إسلام ويب

اليوم الخالدللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يوم أحد يوم عظيم، استشهد فيه سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل المعركة رؤيا فسرها بقتل رجل من أهل بيته ونفر من أصحابه.

    وذكر بعض المواقف البطولية، فقد عرض النبي صلى الله عليه وسلم سيفه على الناس ليأخذوه بحقه فأحجموا إلا أبا دجانة فأخذه وفلق به هام المشركين.

    وذكر قصص بعض الذين استشهدوا في هذه المعركة: كمصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وعبد الله بن عمرو الأنصاري.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أيها الناس: يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم! يا حملة لا إله إلا الله! نعيش هذا اليوم مع رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في يوم أحد الخالد؛ ذاك اليوم الذي دفع صلى الله عليه وسلم إلى الجنة سبعين من أصحابه، ذبح سبعون من أقرب الأقرباء وأتقى الأتقياء إلى قلب سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].

    قبل المعركة بليلة رأى صلى الله عليه وسلم أن سيفه قد ثُلِمَ ثلمة، وكان تعبير الرؤيا موت سيد الشهداء، ومضى صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى جبل أحد ولما اقترب منه، جلس هناك يستعرض الصحابة ويتكلم إليهم، ثم سل سيفاً في يمينه وقال: (من يأخذ مني هذا السيف يقاتل به هذا اليوم؟ فمد الناس أيديهم؛ كلهم يريد أن يأخذوا سيف الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: من يأخذ مني هذا السيف بحقه؟ -وكلمة بحقه صعبة وضريبة باهظة، من يدري ما هو حق هذا السيف؟- قالوا: ما حقه يا رسول الله؟ قال: حقه أن يضرب به في الأعداء حتى ينحني -ويعوج في رءوس الكفرة والملاحدة- فنزلت الأيدي وبقيت يداأبي دجانة مرفوعة، يقول: أنا آخذ السيف بحقه يا رسول الله! فأخذ السيف ووقف ينشد أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول:

    أنا الذي عاهدني خليلي      ونحن بالسفح لدى النخيل

    ألا أقوم الدهر في الكيول      أضرب بسيف الله والرسول
    ).

    ومضى إلى المعركة، وابتدأت معركة الإيمان والكفر، معركة بين لا إله إلا الله وبين لا إله والحياة مادة؛ لأن الشهادة في الإسلام لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لتكون كلمة لا إله إلا الله خفاقة منصورة وباقية ثابتة.

    استشهاد حمزة بن عبد المطلب

    واستعد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف ولكن انخزل المنافقون بثلاثمائة مقاتل، ووقف عليه الصلاة والسلام يقاتل وقتل حمزة، ووقف صلى الله عليه وسلم على عمه سيد الشهداء عند الله وقال: { والذي نفسي بيده ما وقفت موقفاً أغيظ ولا أبغض إلى قلبي من هذا الموقف، والذي نفسي بيده لئن ظفرت بهم لأمثلن منهم بسبعين، فقال الله له: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128]} لا تتدخل في هذا هو شهيد عندنا ونحن نتولاه والله يصلح من يشاء، ويرجئ من يشاء، ويقبل من يشاء، ويرد من يشاء.

    استشهاد مصعب بن عمير

    وأتى مصعب بن عمير البطل المجاهد الشاب، الذي ترك الدنيا وذهبها وفضتها، وخرج مهاجراً إلى الله تعالى، فأتى يدور بسيفه كالأسد في جبل أحد يقول: [[أين رسول الله؟ قالوا: قتل، ظنوا أنه قتل، فقال: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]]] فأنزلها الله آية بكلام مصعب، ثم قتل، {فأتى عليه الصلاة والسلام فوجده مقتولاً فبكى، وأتى ليكفنه فما وجد إلا نمرة إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطى بها رجليه بدا رأسه، وقال: أنت شهيد وأنا عليك شهيد} أي: أنت شهيد عند الله وأنا أشهد أنك شهيد، وذلك يوم يستشهد الله رسوله صلى الله عليه وسلم.

    إنها التضحيات والبذل ودفع الروح رخيصة في سبيل الله، أما ترى الاشتراكيين والوطنيين والصليبيين والشيوعيين يوم يدفعون أرواحهم من أجل الدنيا، ويقولون: "نصنع التاريخ؟! أما أصحاب الرسول عليهم الصلاة والسلام فيدفعون أرواحهم لتبقى لا إله إلا الله".

    استشهاد عبد الله بن جحش

    قال سعد بن أبي وقاص خال الرسول عليه الصلاة والسلام لما التقينا يوم أحد قبل المعركة، والقتال آنذاك ليس كالقتال في هذا العصر، إنه قتال سيف ورمح وخناجر إنها الشجاعة تظهر نفسها، قال: فلما التقينا أخذني عبد الله بن جحش؛ وهو أحد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فذهبت معه وراء الجبل وقال: يا سعد دعنا ندعو الله هذا اليوم بما شئنا، قال سعد: فدعوت الله بالنصر والتأييد، قال: فلما انتهيت، رفع كفيه وقال: اللهم إنك تعلم أني أحبك! اللهم إذا بدأت المعركة والقتال فلاق بيني وبين كافر من الكفار؛ شديد حرده، قوي بأسه يقتلني فيك -ولم يقل: أقتله- فيبقر بطني ويجدع أنفي، ويفقع عيني، ويقطع أذني، فإذا لقيتك يوم القيامة! وقلت لي: لم فعل فيك هذا؟! أقول: فيك يا رب! قال سعد: والله ما انتهت المعركة إلا ورأيته مقتولاً مبقوراً بطنه مجدوعة أنفه مقطوعة أذناه، فسألت الله أن يكمل له ما سأل، وكلها رخيصة في سبيل الله. والله يقول: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونًَ [آل عمران:169-170]:

    أرى كلنا يبغي الحياة بعيشه      حريصاً عليها مستهاماً بها حبا

    فحب الجبان النفس أورده البقا     وحب الشجاع الحق أورده الحربا

    أتى قتادة بن النعمان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد وسط المعركة، وقد ضربت عينه، فنزلت حتى أصبحت على خده -نزلت عينه بعروقها من مكانها، حتى سالت على خده- وقال: {يا رسول الله! أنظر لعيني! فقال عليه الصلاة والسلام: ادن مني، فدنا منه فأخذ براحته الشريفة ورد عينه مكانها وقال: باسم الله تبارك الله فعادت أحسن من العين الأخرى}. يقول ابنه:

    أنا ابن الذي سالت على الخد عينه      فردت بكف المصطفى أحسن الرد

    وهذه من الأيام المشهودة في تاريخ الإسلام، التي دفع أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فيها أرواحهم رخيصة في سبيل الله، لتكون كلمة الله هي العليا. ولينتصر الإسلام، ولتبقى شعائر الله، ويبقى القرآن، وأنا وأنت حسنات من حسنات جهدهم عبر التاريخ.

    الصحابي الذي كلم الله

    وفي ذلك اليوم المشهود تجلت فيه بطولات الصحابة، وأعظم قصة في معركة أحد هي القصة التي تسمعونها دائماً وأبداً، ولكننا سوف نذكرها ما بقي في الأرض إسلام، وما بقي في الأرض مسلمون.

    إنها قصة الشهيد الذي كلم الله! إنها قصة المؤمن الذي تحدث مع الله مباشرة! عجباً لهذه الأمة؛ أمة الصحراء، لما حملت لا إله إلا الله؛ تكلمت مع الله كفاحاً بلا ترجمان، فمن هو؟ إنه عبد الله بن عمرو الأنصاري الفقير الزاهد لكنه غني بالإيمان، قوي بالتقوى، خرج من بيته وقد رأى قبل ليلة: أنه يقتل في معركة أحد فاستودع أهله، واستودع بناته واستودع ماله الله الذي لا تضيع ودائعه:

    بغض الحياة وخوف الله أخرجني      وبيع نفسي بما ليست له ثمنا

    إني وزنت الذي يبقى ليعدله      ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا

    وذهب إلى المعركة؛ فقتل بعد أن ضُرب بأكثر من ثمانين ضربة، وسجي بثوب، وقال عليه الصلاة والسلام لابنه جابر وهو يبكي على أبيه: {يا جابر ابك أو لا تبكِ، والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده لقد كلم الله كفاحاً بلا ترجمان}. يعني: لم يجعل بينه وبينه مترجم، بل لما قتل في سبيل الله كلمه الله مباشرة، قال: {تمن يا عبدي، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً}. فجعل الله روحه وأرواح إخوانه في حواصل طير، ترد الجنة فتأكل من ثمارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

    ومن قاتل لسمعة فلا قبل الله قتاله ولا تضحيته! ولا نفعه جهاده! ومن قاتل لوطنية، أو رياء، أو حمية، أو ليقال: قاتل، أو لمذهب هدام؛ فقد خسر مستقبله وروحه ودمه، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    أقول: ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531383

    عدد مرات الحفظ

    777165100