إسلام ويب

صلاة الجنازةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإسلام قد اعتنى بالمسلم من أول ولادته حتى دفنه في قبره، وقد جعل الإسلام أحكاماً تحفظ حق الميت وحق من بعده، فالميت المسلم يغسل ويكفن ويصلى عليه.

    وفي هذه المادة الحديث عن هذه الأحكام والمسائل المتعلقة بأحكام الميت والجنائز.

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    نجتمع هنا لنتفقه في دين الله عز وجل، ولنتعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، علَّ قلوبنا أن تلين، وعلنا أن نرحم من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    ولا زلنا في كتاب الجنائز من صحيح الإمام البخاري رحمه الله، والقضايا المهمة التي سوف يتكلم عنها في هذه الليلة هي:

    الصلاة على الميت، وأثر الإسلام في مراعاة المسلم حتى بعد موته، وملاحقته حتى في قبره بالدعاء والترحم والصلاة، وطلب المدد من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له.

    القضية الثانية: متابعة الجنائز والمشي معها وتشييعها وحكم ذلك وفضله.

    القضية الثالثة: وهي الداهية وهي الكبرى، معتقد أهل السنة والجماعة في نعيم القبر وعذابه، نسأل الله أن ينعمنا وإياكم في القبور، ونعوذ به من عذابها.

    ونعيم القبر من معتقد أهل السنة والجماعة، ومن لا يؤمن بذلك لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً ولا ينظر إليه ولا يزكيه يوم القيامة وله عذاب عظيم، والذين خالفوا في ذلك المعتزلة والخوارج وكأمثال بشر المريسي فقالوا: لا عذاب هناك، وإنما العذاب في الآخرة، وقال بعض المعتزلة: بل العذاب على الكفار، وأما المؤمنون فلا يعذبون في قبورهم، ودلت النصوص -كتاباً وسنة- على خلاف ما قالوا كتاباً وسنة، بل القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.

    والقبر هو الواعظ والشاهد الكبير الذي يشاهده كل كبير وصغير، وكل ملك ومملوك، وكل غني وفقير، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ [التوبة:101] روي عن الحسن قال: [[مرة في الدنيا ومرة في عذاب القبر]] وأخرج هذه الرواية الطبري، وقال غيره: بل مرة في القبر ومرة في جهنم، وقال عز من قائل: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100].

    والبرزخ: هو حياة القبر، والحياة البرزخية هي التي تفصل بين الحياة الأخرى والحياة الدنيا وهي حياة القبر، إما نعيماً وإما عذاباً.

    والموت فاذكره وما وراءه     فمنه ما لأحد براءه

    وإنه للفيصل الذي به      ينكشف الحال فلا يشتبه

    والقبر روضة من الجنان     أو حفرة من حفر النيران

    إن يك خيراً فالذي من بعده     أفضل عند ربنا لعبده

    وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ      ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ

    وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ [الأنعام:93] قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: هذا دليل على عذاب القبر. فنعوذ بالله من عذاب القبر.

    وأما النصوص فقد تضافرت منه صلى الله عليه وسلم على ذلك، ففي صحيح البخاري: (أن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه الناس سمع قرع نعالهم) وعند البزار ورواية عند أبي داود: (سمع خفق نعالهم).

    فلذلك فقد بوب له البخاري باب: الميت يسمع خفق النعال، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه لأهله: [[إذا مت فلا تتبعوني بنائحة ولا نار]] وقال لابنه عبد الله: [[قف عند قبري مقدار ما تذبح الجزور وتوزع]] والجزور: هي البدنة أو الناقة توزع، أي بهذا المقدار؛ ليستأنس به في قبره، وذكر ابن القيم في كتاب الروح أحاديث كثيرة في هذا الباب بما يكفي ويشفي.

    قصص لقبور يعذب أصحابها

    منها: قصص وقعت لكثير من الأئمة، ومنهم عبد الحق الإشبيلي الأندلسي صاحب الأحكام، قال: حدثنا عالم من علماء الأندلس قال: كنت واقفاً عند قبر ومعي فرس فاقتطعت الفرس من رباطها وذهبت، فأخذتها وأعدتها إلى المكان، فكلما أتت إلى المكان وضعت رأسها وسمعت كأنها تسمع شيئاً ثم ذهبت، قال: فعلمت أن صاحب القبر يعذب.

    ومر عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: {مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير -وفي لفظ: بكثير- أما أحدها: فكان لا يستنزه من بوله -أي: لا يتنظف من البول- وأما الآخر: فكان يمشي بين الناس بالنميمة، ثم دعا عليه الصلاة والسلام بجريدة نخل رطبة فشقها نصفين على القبرين، وقال: أرجو أن يخفف عنهما العذاب ما لم تيبسا}.

    وسوف تأتي هذه القضايا، وإنما الذي نستفيده من مقاصد هذا الدرس: مراعاة الإسلام لهذا المسلم من يوم يضع رأسه على الأرض، ومن يوم تأتي به أمه إلى أن يموت.

    ولدتك أمك يابن آدم باكياً     والناس حولك يضحكون سرورا

    فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا      في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

    ومن أحسن من كتب في هذا الموضوع ابن القيم رحمه الله في كتاب تحفة المودود في أحكام المولود وبين ما هي عناية الإسلام بهذا المسلم من يوم أن يأتي طفلاً على الأرض إلى أن يشب ويترعرع ثم إلى أن يلقى الله، ونحن مأمورون بالدعاء للمسلمين بظهر الغيب، وأن نتناسى ما بيننا وبينهم من أحقاد.

    من أسرار الصلاة على الجنائز

    ومن الأسرار في صلاة الجنائز أمور:

    السر الأول: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يشفع هؤلاء المسلمين في هذا الميت، في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليه أربعون مسلماً لا يشركون بالله شيئاً شفعهم الله فيه}. أي: قبل شفاعتهم ورحم هذا الميت.

    السر الثاني: أننا نظهر التضامن حتى في الموت مع المسلم والإخاء بتلك الرابطة التي ربط بها محمد صلى الله عليه وسلم بيننا، فماذا كنا قبل الإسلام؟! وكيف كان تآخينا وتعاوننا قبل هذا الدين؟! قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63].

    السر الثالث: المسامحة والمعافاة، فأنت إذا وقفت على قبر المسلم أو على جنازته تصلي عليه وبينك وبينه حزازات، أو حقد، غفرت له وعفوت عنه وسامحته، وهذا بعد أن ترى مشهده وتراه معروضاً أمامك، ولذلك ذكر أهل السير أن علياً رضي الله عنه لما جرى بينه وبين الصحابة ما يجري بين البشر في معركة الجمل، وقتل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وهما من العشرة المبشرين بالجنة، فقال علي: [[بشر قاتل الزبير بالنار، وبشر قاتل طلحة بالنار]] ثم نزل علي إلى طلحة فمسح التراب عن وجهه، وقال: يعز علي يا أبا محمد! أن أراك مجندلاً على التراب، ولكن أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن قال الله فيهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].

    السر الرابع في الصلاة على الجنائز: إظهار شعائر الإسلام ضد أعداء الإسلام من الصهيونية، التي هي نبتة اليهودية والنصرانية والشيوعية وكل مغرض لهذا الدين، فنظهر أننا متآخون في الحياة وفي الموت، ونظهر أننا لا نسلم أخانا ولا نتركه؛ بل ندعو له حتى يلقى الله.

    السر الخامس: أن نتذكر بالصلاة عليه قدومنا عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ورجوعنا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    هو الموت ما منه ملاذ ومهرب     متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

    نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها     وعلَّ الردى مما نرجيه أقرب

    نشاهد ذا عين اليقين حقيقة     عليه مضى طفل وكهل وأشيب

    فهذا من أعظم الواعظ، ولذلك في سيرة عثمان رضي الله عنه أنه كان إذا رأى القبر بكى حتى يغشى عليه ويرش بالماء، فيقال له: مالك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار؛ فإذا أفلح العبد في القبر فقد أفلح}.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088523488

    عدد مرات الحفظ

    777119246