إسلام ويب

كرامات الأولياءللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة تحدث الشيخ عن الذكر وفضائله، وحث عليه، وبين من هو الذاكر لله كثيراً، وما هي العلاقة بين ذكر الله ومقام الولاية، وذكر أمثلة على كرامات الأولياء من سلفنا الصالح الزاخر بالعباد والزهاد والأولياء.
    الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة فانقادت لاتباعها وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالبدعة بعد أن تمادت في ابتداعها، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اتصلت به أنوار الهدى بعد انقطاعها، وارتفعت به حصون التوحيد في سموها واتساعها، صلى الله على صاحب العز المنيف والطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، معلم الإنسانية، وهادي البشرية، ومزعزع كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، واعلموا أن أحلى ساعات العمر، وأسعد أيام الحياة، وأرغد دقائق العصر، معايشة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في أقواله، وأعماله، وأحواله.

    من زار بابك لم تبرح جوارحه     تروي أحاديث ما أوليت من منن

    فالعين عن قرةٍ والكف عن صلة ٍ     والقلب عن جابر والسمع عن حسن

    وأي حياة يعيشها الذين يعيشون على غير ركبه صلى الله عليه وسلم، وأي لذة يجدونها الذين يتلذذون بمعصيته صلى الله عليه وسلم، وأي سمو وأي ارتفاع يناله الذين يتنكبون سيرته وهديه عليه الصلاة والسلام!

    إن أعظم ما يقود المسلم في الحياة ويرغبه في مرضاة الله، هو ذاك الأسوة العظيم لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].. لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].

    نسينا في ودادك كل غالٍ     فأنت اليوم أغلى ما لدينا

    نلام على محبتكم ويكفي     لنا شرفاً نلام ولا علينا

    ولما نلقكم لكن ذكراً      يذكرنا فكيف إذا التقينا

    تسلى الناس بالدنيا وإنا     لعمر الله بعدك ما سلينا

    الحث على ذكر الله

    إن ذكر الله عز وجل في حياته صلى الله عليه وسلم جانب مشرق وكبير فياض، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: كان هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر أنه كان ذاكراً لله دائماً، فكلامه وأنفاسه وأقواله وأحواله كلها كانت ذكراً منه لربه تبارك وتعالى، كان يذكر ربه قائماً وقاعداً وعلى جنبه، كان لا يتحرك إلا بذكر الله، ولا يسكن إلا بذكره، إن خطب فبذكر الله يخطب، وإن تحدث فبذكر الله يتحدث، وإن أفتى فبذكر الله يفتي؛ ولذلك كان متمثلاً لأمر الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205] فانظر كيف قال: (خيفة) في الذكر، وقال في الدعاء: (خُفية) يقول عز وجل: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف:55].

    وقال الجهبذ النحرير شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما ذكر الله الخوف مع الذكر، وذكر الإخفاء مع الدعاء، لأن الذكر يورث الانبساط والفرح، فربما أدى بالعبد إلى الطغيان في حد العبودية؛ فألزم الله الذاكر أن يخافه تبارك وتعالى، أما الدعاء فكان نعمة جليلة، فخوف الحسد على العبد من دعائه لربه، ألزمه الله بإخفاء دعائه بينه وبين مولاه، والله يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] وهذا مصداق الحديث الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {قال الله تبارك وتعالى: من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم} وفي الأثر القدسي أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {أنا جليس من ذكرني}.

    إذا مرضنا تداوينا بذكركم     ونترك الذكر أحياناً فننتكس

    يقول الله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] قال أحد السلف: والله إني لأعلم متى يذكرنـي ربي، قالوا: متى؟ قال: إذا ذكرته، يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] وقال جلَّ من قائل: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وذكر الله هنا قيل: القرآن، وقيل: مطلق الذكر، وهو الصحيح إن شاء الله، تطمئن القلوب من خوفها وفزعها وهلعها وجزعها وانهزاميتها وفشلها وحزنها ويأسها، ولا تطمئن القلوب إلا إلى الحي القيوم.

    اسمه الله الذي تأله إليه القلوب وتأوي إليه، وتحبه وتسكن إليه تبارك وتعالى.

    من هو الذاكر لله كثيراً؟!

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35] ولقد تفنن ابن الصلاح في بيان متى يسمى العبد ذاكراً؟ وما حد الكثرة في الذكر وما حد القلة؟

    قال: "من حافظ على الأذكار الواردة المأثورة صباح مساء وأدبار الصلوات، وفي كل ميقات، فهو من الذاكرين الله كثيراً".

    ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[الذاكر كثيراً من يذكر الله في قيامه وقعوده، وفي حله وترحاله، وفي صحته ومرضه]] ويرى ابن تيمية أن الذكر الكثير هو أن يرطب لسانك بذكر الله على حديث عبد الله بن بسر عند الترمذي، قال:{يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} والله يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191].

    وأكثر ذكره في الأرض دأباً      لتذكر في السماء إذا ذكرتا

    ونادي إذا سجدت له اعترافاً     بما ناداه ذو النون ابن متى

    الذكر في الصلاة

    يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45] قال ابن تيمية: " هذه الآية أخطأ فيها جمٌ غفيرٌ من المفسرين، ومقصود الآية: أن للصلاة معنيين وفائدتين ومقصودين:

    أولهما: أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

    وثانيهما: أن الصلاة يقام فيها ذكر الله.

    قال: وإقامة ذكر الله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر ". وهذا معنى قوله تبارك وتعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].

    وفي ليلة بطيئة النجوم.. هادئة السحر.. باردة النسيم، عاشها ابن عباس رضي الله عنهما مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يروي قصتها البخاري ومسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: { بت ليلة في بيت خالتي ميمونة -أي: بنت الحارث، زوج رسول الله عليه الصلاة والسلام- في ليلتها الذي يأتيها فيها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، قال: فدخلت بيتها بعد صلاة العشاء، فنمت في عرض الوسادة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآني فظنني نائماً وأنا متناوم -شاب عمره (10) سنوات يريد أن يرى هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الليل، يريد أن يرى ماذا يفعل من الذكر والمناجاة والدعاء والإخبات- قال: فقال لـميمونة: نام الغليم؟ -وهو تصغير تحبيب- قالت: نعم، قال: فأتى صلى الله عليه وسلم فجلس على فراشه فهلل، وكبره، وذكره، ودعاه، ثم نام حتى سمعت -غطيطه وفي لفظ البخاري:خطيطه وهو صوت يحدث النائم إذا استغـرق في النوم- قال: ثم استيقظ، وانظر إلى الغليـم ما هدأت جفونه، وما داعبه الكـرى، ولا ساهـده المنام، استيقظ صلى الله عليه وسلم، قال: فأخذ يفرك النوم من عينيه، ويقول: لا إله إلا الله، ثم قال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران:190-191]... الآيات، حتى ختم العشر الآيات من أواخر سورة آل عمران.

    ثم قام عليه الصلاة والسلام فلحقه ابن عباس بماءٍ من شنٍ، فوضعه عند الباب، وعاد عليه الصلاة والسلام، فوجد الماء ولم يجد من وضعه، فتساءل في نفسه! من وضع لي الماء؟ ثم قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، ثم أتى فتوضأ عليه الصلاة والسلام، وأخذ السواك واستقبل القبلة -وابن عباس هو الذي تشرف بحفظ الحديث هذه الليلة- فقال: فسمعته يقول:

    اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والنبيون حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت.

    ثم قال -وهذا عند مسلم تفرد به-: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} وهذا امتثال لقوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [الأعراف:205] ولقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب:41-42] والله عز وجل طلب من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسبحه بالغدو والآصال.

    الغدو مع أنسام الفجر، ومع إطلالة الصباح، ومع برود هذا الفجر البهي على القلوب، ومع تفتح الأرواح، وإشراق الأفراح، وتغريد الحمام على الغصون، وانسياب الريح الهادئة، على المسلم أن يبدأ بذكر الله وتسبيحه.

    فضل الذكر

    في صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت} إن الذي يذكر الله حيٌ، والذي لا يذكر الله ميتٌ، فتدبر أي حياة لهذا، وأي حياة لذاك.

    وعند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: {كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال لنا: سيروا هذا جمدان -وهو جبل بين مكة والمدينة - سبق المفرِّدون -وضبطها بعض أهل اللغة بالمفرِدون على التخفيف- قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}.

    وفي صحيح مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه، ولو كانت كزبد البحر} هذا حديث سنده كنجوم السماء، فانظر إلى قلة الجهد المبذول، وإلى عظيم الأجر الحاصل.

    وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يومه مائة مرة: كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكانت له حرزاً من الشيطـان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به يوم القيامة إلا رجل عمل بعمله، أو زاد عليه}.

    وفي صحيح مسلم عن سعد وغيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}.

    وعند الترمذي بسند حسن: {من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة}.

    وعند البخاري من حديث أبي موسى، قال: {كنا نصعد ثنية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يرفعون أصواتهم بالتكبير، فلحقني صلى الله عليه وسلم وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: يا عبد الله بن قيس -اسم أبي موسى - قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله، قال: أتدري أن لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    وعند ابن حبان بسند صحيح، قال أبو ذر: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثمان، وذكر منها: وأن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنوز الجنة}.

    وفي سنن الترمذي -وقد سلف- من حديث عبد الله بن بسر، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني عن شيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله}.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد العاشر من الفتاوى يوم سأله أبو القاسم المغربي عن أفضل عمل بعد الفرائض يتقرب به إلى الله، قال رحمه الله: " لا أعلم بعد الفرائض أعظم من ذكر الله عز وجل ". وهو شبه إجماع بين أهل العلم أن الذكر أفضل العمل بعد الفرائض، قال: ومدلول ذلك نظراً وخبراً وعقلاً وحالاً محشوشٌ، أو كما قال.

    والذاكرون الله كثيراً من الصحابة والسلف جمٌ غفيرٌ، لا يأتي المقام على ذكرهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088540618

    عدد مرات الحفظ

    777218660