إسلام ويب

الإنجاز العلمي في حياة الرسولللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كم كان صلى الله عليه وسلم مجلاً للعلم والعلماء! وكم حث على العلم والتعلم! ولا غرابة في ذلك فإن أول كلمة أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم هي كلمة (اقرأ) فعاش صلى الله عليه وسلم كما وصف نفسه معلماً، وجعل خير الناس من تعلم القرآن وعلمه.
    حمداً لمن بلغنا المراما     وزادنا من فضله إكراما

    ثم صلاة الله تترى ما سرى     برقٌ على طيبة أو أم القرى

    مع السلام يغشيان أحمدا     وآله المستكملين الرشدا

    حمداً لك اللهم علمتنا وما كنا لنتعلم، وفقهتنا وما كنا لنتفقه، رفعت بالإسلام رءوسنا وقد كانت مخفوضة، وشرحت بالإيمان صدورنا وقد كانت ضيقة، وأنرت بالعرفان عيوننا وقد كانت عمياً، وأسمعت باليقين آذاننا وقد كانت صماً.

    اللهم صل وسلم على رسولك الأمي، الذي فجر من الجزيرة الغبراء العلم للدنيا، الأمي الذي رفع الكلمة للبشرية فأسمع الدنيا، والأمي الذي خطب على منبر الحياة فسمعته الأجيال، والذي تكلم فكان أفصح خطيب، وأجل مفتي، وأحسن مدرس، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد:

    فأشكر الله شكراً جزيلاً، وأثني عليه ثناءً عطراً جميلاً، ثم أشكر أهل الفضل، وعلى رأسهم مدير هذه الجامعة، معالي الدكتور/راشد الراجح.

    وأشكر العلماء الأفاضل النبلاء، ثم أشكر هيئة التدريس في الجامعة، وأشكركم أيها الإخوة الزملاء الطلاب، وأشكر الجمع، وأسأل الله أن يكتب هذه الجلسة في ميزان الحسنات، يوم تتساقط صحائف المبطلين، ويوم يندحر الغابرون، ويوم يفشل المهزومون الذين ما رفعوا الإيمان والحب والطموح.

    ربنا تقبل منا أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

    كان حقيقاً أن نتكلم في هذا الموضوع لسببين:

    السبب الأول: أن الرسول عليه الصلاة والسلام، شريعته متهمة من الأقزام والحقراء، ومن الذين يسيرون على التراب وهم أرخص من التراب.

    والسبب الثاني: أنني في جامعة غراء، أبدت نتاجها للعالم، طلابها، وكتبها، فكان أولى ما أقول في هذا العلم، وفي هذا الموضوع وهو الإنجاز العلمي في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام.

    أما عناصر الموضوع:

    فأولها:حثه صلى الله عليه وسلم على العلم وفضل العلم.

    الثاني:تشجيعه صلى الله عليه وسلم للعلماء وللأساتذة والمربين.

    الثالث: طريقة تعليمه صلى الله عليه وسلم، كيف علم الناس وتندرج تحتها أربع مسائل:

    المسألة الأولى: القدوة بالعمل والتعليم بالقدوة.

    المسألة الثانية: ضرب الأمثلة.

    المسألة الثالثة: الخطابة والوعظ.

    المسألة الرابعة: مراعاة المناسبات.

    الرابع: مبدأ التخصص العلمي كما وضعه صلى الله عليه وسلم للناس.

    لقد قلت: إن من أسباب هذه المحاضرة: أن شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام تعرضت للنقد اللاذع من أعداء البشرية والإنسانية، أعداء الإنسان يوم يكون مؤمناً، وهذه سنة الله الخلقية الكونية والشرعية الأمنية؛ قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143] وقال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31].

    اسمع معي إلى أبي العلاء المعري في مقطوعة جميلة له عن العظماء والأقزام وعن النبلاء والحقراء يقول:

    إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل

    وقال السهى للشمس أنت كسيفة     وقال الدجى للبدر وجهك حائل

    فيا موت زر إن الحياة ذميمة     ويا نفس جدي إن دهرك هازل

    أما قضية فضل العلم، وحثه صلى الله عليه وسلم عليه، فأكبر إنجاز وضعه صلى الله عليه وسلم للبشرية أنه كان معلماً عليه الصلاة والسلام، والحديث الذي عند الحاكم، ولو أن فيه نظراً: (إنما بعثت معلماً).

    إذا علم هذا؛ فليس العجيب أن يبعث معلماً يعلم الناس، وليس العجيب أن يتكلم خطيب في البشرية، لكن العجيب أن يأتي أمي من بين جبال مكة السود فيخاطب البشرية وهو أمي، يقول أحد الشعراء:

    أتطلبون من المختار معجزةً     يكفيه شعب من الأموات أحياه

    ويقول آخر:

    كفاك باليتم في الأمي معجزةً     في الجاهلية والتأديب في اليتم

    فيوم أن بعث صلى الله عليه وسلم لا قرأ، ولا كتب، وما تعلم، ولكن علمه الله بعد أربعين سنة، ليخرج عالماً عليه الصلاة والسلام، لكن عالم أعجز العلماء، وعظيم أعجز العظماء، ومربٍ أعجز المربين.

    الله رباه، والله علمه، والله فقهه.

    الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ميز بالعلم حتى الكلاب، فالكلب المعلم صيده حلال، لكن الكلب الجاهل غير المعلم صيده حرام؛ ولله در من قال:

    وميز الله حتى في البهائم ما منـ     ها يعلم عن باغ ومغتشم

    قال تعالى: مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ [المائدة:4] الهدهد حيوان طائر، لكنه يوم أن عرف علماً، تبجح أمام سليمان عليه السلام، وقال وجئتك من سبأ بنبأ يقين، ولذلك قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:9] ثم ترك الجواب، أي: لا يستوون. وقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43].

    أيها الأساتذة الأخيار! يا دعاة العالم! -يوم ألا يكون للعالم إلا أنتم- إن داعيتكم الأول الرسول عليه الصلاة والسلام أتى بهذه الآيات، فيوم أراد الله أن يستشهد على ألوهيته استشهد العلماء، قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] والله يقول في الآيات: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49].

    إذا علم هذا؛ فتعال معي إلى تشجيعه صلى الله عليه وسلم للعلم، وقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يذهب بعلمه إلى الحداد الذي ينفخ الكير وهو خباب بن الأرت، فيعلمه وهو على كيره، فيقول الجاهليون: يعلمه خباب القرآن، فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَ لَقدْ تَعْلَمَ أنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103] كيف يعلم الأعجميُّ العربيَّ؟! كيف يعلم اللكن اللسنَ؟! كيف يعلم العييُّ الفصيح؟! كيف يعلم التلميذُ الشيخَ؟! لا يكون هذا، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام هو كما قال الله له مبتدئاً بالعلم؛ قال تعالى:فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] قال البخاري في الصحيح: (فبدأ بالعلم قبل القول والعمل).

    وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال: قال صلى الله عليه وسلم: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكان منها أرضٌ طيبة -وعند مسلم نقية- قبلت الماء، فأنبتت العشب الكثير، وكان منها أرض أجادب أمسكت الماء؛ فنفع الله بها الناس فسقوا وزرعوا، وكان منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) وما أحسن هذه الكلمات.

    بالله لفظك هذا سال من عسل       أم قد صببت على أفواهنا العسلا

    أم المعاني اللواتي قد أتيت بها      أرى بها الدر والياقوت متصلا

    لماذا قال في الحديث: الغيث، ولم يقل: المطر؟ ولماذا قال: بعثني، ولم يقل: أرسلني؟ ولماذا قال: أرض طيبة، ولم يقل: تربة طيبة؟ ولماذا قال صلى الله عليه وسلم: الهدى، والعلم، ولم يقل: الهدى ويسكت، أو قال: العلم، ويسكت؟ هذه أسرار بلاغية في الحديث.

    أما قوله الغيث ولم يقل المطر، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لا يذكر الغيث إلا للرحمة مطلقاً أو غالباً في القرآن، وإذا أراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى العذاب قال: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ [الشعراء:173] فعدل صلى الله عليه وسلم من المطر إلى الغيث قال القرطبي " لأن الغيث صافٍ من السماء " فشبه علمه بالغيث الصافي الذي لم تخالطه الفلسفة، ولم يدخله المنطق، أخزى الله الفلاسفة والمنطقيين، فدحرهم في دورهم وعقر حلوقهم.

    ابن تيمية يقول: " المنطق لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سمين فينتقى، ولا سهل فينتقل" وقال: " المنطق لا ينتفع به الذكي ولا يفهمه البليد " وقال: " إن الله سوف يسأل المأمون -الخليفة العباسي- عما أدخل في خلافة المسلمين من المنطق، نحن أمة قال الله وقال رسوله، لا خزعبلات ومفتريات ابن سينا، وأمثال ابن سينا، أذناب الصابئة وأفراخ المجوس.

    تلازم العلم والعمل والإيمان

    أتى صلى الله عليه وسلم بعلمه من السماء، قال: {مثل ما بعثني به الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} والغيث فيه غوث للقلوب وكذلك العلم، وقال عليه الصلاة والسلام: {من العلم والهدى} لأن رسالته صلى الله عليه وسلم أتت بالعلم الذي هو العلم النافع، والهدى العمل الصالح.

    ولذلك قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم -نقلاً عن سفيان بن عيينة -: " من فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى، ومن فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود " لأن رسالته صلى الله عليه وسلم ليست ساذجةً تعبديةً تقليديةً، وليست علميةً تنظيريةً؛ بل جمعت بين العلم والعبادة، وبين الفكر والإرادة، وبين المعتقد والسلوك، ولذلك ذم الله بني إسرائيل بأنهم تعلموا لكنهم لم يعملوا بعلمهم، قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ الأعراف:175-176] ووصف الله بني إسرائيل بصفة الحمار:

    كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] والحمار لا يفهم ولا يعقل ولو حمل الأسفار على ظهره؛ لأن السر فيه أنه حمار.

    تقول له زيداً فيسمعه عمراً     ويكتبه بكرا ويقرؤه فهرا

    قال الجدار للوتد لم تشقني؟ قال: اسأل من يدقني!

    لذلك إذا لم يكن هناك إرادة وإيمان فلا ينفع العلم:

    لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى     ولا زاجرات الطير ما الله صانع

    ولذلك لا يكون العلم بحفظ المجلدات والمصنفات، ولكنه إرادة إيمانية، ولذلك قال الله تعالى: (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ الروم:56]؛ لأن العلم بلا إيمان علمانية أتاتوركية

    موتاً أتاتورك الدعي     كموت تيتو أو جمال

    وأتاتورك عَبَدَ العلم، وعَبَّدَ الأتراك للعلم، وجعل العلم إلهاً يعبد من دون الله، وقال: لا إله إلا العلم.

    فعلم بلا إيمان خسارة وتباب، يقول أبو الحسن الندوي ذاك المفكر المحبوب سقى الله عظامه يوم يموت من شآبيب الجنة: " عين بلا إيمان مقلة عمياء، وقلب بلا إيمان كتلة لحم ميتة، ومجتمع بلا إيمان قطيع من البهائم السائمة".

    ونحن نقول: وقصيدة بلا إيمان كلام مصفف، وكتاب بلا إيمان كلام ملفف، وكلمة وخطبة بلا إيمان صهيل وزمجرة لا فائدة فيها.

    إذا علم هذا؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع بين العلم والإيمان، وأراد أن يجمع بين العلم والعمل.

    والنصارى عبدوا الله لكن لم يتعلموا، واليهود تعلموا ولم يعبدوا، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13] والنصارى عبدوا الله، صلوا وركعوا وسجدوا، لكنهم متخلفون رجعيون لا يفهمون ولا يعقلون: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد:27].

    أما أشباه اليهود -كما يقول ابن تيمية - فهم فسقة العلماء.

    أرأيتم طالب علم يتخرج من جامعة ثم يكون فاسقاً؟! ما أدهاه! لو كان راعي غنم كان أفضل له، لكن يتخرج من الجامعة، ثم يكون فاسقاً عربيداً، هذه هي المشكلة.

    فأشبه اليهود فسقة علماء الأمة نعوذ بالله من الفسق، وأشبه النصارى غلاة الصوفية، يأتون بأمور تضحك الذي هو في سكرات الموت.

    يقول الخطابي في كتاب العزلة: " أتى صوفي غالٍ فأخذ شيئاً بغراءٍ ألصقه على عينه اليسرى، فقالوا: مالك؟ قال: إسراف أن ننظر إلى الدنيا بعينين، فقال: انظروا إلى هذا المخرف كيف جحد نعمة الله، والله يمتن على الناس ويقول: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10].

    وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: " رؤي صوفي يقرأ وهو ينعس في صلاة الظهر، قالوا: " مالك؟ قال:سهرت البارحة في النافلة؛ فما استطعت أن أصلي الظهر إلا وأنا ناعس، قال: فانظر إلى جهله كيف صلى النافلة حتى ترك الفريضة ".

    إذا علم هذا؛ فشجع صلى الله عليه وسلم العلماء بأن الله بعثه معلماً عليه الصلاة والسلام، يقول لـمعاذ: {إنك تأتي يوم القيامة تقدم العلماء برتوة} والرتوة: رمية بحجر أو بخطوة؛ يقود العلماء، سلام على معاذ! يقول ابن مسعود:[[معاذ كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ] معاذ عاش ثلاثاً وثلاثين سنة، لكنها تعادل في ميزان الحق والإيمان ثلاثاً وثلاثين قرناً، كان يتكلم بعلم، ويفتي بعلم، وهو حسنة من حسنات المصطفى صلى الله عليه وسلم، في سنن أبي داود بسند جيد قال: {أخذ صلى الله عليه وسلم بأصابعه فشبك أصابعه بأصابعه وقال: يا معاذ والله إني لأحبك} معلم البشرية يقول لأحد تلاميذه: {والله إني لأحبك، فيقول معاذ: فوالله يا رسول الله، إني أحبك، فيقول رسول الله:يا معاذ لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول:اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}.

    حضرت الوفاة معاذاً في الشام، فلما حضرته سكرات الموت، ما ندم على قصر بناه، ولا على نهر أجراه، ولم يشتغل بالحدائق والقصور لكنه بكى، قالوا: مالك تبكي؟ قال: [[مرحباً بالموت، حبيباً جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، اللهم إنك تعلم أني لم أحب الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لرفع القصور، ولا لعمارة الدور، ولكني كنت أحب الحياة لثلاث خصال: لمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر، ولمجالسة قوم ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر، ولأعفر وجهي ساجداً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ].

    ومما زادني شرفاً وفخراً     وكدت بأخمصي أطأ الثريا

    دخولي تحت قولك يا عبادي     وأن صيرت أحمد لي نبياً

    خرج ابن المبارك العالم الجليل من أم القرى -يا أهل أم القرى - ببغلته للجهاد، وترك الحلقة في الحرم، قالوا: الفريضة بمائة ألف صلاة؟! فردد بيتيه المشهورين:

    بغض الحياة وخوف الله أخرجني      وبيع نفسي بما ليست له ثمنا

    إني وزنت الذي يبقى ليعدله      ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا

    وذهب إلى الجبهة وقاتل، وأتته رسالة من العالم الفضيل يشجعه على العلم، لكن العلم يشجع أصحابه على التخصصات في وقتها، فكتب ابن المبارك إليه يقول له:

    يا عابد الحرمين لو أبصرتنا     لعلمت أنك بالعبادة تلعب

    من كان يخضب خده بدموعه     فنحورنا بدمائنا تتخضب

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533291

    عدد مرات الحفظ

    777174493