إسلام ويب

من كنوز السيرةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الشيخ سدده الله في هذا الدرس آخر خطبة لعمر رضي الله عنه مستعرضاً ما فيها من فرائد الفوائد ومجلياً ما احتوت عليه من بيان فضيلة الصحابة وتواضعهم عامة وأبي بكر وعمر خاصة، وأهمية الشورى وما تجنيه من محاسن، وكيفية البيعة لأبي بكر، وأن الخلافة لم يرد في تحديدها نص شرعي، وختم الدرس بذكر بعض مناقب عمر رضي الله عنه، وقصة وفاته جمعه الله مع رفيقيه في عليين وجمعنا معهم.. آمين.
    اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، ومثل ما نقول، وفوق ما نقول، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، اللهم صلِّ وسلم على رسولك ونبيك الذي بعثته رحمة للعالمين، صلِّ وسلم على من اجتمعنا على ميراثه وعلى مائدته.

    نسينا في ودادك كل غال     فأنت اليوم أغلى ما لدينا

    نلام على محبتكم ويكفي     لنا شرفاً نلام وما علينا

    ولما نلقكم لكن شوقاً     يذكرنا فكيف إذا التقينا

    تسلى الناس بالدنيا وإنا     لعمرو الله بعدك ما سلينا

    اللهم بلغه منا الصلاة والسلام، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة.

    اللهم صل عليه دائماً وأبداً؛ كلما بقي في الأرض مسلمون وإسلام، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

    معنا لطائف من السيرة وتحف من أخبار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، نجوم الهداية، ورسل السلام إلى العالم، وكلهم نجوم، وكل واحد منهم نجم يهتدى به.

    من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم      مثل النجوم التي يسري بها الساري

    يقول الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وفي كتاب المحاربين، وفي كتاب فضائل الصحابة، يقول رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا معمر، عن الزهري رحمه الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس حبر القرآن وترجمانه، رضي الله عنهما قال: [[كنت حججت في آخر حجة حجها عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: وكنت في خيمتي في منى أقرئ الصحابة -أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من المهاجرين والأنصار- فدخل عليّ عبد الرحمن بن عوف، وكنت أقرئهُ القرآن -عبد الرحمن أحد العشرة المبشرين بالجنة يقرئه ابن عباس القرآن- قال: فلما دخل عليّ قال: يا بن عباس! أما تدري ماذا حدث اليوم؟ قلت: لا والله، قال: إن رجلاً أتى عمر أمير المؤمنين يزعم أنه سمع رجلاً يقول: إذا مات عمر أو قتل بايعت فلاناً بالخلافة، قال: فغضب عمر، وقال: سوف أقوم في أهل منى -الحجاج- وأتكلم فيهم عن هؤلاء الذين يغصبوهم أمورهم، قال عبد الرحمن بن عوف وهو يتكلم مع ابن عباس فقلت لـعمر: يا أمير المؤمنين! لا تقم في منى، فإن منى فيها الغوغاء وفيها رعاع الناس، وسوف يحملون كلامك على غير محمله، ويطيرون به في الآفاق، ولكن اصبر وتمكن، فإذا رجعت إلى المدينة المنورة، التي هي دار الهجرة، وفيها السنة وأهل الخير ووجوه الناس، فقل ما تشاء أن تقول، وأنت متمكن، قال عمر: إي والله، والله (إن شاء الله) لأقومن أول قدومي على المنبر في المدينة فأخبر الناس بهذا الأمر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما رجعنا من تلك الحجة رأيت عمر عند الجمرات، وقد اضطجع على ظهره ورفع يديه -بعدما انتهى من الحج، وقد شاب رأسه، وطال عمره- وقال: [[اللهم إني قد رق عظمي ودنا أجلي، وكثرت رعيتي، اللهم فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، ثم قال: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك]] فأخبروا ابنته حفصة رضي الله عنها وعن أبيها، فقالت: يا أبتاه! أتسأل الشهادة في المدينة؟ قال: إي والله يا بنية! قال: فعاد رضي الله عنه وأرضاه، فلما كان في آخر جمعة -آخر جمعة يصلي فيها عمر بالناس ويقوم فيهم خطيباً- قال ابن عباس: فبكرت بعد أن زاغت الشمس -هذا تبكير عند ابن عباس وهذه رواية البخاري - قال: فلما زاغت الشمس بكرت فأتيت المسجد بجوار سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال: فجلست بجانبه وركبتي تصتك في ركبته، فقلت له: ليقولن عمر اليوم كلاماً ما قاله قبل اليوم، فقال سعيد بن زيد: ماذا عساه أن يقول؟ وأنكر عليّ، قال: فرأيت عمر رضي الله عنه وأرضاه أقبل، فصعد المنبر وسلم على الناس، فلما انتهي المؤذن من أذانه، قام عمر آخر قومة قامها في المسلمين فقال: السلام عليكم ورحمة الله بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال: أيها الناس! إنه كان فيما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله حد الثيب المحصن إذا زنى فإنه يرجم، والذي نفسي بيده لقد قرأناها وأقرأناها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيما أنزل عليه في الكتاب -أي: في القرآن- (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) وإني أخشى إذا طال بكم الأمد أن ينكرها قوم فيضلوا، فوالله لقد أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي، ثم قال: أيها الناس! إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ولكن أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله رسوله).

    قصة مبايعة أبي بكر رضي الله عنه

    ثم قال: أيها الناس! إنني سمعت أن بعضكم يقول: لو مات عمر بايعت فلاناً، وفي صحيح مسلم (وإني قد علمت أن أقواماً يطعنون في هذا الأمر أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال، وسمعت أنهم يقولون: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وأبو بكر لا يشق له غبار، ولا تضرب أعناق الإبل لمثل أبي بكر، ثم بدأ يسوق القصة، قال: أتدرون ما خبرنا وخبر أبي بكر لما بويع بالخلافة؟ فسكت الناس، قال: لما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام اجتمعنا حول مسجده صلى الله عليه وسلم وكثر اللغلط واللهج وارتفع البكاء، فظننت والله أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يموت في ذاك اليوم حتى يدبرنا، قال: فلما تيقنت الخبر، أتانا رجلان صالحان من الأنصار، وقد علما أن الرسول عليه الصلاة والسلام توفي، فقالا لنا -(الأنصاريان) قالا لـأبي بكر ولـعمر ولـأبي عبيدة-: أدركوا الأنصار فقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعده، يريدون أن يؤمروا أميراً منهم بالخلافة، وهو سعد بن عبادة، فقلت لـأبي بكر: اذهب بنا، قال أبو بكر: لا تدخل بنا عليهم، قال عمر: والله لندخلن عليهم وما عسى أن يصنعوا، قال: فدخلنا عليهم جميعاً فلما جلسنا، قال عمر: كنت زورت في صدري كلاماً -أي: خطبة زورها وهيأها وجهزها في صدره- قال: وكنت أرى بعض الحدة -بعض الغضب- في أبي بكر وخشيت منه، وأوقره لمكانته في الإسلام، فأردت أن أتكلم فقال: اسكت، قال: ثم اندفع يتكلم على البديهة، والله ماترك كلمة كنت زورتها في صدري إلا أتى بأحسن منها.

    قال الشافعي بسنده: حدثنا الثقة عن الشعبي أنه قال: لما اجتمع أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بالأنصار، اندفع خطيباً فأثنى على الله عز وجل وحمده وصلى على الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: أمَّا بَعْد: فأنتم أحسنتم وكفيتم وآويتم ونصرتم، فجزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء، والله يا معشر الأنصار! ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي:

    جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت     بنا نعلنا في الشارفين فزلتِ

    هم خلطونا بالنفوس وألجئوا     إلى غرفات أدفأت وأظلتِ

    أبوا أن يملونا ولو أن أمنا     تلاقي الذي يلقون منا لملتِ

    ثم قال: يا عمر! ابسط يدك لأبايعك، قلت: والله لا أبايع بالخلافة في قوم أنت منهم، ولأن أقدم فيضرب رأسي في غير محرم أحب إليَّ من أن أتقدم بقوم فيهم أبو بكر، فقال: يا أبا عبيدة! ابسط يدك أبايعك بالخلافة، قال: لا والله، قلنا: ابسط يدك يا أبا بكر! فبسطها فبايعناه فأخذ الأنصار يبايعون معنا، وسعد بن عبادة مريض مزمل في ثبابه، وهو من ساداتهم.

    فيقول قائلهم وهو الحباب بن المنذر: أتيتكم برأي، قلنا: وما هو؟ قال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير، فرفضنا هذا الرأي وبايع الأنصار أبا بكر، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة وهو في ثيابه، قال عمر: قتله الله! فلما بايعوا أبا بكر، عاد إلى المسجد، فتكلم عمر قبله، وأثنى على أبا بكر، قال أنس: فرأيت عمر يجذب بكم أبي بكر ويزعجه إزعاجاً إلى أن قام وبايع الناس وهو يبكي ويده ترتعد رضي الله عنه وأرضاه من هول الموقف، وعمر يأخذ بيد أبي بكر وهو يبايع الناس، قال ابن عباس: ثم عاد عمر إلى حديثه في الخطبة قال: وإني رأيت البارحة فيما يرى النائم أن ديكاً ينقرني ثلاث نقرات، فسألت أسماء بنت عميس الخثعمية، فأخبرتني أنني سوف أقتل، فالله المستعان، وسوف أطعن ثم غلبه البكاء، فغلب الناس البكاء، فما هي إلا ليلة فقتل رضي الله عنه وأرضاه في المسجد في صلاة الفجر، فرزقه الله الشهادة وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بلده، ورفعت روحه إلى الحي القيوم: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088517830

    عدد مرات الحفظ

    777077536