إسلام ويب

سلسلة بريق المواعظ المنبرية من رحاب مسجد قباء [4]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عرض الخطبة الثانية: من الأسر العظيمة الإيمانية التي شرفها الله بذكرها كقدوة للأسر المسلمة في القرآن الكريم: أسرة آل عمران، بل إن الله تعالى سمى سورة كاملة من الطوال باسم هذه الأسرة المباركة، ولقد قص الله علينا حكايتهم، وحكاية الطاهرة مريم عليها السلام في القرآن لنأخذ العبرة والعظة منها، لا أن نمر عليها مرور الغافلين الساهين، وهذا هو المقصود الأعظم من تلاوة كلام الله عز وجل.

    1.   

    آل عمران هم بيت رفع الله شأنهم

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسموات، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، ختم الله به الرسالات، وأتم به النبوات، فصلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه، كما وحد الله وعرف به ودعا إليه، اللهم وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    عباد الله! فإن تقوى الله جل وعلا أولى الوصايا، وأجل العطايا: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، ثم اعلموا عباد الله! أن لله جل وعلا عباداً اختصهم تبارك وتعالى بعظيم العطايا، وجليل الصفات، من العلوم النافعة، والأعمال الصالحة، والقلوب الخاشعة، وهؤلاء الكبار ذكر الله جل وعلا بعضاً منهم في سورة جليلة من كتابه العظيم سميت بإحدى تلك الأسر المباركة، قال الله جل وعلا في سورة آل عمران: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران:33]، هذه بيوتات رفيعة منّ الله جل وعلا على أهلها ذكوراً ونساء بمعرفتهم بربهم، مع صلاح القول والعمل، والتأهب ليوم المعاد، فآل عمران -أيها المباركون- أهل بيت طيب أثنى الله جل وعلا عليهم في كتابه، وسميت سورة عظيمة من سور القرآن باسمهم، في أخبارهم عظات، وفي أنبائهم جلائل ما يمكن أن ينتفع به المرء في أمر دينه ودنياه، قال الله جل وعلا ولا أحد أصدق من الله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:33-34]، فقد ذكر الله فيها أن زوجة عمران قبل أن يتوفى زوجها حنت إلى الولد، فلما أعطاها الله جل وعلا سؤلها، وحقق مرادها، حملت ونذرت أن يكون ذلك الحمل خادماً للرب في مسجده، ملازماً لطاعته؛ ظناً منها أن الحمل ذكر، ثم قدر لعمران زوجها أن يتوفى، فأخذت تلك المرأة تشتد في تضرعها إلى ربها بأن يكون المولود له، قالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35]، والناس يحبون الأولاد ذكوراً وإناثاً للأنس بهم، والاستنصاف، والعون على ما كتب الله جل وعلا من نوائب الدهر، لكن تلك المباركة لما اطمأنت إلى وجود الحمل أرادت أن يكون حملها خالصاً لربها تبارك وتعالى، بمعنى: أنها لا تريد من ابنها حضها من الولد؛ بأن يخدمها ويقوم بأمرها ويبرها، بل تريده أن يكون كاملاً لربه جل وعلا يخدم البيت المقدس ويصلي لربه، قالت: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35]، ثم قدر لها أن تضع فإذا هي ترزق بأنثى، فتقول في انكسار بين يدي ربها: قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى [آل عمران:36]، ولا ريب أن الله جل جلاله يعلم ما الذي وضعته هذه المرأة المباركة، قال الله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ [آل عمران:36]، ثم قال ربنا وهو الخالق للذكر والأنثى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]، ولا ريب أن الله جمل الرجل بخصائص وجمل النساء بخصائص، فما كان للرجال أن يطلبوا ما لم يخلقهم الله له، ولا يكون للنساء أن يطلبن ما لم يخلقهن الله له، ولهذا صح في الحديث: (أن نبينا صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال)، وأخبر الله جل وعلا أنه لا يجوز لأحدهما أن يتفضل على الآخر بما ليس له، ولا يتمناه أصلاً فقال: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32].

    (وإني سميتها مريم)

    عباد الله! قالت تلك المرأة المنكسرة إلى ربها: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36]، أي: ليس بمقدوري أن أخلقها ذكراً أو أنثى، لكن جعلت لي القدرة أن أسميها، فسمتها مريم، وهي بلغتهم: خادمة الرب، حتى لا يفوتها شيء من برها مع خالقها جل وعلا، قالت: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]، هذا دعاء تقبله الله العظيم الجليل رب الأرض والسماء، قال الله: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا [آل عمران:37]، قال صلى الله عليه وسلم نبينا وهو الصادق المصدوق: (ما من مولود يولد إلا ويطعنه الشيطان فيستهل صارخاً إلا ما كان من مريم وابنها)؛ لأن الله جل وعلا تقبل دعاء هذه المرأة المباركة، فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً، قال: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]، زوج خالتها، قال الله: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37]، وقد كانت مريم ملازمة للعبادة، فاتخذت في بيتها محراباً تصلي لله لا تفتر فيه، من صلاة وقنوت وعبادة لخالقها، فكان الله جل وعلا يكرمها بطعام يأتي إليها من غير كد ولا تعب، وزكريا هو المسئول عنها القائم بكفالتها، فهو لم يأذن بهذا الطعام، ولم يأت به أصلاً، فلما وجد ذلك الطعام بين يديها تعجب: من الذي أتى به؟ من الذي استأذنه أن يأتي بالطعام؟ فكان حرياً به أن يسألها، وكذلك يعلم القرآن أتباعه: أن الإنسان مسئول عما استرعاه الله جل وعلا، فلا حرج عليه وهو يحبهم ويودهم ويشفق عليهم أن يتفقد أحوالهم، ويسأل عنهم، ويبحث في الأمور خاصها وعامها حتى يقوم بواجب القيام على من أوكل الله إليه أمره على خير قيام، فسألها: يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37]، كان ذلك كرامة من الله لها، فذكر ذلك الأمر زكريا بحاله ففزع إلى ربه، وهو رجل قد احدودب ظهره، واشتعل الرأس شيباً، وبلغ من الكبر ما جاوز به المائة في أظهر أقوال المفسرين، وامرأته عاقر، لكن ما رآه من إكرام الله لتلك المرأة الصالحة جعله يتذكر حاله ويسأل ربه، قال جل وعلا مخبراً عن ذلك: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]، قال الله جل وعلا يصور هذا النداء في صورة أخرى: كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:1-3]، في مكان خلي، بصوت خفي، وقلب تقي، ينادي زكريا رباً علياً، لا رب غيره، ولا إله سواه، قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]، قال الله: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ [آل عمران:39]، وهم خلق مكرمون، أعظم أنصار المؤمنين بقدر الله، يتوخون الأماكن الفاضلة الشريفة التي يذكر الله جل وعلا فيها، فلما حملت الملائكة البشارة من الله إلى زكريا اختارت وقتاً وحالاً وموطناً شريفاً حتى تبلغ فيه البشارة والرسالة لزكريا، قال الله: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39]، وهذا هو الموطن الحقيقي لأولياء الله جل وعلا، أماكن العبادة التي يعبدون الله جل وعلا فيها، فما أجمل أن يتخذ المرء في بيته مكاناً يتعبد الله جل وعلا فيه، قال الله: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39]، وهنا غلبت على زكريا بشريته، فتذكر الأسباب المانعة من كونه يرزق ولداً، قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ [آل عمران:40]، فجاء الجواب الرباني الإلهي: قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [آل عمران:40]، فأحب أن يكون له آية، قال العلماء: إن الإنسان يحب مقدمات اللطف، وبشائر الفرح، قبل أن تقع عين رحمة الله جل وعلا عليه: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً [آل عمران:41]، وهو يعلم أن وعد الله حق، ولكنها البشرية التي لا ينفك عنها أحد، قال الله جل وعلا: قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41]، فتبقى صامتاً لا تستطيع الكلام مع قدرتك عليه وكمال خلقتك، ثم قال له: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41]، وذكر الله -أيها المؤمنون- حياة الضمائر، وأنس السرائر، وأقوى الذخائر، فقد أمر الله به في ساحات الوغى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45]، بل أمر الله جل وعلا به في كل محفل وموطن، إلا ما استثناه الشرع من أماكن معلومة، قال الله جل وعلا: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

    (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون)

    عباد الله! أكثر زكريا من ذكر ربه، وسبح بحمد ربه كما أمره الله، ثم بالقرآن ينقل الأمر إلى قضية مريم نفسها، قال الله جل وعلا: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:42-43]، إن هناك بشارة عظيمة تنتظرك، لكن الملائكة لشفقتها على مريم أوصت مريم بما يعينها على استقبال البشارة، فأوصتها بملازمة الصلوات والقنوت، والصلاة -عباد الله- نور وبرهان ونجاة يوم القيامة، يخسف القمر أو تكسف شمسه فيشرع الله لنا عند ذلك أن نصلي، تنزل علينا ما كتب الله لنا من المصائب الفردية فيشرع الله لنا أن نصلي، يغطي الليل بظلامه الكون فيشرع الله لنا أن نصلي ونقف بين يديه على ما فرضه الله علينا من صلوات خمس، فمن حفظها حفظ الله له دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

    قال تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، ثم أراد الله جل وعلا أن يبين لنبينا صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام على علو منزلته ورفيع درجته وأنه قطعاً أفضل الخلق، إلا أنه لا يعلم من العلم إلا ما علمه الله، قال تعالى: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]، فالله وحده الذي يعلم ما قد كان وما سيكون وما هو كائن، ويعلم جل وعلا ما لم يكن لو كان كيف يكون.

    بلغني الله وإياكم من العلم أنفعه، وجعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    بشارة الله لمريم بعيسى عليه السلام

    الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

    ثم مضت الآيات البينات تخبر عن هذه البيوت العظام، قال الله جل وعلا: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:44-46].

    لم يختلف أهل الأرض على أحد كما اختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام، فقد زعمت اليهود أنها صلبته وقتلته، وزعمت النصارى أنه صلب وأنه ابن الله تعالى الله عما يقولون، وذهبت هذه الأمة وهو الحق على أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، بشرت الملائكة مريم ابنة عمران بعيسى، فقالت تلك المرأة متعجبة بعد أن أخبر الله أن هذا العبد سيرزق التكليم: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [آل عمران:46]، وهذه كرامة لأمه؛ لأن بكلامه دفع الريبة عن أمه، وتكليمه الناس في حال طفولته نفع للعباد؛ لأنه سيدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده، ويبين لهم الدين بأكمله، فقالت تلك المرأة تخاطب ربها في أدب جم على قدر ما أعطيت من علم: قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:47].

    أيها المؤمنون! الأمور ثلاثة:

    أولها: ما لا يكون بالله، ولا يمكن أن يكون ما لا يكون بالله أبداً، فشيء لم يقدره الله لا يمكن أن يقع.

    والأمر الثاني: ما يكون لغير الله، فهذا لا يثبت ولا يبقى ولا يدوم، قال الحي القيوم: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].

    والأمر الثالث رزقني الله وإياكم إياه: أمر يكون بالله ولله، فهذا الذي يثبت ويدوم، فإن ذهبت في الدنيا عينه، بقيت في الآخرة آثاره، قال الله جل وعلا: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ [آل عمران:115].

    ولا ريب أنه ينبغي لمن ازداد علماً بالله أن يزداد علماً بالشرع نفسه، فيعبد الله على بينة من الأمر، ويعلم أن الله لا أحد أعظم منه، لا تطيب الدنيا إلا بذكره، ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه، ولا تطيب الجنة إلا برؤيته، قال جل ذكره، وتبارك اسمه، يمدح ذاته العلية: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الروم:25-27].

    اللهم إنا نسألك قلوباً تعرفك وتحبك، اللهم إنا نسألك قلوباً تعرفك وتعبدك وتحبك على الوجه الذي شرعت. ألا وصلوا وسلموا على خير من أحبه الله وخير من أحب الله، قال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وارض عن أصحاب نبيك أجمعين، أخص اللهم منهم الأربعة الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، اللهم وارحمنا معهم بمنك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام! اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين، اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم وارزق بلادنا الأمن والإيمان يا ذا الجلال والإكرام! وزدها اللهم بركة وخيراً ورخاء يا ذا الجلال والإكرام! اللهم وانشر خيراتك على بلاد المسلمين كلها يا حي يا قيوم! وارفع الضر واللأواء عن إخواننا في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، اللهم إن لنا في أجواف المقابر آباء وأمهات، وإخواناً وأخوات، وجيران وجارات، اللهم آنس في تلك البقاع وحشتهم، وارحم اللهم تحت الثرى غربتهم، وارحمنا اللهم إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.

    عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768253944