إسلام ويب

سلسلة لطائف المعارف [خصائص الأنبياء]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد اصطفى الله الأنبياء والمرسلين من بين البشر، وأمرهم بتبليغ رسالته ووصيته، وأيدهم بمعجزاته، ونصرهم فكانوا هم الغالبين، وجعلهم أئمة مهديين، يدعون الناس إلى كل خير، ويحذرونهم من كل شر، ويدلون إلى الجنة بإذن ذي المنة، وقد خصهم الله بخصائص، وميزهم بأشياء لا يشاركون فيها أحداً غيرهم، فصلى الله وسلم وبارك عليهم أجمعين.

    1.   

    من خصائص الأنبياء والمرسلين

    الأولى خصيصة الوحي

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا لقاء متجدد أيها المباركون! من برنامجكم: لطائف المعارف، وحلقة هذا اليوم تحمل عنوان: خصائص الأنبياء، ونحن ندرك جميعاً أن أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم سادة الخلق، والدعاة إلى الحق، والله جل وعلا اختارهم واصطفاهم واجتباهم وفضلهم على العالمين، والأنبياء المذكورون في القرآن 25 نبياً ورسولاً.

    قال الله جل وعلا في الأنعام: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ [الأنعام:83-86].

    وسبعة آخرون غير الذي ذكرناهم وذكرهم الله في هذه الآيات المباركات من الأنعام، ذكروا في مواطن متفرقة، والذي يعنينا هنا في هذا اللقاء المبارك: خصائص هؤلاء الأنبياء بما ميزهم الله، ولا ريب أن الوحي الذي يأتيهم من السماء أعظم ما ميز الله به أنبياءه، ولقد عرف التاريخ مصلحين لكنهم إنما يستمدون ما يعطونه الناس من تجارب وقراءات وتعليم وهم عرضة للصواب والخطأ، أما أنبياء الله فيتلقون الوحي من السماء، قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، ولذلك هم معصومون كل العصمة فيما يبلغون عن الله، قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:44-46].

    فأنبياء الله ورسله يستمدون هذا النور الذي يقولونه للناس، هذا النور العظيم الذي هو الدين والتوحيد والشرائع يتلقونه بواسطة جبريل، والوحي الذي يتنزل على ثلاث صور:

    إما أن يكلم الملك مباشرة ذلك النبي بالوحي، وإما أن ينفث في روع ذلك النبي ما يريد الله تبليغه إليه، وإما أن يقع وحياً كصلصلة الجرس، قال الله جل وعلا: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ [الشورى:51]، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يلقاه جبريل فيعطيه الخبر، وأحياناً يأتيه جبريل كما كان يأتي جبريل كثيراً في صورة دحية الكلبي ، ودحية الكلبي رضي الله عنه كان وسيماً جداً، والملائكة موسومون ومعروفون بالجمال، قال تعالى: إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31]، ولهذا اختاروا أقربهم إلى هيأتهم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في مدح جرير بن عبد الله البجلي وكان وسيماً: (عليه مسحة ملك)، هذا تخريج، وتخريج آخر يقول: إن دحية الكلبي كان يكثر الدخول على الملوك، فلهذا اختار جبريل أن يأتي بهيئته، ولا نستطيع أن نجزم؛ لأن هذه معطيات نحكم عليها، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم عن ذلك الوحي الذي ينفث في روعه فقال عليه الصلاة والسلام: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها)، وغاية ما نريد تأصيله ههنا أن الوحي أعظم خصائص الأنبياء، ولهذا أبو بكر وعمر لما زارا أم أيمن رضي الله عنها وأرضاها قالت: إني لأعلم أن ما عند الله لرسوله خير له مما له عندنا، لكن أبكي لانقطاع الوحي من السماء. لأنه لا وحي إلا على نبي أو رسول، فلما مات صلى الله عليه وسلم وهو آخر الأنبياء قطعاً لم يكن بعده وحي ينزل من السماء.

    فالمقصود: أن الوحي أعظم ما خص الله به أنبياءه ورسله.

    الثانية أن أعينهم تنام ولا تنام قلوبهم

    ثم تأتي خصائص أخرى منها: أن أعينهم تنام ولا تنام قلوبهم، يقول أحد الشعراء المسلمين في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:

    الليل تسهره بالوحي تعمره وشيبتك بهود آية استقم

    إلى أن قال:

    تنام عينك أما القلب لم ينم

    فهو صلى الله عليه وسلم وإخوته من الأنبياء والمرسلين قبله تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.

    الثالثة أنهم يخيرون عند الموت

    الأمر الثالث: أن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يخيرون عند الموت، فلا تقبض روح نبي حتى يخير، وكلهم يختار لقاء الله، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يقول لـعائشة دوماً: (إن الأنبياء يخيرون عند الموت)، وهي لم تستشعر معنى هذا جيداً كما استشعرته يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: فقد سمعته وهي الصديقة بنت الصديق وهو يقول: (مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)، قالت رضي الله عنها وعن أبويها: فعلمت أنه يخير. فقد كان يخبرها من قبل أن أنبياء الله ورسله يخيرون عند الموت، هذه ثالث الخصائص لأنبياء الله ورسله.

    الرابعة أنهم يدفنون حيث يموتون

    من خصائصهم كذلك وهو الرابع: أنهم يدفنون حيث يموتون؛ ولهذا دفن صلى الله عليه وسلم في الجهة الجنوبية الغربية من حجرة عائشة ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مات في الجهة الجنوبية الغربية من حجرة عائشة ، وقد مر معنا: أن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها رأت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: أن ثلاثة أقمار سقطوا في حجرها، فذهبت إلى أبيها الصديق تخبره فاعتذر عن الإجابة تأدباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم آنذاك كان حياً، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في حجرة عائشة جاء الصديق لـعائشة ليقول لها: هذا أول وخير أقمارك يا عائشة ! والغاية منه: أن تعلم -أيها المبارك- أن من خصائص أنبياء الله ورسله أنهم يدفنون حيث يموتون.

    الخامسة أن الأرض لا تأكل أجسادهم

    تعقب ذلك خصيصة لهم: وهو أن الأرض لا تأكل أجسادهم؛ لأن الله حرم -تحريم منع لا تحريم شرع- على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، قال عليه الصلاة والسلام يوصي أمته: (إذا كان يوم الجمعة أو ليلتها فأكثروا من الصلاة والسلام علي، قالوا: يا رسول الله! كيف نصلي عليك وقد أرمت، قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، فهم عليهم الصلاة والسلام أجسادهم في الأرض وأرواحهم في أعلى عليين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

    من هذا المجمل تفقه -أيها المبارك- أن هذه الخصائص لهم وحدهم، لكن ثمة أشياء اشتركوا فيها، وجعل الله جل وعلا لهم فيها حظاً ونصيباً، لكن لا يمنع أن يكون لغيرهم فيها حظ، مثل: أنه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث يقول الصحابي: (كنا نجني الكباث -نوع من الثمر- فقال صلى الله عليه وسلم: عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه، قالوا: يا رسول الله! كأنك كنت ترعى الغنم)، لأن هذه الأمور لا يعرفها إلا رجل مارس الرعي، فقال صلى الله عليه وسلم: (وهل من نبي إلا وقد رعاها)، يعني: كل الأنبياء قبلي رعوا الغنم، لكن هذه وإن كانت صفة مشتركة في الأنبياء والرسل جميعاً، إلا أنها ليست مقصورة عليهم ولا محصورة فيهم، وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل، فكم من الناس من رعى الغنم، لكن الله جل وعلا أراد برعي أنبيائه للغنم أن يتعلموا السكينة وكيف يسوسوا الناس، فإذا ساسوا الغنم وصبروا على نفور هذه ونفور أخرى قدروا بعد ذلك بتوفيق الله لهم أن يسوسوا الأمم، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته أن ترعى الأمم بعد أن كانت ترعى الشاء والغنم.

    المقصود من هذا أن هذه بعض المزايا التي هي لأنبياء الله ورسله، ويمكن أن يشترك معهم فيها غيرهم.

    المكلمون من الأنبياء

    على هذا يتحرر أن الله جل وعلا خص هؤلاء الأنبياء والرسل بتلك الخصائص الخمسة التي ذكرناها، لكن تلك الخصائص وقف عليهم، ولا يمنع أن يكون للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد ذلك خصائص متفرقة بمعنى: أنها تكون مميزات لنبي دون نبي، ولهذا قال الله: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253] ثم فصل فقال: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة:253]، والتكليم إذا أطلق ينصرف إلى موسى؛ لأن الله قال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، لكن العلماء يقولون: من الذين ثبت أن الله كلمهم: محمد عليه الصلاة والسلام، وموسى، وآدم، كما في الحديث: (قيل: يا رسول الله! أكان نبياً هو؟ قال: كان نبياً مكلماً)، أي: أن آدم عليه السلام نبي مكلم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما موسى فقد صرح القرآن به: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164].

    فالتكليم إذا أطلق ينصرف إلى كليم الله موسى، قال الله في شأنه: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144]، في حين أن عيسى عليه الصلاة والسلام ميزه الله جل وعلا بأنه ولد من غير أب، ولهذا نسب إلى أمه: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45]، فأيوب عليه الصلاة والسلام ابتلي فصبر، وسليمان وأبوه داود عليهما السلام أعطيا الملك، بخلاف أيوب وصبره، وهكذا اختلفت حياة الأنبياء؛ لأنهم جميعاً يمثلون ما في الإنسانية في أعلى ذروتها، وأكمل رقيها، يجمعهم جميعاً قول الله: وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73]، فكانوا عليهم الصلاة والسلام أعظم الخلق عبادة لربهم تبارك وتعالى، معصومين بعصمة الله جل وعلا لهم، فأنبياء الله ورسله اجتباهم الله بقوله: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124]، يحكون في هذا: أن الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدا رجلاً طاعناً في السن يريد أن يتوضأ ولا يحسن الوضوء، وهو يظن أنه يحسن، فقدما إليه فقالا له: يا عماه! اختصمنا أنا وأخي في أينا أحسن وضوءاً، فتوضأ الاثنان أمامه ففقه ذلك العجوز من وضوئهما أنهما يريدان أن يعلماه؛ لأنه رأى فرقاً بيناً شاسعاً بين وضوئهما ووضوئه فقال: من أنتما؟ فقالا: الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان من ذلك العجوز إلا أن قبل رأسيهما، وصدق الله: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124]، فهذان السبطان كان هذا صنيعهما، فكيف بأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم، والله الذي اختارهم على علم على العالمين، وجعلهم سادة للخلق، ودعاة للحق عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

    ويونس بن متى كذلك ذكره الله جل وعلا في القرآن قائلاً لنبيه: وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ [القلم:48]، لكن قول الله جل وعلا عن هذا النبي الكريم يونس: وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ [القلم:48] ليس على إطلاقه؛ لأن الله قال بعدها: وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ [القلم:48-49].

    والمعنى: أن يونس عليه الصلاة والسلام جاء لقومه فلم يستجيبوا له فخرج مغضباً، قال الله: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [الأنبياء:87]، و نَقْدِرَ هنا بمعنى: نضيق أي: ظن يونس أن الله لن يضيق عليه بسبب صنيعه هذا، فركب سفينة فألقى في البحر فالتقمه الحوت، وقد أمر الله الحوت ألا يأكل له لحماً، ولا يهشم له عظماً، ثم لفظه الحوت بأمر من الله: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات:145-147].

    فالقضية في يونس: أنه خالف الأولى في مقام معين محدد، وليس على إطلاقه، ولهذا جاء مقيداً، إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ [القلم:48].

    غاية الأمر -أيها المباركون- أن نعرف شيئاً عن أنبياء الله ورسله، وإلا فالحديث عنهم لا يمله قلب، ولا تسأم منه أذن، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

    هذا ما تهيأ إيراده، وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768252975