إسلام ويب

كيف يربى الشباب؟للشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن لكل صاحب علم، ولكل داعية ومعلم، يهتم بالأمور التربوية ويعمل في حقل بناء الرجال، قاعدة راسخة في أقوال وأفعال مربي البشرية صلى الله عليه وسلم، فهي تربية بالفعل والترك، عقيدةً وإيماناً، أخوة وحباً في الله، مع معرفة عميقة للنفسيات، وتقويم سديد للاعوجاجات.
    الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:

    فهذه الحلقة الثانية من درس "آداب تربوية" ولعلها تكون بضابط (كيف يُربَّى الشباب؟) ويوم نعرف كيف نربي الشباب، وندعوهم ونوجههم؛ نعرف كيف نكون دعاة، وفي هذا الدرس أمور:

    الأول: الاهتمام بجانب الإيمان في حياة الشاب.

    الثاني: الاعتناء بالفرائض قبل النوافل.

    الثالث: إحياء روح الاقتداء في نفس الشاب، بإيجاد القدوة الحقة التي تعمل بما تقول.

    الرابع: ترسيخ معنى الأخوة الإسلامية على ضوابطها.

    الخامس: تجنيب الشاب السب والشتم والتجريح والتشهير.

    السادس: موقف الشاب من الخلاف، وما هي ضوابط الخلاف؟

    السابع: الفتيا، متى يكون مفتياً؟ ومتى يحمل تبعة الفتيا؟ وما هو موقفه منها؟

    الثامن: أدبه في دعوة الناس.

    أما تربية الشباب فإنه أمر ليس بالسهل، وإن من أعظم مهماته عليه الصلاة والسلام في الحياة أنه كان مربياً، فكانت تربيته صلى الله عليه وسلم أكثر من كلامه، وكان عمله مع الصحابة أكثر من قوله صلى الله عليه وسلم، فكان يربي بحركاته وسماته وصفاته عليه الصلاة والسلام أكثر من خطبه ومحاضراته.

    ولذلك فكلامه في المناسبات قليل، لكنه كان صلى الله عليه وسلم يأخذ من الموقف درساً ونتيجة، فجعل ليله ونهاره وقفاً على التربية.

    صحيح أنه يوجد في الساحة اليوم دعاة، ولكننا نفتقر إلى مربين، إلى من يأخذون بالشاب إلى طريق الله المستقيم، إلى من يهدونه ويربونه في سلوكه، وفي أخلاقه، وسماته وصفاته، ولذلك تلحظ حماساً عند بعض الناس، ولكنه يفتقر إلى الأدب، وإلى التوجيه والتربية.

    لهذا كان لزاماً علينا أن نعود إلى أصول التربية التي أتى بها صلى الله عليه وسلم، فنستعرض كيف ربى أصحابه، وكيف دلهم على الطريق المستقيم.

    انظر إلى مواقف أستعرضها معك من تربيته عليه الصلاة والسلام:

    الموقف الأول: مع الصحابي الذي طلب الإذن في الزنا

    الموقف الثاني: مع الأعرابي الذي بال في المسجد

    نموذج آخر -وهذا الحديث في الصحيحين - يجلس الرسول عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في المسجد، فيأتي أعرابي فتضيق به الدنيا بما رحبت في مسألة البول، فيبول في مسجده عليه الصلاة والسلام، فقد كان مسجده شماسياً مفروشاً بالبطحاء، فقام الصحابة والأعرابي يبول يريدون أن يبطحوه أرضاً.

    كل بطاح من الناس له يوم بطوح

    والبطح معروف عند بعض الناس، وقد يستخدمه في الدعوة فلا ينتج شيئاً، وبعضهم قد يستخدم الضرب، أو السب والتجريح، فلا يكسب إلا صفراً بيده، تراه يجهد عشر سنوات فما كسب مخلوقاً، ولا رد عاصياً إلى الطاعة، ولا كسب شاباً في حياته، عنده كلمات محفوظة لو وضعت على صخر لفلقه، أو على شعر لحلقه!! فقام الصحابة لضربه، قال صلى الله عليه وسلم: {لا تزرموه -اتركوه- فجلسوا، فتركه صلى الله عليه وسلم حتى انتهى، فقال: علي بذنوب من ماء -المسألة سهلة، ولكن المقاصد أعظم- فأتوا بذنوب، قال: ضعوه على بوله، فصبوا الماء على البول وقال: عليَّ بالرجل فأتى ووضع يده عليه -هذه يد الرتابة والرحمة، يد الأنس، واللطف، يد وضعها هنا لِدرسٍ معناه: تسكين صاحب الخطأ، ما كأنه أخطأ- فقال له: إن هذه المساجد لا يصلح شيء منها للأذى والقذر وإنما هي للصلاة ولذكر الله وللتسبيح والتكبير والتهليل} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وقام الرجل، وقال بعض العلماء في الرواية: صلى قبل أن يفعل ما فعل، فقال في آخر التحيات: "اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً" وسلم عليه الصلاة والسلام وهو يدري من الرجل، ولكن أليس من الحكمة أن يعمي السؤال؟ كان بإمكانه أن يقول: "لماذا قلت ما قلت؟" لكنه قال: {من القائل آنفاً: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً؟ فقال: أنا يا رسول الله! قال: لقد حجرت واسعاً} والمعنى: لقد ضيقت رحمة الله التي وسعت كل شيء: ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156] وانتهى الجدل والمشكلة التي وقعت في المسجد بفوائد:

    أولاً: استفدنا حكم النجاسة، فإنها إذا وقعت على الأرض، أو على التراب فتطهر بإراقة الماء عليها.

    ثانياً: أن المساجد إنما هي للذكر ولتلاوة القرآن وللصلاة.

    ثالثاً: وهو المقصد العظيم: كيف نتعامل مع المخالفين، ومع العصاة، ومع الذين قللوا من الأدب، أو لم يعرفوا الأدب الحق؟

    الموقف الثالث: مع الأعرابي الذي قاطعه في الخطبة

    جاءه أعرابي فقاطعه -كما في البخاري - في الخطبة، فما نهره، ولا سبه، ولا شتمه، واستمر عليه الصلاة والسلام في حديثه حتى انتهى، ثم قال: {أين أراه السائل عن الساعة؟ فأخبره}.

    فالمسألة سهلة كان بإمكان غيره عليه الصلاة والسلام في مثل هذا الموقف أن يقول: يا قليل الأدب! لم تفعل هكذا؟ قاطعتنا قطعك الله! وفعلت بنا فعل الله بك! لكنه سوف يخسر بهذه الكلمة جمهوراً هائلاً من المسلمين.

    فإن النفوس تغار، وإنها تغضب إذا لم تنزل منازلها.

    الموقف الرابع: مع الصحابي الذي تكلم في الصلاة

    وفد معاوية بن الحكم السلمي على النبي عليه الصلاة والسلام -والحديث عند مسلم - فسأله سؤالاً، وعند مسلم أنه صلى معه صلاة -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- فعطس رجل من المسلمين، فقال معاوية -في الصلاة، وهو لا يعرف الحكم-: يرحمك الله -يتبرع بالدعاء داخل الصلاة، لشخص آخر عطس داخل صلاة- قال: فضربوا على أفخاذهم، قلت: ويل لأمي ماذا فعلت؟ -زاد الطين بلة، يعني لو اكتفى بالتشميت لكان أسهل ولكنه زاد فتكلم- قال: فلما سلم عليه الصلاة والسلام دعاني، فما نهرني ولا سبني ولا شتمني -أولاً: عَذَرَه وقال بصحة صلاته، لأنه تكلم عن جهل فهو لا يعرف الحكم، وهذا مكسب عظيم، الأمر الثاني- قال له: {إن هذه الصلاة لا تصلح لشيء من كلام الناس، إنما هي للذكر والتسبيح والتكبير} الأمر الثالث: عاد هذا الرجل بهذا الأسلوب داعية إلى قومه بني سليم، فدخلوا في دين الله أفواجاً.

    الموقف الخامس: مع الأعرابي الذي طلب منه مالاً

    نموذج خامس: يأتي أعرابي، فيقول: يا محمد! -لم يقل يا رسول الله! لا يعرفون كيف يتكلمون معه صلى الله عليه وسلم لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور:63] كان الواجب أن يقول: يا رسول الله! يا نبي الله! لكن يقول: يا محمد! فحملها عليه الصلاة والسلام وسكت عنها.

    خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]- قال: أعطني من مال الله الذي عندك -وليته سكت هنا لكنه أضاف قائلاً- فليس من مالك، ولا من مال أبيك، فقام الصحابة يريدون تأديبه وتلقينه درساً لا ينساه، فأسكتهم عليه الصلاة والسلام وأخذه، وذهب به إلى البيت فأعطاه زبيباً وتمراً وثياباً، قال: {هل أحسنت إليك؟، قال: نعم. جزاك الله من أهلٍِ وعشيرةٍ خير الجزاء، قال: إذا خرجت لأصحابي فقل هذا الكلام، فإنهم قد وجدوا عليك، فلما أخرجه أمامهم، قال: يا أعرابي! هل أحسنت إليك؟، قال: نعم! جزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خير الجزاء، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال للصحابة: أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الرجل؟ قالوا: لا ندري يا رسول الله! قال: مثلنا كرجلٍ كانت له دابة فرت منه -دابة: إما بغل، أو فرس، أو جمل- فأخذ يلحقها ويلحقها الناس، فما زادوها إلا فراراً}.

    والدابة إذا رأت الناس يجرون خلفها أعلنت فيهم حالة الاستنفار وطارت، بدلاً من أن تمشي على الأرض، وتصبح في سرعة لا يعلمها إلا الله، قال: {فقال الرجل: دعوني ودعوا دابتي، ثم أخذ شيئاً من خشاش الأرض وخضارها، فأشار به للدابة فأتت فأمسكها، ولو تركتكم وهذا الأعرابي لضربتموه فكفر فدخل النار}.

    أتدرون ماذا فعل الأعرابي بعد هذا الموقف؟ عاد ينادي قومه، وهم قبائل من قبائل العرب، يقول: يا قوم! أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فأسلموا ودخلوا في دين الله أفواجاً.

    والفيافي حالمات بالمنى     تتلقاك بتصفيق مثير

    والرمال العفر صارت حللاً      عجباً من قلبك الفذ الكبير

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089171027

    عدد مرات الحفظ

    782390102