إسلام ويب

الأحاديث الواهيةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الشيخ -حفظه الله- بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبين كلام السلف -رحمهم الله- فيها وتضعيفهم لها سنداً ومتناً، وذلك لأنه قد انتشر الكذب بين الناس، حتى تجرأ بعضهم، فأصبحوا يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سخر الله لهذا الدين علماء ينقون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويبينون الضعيف من الصحيح.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعــد:

    فعنوان هذا الدرس: الأحاديث الواهية.

    خطر الكذب على الله ورسوله

    ولما كان لزاماً على كل طالب علم أن يبين للناس ما يخشى أن يقعوا فيه، ومن أعظم ما يخشى على الأمة الكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام والافتراء عليه، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار} والله عز وجل يقول: انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً [النساء:50] فبين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن الكذب من أكبر الذنوب والخطايا؛ خاصة إذا كان على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

    الكذب على الناس كبيرة، فكيف إذا كان على رسول الناس؟! فكيف إذا كان على رب الناس سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟! قال سبحانه: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:60] مسودة من الكذب؛ لأن الكاذب دائماً خجول ودائماً حقير وذليل.

    والمقصود من هذا الدرس: هو بيان بعض الأحاديث التي انتشرت بين الناس وهي ضعيفة أو موضوعة، وسوف أبين بحول الله الموقف من الأحاديث الضعيفة، هل يستشهد بها، وهل يستدل بها؟ ومتى وما شروط ذلك؟

    ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] ومعنى (لا تقف): قيل: لا تتبع، وقيل: لا تقف على ذلك، وقيل: لا تورده على الناس وأنت لم تتحقق منه، وقيل: لا تشيعه بين الناس فإن بعض الناس يحدث بكل ما سمع.

    وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع} أي: يكفي الإنسان إثماً وخطيئة أنه كلما سمع قصة ومقالة قالها ونشرها بين الناس. وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، وحرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات} ومعنى قيل وقال: أي كثرة الكلام، قال فلان ورد عليه فلان، وقالوا وقلنا، وهذا معناه: ضياع الوقت والعمر والدين. يقول سبحانه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] وهذا تهديد لمن يتكلم في غير مرضاة الله عز وجل.

    والمقصود هنا من الحديث: أن أبين بعض الأحاديث التي يستدل بها بعض الخطباء وبعض المتحدثين وهي منتشرة بين العوام فيحذر منها؛ لئلا تنتشر، وفي الأحاديث الصحيحة غنية والحمد لله.

    خساسة الكذب

    الكذب ذميمة عند العرب في الجاهلية فكيف بالإسلام؟!

    يقول أبو سفيان عند هرقل: فلولا أن يأثروا عني الكذب لكذبت، أي: أخاف أن ينقل عني العرب أني كذبت فتركت الكذب. وهو يومئذٍ مشرك!

    و النابغة الذبياني وفد على النعمان بن المنذر -وهو أحد الملوك في الجاهلية- وكان النابغة رجلاً شاعراً افتري عليه عند النعمان بن المنذر فأمر بقتله؛ فوفد وقال له:

    حلفت فلم أترك لنفسك ريبة      وليس وراء الله للمرء مذهب

    لئن كنت قد بلغت عني وشاية      لمبلغك الواشي أغش وأكذب

    ويقول كعب بن زهير للرسول عليه الصلاة والسلام:

    لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم      أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويل

    وذلك في قصيدته الرائعة الجميلة التي يقول في مطلعها:

    بانت سعاد فقلبي اليوم متبول      متيم إثرها لم يفد مكبول

    إلى أن قال:

    إن الرسول لنور يستضاء بـه      مهند من سيوف الله مسلول

    إلى أن يقول فيه وهو يمدحه عليه الصلاة والسلام:

    مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة      القرآن فيها مواعيظ وتفصيل

    لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم      أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويل

    ثم انتهى منها فأعطاه عليه الصلاة والسلام بردته، وعفا عنه وسامحه.

    يقول عليه الصلاة والسلام عن سمرة عند مسلم: {من حدث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين} أي: أحد الكاذبين على الله؛ لأن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ككذب على أحد، ولأن كلامه وأفعاله صلى الله عليه وسلم تشريع، وهو مسئول من الله، ومبعوث لإحياء جيل، ولإقامة شريعة، فمن كذب عليه فقد سنن للناس الكذب.

    ظهور الكذب في آخر الزمان

    وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم في المقدمة: {سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم} أي: يتركون القرآن والسنة، ويتحدثون بالخزعبلات والمضحكات، والقصص الواهية التي ليس لها أساس، وليس لها عمق، وإني في هذا المكان أتعجب كثيراً من جريدة المسلمون! هذه الجريدة التي طالما تأتي بخزعبلات، فما ندري ما هو المقصد من هذه الجريدة؟ هل الذين يكتبون فيها بأقلامهم جهلة؟ أم في قلوبهم مرض؟ أم ارتابوا من هذه الرسالة الخالدة؟

    يأتون بقصص واهية، ويظهرون شناعة لهذا الدين، وفي ظاهرهم أنهم يريدون الدفاع عن الإسلام، لكن يزرون بالإسلام وأهله.

    قبل أشهر ذكروا امرأة من نجران وصوروا المرأة، وقالوا: هذه تشافي المرضى وتخرج الزجاج من العيون، ثم أظهروها وهي تدخل لسانها في عين مريض، ماذا يقول الغربيون إذا رأوا هذه الجريدة وهي تقرأ في كل بلاد العالم؟! كلما أتت خزعبلة في مكان من الأمكنة من بلاد الإسلام نقلوها للناس، وكأنهم يدافعون عنها وهم يحللونها ويطرحونها، مثل بعض المبتدعة يقولون: يُؤتى بالشبهة فيتوسع فيها كثيراً، ثم يرد عليها رداً ضعيفاً، فتتمكن الشبهة في قلوب الناس، فعلى كل حال عل هذا الكلام أن يبلغ بعض قراءهم أو محرريهم، وقد كتب لهم تنبيه في ذلك عل الله أن يصلح حالهم؛ لأن المسلم مسئول عما يكتب ويقرأ ويقول تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:24-25].

    جزاء من كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم

    يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوء مقعده من النار} أي: من قال عليَّ كلاماً لم أقله فليتهيئ وليتجهز لمقعد في النار جزاء له على فعله الشنيع، بالتشريع للأمة بشيء لم يشرعه عليه الصلاة والسلام، والحمد لله على أن حديثه محفوظ عليه الصلاة والسلام.

    عمر الإسلام ألف وخمسمائة سنة وهو محفوظ قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] والشيوعية عمرها اثنان وسبعون سنة منذ أن كتب ماركس مذكراته في سويسرا ودخول لينين موسكو؛ عمرها اثنان وسبعون سنة ثم انهارت، ولكن الإسلام يزداد قوة، والإسلام الآن ينتشر انتشاراً رهيباً حتى انتشر في ولايات روسيا وألمانيا الشرقية، هذه الولايات يدخل أهلها في الإسلام زرافات ووحدانا؛ لأنه الدين الحق أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].

    تثبت الصحابة والتابعين في قبول الأحاديث

    وقبل أن أبدأ في سرد الأحاديث الضعيفة الواهية أو الموضوعة التي أحذر نفسي وإياكم من الاستدلال بها في المجالس، أو في الأندية، أو في المجامع العامة، أذكر فصلاً وهو تثبت الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في قبول الحديث.

    في الصحيحين عند البخاري ومسلم: {أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه أتى إلى عمر بن الخطابعمر خليفة- يريد أن يكلمه في بيته فطرق على عمر الباب فلم يرد أحد، فاستأذن مرة ثانية فلم يفتح له، فاستأذن ثالثة فلم يفتح له؛ فذهب أبو موسى، وفتح عمر الباب ونادى أبا موسى قال: تعال، ما لك عدت؟ قال: سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع، قال عمر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لتأتينَّ بشاهد لك على هذا أو لأوجعنك ضرباً} وهو رضي الله عنه يعلم أنه صادق ولكن يريد أن يتثبت من الرواية، ولا يكون الإنسان كلما تأتيه قضية يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث وفي الأثر، وهذا خطر عظيم على طلبة العلم فكيف بالعامة؟!

    فذهب أبو موسى إلى الأنصار، فاستشهدهم فقام معه أبو سعيد فشهد عند عمر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال الحديث.

    وكان ابن مسعود فيما صح عنه -وهذا يرويه جمع من أهل العلم كـابن ماجة وغيره- إذا قام يوم الخميس يعظ الناس، يرتعد وينتفض ويرتعش خائفاً أن يوقع كلمة مكان كلمة أو يخطئ في لفظة، حتى إذا انتهى قال: أو شبه هذا أو نحو هذا أو مثلما قال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حذراً أن يزل في حرف لم يقله عليه الصلاة والسلام.

    ويقول الدارمي راوياً عن أنس: [[لولا أن أخطيء على الرسول عليه الصلاة والسلام لحدثتكم بأشياء سمعتها منه]].

    وصح أن عروة بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كان أبي إذا أراد أن يتبرد في الحر وضع ثيابه أي: نزع ثيابه وكنت ألعب في آثار الجروح التي أصيب بها في المعارك.

    ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم      بهن فلول من قراع الكتائب

    تخيرن من أزمان يوم حليمة      إلى اليوم قد جربن كل التجارب

    هذا الزبير بن العوام يأتي يوم القيامة والشهادات في آثار جسمه رضي الله عنه وأرضاه مما أصيب به في سبيل الله، يقول له ابنه: ما لك لا تتحدث إلا كالسحابة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار} فكانوا يحذرون أشد الحذر!!

    قال الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية: إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً. هذا ذكره صاحب معرفة علوم الحديث، لا يسمى عالماً من يورد السقيم، حتى يقول الشاعر:

    أوردها سعد وسعد مشتمل      ما هكذا يا سعد تورد الإبل

    ونصيحتي للإخوة خطباء المساجد وطلبة العلم والأساتذة، إذا أرادوا أن يحضروا موضوعاً أن يراجعوا الأحاديث، وأن يخرجوها أو يسألوا طلبة العلم، ولا يقول قال الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يدري من أخرجه ومن رواه، وهل هو صحيح أو ضعيف أو باطل حتى يكون على بينة؛ لئلا يفتري على الله.

    تجد أن بعضهم من أسهل ما يجد عليه أن يورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أحاديث، وهذا خطر عظيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088523022

    عدد مرات الحفظ

    777116345