إسلام ويب

سلسلة أشراط الساعة الكبرى [دخول أهل الجنة الجنة]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في يوم القيامة يفصل الله تعالى بين عباده بحكمه وهو أحكم الحاكمين، فيقضي على بعض خلقه بدخول النار، ويكرم آخرين بدخول الجنة، وأول من يستفتحها منهم هو رسولنا صلى الله عليه وسلم، فيفتح له فيدخل المؤمنون إلى كرامة الله بعد تهذيبهم وتصفية قلوبهم من غلها. وأما أهل النار فيصيرون إلى دار الخزي والهوان، يصلون العذاب الأليم ويستغيثون من حرها فيغاثون بماء الحميم كالمهل يغلي في البطون عياذاً بالله تعالى من حالهم.

    تصفية المؤمنين قبل دخول الجنة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

    فإن أهل الموقف يوم القيامة ينصرفون إلى دارين لا ثالث لهما: إما الجنة، وإما النار.

    والجنة -أسكننا الله وإياكم إياها- درجة عالية كتبها الله جل وعلا للصالحين والمؤمنين والمتقين من عباده، وجعلها وعداً مسئولاً يسأله عباده إياها، والحديث عنها مشهور مستفيض، ولذلك سنقف وقفات علمية معرفية غير وعظية على ما يغلب على الظن أنه غير معروف، أو -على الأقل- غير مشتهر.

    إن أهل الطاعات إذا انصرفوا إلى الجنة يحبسون على قنطرة قبل الجنة؛ لأن الله قال: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89].

    فدخول الجنة يستلزم قلباً سليماً، فلا بد من أن يسعى الإنسان في سلامة قلبه، ومع ذلك يبقى لبعض الناس مع غيرهم شيء من المظالم في الدنيا قلما يسلم منها أحد من هؤلاء الذين كتب الله لهم الجنة، فقبل أن يدخلوا الجنة يحبسون على قنطرة؛ لأن الله حكم عدل، فيقتص منهم لمظالم كانت بينهم حتى ينقوا ويهذبوا، ثم بعد أن ينقوا ويهذبوا ولا يبقى في الصدور والقلوب شيء يؤذن لهم بدخول الجنة، قال الله جل وعلا: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [الأعراف:43].

    فالله جل وعلا أسند النزع إلى ذاته العلي، وهذا لا يقع في الدنيا، وإنما يقع في الآخرة، ولهذا روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: إني لأرجو الله أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [الأعراف:43]، وعثمان رضي الله عنه أشد هذه الأمة حياءً، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه، وعلي رضي الله عنه زوج فاطمة ، وأول من أسلم من الفتيان، وله مشاهد عظام في الدين، وطلحة رضي الله عنه شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقال يوم أحد: (أوجب طلحة) أي: ثبتت له الجنة، والزبير رضي الله تعالى عنه هو ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيه عليه الصلاة والسلام: (لكل نبي حواريون، وحواريي من أمتي الزبير).

    ومع ذلك وقع بين هؤلاء الأربعة ما وقع باجتهاد منهم، وهم منارات شامخة، وقامات سامقة، ومجنون من يجعل نفسه حكماً بين هؤلاء العظام، ولكن نقول: هم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهؤلاء الأربعة مشهود لهم بالجنة، فهم من العشرة المبشرين، وإنما يأتي الإنسان ما يأتيه من الضرر عندما يقحم عقله أو نفسه فيما ليس فيه مجال.

    ومثال ذلك في المعتزلة، وهي فرقة ظهرت قديماً، ومنهم رجل يقال له: عمرو بن عبيد ، كان مشهوراً بالصلاح والتقوى والورع، فلو خاصمته في ملايين الملايين لتركها لك، حتى إن أبا جعفر المنصور كان يستدعيه، فقال له: يوماً وهو الخليفة، والناس يتمنون مجالس السلطان لما يكون فيها من العطايا، قال له: اطلب حاجتك. فقال: حاجتي ألا تستدعيني. أي: لا تطلب مني أن أدخل قصرك ولا آتيك: فخرج، فقال أبو جعفر أبياته الشهيرة:

    كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد

    يعني: كل من يأتيني هنا يتلطف في الكلام يريدا العطية، غير عمرو بن عبيد ، فإنه لا يريد شيئاً.

    فهذا الرجل -على ما كان عليه من الورع وكثرة الصلاة والصيام- يقول: لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير لما قبلت شهادة أحدهم ولو في قشرة بصلة؛ لأنهم فساق.

    فانظر إلى العقل الذي دعاه إلى أن يعبد كيف دعاه إلى أن يقول هذا على هؤلاء؟! يقول: لأنهم اقتتلوا، والحق لابد من أن يكون مع أحدهما، فالآخر الذي ليس معه الحق ظالم لأخيه، فهو فاسق، والفاسق لا تقبل شهادته.

    فنسي بحار الفضل العظيمة لهؤلاء الأربعة ولغيرهم من الصحابة، وأقحم نفسه حكماً في رجال زكاهم الله جل وعلا في القرآن، وزكاهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل إنسان يتكلف شيئاً ليس له تظهر عورته، وتبين سوءته، ويظهر للناس جهله، ولكن العاقل يعلم أن ثمة أشياء لم يكلفنا الله بها، ولا نسأل عنها، ولا نطيق لها حملاً، فنسأل الله لنا ولأنفسنا ولغيرنا العافية منها.

    استفتاح رسول الله الجنة لأهلها

    فأهل الجنة يحبسون قبل دخول الجنة، ثم بعد تصفيتهم يتوجهون إليها، وكانوا في الدنيا يسألونها الله الأيام والسنين، وعندما يرونها يكادون يطيرون شوقاً إليها؛ لأنهم ما صاموا ولا صلوا ولا عبدوا إلا من أجل دخولها، فهي الوعد الذي وعدهم الله جل وعلا إياه، ولكنهم يجدونها مغلقة الأبواب الثمانية، فيفزعون إلى أبيهم آدم قائلين: يا أبانا! استفتح لنا الجنة. فيقول عليه السلام: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم.

    وفي هذا دليل على أن الجنة التي أدخلها آدم وحواء وأخرجا منها هي جنة عدن التي وعدها الله جل وعلا عباده، وليس كما قال بعض أهل الفضل والعلم من أنها جنة أخرى.

    فيقول: لست لها، اذهبوا إلى محمد صلوات الله وسلامه عليه. وقد مر معنا أن الناس ينتهي بهم المطاف إلى نبينا صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود، وينتهي بهم المطاف في دخول الجنة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا من إكرام الله لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، وقد مر معنا أن الله أكرم هذا النبي إكراماً لم يكرمه الله جل وعلا أحداً من خلقه، فإن الله يقول وقد أباح له النساء: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ [الأحزاب:51]، أي: تقدم من تشاء، وتؤخر من تشاء. فالعدل لم يكن واجباً عليه صلى الله عليه وسلم، فمن اعتزلتها وأبعدتها ثم أردت أن تقربها مرة أخرى فلك ذلك.

    فيستفتح صلى الله عليه وسلم باب الجنة، فيقول له الخازن :من أنت؟ والإنسان إذا أراد أن يطرق داراً؛ فإن من حق صاحب الدار أن يسأل، ولا يعد هذا خذلانا في الضيافة؛ لأن العاقل لا يدخل كل أحد بيته، وفي حديث الإسراء أن جبريل -وهو خير الملائكة- لما عرج مع النبي صلى الله عليه وسلم -وهو خير الخلق- في رحلة المعراج فوصل إلى السماء الدنيا طرق الباب، فقال الخازن لجبريل: من أنت؟ فقال: أنا جبريل. فقال: أمعك أحد؟ قال: نعم، معي محمد. فبعد أن عرف أذن لهما بالمرور والعبور؛ لأنه مالك للمكان فلو كان القادم أفضل من أهل الدار فإن للمسئول عن الدار أن يسأل.

    فحين يستفتح نبينا، فيفتح باب الجنة يدخلها نبينا صلوات الله وسلامه عليه، ثم يدخلها الصالحون.

    أول هذه الأمة دخولاً الجنة

    والذي ندين الله به أن أول هذه الأمة دخولاً هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ويقول بعض العلماء: إن أبا سلمة رضي الله عنه وأرضاه أول المهاجرين هو أول من يدخل هذه الجنة من هذه الأمة، ولكن الذي يظهر -والعلم عند الله- أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه هو أول من يدخل الجنة من هذه الأمة.

    وحين يدخل أهل الجنة الجنة، يكرمون بزيادة كبد النون، وهذه تحفة تقدم لهم قبل أن ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها كما ورد في الحديث.

    دخول الجن دار الكرامة

    هنا مسألة، وهي: هل الجن يدخلون الجنة أم لا يدخلونها؟

    إن الله تعالى يقول: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ [الأحقاف:29-31].

    فالآية صريحة في أن هؤلاء الجن آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ودعوا قومهم إلى الإيمان فقالوا: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الأحقاف:31] وهذا عند النحويين يسمى جواب الأمر، فقوله تعالى: وَآمِنُوا [الأحقاف:31] أمر، وقوله: أَجِيبُوا [الأحقاف:31] أمر، وجوابه: (يغفر لكم) ولذلك جاءت مجزومة، وعطف عليها: وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الأحقاف:31].

    قال فريق من العلماء: إن الجن يكافئون على إيمانهم بأن الله لا يعذبهم بالنار، ولكنهم لا يدخلون الجنة، ومن أدلتهم هذه الآية، فقالوا: إن الله ذكر إيمانهم، والآية في سياق الفضل والامتنان عليهم، فلو كان هناك جزاء على إيمانهم أعظم من الإجارة من العذاب الأليم لذكره الله جل وعلا هنا، فلما لم يذكر الله أنه يدخلهم الجنة دل على أنه يكفيهم من الثواب أن يجاروا من العذاب الأليم.

    واحتجوا بدليل عقلي، فقالوا: إن الجن من ذرية إبليس وذرية إبليس، لا يمكن لها أن تدخل الجنة.

    ويروى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه قال: إنهم يكونون حول الجنة في أرجائها وأطرافها، ولا يدخلون بحبوحتها.

    وقال آخرون: يدخلون الجنة، ولكنهم لا يرون بني آدم، ويراهم بنو آدم، على عكس ما كانت عليه الحالة في الدنيا.

    وقال آخرون: إنهم يدخلون الجنة، ولكنهم لا يطعمون ولا يشربون؛ لأنهم قريبو الخلق من الملائكة، فيعاملون معاملة الملائكة في أنهم لا يتلذذون بطعام الجنة ولا شرابها.

    وهذه أقوال ليس عليها دليل، ولكن منهجي العلمي أن أذكر كل شيء، ثم أبين ما نعتقد أنه صحيح، وقد ساقها جميعاً الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره، ورآها مرجوحة جداً، وقال الرأي الذي يراه، ونحن مقتنعون تماماً بما دونه الحافظ ابن كثير ، وقد حرر ذلك تحريراً علمياً يدل على علو كعبه رحمه الله تعالى في العلم، وهو بلا شك كذلك.

    قال الحافظ يرد عليهم: إن الله قال في سورة الرحمن: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:46-47].

    فقال: إن الآية مخاطب بها الثقلان: الجن والإنس، والآية في سياق الامتنان، فما كان الله ليمتن على الجن بجزاء لا يحصل لهم، يعني: إذا كان الله يقول لهم وللإنس: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] ويعدهم بالجنتين، وكان هذا الجزاء لا يحصل لمؤمنهم؛ فلا عبرة ولا داعي لأن يمن الله عليهم بشيء لا يقع لهم، وهذا دليل من القوة بمكان.

    ثم قال رحمه الله تعالى: إن الله جل وعلا إذا كان يعاقب كافرهم على أن يدخل النار وهو مقام عدل؛ فلأن يعاقب ويكافئ مؤمنهم بدخول الجنة -وهو مقام فضل- من باب أولى.

    ثم قال رحمه الله تعالى: يشملهم قول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107] ، فهم يدخلون في عموم هذه الآية؛ لأنهم مؤمنون، وعملوا الصالحات.

    ثم قال رحمه الله تعالى: إنه إذا ثبت أن الله جل وعلا ينشئ للجنة خلقاً -لم يكلفوا في الدنيا لأن الذين كتب الله لهم الجنة لا يملئونها- ، فمن باب أولى أن يدخلها من كلف وآمن وعمل صالحاً، وهم الجن.

    هذه أجوبته، وهذا الذي عليه أكثر العلماء.

    المشهود لهم بالجنة

    ومما يتصل بالحديث عن الجنة شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه عيناً بدخول الجنة، والعاقل إذا سمع أو بلغه خبر نبوي فإنه يتأمله حتى يستفيد منه عملياً، وإلا كان هذا العلم حجة عليه.

    يقول صلى الله عليه وسلم: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة) وعد العشرة، والعشرة إنما سموا بالعشرة المبشرين؛ لأنهم سيقوا في حديث واحد، وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لغيرهم بالجنة، فشهد بالجنة لـبلال رضي الله عنه وأرضاه وقال: (ما دخلت الجنة قط) أي: في الرؤيا (إلا ووجدت دف نعليك أمامي- أو قال: سمعت خشخشتك في الجنة) ثم قال: (يا بلال ! أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام. فقال: إنني ما توضأت وضوءاً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت ما كتب الله لي أن أصلي).

    فظاهر الأمر أن هذا كان سبباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك، ولم يقل له: لا أظنه، فهذا سبب عظيم من أسباب دخول الجنة.

    وكان حارثة بن نعمان رضي الله عنه باراً بأمه، فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقدم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أنموذجاً عظيماً في الجهاد في سبيل الله، فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وسعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه قال عنه عليه الصلاة والسلام: (لمناديل سعد في الجنة أعظم من هذا) يشير إلى حرير أهدي له صلوات الله وسلامه عليه، وكان سعد رضي الله عنه وأرضاه قد بذل جاهه وقلبه ونفسه في سبيل نصرة دين الله تبارك وتعالى.

    فتحرر من هذا أن الوضوء وبر الوالدة من أعظم أسباب دخول الجنة التي شهد بها النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء أعياناً.

    أما عامة الصحابة فمشهود لهم من حيث العموم، لقول الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة) فمن لن يلج النار سيكون في الجنة، ولكن لا يشهد بالتعيين إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم.

    آخر أهل الجنة دخولاً إليها

    وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً إليها، وهو رجل يخرج من النار وقد فتسفعه النار، فيحبو مرة ويكبو مرة، فيقول: يا رب! أخرجني منها، فيخرجه الله منها، فتلوح له شجرة فيسأل الله أن يستظل بظلها ويدنو منها، فيأخذ الله عليه عهوداً ومواثيق على ألا يسأله غيرها، وهو يعلم أنه سيسأله، فيدنوا من الجنة، فترفع له شجره أخرى، فيقول: يا رب! أدنني منها أستظل بظلها وأشرب من مائها. فيأخذ الله عليه عهوداً ومواثيق على ألا يسأله غيرها، فيأتيها فترفع له شجرة أخرى أعظم من الأولين، فيأخذ الله عليه عهوداً ومواثيق على ألا يسأله غيرها، فإذا دنا من الثالثة سمع أصوات أهل الجنة فيسألها الله جل وعلا، فيقول الله جل وعلا له: يا ابن آدم! ما يصريني منك؟ أي: ما يقطع سؤلك. ثم يأمره الله جل وعلا بأن يدخلها وله كمثل ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله، فيقول الرجل: أتسخر بي وأنت رب العالمين؟! فضحك صلى الله عليه وسلم لما حدث، فقالوا: يا رسول الله! مم تضحك؟! قال: أضحك من ضحك رب العالمين إذ قال له عبده: أتسخر بي وأنت رب العالمين؟! فيقول الله له: لا أسخر بك، ولكني على ما أشاء قادر. أو من قوله: (ولكني على ما أشاء قادر) نأخذ درساً مهماً، وهو أنه يجب أن تعلم وأنت ترفع يديك وتسأل الله أن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فلنا ذنوب لا يقدر على غفرانها إلا الله، ولنا عيوب لا يمكن أن يسترها إلا الله، ولنا ديون لا يمكن أن يقضيها إلا الله، ولنا آمال لا يمكن أن يحققها إلا الله، ولنا مخاوف لا يمكن أن يؤمننا منها إلا الله، فإذا استقر في القلب أن الله جل وعلا على كل شيء قدير، واستفتح العبد دعاءه وهو يدعو ربه بالثناء على الله ومدحه جل وعلا بما هو أهله، ثم بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فإنه حري بعد ذلك بما وقع في القلب وبما نطق به اللسان أن يستجاب له.

    واعلم أن الله أرحم بك من نفسك، فإن لم تعط العطية في حينها، فإما أن تؤخر وإما أن يكافئك الله جل وعلا بأعظم مما سألت، وخيرة الله لعبده خير من خيرة العبد لنفسه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089177696

    عدد مرات الحفظ

    782465189