بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فما عسى أن يقول عبد مثلي عن رسول الله وقد شرح الله له صدره ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.
أيها المسلم! نخاطبك في هذه الكلمات ونحن نحاول أن نعرج فيها على مفهوم بعض الآيات من كتاب الله الكريم الذي جعله الله جل وعلا حجةً على المعاندين، ورحمةً للعالمين، وهدى ونوراً لمن سلك الصراط المستقيم، أنزله الله جل وعلا على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا حديث عن النبي وحديث عن القرآن الذي أنزل على هذا النبي، حديث عن رسول الهدى ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه.
أما هيئته الخلقية فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم ربعةً من القوم، لا بالطويل البائن ولا بالقصير الممتهن، كما كان عليه الصلاة والسلام سبط الشعر، ليس شعره بالمسترسل ولا بالملتوي، في جبهته عرق يجره الغضب، فإذا غضب صلى الله عليه وسلم في ذات الله امتلأ هذا العرق دماً.
أزج الحواجب في غير قرن، طويل أشفار العينين، أشم الأنف، كث اللحية، والشيب فيه ندرة، إلا في صدغيه الأيمن والأيسر، وأكثر شيبه في عنفقته أسفل شفته السفلى صلوات الله وسلامه عليه.
كأن عنقه أبريق فضة، بعيد ما بين المنكبين، ومن بين كتفيه من الخلف شعيرات سود اجتمعن بعضهن إلى بعض فعرفن بخاتم النبوة كأنه بيضة حمامة.
ومن وهبة صدره إلى أسفل سرته خيط ممتد، ليس في صدره ولا في بطنه شعر غيره؛ ولهذا عبر عنه أهل السير بأنه دقيق المشربة، سواء الصدر والبطن، إذا أشار أشار بيده كلها، وإذا تعجب من شيء قلب كفيه، وإذا تعجب -كما عند البخاري في الأدب المفرد- عض على شفتيه صلوات الله وسلامه عليه.
تدبر في فاتحة سورة غافر
تدبر في إخباره تعالى عن تسبيح حملة العرش ومن حوله واستغفارهم للمؤمنين
الملائكة وأعمالهم
ثم بين جل وعلا في هذه الآية أن هؤلاء الملائكة يحملون العرش، وما حملة العرش إلا طائفة من الملائكة، والملائكة خلق من خلق الله، خلقهم الله جل وعلا من نور، ليسوا شركاء لله ولا أنداداً، ولا بنات لله ولا أولاداً، إنما هم عبيد من عباده وخلق من خلقه، يأتمرون بأمره ويقفون عند نهيه،
لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ 
[التحريم:6].
فمنهم من أوكل الله جل وعلا إليه إنزال الوحي، وهو جبريل، ومنهم من أوكل الله جل وعلا إليه جريان السحاب وتقسيم الأمطار على الأقطار، وهو ميكال، ومنهم من أوكل الله إليه النفخ في الصور، وهو إسرافيل، ومنهم من أوكل الله إليه قبض الأرواح، وهو ملك الموت، وغيرهم آخرون كثر، قال الله جل وعلا عنهم:
وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ
[المدثر:31].
ومنازلهم الأولى هي السماء، وعبادتهم التي لا يفترون عنها أنهم يقولون: سبحان وبحمده سبحان العظيم، وجاء في بعض الآثار أن منهم من هو ساجد لله منذ أن خلقه الله، ومنهم من هو راكع لله منذ أن خلقه الله، فإذا كان يوم القيامة يقبضون على هذه الهيئة ويحيون على هذه الهيئة، فإذا رفعوا رءوسهم رأوا وجه ربهم تبارك وتعالى فيقولون عند رؤية وجه العلي الأعلى: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
فضل الإيمان والفرق بينه وبين الكفر
ثقل الذنوب وفضل الاستغفار
تمام فرحة المؤمن وقراره وبهجته في الجنة
تدبر في حال أهل النار
تدبر في بعض آيات الله الدالة على صفات كبريائه
تدبر في قصة مؤمن آل فرعون وحياة يوسف عليه السلام
تدبر في قوله تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه...)
ومن آيات القرآن الكريم قول الله جل وعلا:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
[الأعراف:199] .
إن من أعظم أخلاق المؤمنين التي تمثلها نبينا صلى الله عليه وسلم أخذه صلوات الله وسلامه عليه بالعفو امتثالاً لأمر ربه، والعفو -أيها المؤمن- من صفة الكرام، كما أن الظلم -عياذاً بالله- من أعظم ما يسبب للعبد سوء الخاتمة، والعفو عن الناس من أعظم ما يقرب به العبد إلى ربه جل وعلا.
فقد ورد أن أبا سفيان بن الحارث الذي كان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد خمسة يشبهون النبي عليه الصلاة والسلام، وهم: الحسن والحسين وقثم والفضل وأبو سفيان بن الحارث ابن عمه وأخوه من الرضاعة -ورد عنه أنه كان يباري فيقذع في هجاءه للنبي عليه الصلاة والسلام، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، وهو الذي رد عليه حسان بقوله:
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
وورد أن أبا سفيان لما أراد أن يدخل في الدين وقد أهدر النبي دمه خشي أن لا يعفو عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى إحدى أمهات المؤمنين يستشيرها، فقالت له: ائته وقل له: تالله لقد آثرك الله علي وإن كنت لمن الخاطئين، كما قال إخوة يوسف ليوسف؛ فإن نبي الله لا يحب أن يكون أحد أحسن منه بالخير، فجاء أبو سفيان فقالها، فقال صلى الله عليه وسلم: (يغفر الله لي وله فهو أرحم الراحمين) وعفا عنه، ثم أسلم وحسن إسلامه، وكان له بلاء عظيم في يوم حنين كما دونته كتب السيرة مما هو معروف في موضعه.
والذي يعنينا من ذلك عفوه صلى الله عليه وسلم عن هذا، وعفوه عن قريش من قبل يوم أن قال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ولم ينتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط، وعلى النقيض من ذلك أخبر صلى الله عليه وسلم بأن الله جل وعلا حرم الظلم على نفسه، وجعله بين العباد محرماً.
ذكر بعض أسباب قسوة القلوب
ومن أعظم أسباب قسوة القلوب: ظلم المؤمن لأخيه المؤمن، كظلمه لزوجته، وظلمه لأولاده، وظلمه لأبويه -وهذا من أعظم الظلم- وظلمه لجيرانه، وظلمه لعامة المؤمنين، وظلمه للولاة، وظلمه للعلماء وقدحه فيهم وتنقيصهم، وكل ذلك ما لم يأذن الله جل وعلا به.
وأعظم من ذلك: أن يتسلط أحد على أحد بعينه يريد أن يسفك دمه، أو يهتك عرضه، أو يأخذ ماله، فإن هذا من أعظم أسباب سوء الخاتمة.
روى البخاري في التاريخ الكبير بسنده إلى محمد بن سيرين أن محمداً رحمه الله قال: كنت عند الكعبة فرأيت رجلاً يدعو يقول: اللهم اغفر لي وإن كنت أظن أنك لن تغفر لي. فقال له محمد : يا هذا! ما سمعت أحداً يدعو بمثل دعاءك! فقال: يا ابن سيرين ! إنك لا تدري ما خبري، إنني كنت قد أعطيت الله عهداً أنني إذا لقيت عثمان بن عفان أن ألطم وجهه ولحيته، فلما قتل عثمان فوضع على سريره ليصلي الناس عليه في بيته دخلت عليه فيمن دخل كأني أريد الصلاة عليه حتى وجدت خلوة، فلما وجدت خلوة رفعت عن كفنه وغطائه فلطمته على وجهه ولحيته وهو ميت، فما رفعت يدي إلا وهي يابسة كالعود، قال ابن سيرين رحمه الله: فأنا -والله- نظرت إلى يده شلة يابسة كالخشبة. فهذا قال الله عنه:
لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ
[الحج:9] .
وكذلك ظلم العباد وغشهم، وعدم الورع في أموالهم أو أعراضهم، سواء أكان أجيراً أم عاملاً أم موظفاً، أم زوجة أوكل الله جل وعلا إليك رعايتها، أم أبناء وبنات، أم أيتاماً وضعوا في حجرك، أم طلاباً بين يديك، فكل من جعلك الله جل وعلا بقدرته راعياً عليهم ينبغي عليك ألا تظلمهم، بل ينبغي عليك أن تهتدي بخلق نبينا صلى الله عليه وسلم الذي أنزله الله جل وعلا على نبيه فقال:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
[الأعراف:199] .
وثمة قاعدة مريحة في هذا الأمر، وهي أنك إذا أردت أن تسأل نفسك: ماذا أصنع بمن أوقفه الله ذليلاً بين يدي؟ فاصنع به ما تحب أن يصنعه الله معك إذا وقفت ذليلاً بين يديه، فاصنع به ما تحب أن يعاملك الله به إذا وقفت ذليلاً بين يديه، وما الدنيا إلا مزرعة للآخرة، والله يقول:
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
[الجاثية:21] .
البعد عن الفحشاء وأثره على العبد
ومن الخلق الذي علمه الله جل وعلا نبينا صلى الله عليه وسلم ودل عليه القرآن، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم به المؤمنين: البعد عن الفحشاء والفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن، فقد قال الله لنبيه:
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا 
[الإسراء:32]، وقال:
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ 
[الأعراف:33] إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تمثلها النبي صلى الله عليه وسلم.
كسفت الشمس في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ، فخرج صلى الله عليه وسلم يجر رداءه، ثم صلى بالناس صلاة أطال فيها، ثم وقف في الناس خطيباً يحذرهم ويقول: (لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أن تزني أمته) .
فحرم الله جل وعلا الفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن، وحرم الطريق الموصل إليها بقوله سبحانه:
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى
[الإسراء:32] .
وأعظم من ذلك: إتيان الذكران من العالمين، وهذه كلها فواحش حرمها الله جل وعلا في كتابه، وحكم على من صنعها -إلا أن يتوب- بالخسة والدناءة والبعد عن الرب تبارك وتعالى، قال الله:
إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا
[الإسراء:32] في شأن الزنا، فإذا أراد الإنسان أن يقرب من الله فليغض بصره، وليحصن فرجه، وليكثر من ذكر الله، وليبتعد عن الطرائق الموصلة إلى مثل هذا المحرم، وليحذر الله في أعراض المؤمنات الغافلات، وليعلم أن قدرة الله عليه أقرب وأعظم من قدرته على من جعلهم الله جل وعلا تحت يديه.
وقد تقف من مؤمنة على خطأ أو زلة، أو أمر وقعت فيه، فإن جعلته تهديداً لها تقارفها به وتصل إلى مرادك من خلاله فإن الله جل وعلا عليك أعظم وأقدر، وبينك وبينها الموعد، وهو الوقوف بين يدي الرب عز وجل.
ولا بد لكل أحد من أن يوضع في قبره وأن تحل عنه أربطة الكفن، وأن يخلا بينه وبين ملائكة العذاب أو ملائكة الرحمة، وسيسأل في ذلك المكان، ولن يجد أحداً يغيثه إلا الله، فإن كان عمله خيراً فخيراً، وإن كان شراً فشراً، ثم الوقوف بين يدي الرب تبارك وتعالى ليعرض عليه الكتاب الذي:
لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا
[الكهف:49] .
وجماع الأمر كله معرفة الله والخوف منه، فإذا كان العبد عارفاً بربه معظماً لخالقه فإنه لا يمكن أن يجرؤ على مثل هذه الأمور، وإن كان ليس هناك في القلب علم بالله ولا توحيد له، ولا معرفة بحق الله جل وعلا؛ كانت هناك من العبد جرأة على المعاصي وانتهاك للحرمات وإتيان لها، غير مبال بحساب ولا عقاب، وهذا مرده بعد ذلك إلى الوبال والخسران، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
بيان معنى قوله تعالى: (وإخوان لوط)
العادة النبوية وشرط حصول الأجر في اتباعها
السؤال: ما الفرق بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعادته، وما المطلوب اتباعه؟
الجواب: السنة تطلق ويراد بها معان عديدة، فتطلق أحياناً ويقصد بها الموافقة للكتاب، وحين يقول: (كتاب الله وسنتي) فهذه السنة يمكن أن يندرج فيها العادة، أما إذا أطلقت وأريد بها السنة التعبدية التي أمرنا باتباعه فيها فبعض أهل العلم يخرج مسألة العادة منها، فلا يلزم الإنسان بها، ولكن إذا فعلها المرء تعبداً لله فإنه يؤجر عليها.
مثال ذلك: حب النبي صلى الله عليه وسلم طعام الدباء، فهذا أمر جبلي، فكان أنس رضي الله عنه وأرضاه يأمر أهله إذا صنعوا طعاماً أن يضعوا فيه الدباء، ويقول: فما زلت أحبه -أي: الدباء- منذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكله، فهذا طوع نفسه الجبلية بأن تأخذ بالعادة النبوية، فهذا يندرج في الثواب الذي يؤجر عليه المرء، والعلم عند الله.
خطوات الإلمام بعلم التفسير
السؤال: أريد المنهج الصحيح لطالب العلم المبتدئ في التفسير من البداية إلى النهاية؟
الجواب: النهاية أمرها واسع، ولا سبيل إلى إليها، فقد قال تعالى:
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
[يوسف:76]، والبداية هي المقصود الأسمى، ولا أستطيع أن أقدم جواباً عاماً، فمن الصعب أن يقول الإنسان جواباً عاماً؛ لأن طلاب العلم يختلفون في الهمة، ويختلفون في التأصيل السابق، ويختلفون في ما يُعرف من اللغة وفي ما يُحفظ من الأشعار.
فليس التفسير كتباً تقرأ، وإنما ثمة عدة آلات تدخل فيه:
أولها: أن يكون هناك تآلف بينه وبين هذا العلم، فيبدأ بثلاثة كتب أو أربعة كتب لمدة سنة أو سنتين يقرأ فيها ولو من غير تركيز، فيقف على أسانيد العلماء، ويعرف مظان المعرفة التفسيرية، ويصبح بينه وبين كلام الله جل وعلا ألفة.
الثانية: يقرأ كثيراً في كلام العرب وشعرهم القديم حتى يعرف أساليبهم، ويقرأ في التاريخ، ويقرأ في أصول الفقه، فهذه كلها تعين المفسر.
ثم بعد سنتين أو ثلاث يوسع الدائرة في التفسير، فيأخذ كتباً أكثر، ولو أقام درساً يسيراً فإنه مع مرور الأيام يزداد علمه، والعلم ضرورة فيه أن يكون فيه طول زمان، فلا بد من مرحلة زمنية، قال الشافعي رحمه الله: (وطول زمان)، وهو يذكر ما يعين طالب العلم على أن يصل إلى مراده ومبتغاه، فلا بد من طول زمان.
وقال ابن شهاب الزهري رحمه الله تعالى: إنما العلم يبنى يوماً بعد يوم مع طول الأيام والليالي، والعجلة لا تنبت شيئاً، والإنسان لا يطير قبل أن يريش.
فبناء الخطوات تدريجياً يعين -بإذن الله- على أن يفقه الإنسان كلام ربه جل وعلا.
حكم لبس خاتم في يد وآخر في الأخرى
السؤال: ما حكم لبس خاتم في اليمين وآخر في اليسار؟
الجواب: هذا من عادات الناس، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً، فلا يتعلق بهذا أجر ولا عقاب، وإنما هو من جنس المباحات، فإذا وقف على حديث بعينه وأراد أن يطبقه عملاً بالسنة فهذا الذي يؤجر عليه.
درجة خبر ما يذكر به حملة العرش ربهم
السؤال: ذكر بعض المفسرين أن حملة العرش أربعة منهم يقولون: سبحان حلمك بعد علمك، وأربعة آخرون يقولون: سبحان عفوك بعد قدرتك، فهل هذا سنده صحيح؟
الجواب: ذكر بعض أهل التفسير أن حملة العرش ثمانية؛ لنص الآية:
وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
[الحاقة:17]، ولكنهم اختلفوا: هل هم ثمانية صفوف أو ثمانية أفراد؟
ولا أعلم في هذا سنداً صحيحاً، وأظنه مأخوذاً من مسلمة أهل الكتاب، أي أن أربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة آخرون يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك.
بيان معنى قوله تعالى: (فضحكت)
توجيه لمشاهدي القنوات الفضائية
السؤال: تساهلت بعض الأسر في البيوت المحافظة في إدخال الدشات والقنوات إلى البيت، فهل لكم توجيه في ذلك؟
الجواب: كلما نشأ الناس على الصلاح، وغض البصر، وتحصين الفرج كان ذلك أتقى لهم عند ربهم، ولا ريب في أن هذا أمر ملحوظ تساهل فيه كثير من الناس، خاصة من يترك تلك القنوات عائمة يبث فيها ما يبث، وقد يكون في البيت كثير من المراهقين والمراهقات، فإن هذا -والعياذ بالله- وراءه الشر المستطير، وينبغي على الذين ينفقون أموالهم في تأسيس قنوات مثل هذه أن يتقوا الله، فهؤلاء -والعياذ بالله- على شفا إثم عظيم، أولئك الذين يسعون في هدم بيوت المؤمنين ونشر الباطل، فينبغي للمؤمنين أن يتجنبوا هذه الطرائق الموصلة -والعياذ بالله- إلى غضب الله وسخطه.
حد الساحر وحكم توبته
السؤال: هل للساحر من توبة قبل أن يقدر عليه، وما هو حده إذا قدر عليه؟
الجواب: حد الساحر قتله، وقد يقبض عليه ويحكم عليه بالقتل ويتوب، وهذا لا يمنع قتله، ويتوب بينه وبين ربه، فالتوبة شيء بين العبد وبين ربه، فلو جاء رجل قد قتل نفساً وحكم عليه بالقصاص فإن إقامة الحد عليه ليس لها علاقة بالتوبة، فأي قاتل يتعلق بخطئه ثلاثة حقوق:
حق لله، وحق لأولياء الدم، وحق للميت، فأولياء الدم مخيرون بين ثلاثة: بين العفو والقصاص والدية، وحق الله إن شاء غفر وإن شاء عذب، ولكنه يسقط بالتوبة.
وحق الميت لا يسقط، ففي يوم القيامة يأتي الميت يطالب بحقه، فإن صدقت التوبة أعان الله القاتل يوم القيامة على أن تبرأ ذمته من المقتول.
فالساحر لو تاب تاب الله عليه على حسب توبته، ولكن إقامة الحدود مسألة أخرى بحسب ما يراه ولي الأمر والقضاة.
سبل معرفة الله تعالى
السؤال: ما هي السبل والوسائل التي تجعل العبد أكثر معرفة لله سبحانه؟
الجواب: لا أحد أعلم بالله من الله، وتدبر ما في القرآن من ثناء الله على نفسه هو المعين الأعظم على معرفة الإنسان لربه تبارك وتعالى، ثم يقرأ ما سطره الأئمة الأخيار في كتب الرقائق، كما في صحيح البخاري ، وما أشار إليه النووي في رياض الصالحين، وما ذكرته بعض كتب العقائد المبنية على منهج أهل السنة.
قطوف من حياة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
السؤال: نود تذكيرنا ببعض المواقف المؤثرة في حياة شيخكم الشيخ
محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله؟
الجواب: الشيخ محمد قد تكلمنا عنه كثيراً رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وفي الجملة أقول: أصله من بلاد شنقيط من موريتانيا، فكتب الله له الهجرة إلى هذه البلاد المباركة فحج، وكان في خيمة بالقرب من أحد الأمراء، وكانت هناك مسألة علمية تُناقش فشارك فيها، ومن خلالها عرف بالملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، ثم لما وصل إلى المدينة أكرمه الملك عبد العزيز بأن منحه الجنسية له ولأهل بيته، فمكث بعد ذلك يدرس في الحرم النبوي الشريف، وكان منذ صغره في موريتانيا يطلب العلم.
وكان له خال يعنى به وهو صغير دون البلوغ، وفي ذات يوم مرض خاله هذا، يقول رحمه الله: كنت أمر عليه وأقول: ليته يموت حتى أستريح من الطلب ومن الدراسة، ولا يدري أن خاله سيكون سبباً في تعليمه، وأن هذا العلم سيجعله الله سبباً في رفعة شأنه.
ولم آخذ منه مباشرة مع أنه كان جارنا رحمة الله تعالى عليه، ولكن مات وأنا في الثالثة عشرة تقريباً، وكان له مواقف عظيمة، ومن أشهرها: أنه عندما حج عام (1393) من الهجرة كان معه سائق، فرأى السائق في المنام أن نبياً يموت، فلما دنا منه لم ير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح أخبر الشيخ بها، فتغير وجهه، فلما تغير وجهه ندم السائق على أنه أخبره، فقال له: يا شيخ! لعلها أضغاث أحلام. فقال رحمه الله: ليست أضغاث أحلام، بل هي رؤيا، ولكن يكتب الله الذي فيه الخير، وبعدها بأربعة أيام توفي الشيخ.
وإنما أخذ تفسيرها من كون العلماء ورثة الأنبياء، والسائق لم ير نبياً بعينه، فما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولا صفاته، ولكنه أوهم أن هذا نبي في الرؤيا، ففسرت على أنه موت عالم، وكان -رحمه الله- آنذاك منارة من منارات العلم رحمه الله ورحم أموات المسلمين جمعياً.
بيان المراد بقول الله تعالى تعبيراً عن نفسه وحده (نحن)
السؤال: في سورة (ق) قال الله تعالى:
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ 
[ق:43] فلماذا قال الله عز وجل: (نحن) وهو عز وجل واحد؟
الجواب: هذا أسلوب عربي في الكلام يسمى أسلوب التعظيم، تستخدمه العرب في كلامها، وهو أنهم إذا أرادوا التعظيم يقولون: (نحن) ولذلك مواضع يقال فيها، فيأتي أحياناً للاختصاص، ويأتي أحياناً للتعظيم، ويأتي لغير ذلك، لكن هذا السياق سياق تعظيم، وليس سياق جمع عددي.
ونحن نسمع الملك عبد الله -وفقه الله- في الأوامر الملكية يقول: نحن عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية. فهو شخص واحد، ولكن هذا أسلوب عربي في لغة العرب، وجائز قوله في حق الله وفي حق غيره، ولكن يختلف فيه حق الله عن حق غيره، كما تقول: فلان رحيم، والله جل وعلا قال عن نبيه:
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
[التوبة:128] وتقول عن الله جل وعلا: إن ربنا غفور رحيم. إلا ما يتصف به الله غير ما يتصف به الناس.
حكم المسابقات المجراة في الصحف والمجلات
السؤال: كثرت في الجرائد والصحف المسابقات التي يكون عليها جوائز عظيمة، كسيارات ونحوها، فهل تجوز مثل هذه المسابقات؟
الجواب: إذا كانت الجوائز تأخذ من الناس -كما هو حال أكثر المسابقات- ثم بعد ذلك بحيث توضع المسابقة وتكون الكلفة فيها سبعة ريالات للدقيقة الواحدة، فإن كان عدد المشتركين مليوناً وكانت الدقيقة بسبعة ريالات كان الناتج سبعة ملايين، فمجموعة منها ستعطى لشركة الاتصالات، ومجموعة للجريدة التي نشرت الإعلان، ومجموعة يأخذها الراعي للمسابقة، ومجموعة تعطى للناس، إذا كانت كذلك فهي محرمة قطعاً ولا تجوز.
وهناك نوع آخر من المسابقات لا تؤخذ فيه أموال الناس، إلا أن فيه شبهة يسيرة، وهي قضية الكوبون، فهذه المسابقة صورتها: أن الجريدة تنشر المسابقة وثمة راع للمسابقة قد يكون عنده شركة سيارات، فيأتي بثلاثة ملايين ويتفق مع الجريدة على نشر المسابقة، فنشر المسابقة فيه دعاية للسيارات، والناس لا يدفعون مقابل ذلك شيئاً؛ لأن قيمة الجريدة لم تتغير، وإنما يستفيد أصحاب الجريدة من كون أكبر شريحة من المجتمع تشتريها، فهذه الأموال التي اشتريت بها الجريدة لم تدخل في الجائزة، إذ الجائزة مصدرها آخر، وهو الشركة أو نحوها، وليس مصدرها أموال الناس، فهذه فيها شبهة، ولكنها إلى الجواز أقرب -والعلم عند الله- خاصة في حق من اعتاد أن يشتري الجرائد.
وبعض الأوروبيين يبيعون سياراتهم بطريقة محرمة، حيث يأتي الواحد بسيارة إلى بعض الموظفين، ويؤتى بمن لهم خبرة بالسيارات فيقومونها، فيقال: هذه السيارة تساوي ثلاثين ألف مثلاً، فيقوم ثلاثون موظفاً يريدونها، فيقولون لكل موظف: ادفع ألفاً، فيدفع ثلاثون ألفاً قيمة السيارة، ثم يقرعون فيأخذها واحد ممن دفع ألفاً، ومن المعلوم أن كل إنسان يشترك يقول: إما أن أخسر الألف أو أكسب السيارة، فتهون الألف، وله أمل في أن يكسب.
فكلهم يشتركون، ثم تجرى بينهم قرعة، فيأخذ السيارة أحدهم، وصاحب السيارة يأخذ المال ويذهب، وهذا هو الميسر الذي حرمه الله جل وعلا.
حكم المنقول عن بني إسرائيل
السؤال: ما هو الضابط في النقل عن بني إسرائيل، وخاصة إذا كانت تلك الأخبار قد ذكرها بعض أهل العلم مثل الحافظ
ابن كثير؟
الجواب: المنقول عن مسلمة أهل الكتاب عن علماء بني إسرائيل جاء فيه حديث: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) والأصل فيه أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما كان منه معارضاً لما عندنا، فيرد.
الثاني: ما كان منه موافقاً، فيقبل.
الثالث: ما كان غير موافق ولا معارض، فيقبل، ولكنه يعتبر من مليح القول لا من متين العلم.
نصيحة لمغتاب العلماء وطلبة العلم
السؤال: هل من نصيحة لمن يغتاب العلماء والمشايخ وبعض طلبة العلم، ويقضي مجالسه في نقد فلان وعلان؟
الجواب: الغيبة -والعياذ بالله- أول طرائق البقاء والانتكاس، وأعني بالبقاء أن الإنسان لا يتقدم، فالإنسان إذا أراد أن يطلب علماً، وأراد أن يهيئ نفسه لمكان ينفع به عباد الله فليجتنب الخوض في أعراض الناس، وقد قيل:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك مساوئاً فصنها وقل يا عين للناس أعين
فكلنا عورات ومعايب، ولكن الله جل وعلا يستر علينا وعليكم المعايب والعورات إذا لم نخض في عورات الناس ومعايبهم، فإذا خضنا في معايب الناس وعوراتهم سلط الله علينا من يخوض في عوراتنا ومعايبنا، فنسأل الله لنا ولكم السلامة.
وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.