إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب الحج [4]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الدماء الواجبة في الحج خمسة: - الدم الواجب على المتمتع والقارن ومن ترك نسكاً. - الدم الواجب بالحلق والترفه. - الدم الواجب على المحصر إذا لم يشترط عند الإحرام. - الدم الواجب على من قتل صيداً. - الدم الواجب على الوطء.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: الفدية.

    وهي على ضربين: أحدهما على التخيير ].

    الفدية: ما يفتدي به الإنسان عن نفسه بسبب فعل محظور أو ترك واجب، فيفدي به الإنسان نفسه من المعصية التي وقع فيها من عذاب الله، ويقدم فدية حتى تكفر عنه هذه المعصية التي ارتكبها، أو إذا احتاج إلى فعل محظور فيقدم فدية حتى يسقط عنه الإثم.

    وقوله: (أحدهما على التخيير) هي نوعان:

    الأول: على التخيير والثاني: على الترتيب، التخيير: أن يخير بين اثنين فأكثر، والترتيب يكون واحداً بعد واحد.

    مثال التخيير في قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، تخيير بين الصيام والصدقة والنسك.

    والترتيب مثل كفارة اليمين، حيث خير بين ثلاثة أشياء ثم قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89].

    فدية التخيير وما يقاس عليها

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهي فدية الأذى واللبس والطيب فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين أو ذبح شاة ].

    وسميت بفدية الأذى؛ لأنه يحلق الإنسان الرأس لإزالة الأذى الذي يصيبه، فهذا هو الأصل، فيحلق إذا كان في رأسه أذى من جروح تحتاج إلى مداواة أو قمل أو نحو ذلك، فتسمى فدية الأذى، وهذا هو الأصل في هذا. والأصل فيه قول الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ [البقرة:196]، هذا الأذى فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] يعني: فعليه فدية إذا احتاج أن يحلق رأسه لإزالة الأذى الذي أصابه وهو محرم، وهي الصيام أو الصدقة أو النسك، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث كعب بن عجرة فقال: (حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتساقط على وجهي، فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟) وفي لفظ: (ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى!) ثم أمره بأن يحلق رأسه ويذبح شاة، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام فقال: (صم ثلاثة أيام، أو انسك شاة، أو أطعم ستة مساكين) فهذه تسمى فدية الأذى، فإذا كان الإنسان محرماً ويحتاج إلى حلق رأسه لإزالة الأذى سواء كان قملاً أو به جروح تحتاج إلى حلق الشعر؛ حتى يداوي الجرح، فله ذلك وعليه فدية، ولا إثم عليه.

    أما إذا حلقه من دون حاجة متعمداً فهو آثم وعليه التوبة مع الفدية، وإذا حلقه ناسياً أو جاهلاً فليس عليه فدية.

    فتكون الأحوال خمسة:

    الحالة الأولى: أن يحلق شعر رأسه وهو محرم عالماً مختاراً، ذاكراً محتاجاً، فهذا عليه الكفارة وليس عليه إثم.

    الحالة الثانية: أن يحلق رأسه عالماً مختاراً، ذاكراً بدون حاجة، فهذا عليه الكفارة مع الإثم، وعليه التوبة والاستغفار.

    الحالة الثالثة: أن يحلق رأسه ناسياً، فهذا لا شيء عليه، لا إثم ولا كفارة.

    الحالة الرابعة: أن يحلق رأسه جاهلاً، فهذا أيضاً لا شيء عليه.

    الحالة الخامسة: أن يحلق رأسه مكرهاً، فهذا ليس عليه شيء على الصحيح.

    والمذهب أن الحلق لا يعذر فيه الناسي ولا الجاهل؛ لأن هذا من باب الإتلاف، والإتلاف يستوي فيه العمد والجهل، والصواب: أن الجاهل والناسي معفو عنهما؛ لقول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).

    وحديث كعب بن عجرة قاس عليه العلماء تقليم الأظفار، والطيب، وتغطية الرأس، ولبس المخيط، فإذا كان محتاجاً إلى ذلك فعليه الفدية، وإذا كان غير محتاج فعليه الإثم والفدية، والناسي والجاهل والمكره ليس عليهم شيء.

    ولبس المخيط وتغطية الرأس خاص بالرجل دون المرأة، فهذه خمسة أشياء، وقيست أربعة منها على حلق الرأس.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أحدهما على التخيير وهي: فدية الأذى واللبس والطيب ].

    حلق الرأس واللبس والطيب وتغطية الرأس، هذا نقص ويضاف إليها تقليم الأظفار، فتكون خمسة أشياء.

    وقد ورد في تغطية الرأس قصة الذي وقصته راحلته قال صلى الله عليه وسلم: (لا تخمروا رأسه ولا وجهه ولا تحنطوه).

    وثبت في الطيب ما جاء عن الرجل الذي أحرم ثم لبس جبة مضمخة بالطيب فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسكت، ثم نزل عليه الوحي فقال: (انزع عنك الجبة، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك).

    لكن العلماء قاسوا الطيب على حلق الرأس من جهة الفدية بجامع الترفه في الكل، فالفدية ما جاءت إلا في حلق الرأس، فقاسوا عليها الطيب من جهة أنه محظور، وهذا النص يثبت أنه من المحظورات، وتقليم الأظفار قيس قياساً على حلق الرأس، ولبس المخيط ورد فيه حديث ابن عمر : (سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس) وفي هذا الحديث: (ولا شيئاً مسه زعفران أو ورس)، وتقليم الأظفار هو الذي لم يذكر فيه نص، ويقاس على الحلق بجامع الترفه في الكل.

    وثبت حديث ينهى من أراد أن يضحي عن تقليم أظفاره عند دخول عشر ذي الحجة، قيل: وهذا فيه تشبه بالحاج، وقيل: لأن الأضحية من أسباب المغفرة، فأمر بأن يترك جميع أجزائه لا يأخذ منها شيئاً؛ حتى يكون مهيئاً للمغفرة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة ].

    قوله: (إطعام ثلاثة آصع) لكل مسكين نصف صاع، ونصف الصاع يقدر بكيلو ونصف، والصاع أربع حفنات كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط، يكون عليه حفنتان، ويفرق العلماء بين البر وغيره، فقالوا: البر يكفيه ربع الصاع حفنة واحدة، والتمر وغيره لا بد من نصف الصاع؛ لأن معاوية رضي الله عنه اجتهد لما وجدت البر فقال: أرى أن نصف الصاع من هذه السمراء يعدل صاعاً؛ فأخذ الناس بقول معاوية ، وجعلوا ربع الصاع يقابل نصف الصاع من التمر، والصواب: أنه نصف صاع من الجميع من البر أو التمر أو الأرز من قوت البلد.

    جزاء الصيد

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وجزاء الصيد مثلما قتل من النعم، إلا الطائر فإن فيه قيمته ].

    يعني: جزاء الصيد إذا صاده وهو محرم مثله إن كان له مثل، وهو ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم أو قضى به الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم قضى بالضبع كبشاً، وقضى الصحابة بالحمامة شاة، والنعامة بدنة، واليربوع جفرة، والأيل والتيتل والوعل والبقر الوحشي بقرة؛ لأن فيها نوعاً من الشبه.

    الحمامة فيها شاة لأنها تشبهها في عب الماء، فما قضى به الصحابة يقال: له مثل، وما لم يقض فيه الصحابة يرجع فيه إلى قول عدلين، فإذا قتل صيداً وله مثل فإن عليه المثل، وإن شاء قوم المثل بدراهم واشترى بها طعاماً، وأطعم كل مسكين نصف صاع، أو قدرها وصام عن كل مسكين يوماً، هذا إذا كان له مثل، أما إذا لم يكن له مثل فإنه يخير بين الإطعام وبين الصيام، تقدر قيمته ثم يشتري به طعاماً فيطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وجزاء الصيد مثلما قتل من النعم، إلا الطائر فإن فيه قيمته، إلا الحمامة ففيها شاة، والنعامة فيها بدنة ].

    النعامة قضى فيها الصحابة؛ لأنها تشبهها في طول الرقبة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويتخير بين إخراج المثل وتقويمه بطعام، فيطعم كل مسكين مداً أو يصوم عن كل مد يوماً ].

    وهذا إذا كان له مثل، فإذا صاد مثلاً حمامة نقول له: عليك شاة؛ لأن الصحابة قضوا بهذا، فأنت مخير بين أن تشتري الشاة وتذبحها وتفرقها على المساكين، ولك الخيار في أن تقدر ثمن الشاة وتشتري بها طعاماً وتطعم كل مسكين نصف صاع، أو تذبح الشاة، فإذا قلنا: تقدر الشاة بخمسمائة ريال فتشتري بخمسمائة ريال براً أو تمراً وتقسمها آصاعاً، فتعطي كل مسكين نصف صاع، فإذا قدرنا مثلاً الخمسمائة ريال بعشرين صاعاً فيقسم كل صاع على مسكينين فيطعم أربعين مسكيناً.

    فنقول له: أنت بالخيار: تصوم أربعين يوماً أو تطعم أربعين فقيراً كل واحد نصف صاع، أو تشتري شاة وتذبحها، هذا إذا كان له مثل.

    وأما الصيد الذي ليس له مثل فإنه يقوم، فتقدر قيمته ويشتري به طعاماً ويطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً، فإذا قوم هذا الصيد مثلاً بمائة ريال، فيشتري بمائة ريال طعاماً، ويعطي كل مسكين نصف صاع، فإذا قال: لا، أريد الصيام، نقول له: لا، قدرنا الآن أن عليك مثلاً ثلاثين صاعاً، لكل مسكين نصف صاع، إذاً: تصوم عن كل مسكين يوماً، فتكون الأيام ستين يوماً وهكذا!

    فدية الترتيب

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الضرب الثاني: على الترتيب وهو: المتمتع يلزمه شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع ].

    هذا ورد فيه نص من القرآن الكريم قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196].

    فالمتمتع الذي اعتمر في أشهر الحج ثم حج من عامه عليه أن يذبح شاة، وهذا الدم يقال له: دم الشكران، بخلاف الدم واجب لترك الواجب أو فعل محظور، يقال له: دم جبران.

    فإن كان فقيراً لا يجد صام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم العيد، فإن فاتته صام أيام التشريق، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فهذا هو الأصل، وأما ما عداه فهو مقيس عليه كما سيأتي كالدم لفوات الحج، ودم الوطء، كله مقيس عليه، ودم المضطر الذي أحصر.

    وهذا الهدي يكون على الترتيب أولاً: ذبح شاة، فإن لم يجد صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، والثلاثة الأيام الأولى نص الله أنها في الحج قبل العيد، فإن فاتت صامها أيام التشريق، وإذا كان مريضاً لا يستطيع صيامها يضمها إلى السبعة، وذلك المراد به، أما إذا كان يستطيع فإنه يجب عليه أن يصومها في الحج، لابد أن تكون في الحج سواء بعدما يتحلل من العمرة أو بعدما يحرم بالحج، فإذا أحرم بالحج فيصوم السادس والسابع والثامن.

    وإذا فاته الصيام كأن يكون معه مال وما وجد هدياً فإنه يصوم أيام التشريق، ويضم الباقي إلى السبعة الأيام فيصومها كلها، وإن خرجت أيام التشريق وما زال يبحث ولم يجد هدياً يصومها كلها بعد الحج، لكن لو قدر أنه عنده نقود ولكن ما وجد إن أمكن أن يصوم قبل ذلك صام، وإن لم يمكن ضمها إلى السبعة.

    فدية الجماع

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفدية الجماع بدنة، فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع ].

    إذا جامع الحاج وهو محرم قبل التحلل الأول عليه بدنة كما سبق وفسد الحج، وعليه المضي فيه، وقضاؤه من العام المقبل، فإن لم يجد البدنة لفقره أو لم يجدها ومعه قيمتها صام عشرة أيام قياساً على هدي التمتع.

    فإذا جامع امرأته بعد أن رمى وحلق ولم يطف فعليه دم شاة وحجه صحيح، وعليه أن يخرج إلى التنعيم ليحرم من جديد لأنه أفسد إحرامه، أما إذا جامع بعد الطواف فلا.

    دم فوات الحج

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكذلك الحكم في دم الفوات ].

    إذا فاته الحج، وتأخر حتى طلع الفجر يوم العيد فقد فاته الحج، فيتحلل بعمرة وعليه دم لفواته، فيذبح شاة، فإن عدم صام عشرة أيام قياساً عليها.

    دم المحصر عن البيت

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمحصر يلزمه دم فإن لم يجد فصيام عشرة أيام ].

    المحصر هو الذي منع من دخول مكة، كما منع النبي صلى الله عليه وسلم وأحصر في صلح الحديبية، فإنه يذبح شاة في مكانه ثم يتحلل، فإن لم يجد شاة صام عشرة أيام وهو على إحرامه ثم يتحلل، قياساً على هدي التمتع.

    والأصل هو دم التمتع والباقي مقيس عليه، وقد قال الله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].

    لكنهم قاسوا الهدي على دم التمتع، وبعض العلماء يرون أن الصحابة لما أحصروا لم يكن معهم كلهم شيء، فقد كانوا فقراء وهم أكثر من أربعمائة، ولا نقل أن أحداً منهم صام، لكن العلماء قاسوها فقالوا: كل جميع الدماء مقيسة على دم التمتع، ودم التمتع فيه الصيام عند العجز، وهذا مقيس عليه، أما النص فلا يوجد نص يدل على ذلك.

    أحكام الكفارات إذا اجتمعت أو اختلفت

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن كرر محظوراً من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة ].

    إذا كرر محظوراً من جنس واحد غير الصيد فالكفارة واحدة، فمثلاً تطيب مرة، ثم تطيب مرة أخرى.. أربع مرات.. خمس مرات، فعليه كفارة واحدة من جنس واحد، أو حلق جزءاً من رأسه، ثم حلق الجزء الثاني، ثم حلقه كله فعليه كفارة واحدة؛ لأنها من جنس واحد، إلا الصيد كأن قتل حمامة وغزالاً فهذه أنفس متعددة كل واحدة منها عليه كفارة، لا تتداخل، فإذا صاد حمامة عليه شاة، وإذا صاد نعامة عليه بدنة، فلا يقال: إنها تتداخل؛ لأنها مختلفة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن كفر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفر عنه ].

    إذا تطيب ثم كفر فأطعم ستة مساكين، ثم تطيب مرة أخرى، فيجيب عليه فدية أخرى، لكن إذا لم يكفر عن الأولى تداخلت الكفارة، أما إذا تطيب ثم كفر، ثم تطيب فعليه فدية ثانية.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن فعل محظوراً من أجناس فلكل واحد كفارة ].

    إذا كان المحظور من أجناس مختلفة، فكل واحد كفارة، فمثلاً: تطيب، وغطى رأسه، وحلق شعره، وقلم أظفاره، ولبس المخيط، فعليه كفارة متعددة، كل فعل له كفارة؛ لأنها أجناس مختلفة، خمس كفارات.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه ].

    والحلق والتقليم والوطء والصيد هذه الأربعة لا يعذر فيها الناسي ولا الجاهل، إذا حلق أو قلم أظفاره أو وطئ أو قتل الصيد فإنه لا يعذر في هذا سواء كان ناسياً أو جاهلاً أو عامداً فعليه كفارة، بخلاف الطيب وتغطية الرأس، ولبس المخيط، فهذه يعذر فيها الجاهل والناسي هذا المذهب، والتعليل قالوا: لأن هذا فيه إتلاف، والإتلاف يستوي فيه العمد والجهل والنسيان.

    فالشعر فيه إتلاف، وتقليم الأظفار فيه إتلاف، والصيد فيه إتلاف، فلا يعذر الجاهل ولا الناسي ولا العامد.

    أما ما ليس فيه إتلاف كالطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس، فهذا إن كان متعمداً فعليه الفدية وإن كان جاهلاً ناسياً فإنه يعذر.

    القول الثاني: أنه لا فرق بين ما فيه إتلاف وما ليس فيه إتلاف، وأنه إذا فعلها ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، وهذا هو الصواب.

    والقول الثاني لأهل العلم أنه لا فرق في ذلك حتى الصيد، وعند الجمهور أن الصيد لا يعذر فيه الناسي، ولا الجاهل، وأما قوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا [المائدة:95]، قالوا: هذا فيه جزاء الصيد المتعمد في القرآن، وثبت في السنة أيضاً أن على غير المتعمد الكفارة، والصواب: أن الناسي والجاهل معفو عنهم، ولا فرق بين ما فيه إتلاف، وما ليس فيه إتلاف.

    أما المذهب فيفرق بأن ما فيه إتلاف فلا يعذر فيه الناسي والجاهل، وما ليس فيه إتلاف فيعذر فيه الناسي والجاهل، ولا فدية عليه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وسائر المحظورات لا شيء في سهوه ].

    يعني: غير ما سبق مما ليس فيه إتلاف، مثل: الطيب، وتغطية الرأس، ولبس المخيط.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق به ].

    أي: إذا كان عليه هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم، والمراد بمساكين الحرم: من وجد في مكة من الفقراء الذين لهم أخذ الزكاة، سواء كانوا من أهل البلد أو من غيرهم، حتى ولو من الحجاج القادمين، فمن كان في مكة وهو مستحق للزكاة فإنه يعطى.

    قوله: (إلا فدية الأذى) وذلك إذا كان في الطريق وهو محرم -قبل أن يصل إلى مكة- احتاج إلى حلق رأسه أو إلى تغطية رأسه؛ لأن الوقت بارد، يغطي رأسه ويدفع الفدية في مكانه، ولا يجوز أن يخرجها في مكة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهدي المحصر ينحره في موضعه ].

    أي: إذا منع من دخول مكة فإنه يذبح في مكانه؛ لأنه لا يستطيع إيصاله، إلا إذا سمح له أن يدخل إلى مكة ويذبح فيها فلا بأس، فيذبحه في مكانه ثم يتحلل في المكان الذي أحصر فيه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما الصيام فيجزئه بكل مكان ].

    إذا قيل: عليه صيام فإنه يجزئ في مكة وفي غيرها؛ لأنه لا ينتفع منه أحد، بخلاف الهدي أو الإطعام فإنه يكون في الحرم؛ لأن المراد نفع مساكين الحرم.

    أما الصيام إذا وجب عليه الصيام فيصوم في أي مكان، أو في الطريق، أو في أي بلده؛ لأنه لا ينتفع منه أحد.

    فإذا منع المحرم عن البيت لابد أن يذبح ويتحلل قبل أن يلبس ثيابه.

    وإذا لبس ثياباً غير لبس الإحرام لئلا يمنع وهو محرم في قلبه فإن عليه فدية؛ لأنه متعمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088819114

    عدد مرات الحفظ

    779241573