الصلاة والسلام صحة إثبات ذلك في سنته فقال: (يقول الله عز وجل: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كتب كتاباً بيده على نفسه: إن رحمتي سبقت غضبي)، وقال: (سبحان الله رضا نفسه)، وقال في محاجة آدم لموسى: (أنت الذى اصطفاك الله، واصطنعك لنفسه) ].

    كل هذه النصوص تثبت النفس لله عز وجل، وبأن لله نفساً كريمة، موصوفة بالصفات العظيمة التي وصف بها نفسه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فقد صح -وفي نسخة: صرح- بظاهر قوله أنه أثبت لنفسه نفساً، وأثبت له الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فعلى من صدق الله ورسوله اعتقاد ما أخبر الله به عن نفسه، ويكون ذلك مبنياً على ظاهر قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].

    ثم قال: فعلى المؤمنين -خاصتهم وعامتهم- قبول كل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل حتى يتصل به صلى الله عليه وسلم ].

    1.   

    إثبات صفة النور لله سبحانه وتعالى

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن مما قص الله علينا في كتابه، ووصف به نفسه، ووردت السنة بصحة ذلك أن قال: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:35]، ثم قال عقيب ذلك: نُورٌ عَلَى نُورٍ [النور:35]، وبذلك دعاه صلى الله عليه وسلم: (أنت نور السماوات والأرض..) ].

    وهذا حديث الاستفتاح، عن ابن عباس : (اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض، اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض)، وهو حديث الاستفتاح الطويل لقيام الليل، وهو ثابت في البخاري ومسلم .

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم ذكر حديث أبي موسى : (حجابه النور -أو النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، وقال: سبحات وجهه: جلاله ونوره، نقله عن الخليل وأبى عبيد ، وقال: قال عبد الله بن مسعود : نور السماوات من نور وجهه ].

    1.   

    ثبوت اسمي الله عز وجل الحي القيوم والصفة المتضمنة لهما

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ثم قال: ومما ورد به النص أنه حي، وذكر قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، والحديث: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) ].

    وهذا فيه إثبات اسمين من أسمائه سبحانه وتعالى وهما: الحي القيوم، وهذا نقله المؤلف رحمه الله من الآية والحديث، ففي الآية والحديث إثبات الحي القيوم، وهما اسمان من أسمائه سبحانه وتعالى، وقد ذكر الله تعالى الحي القيوم وجمع بينهما في ثلاثة مواضع من كتابه، قال سبحانه: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]، في آية الكرسي من سورة البقرة، وفي الآية الثانية من سورة آل عمران قال: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1-2]، وفي سورة طه يقول عز وجل: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه:111]، فجمع الله عز وجل بين هذا الاسمين في هذه الثلاثة المواضع من كتابه الكريم، حتى قيل إنهما اسم الله الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب.

    وكذلك الحديث: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)، ففيه: استغاثة بصفة من صفاته سبحانه وتعالى، والاستغاثة والاستعاذة بصفاته سبحانه وتعالى جائزة وقد وردت، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك)، وفي هذا الحديث: (برحمتك أستغيث).

    أما سؤال الصفة فهذا لا يجوز، وذلك بأن يقول: يا رحمة الله أغيثيني! أو يا قدرة الله أنقذيني!، حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن هذا كفر، فلا يجوز نداء الصفة.

    1.   

    إثبات صفات الوجه والسمع والبصر وكمال الحياة والقيومية

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال: ومما تعرف الله إلى عباده أن وصف نفسه أن له وجهاً، موصوفاً بالجلال والإكرام، فأثبت لنفسه وجهاً، وذكر الآيات ].

    فقوله عز وجل: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27]، وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، فيها إثبات الوجه لله عز وجل.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ذكر حديث أبي موسى المتقدم، فقال في هذا الحديث: من أوصاف الله عز وجل (لا ينام) موافق لظاهر الكتاب: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] ].

    ونفي النوم يستلزم كمال الحياة والقيومية؛ لأن صفات الله نوعان: صفات إثبات، وصفات نفي، فصفات الإثبات مستلزمة للكمال في إثبات ضدها، فهو سبحانه وتعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]، لكمال حياته وقيوميته، وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255]، لكمال قوته واقتداره، وهو: لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [سبأ:3]، لكمال علمه، َلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، لكمال عدله، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام:103]، لكمال عظمته، وأنه أكبر من كل شيء.

    فالنفي يستلزم إثبات ضده من الكمال، وليس نفياً محضاً؛ لأن النفي المحض -الصرف- لا يفيد مدحاً، ولهذا يوصف الجماد بالنفي الصرف، أما النفي الوارد في باب الأسماء والصفات فهو يستلزم إثبات ضده من الكمال.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأن له وجهاً موصوفاً بالأنوار وأن له بصراً كما علمنا في كتابه أنه سميع بصير، ثم ذكر الأحاديث في إثبات الوجه، وفي إثبات السمع والبصر، والآيات الدالة على ذلك ].

    فقوله تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فيه إثبات اسمين من أسمائه سبحانه: السميع والبصير، وأسماء الله تعالى مشتقة، فكل اسم مشتمل على صفة، فالسميع مشتمل على صفة السمع، والبصير مشتمل على صفة البصر.

    1.   

    إثبات صفة اليدين والرجل والقدم لله سبحانه

    [ ثم قال: ثم إن الله تعالى تعرف إلى عباده المؤمنين، أن قال: له يدان قد بسطهما بالرحمة، وذكر الأحاديث في ذلك، ثم ذكر شعر أمية بن أبى الصلت ].

    هذا فيه إثبات اليدين لله عز وجل، كما أثبتهما لنفسه سبحانه وتعالى في كتابه فقال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وقال: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم ذكر حديث: (يلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رجله)، وهي رواية البخاري ، وفي رواية أخرى: (يضع عليها قدمه) ].

    ففي الرواية الأولى: إثبات الرجل لله عز وجل، والله تعالى لا يضره أحد من خلقه.

    وفي الرواية الثانية: إثبات القدم لله سبحانه وتعالى، وكلا الروايتين ثابتتان، فالقدم والرجل من صفاته سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم ما رواه مسلم البطين عن ابن عباس : أن الكرسي موضع القدمين، وأن العرش لا يقدر قدره إلا الله ].

    وهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وذكر قول مسلم البطين نفسه، وقول السدي وقول وهب بن منبه ، وأبي مالك ، وبعضهم يقول: موضع قدميه، وبعضهم يقول: واضع رجليه عليه.

    ثم قال: فهذه الروايات قد رويت عن هؤلاء من صدر هذه الأمة، موافقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم، متداولة في الأقوال، ومحفوظة في الصدور، ولا ينكر خلف عن السلف، ولا ينكر عليهم أحد من نظرائهم، نقلتها الخاصة والعامة مدونة في كتبهم، إلى أن حدث في آخر الأمة من قلل الله عددهم، ممن حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجالستهم ومكالمتهم، وأمرنا ألا نعود مرضاهم، ولا نشيع جنائزهم، فقصد هؤلاء إلى هذه الروايات فضربوها بالتشبيه، وعمدوا إلى الأخبار فعملوا في دفعها إلى أحكام المقاييس، وكفر المتقدمين، وأنكروا على الصحابة والتابعين، وردوا على الأئمة الراشدين، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل ].

    هذا يعني: أن هذه النصوص -التي فيها إثبات الصفات- ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، متداولة ومعلومة عند السلف، وعند الأئمة، وعند العلماء، وعند الصدر الأول، حتى جاء أهل البدع فضربوها بالتأويل، وضربوا لها المقاييس، وقالوا: إن فيها تشبيهاً، فأبطلوها، وقالوا: إنها أخبار آحاد لا يحتج بها، وأولوها، وأهل البدع هؤلاء هم الذين نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعود مرضاهم، وأن نتبع جنائزهم، وقد سبقهم أهل العلم وأهل البصيرة إلى إثباتها وقبولها والعمل بها، فلا يلتفت إلى هؤلاء -أهل البدع- الذين أحدثوا بعد السلف وبعد الصحابة والتابعين.

    وقول المؤلف عن أهل البدع هؤلاء: قلل الله عددهم، يعني: لا كثرهم الله.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم ذكر المأثور عن ابن عباس ، وجوابه لـنجدة الحروري ، ثم حديث الصورة، وذكر أنه صنف فيها كتاباً مفرداً، واختلاف الناس في تأويله ].

    حديث الصورة: هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته)، كأن ابن خفيف ألف فيه كتاباً مستقلاً.

    و شيخ الإسلام رحمه الله تكلم على حديث الصورة هذا، وأطال فيه، وبين تلبيس الجهمية في هذا، والكتاب بلغ ما يقارب رسالة، وفيه بين المؤلف رحمه الله أن القول الحق الذي عليه الأئمة وأهل العلم، أن الضمير في قول النبي صلى الله عليه وسلم (خلق الله آدم على صورته)، يعود إلى الله، كما تدل عليه الرواية الأخرى: (خلق الله آدم على صورة الرحمن).

    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن الرواية ثابتة وسندها لا بأس به.

    وقال بعضهم: إن الضمير يعود إلى آدم، أي: خلق الله آدم على صورة آدم، وهذا القول نفاه الإمام أحمد وأبطله، فلما سأله ابنه قال: (خلق الله آدم على صورته)، هل هي صورة آدم؟ قال: هذا قول الجهمية، أي على صورة آدم قبل أن يخلقه الله.

    والقول الثالث: قالوا: إن الضمير يعود إلى المضروب؛ لأن الحديث له سبب، فالحديث ورد فيه: (لا تضرب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته)، فقالوا: هذا من باب التشبيه المقلوب، فالضمير يعود إلى المضروب.

    والصواب من هذه الأقوال: أنه يعود إلى الله، وفيه: إثبات الصورة لله عز وجل، بل كل موجود له صورة، فهو يقتضي نوعاً من المشابهة، وهي المشابهة في مطلق الصورة، لكنها لا تقتضي مشابهة في الجنس، ولا في الذات والصفات.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم قال: وسنذكر أصول السنة وما ورد من الاختلاف فيما نعتقده فيما خالفنا فيه أهل الزيغ وما وافقنا فيه أصحاب الحديث من المثبتة إن شاء الله، ثم ذكر الخلاف في الإمامة واحتج عليها وذكر اتفاق المهاجرين والأنصار على تقديم الصديق وأنه أفضل الأمة ].

    الشيخ: هذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة خلافاً للرافضة الذين يرون أن خلافة الصديق وخلافة عمر وعثمان باطلة.

    1.   

    بعض المسائل العقدية التي فيها الخلاف بين أهل السنة وغيرهم، وقول أهل السنة فيها

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم قال: وكان الاختلاف في (خلق الأفعال)، هل هي مقدرة أم لا؟ قال: وقولنا فيها: أن أفعال العباد مقدرة معلومة، وذكر إثبات القدر ].

    يعني: أن الله تعالى قدر الأشياء كلها: الذوات والصفات والأفعال، قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، فهي مقدرة مخلوقة، خلقها الله عز وجل.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم ذكر الخلاف في أهل (الكبائر) ومسألة (الأسماء والأحكام)، وقال: قولنا فيها: أنهم مؤمنون على الإطلاق، وأمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم ].

    يعني: أن أهل الكبائر إذا كانت الكبيرة لا تخرجه عن دائرة الإيمان؛ فإنها لا تخرجه من الإسلام، بل يكون مؤمناً ضعيف الإيمان، كالزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه وقاطع الرحم، وهذا إذا لم يستحل هذه الكبيرة، وهو تحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وكذلك البدع التي لا توصل إلى الكفر كلها تضعف الإيمان، ولا تخرج منه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال: أصل الإيمان موهوبة يتولد منها أفعال العباد، فيكون أصل التصديق والإقرار والأعمال، وذكر الخلاف في زيادة الإيمان ونقصانه، وقال: قولنا: أنه يزيد وينقص ].

    وهذا قول أهل السنة والجماعة، أن الإيمان يزيد وينقص، وأنه تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، خلافاً لمرجئة الفقهاء كأهل الكوفة وأبي حنيفة وأصحابه، فإنهم قالوا: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، وهذا قول مرجوح، والصواب: أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال: ثم كان الاختلاف في القرآن، مخلوقاً وغير مخلوق، فقولنا وقول أئمتنا: إن القرآن كلام الله غير مخلوق وإنه صفة الله، منه بدأ قولاً، وإليه يعود حكماً ].

    هذا هو الصواب: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وقد كفر الأئمة من قال إنه مخلوق، قالوا: من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر، وممن قال ذلك الإمام أحمد وجماعة، وهذا على العموم، أما المعين فلا بد أن تقوم عليه الحجة.

    ومعنى (منه بدأ): أن الله تكلم به، و(إليه يعود) أي: في آخر الزمان حينما يترك الناس العمل به فينزع من الصدور، ومن المصاحف، نسأل الله السلامة والعافية.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم ذكر الخلاف في الرؤية، وقال: قولنا وقول أئمتنا فيما نعتقد أن الله يرى في القيامة، وذكر الحجة ].

    والنصوص الواردة في إثبات الرؤية في القرآن واضحة، وفي السنة متواترة؛ ولهذا قال الأئمة: من أنكر رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة كفر.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم قال: اعلم رحمك الله أني ذكرت أحكام الاختلاف على ما ورد من ترتيب المحدثين في كل الأزمنة، وقد بدأت أن أذكر أحكام الجمل من العقود، فأقول: ونعتقد أن الله عز وجل له عرش، وهو على عرشه فوق سبع سماواته، بكل أسمائه وصفاته، كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وقال: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ [السجدة:5]، ولا نقول: إنه في الأرض كما هو في السماء على عرشه؛ لأنه عالم بما يجري على عباده، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة:5] ].

    وهذا فيه إثبات العرش، وإثبات أن الله فوق العرش، وإثبات العلو لله عز وجل، وهذا ثابت بالأدلة الكثيرة الواضحة من الكتاب والسنة، حتى إن العلماء بينوا أن نصوص العلو والفوقية تزيد أفرادها على ثلاثة آلاف دليل:

    منها: أن الله قال: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، في سبعة مواضع، وقال: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]، وقال: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، وقال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وقال: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]، وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، وقال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، وقال: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج:4]، إلى غير ذلك من أنواع الأدلة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى أن قال: ونعتقد أن الله تعالى خلق الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان للبقاء لا للفناء، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، خلافاً للمعتزلة الذين قالوا: إنهما معدومتان الآن، وإنما تخلقان يوم القيامة؛ لأن وجودهما الآن ولا جزاء عبث، والعبث محال على الله، هكذا يزعمون، وهذا من أبطل الباطل، فالنصوص دلت على أنهما موجودتان، قال الله تعالى عن الجنة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] وقال عن النار: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]، والمؤمن في قبره يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، والكافر يفتح له في قبره باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها، والجنة فيها الحور، فهما موجودتان الآن، وهما دائمتان لا تفنيان.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ إلى أن قال: ونعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج بنفسه إلى سدرة المنتهى، إلى أن قال: ونعتقد أن الله قبض قبضتين فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار ].

    عرج به عليه الصلاة والسلام حتى جاوز السبع الطباق، ووصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام، ذلك الإيمان بالقدر، وأنه قبض قبضتين قال في إحداهما: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، وكل صائر إلى ما قدر الله، فأهل السعادة ييسرهم الله لأهل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرهم لعمل أهل الشقاوة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ونعتقد أن للرسول صلى الله عليه وسلم حوضاً، ونعتقد أنه أول شافع وأول مشفع ].

    من حيث إثبات الحوض، هذا ثابت في النصوص المتواترة، وأن له هذا الحوض في يوم القيامة، يصب فيه ميزابان من ماء الكوثر، طوله مسافة شهر وعرضه مسافة شهر، وأوانيه عدد نجوم السماء، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.

    وهو عليه الصلاة والسلام الشافع المشفع في المحشر، فهو عليه الصلاة والسلام له الشفاعة العظمى يوم القيامة عامة، يشفع في الخلائق مؤمنهم وكافرهم، عامة للمؤمنين والكفار؛ لأنها لراحة النفس من موقف الحساب، ثم الشفاعة لأهل الجنة الذين يؤذن لهم في دخولها، ثم الشفاعة لرفع درجات القوم من أهل الجنة، ثم الشفاعة في قوم استحقوا دخول النار ألا يدخلوها، وفيمن دخلها حتى يخرج منها من العصاة، وهذه تواترت بها النصوص ووردت فيها الأحاديث، ومع ذلك أنكرها الخوارج والمعتزلة؛ لجهلهم وضلالهم.

    قال: [ وذكر الصراط والميزان والموت، وأن المقتول قتل بأجله واستوفى رزقه ].

    هذا الصراط والميزان أثبتهما الله في كتابه، وأن الصراط صراط حسي والميزان ميزان حسي؛ لأنه توزن فيه الأعمال والأشخاص، والصراط يمر الناس عليه على متن جهنم.

    وقوله: (قتل بأجله) هذا هو الصواب؛ لأن الله تعالى قدر الآجال خلاف المعتزلة القائلين: المقتول قتل عليه أجله، وأنه لو لم يقتل لعاش، وهذا باطل.

    قال: [ ومما نعتقد: (أن الله ينزل كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، فيبسط يده فيقول: ألا هل من سائل..) الحديث. وليلة النصف، وعشية عرفة، وذكر الحديث في ذلك ].

    هذا كلام أبي عبد الله بن خفيف ، واسمه: محمد بن خفيف الضبي الفارسي الشيرازي أبو عبد الله من مشايخ الصوفية، وقد رحل وحج مراراً، وله مؤلفات كثيرة، قال أبو عباس الفسوي : صنف شيخنا ابن خفيف من الكتب ما لم يصنفه أحد، وانتفع به جماعة صاروا أئمة يقتدى بهم، وعمر حتى عم نفعه البلدان، وقال الذهبي عنه: قد كان هذا الشيخ جمع بين العلم والعمل، وعلو السند، والتمسك بالسنن، ومتع بطول العمر في الطاعة، ولد حوالي سنة (268) وتوفي سنة (371)، من مؤلفاته: الوصية، العقيدة أو المعتقد، كتاب الاقتصاد.

    وهذا الحديث رواه الشيخان وأصحاب السنن، ونزول الرب من الأحاديث المتواترة، وهو من الصفات التي تكون لله جل جلاله كسائر الصفات.

    وأما نزوله في ليلة النصف من شعبان فغير صحيح، هذا قول ضعيف، والأحاديث التي فيها باطلة أو ضعيفة جداً، فإن الله ينزل ليلة النصف وغيرها في كل ليلة، أما تخصيص ليلة النصف فلا أعلم له أصلاً، وبعضهم قال: إنها ليلة القدر، وقال بعضهم متخصص بقيام خاص وباستفادة خاصة أو بأركان خاصة يقرأ فيها ويصلي فيها اثني عشر ركعة، والركعة الأولى يقرأ: قل هو الله أحد ثلاثين مرة، والفاتحة كذا عشر مرات، كل هذا من البدع وليس له أصل، والصواب: أن الشيخ رحمه الله ينقل عن غيره، وقصد بذلك مبيناً معتقد أهل السنة والجماعة، وقد يكون في بعض ما ينقل ملحوظات، أو قصد أنه يرد على هذا ويبينها رحمه الله، فهو ما أراد أن يتتبع بعض الأقوال الضعيفة، إنما قصده من ذلك أن ينقل نقولاً تؤيد معتقد أهل السنة والجماعة في الصفات وفي النزول، أما فيما أخبر فيه من مسألة فرعية في نزول ليلة النصف فهذا قول ضعيف.

    وأما نزوله سبحانه عشية عرفة فهذا ثابت، أنه ينزل عشية عرفة يباهي بأهل الموقف الملائكة.

    قال: [ ونعتقد: أن الله كلم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً ].

    وهذا كذلك فيه إثبات الكلام لله بنص القرآن الكريم، وقد أنكر الجعد بن درهم هاتين الصفتين، وهو أول من حفظ عنه في الإسلام نفي الصفات، وكان ممن تكلم عن الخلة والتكليم، فادعى أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، فضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق والمشرق بواصل وقتله، وكان هذا بفتوى من علماء زمانه، وكان أكثرهم من التابعين، وشكر له العلماء ذلك، فقد قتله يوم عيد الأضحى، وذلك حين صلى بالناس، ثم خطب، وقد أتي بـالجعد مقيداً في أصل المنبر، ثم نزل ليحضر الخطبة وقال في خطبة العيد: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بـالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً، ثم نزل وأخذ السكين وذبحه ذبح الشاة في أصل المنبر أمام الناس، رحمه الله، وشكره العلماء على ذلك، وأثنوا عليه، ومن هؤلاء ابن القيم رحمه الله إذ يقول:

    ولأجل ذا ضحى بجعد خالد القسري يوم ذبائح القربان

    إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني

    شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان

    قال: [ ونعتقد: أن الله كلم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً، وأن الخلة غير الفقر لا كما قال أهل البدع ].

    فالجهمية فسروا الخلة بالفقر، قال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125] يعني: فقيراً، وهذا من أبطل الباطل، وهذا الوصف عام، حتى الأصنام فقيرة، وكل شيء فقير إلى الله، وهناك ميزة للخليلين، فتفسير الخلة بالفقر هذا وصف عام لجميع المخلوقات، فكلها فقيرة إلى الله، والمؤمنون والكفار كلهم فقراء إلى الله، فتفسير الخلة بالفقر تفسير الجهمية هذا من أبطل الباطل، فالصحيح: أن الخلة وصف محبة وكمالها غير الفقر.

    ومن شبهات الجهمية قولهم: إن الخلة أو المحبة تحتاج إلى مناسبة بين المحب والمحبوب، وليس هناك مناسبة بين الرب وهو قديم والمخلوق وهو حادث توجب المحبة، والحكاية هذه من أبطل الباطل، بل هي أعظم مناسبة بين عبد ورب، فالله تعالى مربي عباده وموجدهم وخالقهم، وهم عبيده، يعبدونه ويتضرعون إليه، هذه أعظم مناسبة، فكيف يقال: ليس ثم مناسبة؟! لكن الجهمية من أجهل الناس.

    قال: [ ونعتقد: أن الله تعالى خص محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية ].

    وهذا قول لبعض العلماء: أن محمداً خصه الله بالرؤية، بمعنى: أنه رأى ربه بعين رأسه في السماء ليلة المعراج، والصواب: أنه لم يره بعين رأسه، وإنما رآه بعين قلبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر : (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه) وفي حديث أبي موسى : (حجابه نور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) ومحمد خلق، ولقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى:51] فالله تعالى كلمه من وراء حجاب، هذا هو الصواب الذي عليه المحققون، وما ورد في هذا من الآثار كالصحابة وغيرهم من إثبات الرؤية فهو محمول على رؤية القلب، وما ورد من الآثار في نفي الرؤية فالمراد: نفي الرؤية بالبصر وهذا هو الصواب، وبهذا تجتمع الأدلة، كما حقق هنا أبو العباس بن تيمية وغيره.

    فالقول بأن النبي رأى ربه هذا قول ضعيف، والقول الآخر لبعض العلماء، واختاره أحمد : أن محمداً له الرؤية، قال بعضهم: الرؤية لمحمد، والخلة لإبراهيم، والتكليم لموسى، وكل واحد له خصوصية، والصواب: أن نبينا صلى الله عليه وسلم شارك إبراهيم في الخلة فهو خليل الله، وشارك موسى في التكليم، فقد كلمه الله من وراء حجاب، وأما الرؤية فالصواب: أنه لم يره، ولا يستطيع أحد أن يراه في الدنيا، ولما سأل موسى ربه الرؤية في الدنيا: قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143]، فلما تجلى الله إلى الجبل اندك فصعق موسى، فلما أفاق قال: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143] أي: أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا صعق ولا جبل إلا صعق، فلا يستطيع أحد من البشر ولا الملائكة وغيرهم من المخلوقين أن يراه في الدنيا، لكن في يوم القيامة في الآخرة ينشئ الله الناس تنشئة قوية، فتقوى أبصارهم فيستطيعون الثبوت لرؤية الله، أما في الدنيا فلا يستطيعون الثبات، ولهذا الجبل ما استطاع فاندك.

    ورؤية محمد ربه في المنام ثابتة، قال شيخ الإسلام : جميع الطوائف تثبت الرؤية في المنام إلا الجهمية من شدة إنكارهم، حتى أنكروا الرؤية في المنام.

    لكن يقول: إنه يرى على حسب اعتقاده ولا يلزم بذلك التشبيه، فإذا كان اعتقاده في ربه اعتقاداً حسناً ظهر له في صورة حسنة، وإذا كان اعتقاده سيئاً رآه في صورة مماثلة لاعتقاده، ولزم بذلك التشبيه، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أصح الناس اعتقاداً قال: (رأيت ربي في أحسن صورة).

    قال: [ ونعتقد: أن الله تعالى خص محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية، واتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ].

    فاتخاذ الله محمداً خليلاً صحيح، أما الرؤية فالصواب: أنه لم يره بعين رأسه، وإنما رآه بعين قلبه.

    قال: [ ونعتقد: أن الله تعالى اختص بمفاتح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ.. [لقمان:34] الآية ].

    ولا شك في ذلك، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].

    قال: [ ونعتقد: المسح على الخفين ثلاثاً للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم ].

    وهذا أدخله في كتب العقائد؛ لأن الرافضة أنكروا المسح على الخفين، وإلا فإن هذه مسألة فرعية، لكن العلماء يذكرونها في كتب العقائد للرد على الرافضة الذين ينكرون المسح على الخفين، وينكرون غسل الرجلين، فيقولون: الرجلان في الوضوء تمسحان، فالواجب مسح ظهور القدمين، وإذا كان عليهما خفان وجب خلعهما ونزعهما ومسح ظهور القدمين، وهذا من أبطل الباطل، ولهذا يذكر العلماء ذلك في كتب العقائد للرد على الرافضة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765744544