إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب الصلاة [1]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع المولى جل وعلا الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، وشدد في وجوبها، وحكم على تاركها أنه كافر على أرجح أقوال أهل العلم. ويشرع للصلاة المفروضة الأذان والإقامة، ولهما أحكام معروفة.

    تعريف الصلاة لغة وشرعاً

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ كتاب الصلاة ].

    الصلاة مشتقة من الدعاء على الصحيح في اللغة, وهي مشتقة من الصلوني وهما عرقان في ظهر الإنسان, وقيل: إنها مشتقة من صليت العود على النار إذا قومته, وقيل: مشتقة من الصلي وهو ملازمة الشيء والأرجح أنها مشتقة من الدعاء.

    وشرعاً: هي عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم.

    أو هي عبادة ذات ركوع وسجود وأفعال وأقوال مشروعة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم.

    وهي أعظم الواجبات بعد توحيد الله عز وجل.

    حكم ترك الصلاة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة, ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد, إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) ].

    هذا الحديث احتج به من قال: إن ترك الصلاة ليس بكفر, لكنه حديث ضعيف (لا يصح، والعجيب أن المؤلف ما وجد إلا هذا الحديث المتكلَّم فيه يستدل به على عدم جواز ترك الصلاة, مع أن الأحاديث كثيرة في هذا, ولو صح هذا الحديث فهو محمول على ما جاء في رواية ابن ماجة من أتى بها ولم ينتقص شيئاً منها.

    فالمقصود أن الحديث ضعيف؛ لأن الحديث يدل على عدم كفر تارك الصلاة, ولأنه قال: من أتى بها كان له عند الله عهد، ومن لم يأت بها لمن يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء لم يعذبه), لكنه لا يصح, والأحاديث الصحيحة دالة على كفر تارك الصلاة، كحديث: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة).

    وحديث: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).

    وحديث: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله).

    وحديث: (من ترك الصلاة متعمداً فقد برأت منه ذمة الله).

    وقوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11].

    وقول جمهور العلماء وهو الصواب: أن ترك الصلاة كفر وردة ولو لم يجحد وجوبها, أما إذا جحد وجوبها فهذا بالإجماع, وهذا الحديث ضعيف لا يصح، فإن قيل: إن قوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ [التوبة:5] لا يدل على كفر تارك الصلاة؛ لأن ترك الزكاة ليس كفراً، يعني من غير جحود، فهل هذا صحيح؟

    أقول: لقد جاء الوعيد الشديد لتارك الزكاة, فقد ورد في الحديث: (أن صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها تبطح لها بقاع قرقر، ثم تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها, وكلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم بعد ذلك يرى سبيله إما إلى الجنة وإما النار).

    فدل على أنه ليس بكافر؛ لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة, فهذا النص أخرج الزكاة وبقيت الصلاة على الحكم الأصلي، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] فهنا علق العقوبة على ثلاثة أمور: التوبة والصلاة والزكاة, والزكاة جاء ما يصرفها وبقيت الصلاة.

    بيان من تجب عليه الصلاة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فالصلوات الخمس واجبة على كل مسلم بالغ عاقل إلا الحائض والنفساء, فمن جحد وجوبها لجهله عُرِّف ذلك ].

    يعني: الحائض والنفساء ليستا مخاطبتين بوجوب الصلاة, فلا تجب عليهما ولا يقضيانها بإجماع العلماء، ما عدا الخوارج فإنهم يوجبون على الحائض والنفساء قضاء الصلاة, ولهذا لما جاءت امرأة إلى عائشة تسأل وتكثر السؤال وتقول: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟! ثم قالت: هكذا كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة).

    حكم من جحد الصلاة وحكم تأخير الصلاة عن وقتها

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر ].

    وهذا بالإجماع أن من جحد الصلاة عناداً فقد كفر بإجماع المسلمين، أما إذا كان جاهلاً فيُعلَّم، ومثل له أهل العلم بمن أسلم في بلاد بعيدة، أو في بادية بعيدة بأن نطق بالشهادتين، وأنكر وجوب الصلاة وهو لا يعلم، فإنه يعرف؛ لأنه معذور لا يعلم بأن الصلاة واجبة، وأنها فرضت في اليوم والليلة خمس مرات، فإذا عرف بذلك وأصر على تركها حكم بكفره بعد ذلك.

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها إلا لناوٍ جمعهان أو مشتغل بشرطها ].

    فليس له أن يؤخرها عن وقتها إلا إذا نوى الجمع، كالمريض أو المسافر، فالمسافر يرخص له في صلاة الظهر والعصر أن ينوي جمعهما مع بعض، وكذلك المريض لكن المسافر يقصر الرباعية، والمريض لا يقصر، وهذا يغلط فيه بعض الناس حيث يظنون أن المريض إذا جمع يقصر، وليس كذلك، بل المريض يجمع، ويتم الصلاة، فيجمع الظهر مع العصر أربعاً، ويصلي الظهر أربعاً والعصر أربعاً، وكذلك إذا كان مشتغلاً بشرطها مثل أن يتطهر ويتوضأ فخرج الوقت بدون اختياره، أو مثلاً: كان يخيط ثوبه، كأن يكون عارياً ولا يوجد له ثوب غيره، فيخيط الثوب مشتغلاً بالشرط؛ لأن ستر العورة شرط من شروط الصلاة، فهذا لا بأس به، أما لغير عذر فلا يجوز التأخير.

    وكذلك الناسي والنائم حتى يستقيظ، وحتى يتذكر.

    أما إذا أخرها بدون عذر فقد اختلف العلماء إذا أخرها وليس ناسياً ولا جاهلاً ولا مشتغلاً بشرطها ولا متأولاً فقال بعض أهل العلم: أنه يكفر ويكون مرتداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله).

    وقال آخرون: أنه لا يكون مرتداً، ولكن جريمته أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه والمرابي، نسأل الله السلامة والعافية.

    ولم يجد ثوباً فإنه يصلي، ولكن قال أهل العلم: له أن يصلي جالساً. وظاهر كلام المصنف أنه إذا كان مشتغلاً بشرطها ففي هذه الحالة يؤديها ولو تأخر، كأن ينشغل باستخراج الماء من البئر، فيتوضأ ولو في آخر الوقت.

    وإذا قدم الطعام فالأصل أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، لكن إذا قدم الطعام فهذا عذر في ترك الجماعة إذا كان هذا يشوش ذهنه فيأخذ ما يكفيه؛ حتى يقبل على الصلاة، ولا يؤديها وهو منشغل بالطعام، لكن إذا كان الوقت سيخرج فيصلي.

    أما تأخير الصلاة في الفريضة متعمداً حتى يخرج وقتها، فقد أفتى جمع من أهل العلم بأنه يكون مرتداً، وهذا ما أفتى به سماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه، بأن الذي اعتاد أن يؤخر الصلاة فلا يصلي الفجر إلا بعد الشمس فإنه مرتد.

    وقال آخرون: لا يكون مرتداً إذا صلاها، لكن يكون كفره كفراً أصغر، وتكون جريمته أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه، وحجة من قال بكفره: حديث البخاري عنه صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك صلاة العصر فقط حبط عمله)، والذي يحبط عمله هو الكافر. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله).

    ولا يجمع إلا من كان له عذر كالمريض المسافر، وليس كل من له عمل، فإن هذا فتح لهذا الباب ولاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الأعمال، ولو فتح الباب فإن كل النساء ستجمع، وكذلك أيضاً الخباز الذي يقول: إنه يشتغل أربعاً وعشرين ساعة في المخبز، والذي في المناجم، والذي في المعامل، فهذا فتح لباب الأعمال.

    حكم تارك الصلاة تهاوناً

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن تركها تهاوناً بها استتيب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل ].

    فإذا تركها استتيب ثلاثة أيام فإن أصر قتل حداً على مذهب المصنف رحمه الله.

    والقول الثاني: أنه يقتل كفراً، والفرق بين القولين: أنه إذا قتل حداً فإنه يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم، أما إذا قتل كفراً فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم فهو يقتل على كل حال إذا ارتد لكن قتله على كفر أو حد فحكم الحاكم هو الذي يرفع الخلاف، فالقاضي إذا اختار أحد القولين وقتله كفراً حكم بكفره، فلا يغسل ولا يصلى عليه، وإن قتله وحكم بعدم كفره بأن قتله حداً فإنه يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم، والقاعدة عند أهل العلم: أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، فإذا كانت المسألة فيها قولان، ثم حكم الحاكم بأحد القولين فقد ارتفع الخلاف.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087815242

    عدد مرات الحفظ

    774185658