أركانها اثنا عشر: الأول: القيام مع القدرة ].
وهذا بالإجماع، فلا تصح الفريضة من الجالس إذا كان يقدر، إلا المؤتمون إذا كان إمام الحي مريضاً وصلى قاعداً فإنهم يصلون خلفه قعوداً، كما سبق في صحيح مسلم استحبابه.
هذا ركن بالإجماع، فلا تسقط سهواً ولا عمداً ولا جهلاً، فلابد من القيام، فإن عجز عن القيام صلى قاعداً، فإن عجز صلى على جنبه الأيمن، فإن عجز صلى مستلقياً ووجهه إلى القبلة، كما جاء في حديث عمران بن حصين : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، زاد النسائي : (فإن لم تستطع فمستلقياً)، تكون رجلاه إلى القبلة، فإذا صلى قاعداً في الفريضة وهو يستطيع فصلاته باطلة بالإجماع، فلابد من القيام مع القدرة.
وهذه ركن بالإجماع، فلا تنعقد الصلاة إلا بها، فمن لم يكبر تكبيرة الإحرام لا تنعقد صلاته.
ولا يجزي إلا قول: (الله أكبر)، فلو قال: الله الأجل أو الله الأعظم، لا يجزئ هذا، خلافاً لما روي عن بعض الأحناف أنه يجزي أن يقول: الله أكبر الله أجل، وهذا قول ضعيف لا وجه له.
أما الجلوس في النافلة فيجوز، فلك أن تصلي جالساً ولو كنت مستطيعاً على القيام، لكن لك نصف أجر القائم، ويجوز للإنسان أن يصلي النافلة قاعداً، كالراتبة في الليل.. وصلاة الضحى.. والوتر.. ونحوهن، لكن ليس لك من الأجر إلا النصف، إلا إذا كنت عاجزاً فأجرك تام؛ كما ثبت من حديث أبي موسى : (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً).
قراءة الفاتحة ركن أيضاً بالإجماع بالنسبة للإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فهي ركن في حق الإمام.
أما المأموم ففيه اختلاف كما سبق، فمن العلماء من قال: تسقط عن المأموم في الصلاة السرية والنافلة.
وقال آخرون: تجب عليه في السرية دون الجهرية.
وقال آخرون: تجب عليه في السرية ولا تجب في الجهرية، وهذا مذهب الجمهور، ويستدلون بحديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة).
وقال آخرون: إنها واجبة في حق المأموم، يعني: أقل من الركن، ولا تسقط لا في السرية ولا في الجهرية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) فتكون مستثناة من قوله: (لا صلاة لمنلم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وهذا في حق المأموم، أي: أنه واجب مخصص.
لكن إذا أدرك الإمام راكعاً سقطت عنه؛ لحديث أبي بكرة : أنه لما جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع كبر دون الصف، ثم دب دبيباً فدخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يقل: أعد الركعة، فدل على أن المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً سقطت عنه الفاتحة، وكذلك إذا أدرك الإمام في آخر القيام ولم يتمكن من قراءتها أو نسي قراءتها أو قلد من يقول: إنها ليست واجبة فإنها تسقط عنه في هذه الحالة.
وقال آخرون: إنها لا تسقط مطلقاً حتى في حق من أدرك الإمام راكعاً، وإذا أدرك الإمام راكعاً فإنه يقضي تلك الركعة، وهذا اختيار البخاري رحمه الله وجماعة، وألف في هذا رحمه الله رسالة سماها: جزء القراءة، ذكر فيها الأدلة، ورجح أن القراءة لا تسقط عن المأموم بحال مطلقاً، ومن لم يقرأ الفاتحة يقضي الركعة ولو أدرك الإمام راكعاً، لكن المعروف عند المحققين -وورد فيه جمع من الأحاديث- أن المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً سقطت عنه وأدرك الركعة؛ لحديث أبي بكرة.
الركوع أيضاً ركن لابد منه؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، والواجب في الركوع أن يهوي حتى تصل يداه إلى ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه، وكونه يمد صلبه ويجعل رأسه حيال ظهره هذا مستحب، وهو الأكمل في الركوع، وهذا ركن لابد منه، لا يسقط لا جهلاً ولا سهواً ولا عمداً.
كذلك لابد من الرفع من الركوع.
السجود على الأعضاء السبعة ركن لا تتم الصلاة إلا به، والأعضاء السبعة هي: اليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، والجبهة والأنف، فهما واحد، ولابد أن يسجد عليها كلها، فإن سجد على ستة أعضاء من أول السجود إلى آخره بطلت السجدة، وإذا رفع أحد الأعضاء من أول السجود إلى آخره ما صحت السجدة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، اليدين، والرجلين، وأطراف القدمين، وأشار إلى جبهته وأنفه) وفي بعضها: (أمر الناس أن يسجدوا على سبعة آراب) يعني: أعضاء.
وإذا لم يسجد على السبعة الأعضاء سقطت السجدة، فإذا أمكن الإعادة فيعيد، وإذا تجاوزها تبطل الركعة ويأتي بدلها بركعة أخرى.
يعني: الرفع من السجود والجلوس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الثامن: والطمأنينة في هذه الأركان ].
الطمأنينة: هي الركود والسكون حتى يعود كل مفصل إلى موضعه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ التاسع: والتشهد الأخير، العاشر: والجلوس له ].
التشهد الأخير والجلوس فيه هذان ركنان، والقراءة في التشهد ركن أيضاً.
التسليمة الأولى، أما التسليمة الثانية فهي مستحبة على هذا القول، والقول الثاني والمذهب الذي نص عليه فيه: والتسليمتان، أي: أنهما ركن، وهنا قال: التسليمة الأولى، فهي الواجبة عند الجمهور والتسليمة الثانية فيها اختلاف، وأوجبها بعض العلماء؛ ولهذا لو سلم المأموم قبل التسليمة الأولى ما صحت صلاته، فإن سلم بعد التسليمة الأولى ففيه اختلاف.
يعني: الترتيب على ما سبق، وقد أسقط بعض الأركان هنا.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب ذكر أركان الصلاة أربعة عشر ركناً، وذكر منها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والاعتدال بعد الركوع، وكذلك الاعتدال بين السجدتين، ولم يذكر الترتيب بين الأركان، فتكون أربعة عشر ركناً.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جعلها هنا واجبة.
والقول الثاني وهو المذهب: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الصلاة، وهنا لم يعدها من الأركان، وإنما عدها من الواجبات، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها اختلاف فقيل: إنها ركن، وقيل: إنها واجب، وقيل: إنها سنة، والأقرب: أنها واجبة كما ذكر صاحب العمدة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال: فهذه الأركان لا تتم الصلاة إلا بها ].
فلا تسقط سهواً ولا عمداً ولا جهلاً، بل لابد من الإتيان بها، لكن إذا ترك شيئاً منها -ركعة أو سجدة- ناسياً ثم تذكر فيأتي به وبما بعده، فإن لم يذكره حتى وصل إلى مكانه من الركعة الثانية ألغيت الركعة الأولى وصارت التي بعدها عوضاً عنها.
هذا الواجب إن سقط سهواً يجبر بسجود السهو، أما عمداً فيبطل الصلاة، أما الركن فلا يسقط سهواً ولا عمداً ولا جهلاً ولا يسقط بشيء، بل لابد من الإتيان به.
أما الواجب فإذا تركه سهواً جبره بسجود السهو، وذلك بأن يسجد سجدتين، وإن تركه عمداً بطلت الصلاة.
إذاً: فمن واجبات الصلاة: التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، يعني: تكبيرات الانتقال كالركوع والسجود والرفع والقيام، فجميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام واجبة.
التسبيح الواجب مرة، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر تسبيحات، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم يحسب له في الركوع والسجود عشر تسبيحات مع التدبر، كما ذكر أنس ، وأن الصحابة يحسبون له في الركوع والسجود عشر تسبيحات مع التدبر، مع دعاء: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، وكان إذا رفع رأسه من الركوع وقف حتى يقول القائل: قد نسي أو قد أوهم، وإذا رفع رأسه من السجود جلس حتى يقول القائل: قد نسي أو قد أوهم.
التسميع: قول: سمع الله لمن حمده، وهذا واجب من واجبات الصلاة.
والتحميد قول: ربنا ولك الحمد، وهذا واجب، والتسميع في حق الإمام، أن يقول: سمع الله لمن حمده، وقول: ربنا ولك الحمد في حق الإمام والمأموم والمنفرد جميعاً.
قال آخرون من أهل العلم: إن المأموم يقول أيضاً: سمع الله لمن حمده، فيجمع بينهما، وأظن هذا مذهب الشافعي ، لكن هذا قول مرجوح.
والصواب: أن في حق الإمام التسميع، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، وكذلك الإمام والمنفرد جميعاً.
والدليل على هذا ما ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) ولم يقل: فقولوا: سمع الله لمن حمده، فدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، إنما هذا في حق الإمام، ومعنى سمع أي: استجاب، والسماع: معناه الاستجابة، أي: استجاب الله لمن حمده، ولأن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده فيجيب نفسه ويجيبه المأمومون: ربنا ولك الحمد.
كذلك يقول: رب اغفر لي مرة، والمستحب ثلاث مرات.
وهذه التكبيرات والتسبيح والتحميد وقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود كلها واجبة عند الحنابلة، وهي عند الجمهور مستحبة، فلو تركها فلا شيء عليه، ولكن ظاهر السنة أنها واجبة، كما ذهب إلى ذلك الحنابلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
كذلك التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة، والدليل على أنه واجب أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث عبد الله بن بحينة - لما ترك التشهد سجد له سجدتين، فدل على أنه واجب ولو كان ركناً لما سجد له.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والجلوس له ].
كذلك الجلوس للتشهد الأول.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في التشهد الأخير.
والمؤلف مشى هاهنا على طريقة صاحب الزاد، والشيخ محمد بن عبد الوهاب مشى على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الصلاة.
وعلى القول بأنها ركن: لو ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما صحت الصلاة، وعلى القول بأنها واجبة إذا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتين وأجزأه ذلك.
وهناك قول ثالث: وهو أنها سنة، فهذه ثلاثة أقوال لأهل العلم: ركن، واجب، مستحب، وأعدلها القول في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما ذهب إليه صاحب العمدة هنا، والشيخ محمد بن عبد الوهاب عده من الأركان في رسالة: شروط الصلاة، والمذهب أنها ركن.
وهو الحق: فإنه لو تركها عمداً بطلت الصلاة، ومن المعلوم أن الرسول ما يتعمد الترك، فإن تركها سهواً جبرها بسجدتي السهو.
أما الأركان: فإنها لا تسقط سهواً ولا جهلاً ولا عمداً، هذا الفرق بينهما.
وأما السنة: فإذا تركها سهواً أو عمداً فلا يؤثر ولا يجبرها بالسجود، وإن سجد في ترك المستحب فلا بأس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وما عدا هذا فسنن لا تبطل الصلاة بعمدها ولا يجب السجود لسهوها ].
مثل الزيادة على التسبيحة في الركوع والسجود، والزيادة على قول: رب اغفر لي، والاستفتاح، ورفع اليدين أيضاً عند تكبيرة الإحرام، والركوع والرفع منه، والقيام بعد التشهد الأول والتورك، فهذه كلها مستحبات.
والسهو على ثلاثة أضرب:
أحدها: زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن؛ فتبطل الصلاة بعمده، ويسجد لسهوه ].
قوله: (السجود على ثلاثة أضرب)، يعني: يشرع سجود السهو لواحد من ثلاثة أمور: الزيادة، والنقص، والشك. فإذا زاد في الصلاة أو نقص منها أو شك فإنه يسجد للسهو سجدتين، والزيادة مثل لها النبي صلى الله عليه وسلم كأن زاد ركعة خامسة في الرباعية، أو رابعة في الثلاثية -المغرب- أو ثالثة في الفجر والجمعة والنافلة والعيد والاستسقاء، فإنه في هذه الحالة يجب عليه أن يسجد للسهو، وإذا زاد ركوعاً أو سجوداً أو قياماً سهواً فإنه يسجد كذلك للسهو.
فيشرع للمصلي أن يسجد سجدتي السهو إذا فعل واحداً من هذه الأمور الثلاثة: إذا زاد في صلاته أو نقص أو شك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أحدها: زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن فتبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه ].
أي: إذا تعمد زيادة ركعة بطلت الصلاة، ولا يمكن من المسلم أن يتعمد زيادة ركوع أو سجود أو ركعة، وإنما يفعل هذا عن سهو أو جهل، فإذا تعمد بطلت الصلاة، وإذا وقع سهواً سجد سجدتين للسهو قبل السلام أو بعده على ما يأتي التفصيل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن علم وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال ].
أي: إذا علم وتذكر أنها زائدة يجلس في الحال ولا يكملها، كمثل أن يأتي بخامسة فقرأ الفاتحة ثم تذكر، فيجلس في الحال ويتشهد -إن كان ما تشهد- ويسلم، وإن كان تشهد يسجد سجدتين.
أي: إذا نقص من صلاته فإنه يأتي بما بقي عليه، ثم يسجد، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين، ثم يسلم، والسجود كله يكون قبل السلام إلا في حالتين: إذا سلم عن نقص، وإذا بنى على غالب ظنه.
أما الحالة الأولى: فكما ثبت في حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة معروضة في مؤخر المسجد واتكأ عليها كأنه غضبان) والصحابة سكتوا ما نبهوه؛ لأنهم ظنوا أنه نزل عليه الوحي فقصرت الصلاة، فسكت الصحابة، والصفوف على حالها، (فجاء رجل في يديه طول يقال له:
وأما الحالة الثانية: فكما في حديث ابن مسعود بمعناه: (إذا شك أحدكم فليتحر الصواب وليتم ما عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم).
أما إذا لم يكن عنده غلبة الظن فإنه يبنى على اليقين، ويسجد قبل السلام، كأن شك أصلى ركعتين أم ثلاثاً، وما عنده غلبة الظن، فيجعلها ركعتين -وهو اليقين والأقل- ويسجد سجدتين قبل السلام، وكما لو شك في الطواف أو السعي فإنه يبني على اليقين وهو الأقل.
يعني: الحركات، إذا كثرت في صلاته أبطلت الصلاة، وإن سجد للسهو عنها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن كان كثيراً أبطلها، وإن كان يسيراً كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حمله أمامة وفتحه الباب لـعائشة فلا بأس به ].
وهذا يسير، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت العاص بن الربيع -وهي بنت ابنته زينب وهو في الصلاة، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها وهو يؤم الناس في الصلاة- عمل يسير.
وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على المنبر يعلم الناس، حيث كبر وهو على المنبر وركع، ثم لما أراد السجود رجع القهقهرى -أي: تأخر- ثم سجد في الأرض، ثم قام وصعد المنبر، وقال: (إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي)، فإذا كان الإنسان يفعله للتعليم فلا بأس.
كفتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب لـعائشة ، وكان الباب في جهة القبلة، فتقدم خطوات وفتح الباب، وهذا شيء يسير أيضاً.
ومثله أيضاً: الإشارة بالسلام، أي: إذا سلم أحد على المصلي فإنه يعطي الإشارة باليد.
ومثلما فعلت عائشة في صلاة الكسوف لما جاءت أسماء وقالت: ماذا حدث؟ والناس يصلون، فأشارت عائشة بيديها إلى السماء. فقالت أسماء: آية؟ قالت برأسها: نعم، وهذا من الإشارة، فلا بأس بالإشارة بالرأس أو باليد في الصلاة.
أما إذا كانت الحركات كثيرة فلا تصح، كأن يلتفت عن يمينه أو عن يساره وأمامه.
أما مسألة: صلاة الخوف فهذه لها أحكام خاصة، كما سبق من قول الإمام أحمد أن صلاة الخوف ثبتت من ستة أوجه أو سبعة كلها جائزة، وفيها حركات في بعض الصفات، وصفهم صفين، فإذا كان العدو جهة القبلة صلوا جهة القبلة، وإذا كان في غير جهة القبلة سقط استقبال القبلة من أجل الانتباه للعدو.
وصفهم في بعض الصفات صفين فكبر ثم ركع وركعوا، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وبقي الصف الثاني يحرس، ثم لما قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الركعة الثانية تقدم الصف الثاني وتأخر الصف الأول، ثم ركع وركعوا جميعاً، ثم سجد الصف الثاني الذي كان هو الأول، وسجد الصف الأول الذي كان هو الصف الثاني، ثم ثبت جالساً وأكملت كل طائفة لنفسها.
وفي بعض الصفات: أنه صلى بطائفة ركعتين، بالطائفة الأخرى ركعتين، وجاء في بعضها صلاة الطالب أو صلاة المطلوب وهو يعدو، أي: إذا كان يلحقه العدو فيخشى أن يدركه فيصلي وهو يعدو، وقد جاء في حديث ابن عباس : (صلاة الخائف ركعة) حتى قال بعض العلماء: إنه عند المسايفة يعني: عند قطع الرقاب بالسيوف تكفي تكبيرة واحدة، وفي هذا كلام يأتي إن شاء الله في صلاة الخوف.
أي: إذا نسي واجباً مثل أن ينسى التشهد الأول، أو تسبيحات الركوع والسجود -على القول الصحيح أنها واجبة- فإنه يسجد للسهو.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن قام عن التشهد الأول فذكر قبل أن يستتم قائماً رجع فأتى به، وإن استتم قائماً لم يرجع ].
إذا نسي التشهد الأول فله أحوال ثلاثة:
الحالة الأولى: أن يذكر قبل أن يستتم قائماً، فيجب عليه الرجوع.
الحالة الثانية: أن يذكر بعد أن يستتم قائماً وقبل أن يشرع في القراءة، وهنا يكره له الرجوع، وإذا رجع فلا بأس لكنه مكروه.
الحالة الثالثة: أن يشرع في قراءة الفاتحة، فيحرم عليه الرجوع في هذه الحال؛ لأنه تلبس بركن جديد، وعليه في جميع الأحوال أن يسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم، لما جاء في حديث عبد الله بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم نسي التشهد الأول ثم سجد سجدتين قبل أن يسلم، ففي حديث عبد الله بن بحينة (أنه -صلى الله عليه وسلم- نسي التشهد الأول، فلما جلس للتشهد الأول انتظر الناس تسليمه، سجد سجدتين قبل أن يسلم).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن نسي ركناً فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده ].
إذا ترك ركناً مثل الركوع ثم سجد، أو نسي قراءة الفاتحة وهو إمام أو منفرد وذكر وهو في الركوع فيرجع مرة ثانية، كأن ركع فتذكر أنه ما قرأ الفاتحة فيرجع إلى الوقوف ويقرأ الفاتحة، أو كان في السجود فنسيه ولم يذكر حتى شرع في الركعة التي بعدها ألغيت الركعة الأولى وصارت التي بعدها عوضاً عنها، ويسجد سجدتين في آخر صلاته قبل السلام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن نسي ركناً فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده، وإن ذكره بعد ذلك بطلت التي تركه منها ].
أي: إذا لم يذكر حتى شرع في الركعة الأخرى بطلت الركعة التي ترك منها الركن، وصارت التي بعدها عوضاً عنها، فيأتي بدلها بركعة، ويأتي في آخر صلاته بركعة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات فذكر في التشهد سجد في الحال، فصحت له ركعة ثم يأتي بثلاث ركعات ].
قد تحصل هذه الحالة وإن كانت نادرة، أي: إنسان صلى الظهر أربع ركعات منفرداً مثلاً، لكنه لم يسجد في كل ركعة إلا سجدة نسياناً، فالركعة الأولى سجد سجدة، ثم قام إلى الركعة، والثانية سجد سجدة ثم قام، والثالثة سجد سجدة ثم قام، والرابعة سجد سجدة ثم جلس للتشهد الأول، ولما أراد أن يسلم تذكر أنه ما سجد في كل ركعة إلا سجدة، فيسجد سجدة في الحال فتصح الركعة الأخيرة هذه ويأتي بثلاث ركعات، وهذا نادر، أي: أن يصلي أربع ركعات ويسجد أربع سجدات، وهذا وإن كان نادراً لكنه قد يحصل ممن كان كثير النسيان، ففي كل ركعة ما يسجد إلا سجدة، فيظن أنه سجد سجدتين ولم يتذكر إلا قبل السلام، فيسجد سجدة في الحال وتصح الركعة الأخيرة، وتبقى الثلاث الركعات فيأتي بها، فيكون صلى ثمان ركعات في الظاهر.
فإذا شك هل ركع أم لا؟ فيعتبر أنه ما ركع، وكذا إن شك هل قرأ الفاتحة أم لا؟ فيقرأها، فالشك في ترك الركن كتركه، إلا إذا كان كثير الوسواس والشكوك فيبطل الوسواس؛ لأن هذا معناه أن لا يسلم له شيء، فقد يشك في كل شيء حتى في الركعة التي يأتي بها، أي: يشك فيها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين، إلا الإمام خاصة فإنه يبني على غالب ظنه ].
لأن له من ينبهه، فإذا شك الشخص في عدد الركعات يبني على غلبة الظن إن كان عنده غلبة الظن، وإن لم يكن عنده غلبة ظن بنى على اليقين وهو الأقرب، إلا الإمام فإنه يبني على غلبة الظن؛ لأن له من ينبهه خلفه من المصلين، بخلاف المنفرد، والمأموم تابع الإمام.
والمنفرد: هو الذي ليس له من ينبهه، فيبني على غلبة ظنه، لكن هذا فيه نظر، فقد يقال: إن الإمام يبني على اليقين إذا كان عنده شك، وإذا كان عنده غلبة ظن يبني على غلبة ظنه، لكن إذا لم يكن عنده غلبة ظن فيبني على اليقين، وإن كان عنده غلبة ظن بنى عليه، فإن شك أصلاً ثلاثاً أو أربعاً وغلبة الظن ثلاث يجعلها ثلاثاً، لكن إذا لم يكن عنده غلبة ظن فإنه يبني على اليقين، سواء أكان إماماً أم مأموماً، وليس هذا خاصاً بالإمام.
وقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ إلا الإمام خاصة فإنه يبني على غالب ظنه ].
هذا ليس خاصاً بالإمام، بل حتى غير الإمام إذا كان عنده غلبة ظن فإنه يعمل على غلبة الظن؛ لما جاء في حديث ابن مسعود : (فليتحر الصواب وليتم ما عليه).
أي: إذا كان عنده غلبة ظن فيعمل به، أما إذا ما كان عنده غلبة ظن فيعمل باليقين، وهو الأقل سواء أكان إماماً أم غير إمام أم منفرداً.
وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: يبني على غلبة ظنه إماماً كان أو منفرداً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وهذا هو الصواب، أي: أنه يبني على غلبة الظن سواء كان إماماً أو منفرداً، أما المأموم فهو تبع للإمام.
وظاهر حديث ابن مسعود : (فليتحر الصواب وليتم ما عليه) عام ما خص به الإمام، أما حديث أبي سعيد فيعمل فيه بالأقل؛ لأنه ما عنده غلبة ظن، أما حديث ابن مسعود فيعمل فيه بغلبة الظن.
وإن شك في عدد الركعات بنى على اليقين؛ لما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما تيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم).
وهذا إذا لم يكن عنده غلبة ظن، والصواب: أن غلبة الظن العمل به عام للإمام وغيره.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولكل سهو سجدتان قبل السلام إلا من سلم عن نقص في صلاته، والإمام إذا بنى على غالب ظنه ].
كل سهو له سجدتان، وليس المراد أنه إذا سها عدة مرات في الصلاة يسجد سجدتين لكل مرة، بل لو سها عدة مرات فيسجد سجدتين فقط ولا يكرر سجود السهو، وقوله: (ولكل سهو سجدتان) يوهم أنه إذا تكرر السهو تكرر السجود، هي سجدتان سواء سها مرة أو مرتين أو ثلاثاً.
هذا فيه بيان موضع السجود، أنه يكون كله قبل السلام إلا في ثلاث حالات ذكرها:
الحالة الأولى: إذا سلم عن نقص كما سبق في حديث أبي هريرة .
الحالة الثانية: إذا بنى الإمام على غالب ظنه، والصواب أنه ليس خاصاً بالإمام، فإذا سلم عن نقص يكون السجود بعد السلام، وإذا بنى على غالب ظنه إماماً أو منفرداً سجد بعد السلام.
الحالة الثالثة: إذا نسي السجود، فعليه سجود قبل السلام، لكن إذا نسيه ولم يذكر إلا بعد السلام فيسجد بعد السلام، والناسي للسجود قبل السلام فإنه يسجد بعد السلام، وهذه حالة اضطرارية ليست باختياره، لكن الحالتان السابقتان منضبطتان، ولهذا ذكر أنهما حالتان: إذا بنى على غالب ظنه، وإذا سلم عن نقص.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإنه يسجد سجدتين بعد سلامه ثم يتشهد ويسلم ].
فهذا على أحد القولين أنه يتشهد، وجاء في بعض الأحاديث عند أبي داود أنه إذا كان السجود بعد السلام يسجد سجدتين ثم يتشهد ثم يسلم، فيكون تشهد مرتين: التشهد الأول الذي هو تشهد الصلاة، والثاني تشهده لسجود السهو.
والصواب: أنه لا يتشهد للسهو وإنما يسجد سجدتين ثم يسلم؛ لأن الحديث الذي فيه أنه يتشهد ضعيف، فليس هناك إلا تشهد واحد.
أي: ليس على المأموم سجود للسهو إلا إذا سها الإمام فإنه يسجد تبعاً له، وإلا إذا كان فاته بعض الصلاة كأن فاتته ركعة فأكثر، ثم سها سواء كان السهو مع الإمام أو فيما انفرد به فإنه يسجد سجدتين بعد أن يقضي ما فاته، أما إذا كان المأموم صلى مع الإمام من أول الصلاة ولم يفته شيء فإنه لا يسجد.
وعلى المأموم أن يتابع الإمام في سجود السهو، سواء كان سجوده قبل السلام أو بعده، وإذا سجد الإمام فيسجد المأموم حتى لو عليه بقية ركعات فائتة فيسجد بدون ما يسلم، هذا هو الظاهر.
إذا ناب الإمام سهو في صلاته وكان معه رجال ونساء، فالرجال يسبحون أي: يقولون: سبحان الله! سبحان الله! والمرأة تصفق ببطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، من باب التنبيه ولا تتكلم خشية أن يفتتن بصوتها، فالرجل يسبح والمرأة تصفق، هذا إذا كانت النساء قريبات كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت النساء خلف الرجال وليس هناك حاجز لا من جدار ولا من غيره ولا ستر؛ ولهذا في الحديث: (كان النساء يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، لا يعرفهن أحد من الغلس).
ومتى ما ذكر الإمام يسجد له، وعند كثير من الفقهاء أنه إذا طال الفصل أو أحدث أو فعل ما يناقض فإنه يسقط السجود، لكن على كل حال لو سجد فإنه حسن.
وهل يستدل بتصفيق النساء في الصلاة إذا سها الإمام على أن صوت المرأة عورة؟
لا يستدل بهذا، وصوت المرأة ليس بعورة، وإنما يخشى من الفتنة بصوتها، ولو كان عورة ما أذن للنساء في استفتاء النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وإنما منع إذا كان صوتها فيه خضوع، قال تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32] ولو كان عورة لنهى الله عنه، وإنما نهى عن الخضوع وما نهى عن الصوت، قال تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32]، وهو كونها ترخم الصوت أو تتغنج في كلامها فيكون هذا سبباً في: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32] أي: مرض الشهوة، ولكن إذا كان صوتاً عادياً فلا بأس بذلك.
ويوجد الآن سجادة فيها تنبه المصلي إذا زاد في صلاته، وقد استفتى فيها واحد من الإخوان اللجنة الدائمة فجاء الرد قبل أيام: أنه ما يجوز استعمالها، وهذا من العجائب! وقد وضعوا لها إعلان بعنوان: لا خطأ بعد اليوم! وقد صوروا الإعلان في الجريدة، فالإنسان يعتمد على الآلة وهي غير منضبطة مهما كانت الحال، فلابد أن يتخللها خلل.
مسألة: إذا صلى رجل مع الإمام من بداية الصلاة وفي الركعة الثانية أو الثالثة نسي المأموم ركناً خلف الإمام كأن ركع حتى قام من الركوع وهو ساه فيأتي به أو بما بعده ثم يلحق الإمام، فإن لم يفعل -أي: يركع- وسجد مباشرة خلف الإمام بطلت الركعة، ويأتي بركعة مكانها، لكن إذا لحق الإمام وأتى بالركوع فإنه لا يعيد الركعة؛ لأنه معذور، أما لو تعمد بطلت الصلاة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر