عندما خاض المسلمون أول وقعة تاريخية مع المشركين في بدر غنموا أموالاً طائلة وأسارى كثيرين، ثم وقع بينهم اختلاف في توزيعها، وكيفية قسمتها، فجاءهم البيان الكافي والدواء الشافي، من الله العليم الحكيم، فقال: (قل الأنفال لله والرسول) أما مناسبة ذكر إصلاح ذات البين والتقوى بعدها، فهو ما سيماط عنه اللثام في هذا الدرس المبارك.
يسألونك عن الأنفال
الحمد لله الذي تقدست عن الأشباه ذاته، ودلت على وجوده آياته ومخلوقاته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أراد ما العباد فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه حلقة جديدة مباركة بإذن الله من برنامجكم: معالم بيانية في آيات قرآنية، والآية التي نحن نتوج بشرف الحديث عنها في هذا اللقاء المبارك: هي قول الله جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم
بداية أيها المباركون نقول: النفل في لغة العرب: هو الزيادة، فيقال لولد الولد وهو الحفيد: نافلة، ومنه قول الله جل وعلا بعد أن ذكر منته على خليله إبراهيم بإسحاق: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً[الأنبياء:72]، فذكر أن يعقوب عليه السلام كان نافلة لإبراهيم؛ لأنه ابن ابنه، كما أن النفل في الصلوات المكتوبة: ما زاد على الفريضة.
فكيف جاء الجواب القرآني؟ هذا ما نريد أن نميط اللثام عنه بيانياً في هذه الحلقة: يقول الله جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ[الأنفال:1]، أي: أن الصحابة الذين شهدوا معك بدراً يسألونك عن الأنفال فبماذا تجيبهم أيها النبي الكريم: قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ[الأنفال:1]، أي: أن الأنفال لله والرسول يحكمان فيها بما شاءا ويضعانها حيث أرادا: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1]، فاجتماع كلمتكم وبقاء ألفتكم وتوحد صفوفكم هو الغاية العظمى، وهو الأمر المطلوب، وليست القضية قضية أنفال وغنائم، فإذا وجدت التقوى وجد التسليم، وإذا وجد التسليم رضي المرء بما آتاه الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه.
والقرابة هنا -هذا من باب الاستطراد- هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب، أما قرابته من بني هاشم فظاهره أنهم من أهل الغنائم، أما بنو المطلب فإن المطلب هذا أخ لـهاشم ، فلا يعد أنه من بني هاشم لكن يعد من آل البيت؛ لأنهم قدر لهم برحمة الله لهم أنه كان مؤمنهم وكافرهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب عندما حاصرتهم قريش في الشعب، فقال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في إحدى غزواته -لما سئل عن إعطائه لبني المطلب دون غيرهم ممن يوافقهم في النسب ويماثلهم في القرابة- قال عليه الصلاة والسلام: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، وشبك بين أصابعه)، وبهذا أخذ جمهور العلماء في أن لهم حظاً من الغنائم، وأنه لا تجوز عليهم الصدقة أسوة بآل البيت، إذ عدو من آل البيت لهذا الخبر النبوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذي يعنينا بعد ذلك كله: أنه تبين لك -أيها المبارك- في إماطة اللثام: أن الله جل وعلا خاطب المؤمنين أولاً بما يصلح حالهم، ويقيم شأنهم، ثم بعد أن دعاهم إلى الألفة بين لهم الطريقة المثلى في توزيع الغنائم.
جعلنا الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وهدانا الله وإياكم إلى السبيل الأقوم، والطريق الأمثل، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.