آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، قصة فريدة لامرأة صالحة اختارت جوار الله تبارك وتعالى في الجنة، ورفضت نعيم فرعون الزائل، وفي قصتها مع فرعون عظات وعبر، حري بالمسلم أن يعلمها ويفقهها.
رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
الذي يعنينا: أن تقديم الظرف هنا له دلالاته الكبيرة، فهذه المرأة امرأة مباركة حتى في منطقها، وهذا المنطق تفردت به بعض النساء اللاتي جاء الشرع بتزكيتهن، مثل آسية بنت مزاحم ، كما هو ظاهر في هذه الآية، وكما جاء في تزكية خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فإن خديجة رضي الله عنها وأرضاها لما أقرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله ومن جبريل السلام قالت رضي الله عنها وأرضاها: وعليك وعلى جبريل السلام. ففقهت في منطقها وهي يومئذ حديثة عهد بالدين كله، قالت: فإن الله هو السلام، ففقهت: أن الله هو السلام، ولا يرد السلام عليه تبارك وتعالى.
وهذا التقديم: جرت سنن العرب أنها تلحظه وتجعله فارقاً في أمور كثيرة في لغتها وتخاطبها، ومن أمثلة ذلك: أن جابر بن سليم رضي الله عنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عليك سلام الله يا رسول الله! الآن تلحظ أنه قدم الجار والمجرور، فقال: عليك سلام الله، ولم يقل: السلام عليك، فأجابه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تقل: عليك السلام، عليك السلام تحية الموتى، قل: السلام عليكم).
والموتى يحيون بإحدى طريقتين:
إذا وقفنا على قبورهم وأردنا زيارتهم واقتربنا ودنونا من قبورهم نقول: السلام عليكم، كما علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين)، وإذا شرفنا بالسلام عليه صلوات الله وسلامه عليه في قبره والسلام على صاحبيه فإننا نقول: السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا أبا بكر ! السلام عليك يا عمر بن الخطاب ! هذه حالة.
الحالة الأخرى: أن يذكر الميت في الحديث، فتعدد مناقبه وتذكر فضائله، في هذه الحالة إذا أردنا أن نسلم عليه، فلا نقل: السلام عليك، وإنما نقدم الجار والمجرور، فنقول: عليك سلام الله، وهذا هو الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لـجابر بن سليم : (لا تقل: عليك سلام الله، فعليك سلام الله تحية الموتى).
إذاً: أراد الله جل وعلا بضرب هذا المثال عن هذه المرأة الصالحة: أن يبين رفيع مكانتها، وعلو منزلتها، وأنها رغم أنها تضاجع فرعون على فراشه، وتأكل من طعامه وشرابه، إلا أن ما في قلبها من إيمان ويقين بلقاء الله جل وعلا لم يجعلها تتأثر بطغيان أو كفر أو ظلم فرعون مثقال ذرة، فبقيت مسلمة طائعة لربها، قانتة له مؤمنة بلقائه، بل وتشتاق كل الشوق إلى لقائه، فلذلك قدمت الجار قبل الدار، فقالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ[التحريم:11]، ولم تقل: (رب ابنِ لي بيتاً في الجنة عندك).
هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ قوله، وأعاننا الله جل وعلا على ذكره، وصلى الله على محمد وآله، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.