بدأ الشيخ خطبته بتلاوة آيتين عن الظلم، وحديثين منهما حديث أبي ذر الذي فيه أن الله حرم الظلم على نفسه وعلى الناس، ثم تلا آياتٍ أخرى عن الظلم، ثم ذكر أربعة أمثلةٍ من حياة الأولين، رأى أنها مناسبة لموضوع الظلم، ثم أورد أثراً عن محاسبة الله للظالمين، وإنصافه للمظلومين.
وفي خطبته الثانية، تكلم عن التوبة، وحث عليها، ثم ختم كلامه بالدعاء.
وهذا حديث شريف، وهو أشرف حديث لأهل الشام وأهل سوريا، وهذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام وأصل من أصول الدين، وكان التابعون إذا حدثوا به جلسوا على ركبهم من عِظَمِه.
فسلط الله على هذه الأسرة أحب الأحباب إليهم، وأقرب الأقارب إلى قلوبهم، وأصدق الأصدقاء، وهو هارون الرشيد الخليفة، فأخذهم في ليلة واحدة، فجلد كل واحد منهم ألف سوط ثم قطع بعض أياديهم وأرجلهم وقتلهم شر قتلة، واستولى على أموالهم، وهدم قصورهم، وسجن نساءهم، فدخلوا على شيخ منهم من البرامكة وهو يعذب، ويبكي تحت السياط، فقال له بعض العلماء: ما هذه المصيبة التي حلت بكم؟ قال: دعوة مظلوم سرت في الليل نمنا عنها والله ليس عنها بنائم.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: {دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين} ويقول عليه الصلاة والسلام -وهو يوصي معاذاً لما أرسله إلى اليمن {اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} ولذلك لما أهين الإمام أحمد إمام أهل السنة رضي الله عنه، كان الذي سعى في سجنه وظلمه وجلده أحمد بن أبي دؤاد أحد الوزراء المقربين من الخليفة المعتصم؛ فرفع الإمام أحمد يديه إلى الحي القيوم ثم قال: اللهم إنه ظلمني فاحبسه في جسمه، وعذبه وشرده أيما مشرد، قال العلماء: فوالله ما مات حتى أصابه الله بالفالج في نصفه، فنصف مصاب بالفالج قد مات ويبس نصف جسمه، وبقي نصفه حياً، دخلوا عليه وهو يخور كما يخور الثور، فقالوا: مالك؟ قال: دعوة الإمام أحمد أصابتني، أما نصفي الأيمن فوالله لو وقع عليه ذباب لكأن جبال الدنيا سقطت عليه، وأما النصف الآخر -فوالله- لو قرضتُ بالمقاريض ما أحسست ألماً.
وهذه سنة الله في الأرض، فإن الله دمر الديار، وأهلك الأمم، وأفنى الشعوب لما ظلموا، وهذه سنة محكمة منه تبارك وتعالى.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: دخل أحد المشايخ الصالحين الأولياء العباد على أحد الطغاة المتكبرين فنازعه في بعض الكلام، وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقام إليه هذا الطاغية فضربه على وجهه، فقال: لطمتني، أسأل الله أن يقطع يدك، قال: اعف عني، قال: لا والله حتى نحتكم عند الله، قال الذهبي: فأثر أنه ما مر عليه أسبوع إلا وقد استولي على ما عنده، وأخذ من قصره، وقطعت يده، وعلقت أمام الناس.
إن الظلم ظلمات يا عباد الله! إن الظلم مسخطة ومغضبة ولعنة، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله من غير منار الأرض} ومنار الأرض حدودها التي تقتسم في المزارع والأراضي والأملاك، فمن غيره بغيبة شريكه وعدم رضاه فهو ملعون عند الله عز وجل.
والظلم يدخل على القضاة والمسئولين؛ فيأتي كل قاض ومسئول -كما صح الحديث في ذلك- مغلولة يده اليمنى خلف ظهره، فإن عدل أطلق الله يده، ونور وجهه، وبشره بالنعيم المقيم، وإن ظلم وفجر كبه الله على وجهه مغلولاً في النار، فنعوذ بالله من الظلم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
فاستغفروني أغفر لكم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبي الرحمة إمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، وهداية السالكين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفلسطين وفي كل بلد من أرضك يا رب العالمين.
اللهم ارفع رايتهم وثبت أقدامهم، وأنزل النصر والسكينة عليهم، اللهم وحد صفوفهم واجمع شملهم، واجعل سهامهم في نحور أعدائهم، يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.