إسلام ويب

الذنوب خراب الشعوبللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الذنوب خراب للأمم الشعوب، وسبب رئيس لهدم الحضارات، وما حل بأمتنا من هزائم وانتكاسات إنما هو بسبب ما وقع فيها من مخالفة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فحق علينا أن نتعظ بذلك، ونعلن التوبة الفردية والجماعية قبل أن يحل بنا ما حل بالأمم التي عتت عن أمر بها من هلاك ماحق.
    الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا     وارحم أيا ربِّ ذنباً قد جنيناه

    كم نطلب الله في ضر يحل بنا     فإن تولت بلايانا نسيناه

    ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا     فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

    ونركب الجو في أمن وفي دعة      فما سقطنا لأن الحافظ الله

    أيها الكرام: عنوان المحاضرة "الذنوب خراب الشعوب"، ولها صلة أكيدة بما نعيشه ونعايشه في هذه الساعات المحرجة, ونحن لا نعيش في عالم آخر, ولا نفسر الحوادث في الأرض كما يفسرها الملاحدة , بأنها تغير في الكون، أو مروج في الشعوب، أو اختلال في الأمزجة، لا. كل شيء بقضاء وقدر, وما يجري ولا يسقط في الكون ساقط ولا تنبت نبتة إلا بإذن الله, قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] وقال: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40].

    ولذلك ضلل أهل السنة والجماعة من قال: إن الذنوب أو الحوادث لا تقع بعلم من الله، وما كان الله يعلم وقوعها, تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

    تقضون والفلك المسير ضاحك      وتقدرون فتضحك الأقدار

    المعاصي سبب المصائب

    إن ما يصاب به الناس في أملاكهم وأنفسهم ودورهم وأعراضهم إنما هو ابتلاء من الله عز وجل، وله أسباب ومسببات، وإن من أعظم الأسباب ومن أجلها: الذنوب والخطايا والمعاصي التي يفعلها البشر, وفي الأثر: {من لم يعرفني سلطت عليه من لا يعرفه}.

    من لا يعرف الله في المسجد، ولا يعرف القرآن والاتصال به والخلود والسكون إليه، والرضا بحكمه والتحاكم إلى شريعته، وأكل الحلال؛ سلّط الله عليه زنديقاً فاجراً بعثياً علمانياً لا يعرف الله, وهذه سنة من سنن الله في الكون؛ قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251] وقال: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43].

    لو أنهم يوم سمعوا ببأسنا وتدميرنا وأخذنا العصاة بالعصاة تضرعوا إلى الله وعادوا، وأكثروا من التوبة والاستغفار، ولكن هيهات..!

    في الأثر يقول بعض السلف ولا يصح حديثاً: [[من لم يتعظ بالقرآن والموت، فلو تناطحت جبال الدنيا بين عينيه ما اتعظ]] بعض الناس استمرأ الخطيئة، وشرب المعصية، وأحب الفاحشة، يسمع دكدكة الصواريخ ولا يتوب, ويرى منزله ينسف من على وجه الأرض ولا يستغفر, ويرى عرضه ينتهك وأطفاله يذبحون ولا يعود إلى الله, قال تعالى: وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43] والتزيين فعلته الأمة الإسلامية في هذا العصر، وزين لكثير من شعوبها الخطأ ورضيت به, فمعظم العالم الإسلامي لا يحكم بشريعة الله, إنما يتحاكم إلى القانون، ويقولون دول إسلامية! ولكن شريعتهم التي يتحاكمون إليها هي قانون نابليون بونابرت، وشرائع حمورابي، ومخططات هتلر , قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]

    كثير من العالم الإسلامي الآن استمرأ الربا فلا ينكره أبداً, يأكله ويشربه ويلبسه، وأصبح أمراً اعتيادياً؛ بل انبرى بعض الدكاترة الذين أضل الله قلوبهم، فبرروا وجود الربا في المجتمع المسلم.

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الذنوب وعن آثارها التي تقع في مجتمعات الناس: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] قال بعض العلماء: "ما ظهر فساد في الهواء ولا ركود في الماء ولا اختلاف في الناس؛ إلا بسبب الذنوب" قال ابن المبارك:

    تعصي الإله وأنت تزعم حبه     هذا لعمري في القياس بديع

    لو كان حبك صادقاً لأطعته     إن المحب لمن يحب مطيع

    من قصص الصالحين

    يقول بعض العلماء من الذين عاشوا في هذا القرن من الصالحين الثقات الأفذاذ: "كنا نسكن قرية من هذه البلاد الحبيبة المعطاءة، وأتانا عام الجدري -عام عمّ الله فيه ببلاء الجدري وربما سمي الكوليرا- قال: وكان في قريتنا رجل صالح يعرف الله, ويقوم الليل, رجل يصوم النوافل, ويتضرع إلى الله, قال: فكان كلما أصبح الصباح دار على هذه القرية وقرأ آية الكرسي والمعوذات في كل صباح, قال: فوالله ما علمنا إقليماً ولا مدينة ولا قرية إلا دخلها الجدري إلا هذه القرية".

    وربما يقول أذناب العلمنة والبعث والزندقة: هذا من أساطير الأولين, بل هي من حقائق الصالحين, ومن قواعد العارفين برب العالمين, فعلها محمد صلى الله عليه وسلم فأنجز الله له ما وعد به, الصالحون والأخيار، ومعلوم على مر التاريخ أن النار تحرق ولكن جعلها الله برداً وسلاماً على إبراهيم, والبحر يغرق ولكن جعله الله عز وجل يبساً تراباً لموسى عليه السلام, إنها قدرة بالغة من الواحد الأحد. يقول:

    تعصي الإله وأنت تزعم حبه     هذا لعمري في القياس بديع

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088526121

    عدد مرات الحفظ

    777133662