إسلام ويب

شهيد المحرابللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الفاروق عمر هو الرجل الذي أعز الله به الإسلام ، وأذل به أهل الكفر والشرك والإلحاد، هذا الرجل الذي ملأ الأرض عدلاً ، ونشر الله به الدين ، وأذل به الروم وفارس ، ولأنه كان كذلك قبل الله دعاءه وجعله من الشهداء في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسجده ومحرابه.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أشهد أن الدين خالص، وأن الرسول خاتم، وأن الكفر خاسر.

    أيها الناس! يا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام! يا حملة المبادئ الخالدة! عنوان هذه الخطبة: (شهيد المحراب).

    من هو شهيد المحراب؟

    الزمن: صلاة الفجر.

    المكان: مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.

    المقتول: عمر بن الخطاب.

    القاتل: أبو لؤلؤة المجوسي.

    وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عليهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171].

    من منكم لا يعرف عمر؟

    مَنْ مِنَ الناس لم يسمع بـعمر؟ السلام عليك يا عمر بن الخطاب يوم الجمعة، السلام عليك في هذه الساعة المباركة، السلام عليك يوم أسلمت، ويوم توليت، ويوم قتلت، ويوم تبعث حياً.

    تردى ثياب الموت حمراً فما دجا      لها الليل إلا وهي من سندسٍ خضر

    ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعةٌ      غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبرُ

    فتىً كلما فاضت عيون قبيلةٍ      دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر

    الرسول صلى الله عليه وسلم، يترجم لـعمر ثلاث رؤى في المنام، كلها لـأبي حفص، وكلها صحيحة كالشمس:

    الأولى: قال عليه الصلاة والسلام: (رأيت الناس البارحة يعرضون عليَّ وعليهم قمص -الأمة كلها تعرض عليه، وعليها قمص ثياب- منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميصٌ يجره، قالوا: ما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين) دينه مسبلٌ عليه، يغطي جسمه، ويقفو أثره.

    يقول عليه الصلاة والسلام: (أتيت بلبن، فشربت منه، حتى أني أرى الريَّ يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: ما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم) فهو دَينٌ عالم بعلم الكتاب والسنة، العلم الأصيل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19].

    يقول عليه الصلاة والسلام: (دخلت الجنة البارحة، فرأيت قصراً أبيض في الجنة، فقلتُ: لمن هذا؟ وأردت أن أدخله، قالوا: لـعمر بن الخطاب، فذكرت غيرتك يا عمر، فلم أدخل القصر، فبكى عمر وقال: أمنك أُغار؟!) أُغار منك وأنا تلميذٌ من تلاميذك، وحسنةٌ من حسناتك؟!

    جيل محمد صلى الله عليه وسلم

    هذا هو عمر الذي قتل في المحراب، والعظماء يقتلون، إما بالخناجر أو الرصاص؛ ليعلم الله أنهم عظماء، فتعيش الأمة على دمائهم نغماً زكياً تحيا به في شرايين قلوبها، وتبني على جماجمهم مكرمات ما كان لها أن تبنى لو لم تكن تلك الجماجم، وتجعل من أشلائهم تحفاً للتاريخ.

    يقول أحد المسلمين، وهو من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، من الشباب الذين قتلوا في بدر، أو أحد، أو القادسية، أو اليرموك، أو حطين، أو عين جالوت، وليس هو من الشباب الذين قتلوا يوم التزلج على الثلج، أو قتلوا في ساعات السهر، أو تدحرجت بهم مسارح الفن، فوقعوا على رءوسهم. يقول هذا الشاب:

    تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد     لنفسي حياةً مثل أن أتقدما

    وليس على الأعقاب تدمى كلومنا     ولكن على أقدامنا تقطر الدما

    فهذا هو جيل محمد عليه الصلاة والسلام، هذه المدرسة التي قدمها للتاريخ، فذلك الرعيل الذي ما سمع الناس بمثله، عاش فيه عمر مع الرسول عليه الصلاة والسلام، أسلم بـ(طه) وكان أجمل من الشمس في ضحاها، وأوضح من القمر إذا تلاها، تولى الأمة فرعاها، وقاد المسيرة وحباها، وتولى بعدل وآواها، فمرحباً بـعمر، أسلم لما سمع: طه * مَا أَنْزَلْنَا عليكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:1-5].

    أسألكم بالله! هل هناك إنسان يفهم هذا الخطاب ثم لا يسلم ولا يذعن؟

    هل هناك إنسانٌ يفهم كلام رب البشر، ثم لا يسري هذا الكلام في ذرات دمه؟

    وقد فهم عمر هذا الخطاب، لأنه عربيٌ قُح، فسرى في دمه، فانتشر تيار الإسلام، في كل جزئيةٍ من لحمه ودمه، فأسلم ووضع كفه في يد محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن على ماذا؟

    على الاستيلاء على أموال الناس؟!

    على توسيع القصور والدور؟!

    على بناء الحدائق الغناء والبساتين الفيحاء؟!

    على استذلال البشر؟!

    على إيجاد مستعمرات من التعذيب؟!

    لا. بل على العدل والحق والميزان ولا إله إلا الله.

    عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده

    فكان عمر في كف محمد عليه الصلاة والسلام سيفاً مصلتاً يهزه للحادثات، يقول العقاد: الفرق بين أبي بكر وعمر، أن أبا بكر عرف محمداً النبي، وأن عمر عرف النبي محمداً.

    فـأبو بكر عرف الرسول عليه الصلاة والسلام في جاهلية أبي بكر وبعد إسلامه، وعمر لم يعرف الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا في ساعة ميلاده يوم أسلم، يوم وضع كفه في كف الرسول عليه الصلاة والسلام، كلما رأى حدثاً، أو رأى زنديقاً أو منافقاً قال: يا رسول الله! إئذن لي أضرب عنقه! ولو أذن له، لقتل العشرات، ووالله! لا يتورع لحظة، إذا سمع الأمر المحمدي إلا أن ينفذه ولوسبح في دمه هو.

    ويموت عليه الصلاة والسلام كما يموت الناس، وكان عمر قوي الجثة، وصلب الجثمان، ومتين الهيكل، وشديد العضلات:

    قد كنتَ أعدى أعاديها فصرت لها     بفضل ربك حصناً من أعاديها

    قل للملوك تنحوا عن مناصبكم      فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها

    فهذا الرجل يأخذ الدنيا في ساعة، يستولي على امبراطورية كسرى في يوم ويسلمها للفقراء في يوم، وهذا الرجل تأتيه الموائد من الذهب والفضة على الجمال، وتدخل المدينة وهو يصلي في الناس، وفي بردته أربعة عشر رقعة من الفقر والعوز، وهذا الرجل يفتح دولة هرقل، ويدكدك عاليها بسافلها ولا يجد خبز الشعير الذي يأكله مع فقراء المسلمين، هذا هو عمر!

    لما مات الرسول عليه الصلاة والسلام -كما سبق معنا- قام بالسيف وقال: [[من قال أن محمداً قد مات، ضربت عنقه بهذا السيف]] فلما سمع الخبر وتأكد من النبأ، سقط على وجهه مغمى عليه حتى رش بالماء.

    أين العضلات؟! أين الجثمان؟! أين القوة؟!

    تولى أبو بكر فكان عمر بجانبه وزيراً ومستشاراً! وأتت سكرات الموت لـأبي بكر فكتب كتاباً بولاية العهد لـعمر، فكان مبكياً حقاً، واسمع الكتاب:

    كتاب أبي بكر بخلافة عمر

    [[بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر إلى عمر بن الخطاب، وأنا في أول أيام الآخرة، وفي آخر أيام الدنيا، فقيراً لما قدمتُ، غنياً عما تركتُ، أمَّا بَعْد:

    فيا عمر بن الخطاب! قد وليتك أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فإن أصلحت وعدلت، فهذا ظني فيك، وإن اتبعت هواك فالله المطلع على السرائر، وما أنا على صحبة الناس بحريص، يا عمر! اتق الله لا يصرعنك الله مصرعاً كمصرعي، والسلام]].

    وصل الكتاب إلى عمر، فبله بالدموع! وتولى أمر الأمة، وبحث عن ميراث أبي بكر، فإذا هو ثوبان وبغلة، بقيت من بيت المال، فبكى حتى جلس عمر وقال: [[يا أبا بكر! أتعبت الخلفاء بعدك]]

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088511671

    عدد مرات الحفظ

    777042358