إسلام ويب

حقيقة البعث والنشورللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الموت حقيقة لا بد منها، ولكن الموت ليس هو نهاية الإنسان، بل هناك بعث ونشور، وثواب وعقاب، ومن الناس من ينكر البعث وذلك لجهله بعظم قدرة الله عز وجل.

    والشيخ تحدث عن هذا الموضوع ذاكراً بعض الأمثلة لمن ينكرون هذه الحقيقة الجلية الواضحة.

    الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:77-83].

    أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ

    يا أيها الإنسان: يا من حمل همومه وغمومه!

    يا أيها الإنسان: يا من تعدى حدود الله وانتهك حرماته, وأكل نعمه, واستظل بسمائه, ووطئ أرضه!

    يا أيها الإنسان: إنك سوف تُعرض على الله, ويل لك أيها الإنسان، أما فكرت بالقدوم على الله؟!

    ولو أنا إذا متنا تركنا     لكان الموت غاية كل حي

    ولكنا إذا متنا بعثنا     ويسأل ربنا عن كل شي

    يا أيها الإنسان! مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار:6] ما الذي خدعك حتى عصيت الله؟

    ما الذي غرك حتى تجاوزت حدود الله؟

    ما الذي أذهلك حتى انتهكت حرمات الله؟

    يا أيها الإنسان! ألم تكن نطفة؟! ألم تكن ماء؟! ألم تكن في عالم العدم؟!

    قال سبحانه: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ [الإنسان:1-2] مسكين هذا الإنسان! حقير هذا الإنسان! صغير هذا الإنسان! أتى من ماء, من عالم العدم, أتى من نطفة, فلما مشى على الأرض تكبر وتجبر, ونسي الله الواحد الأحد..!!

    في المسند للإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن جحش قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بصاقاً من فمه ثم وضعه في راحته, ثم أخذ يديره بأصبعه ويقول: يقول الله تبارك وتعالى: يابن آدم! خلقتك من مثل هذا ثم ربيتك، فلما تربيت جمعت ومنعت ومشيت على الأرض, وللأرض منك وئيد, ثم قلت: لن يعيدني كما أنشأني أول مرة ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78]) من هذا المجرم الذي اعترض على قدرة الله؟ من هذا العاصي الذي أنكر البعث والقدوم على الله؟

    صاح هذي قبورنا تملأ الرحب     فأين القبور من عهد عاد

    خفف الوطء ما أظن أديم      الأرض إلا من هذه الأجساد

    ساعة الموت أيها العبد     أضعاف سرور في ساعة الميلاد

    إنكار العاص بن وائل للبعث

    هذا المجرم هو العاص بن وائل , أثمر الله ماله, وأصح جسمه, وأعلى شأنه في الدنيا, ولكن كفر بلا إله إلا الله, أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بعظم بالٍ ففته وحته ونفخه أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يعيد هذه العظام بعد أن يميتها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: {يميتك الله ثم يبعثك الله ثم يدخلك الله النار} فيقول الله له: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً [يس:78] أتى يضرب لنا الأمثال, نسي مكرماتنا, ومعروفنا, وجميلنا ونعمنا, وأتى يضرب لنا الأمثال اليوم.

    وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78] من الذي أنشأه من العدم؟ من الذي أغناه من الفقر؟!

    من الذي أمشاه على رجليه؟

    أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] فما له نسينا اليوم؟

    هذا العاص بن وائل قتل في بدر كافراً بالله العظيم, أتاه أحد الفقراء من المسلمين وقد عمل له عملاً واشتغل له شغلاً فقال له الفقير: يا أبا عمرو!! أعطني أجرتي؟ قال: أتؤمن بمحمد؟ قال: نعم. قال: أتؤمن أن الله يبعثنا يوم القيامة؟ قال: نعم. قال: -وهو يضحك يستهزئ- فإذا بعثني ربي من قبري وعندي كنوز من الأموال فأحاسبك في ذلك اليوم وأعطيك أجرتك, فقال الله: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً [مريم:77-80].

    وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:79].

    والله لنبعثن كما نستقيظن حفاة عراة غرلاً بهما كما بدأنا أول مرة يعيدنا قال تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94] نخرج من قبورنا مذهولين خائفين وجلين إلا من رحم الله, ولا يأمن من مكر الله وعذابه ولعنته إلا من أمنه الله.

    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:101-104].

    صح عنه صلى الله عليه وسلم: {أن الإنسان بعد أن يخرج من قبره ويقف في أرض المحشر، فمنهم من يبلغ عرقه كعبيه, ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه, ومنهم من يبلغ حقوه, ومنهم من يبلغ حنجرته, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً فلا يتكلم} قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:27-28].

    قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:79-80].

    قال أهل العلم: الشجرة بذرة -كما تعرفون- أنبتها الله ورعرعها بالماء ثم يبست ثم أصبحت حطباً يوقد به في النار, وقال بعضهم: المرخ والعفار شجر في الحجاز إذا ضربت هذا بهذا وهو أخضر انقدح ناراً, فمن الذي قدح النار منه؟ ومن الذي جعل آيات الكون قائمة أمام الأعيان؟ أليس هو الذي يعيدنا يوم العرض الأكبر؟

    ضرورة التوبة قبل الموت

    يا أيها الإنسان: انظر إلى السماوات بلا عمد.

    يا أيها الإنسان: انظر إلى الأرض في أحسن مدد, من أجرى الهواء؟! من سير الماء؟! من جعل الطيور تتناغم بالنغمات؟! من جعل الرياح غاديات رائحات؟! من فجر النسمات؟! من خلقك في أحسن تقويم؟!

    قال سبحانه: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس:81] سبحان الله! ما أقدر الله!

    يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[والله لولا يوم القيامة لكان غير ما ترون]] لو لم يكن هناك يوم بعث ونشور لأكل الأقوياء الضعفاء, وأخذ الظلمة المظلومين, وتجبر المتجبرون في الأرض.

    مثل لنفسك أيها المغرور      يوم القيامة والسماء تمور

    إن قيل نور الدين جاء مسلماً     فاحذر بأن تأتي ومالك نور

    حرمت كاسات المدام تعففاً      وعليك كاسات الحرام تدور

    متى سيفيق من لم يستفق اليوم؟!

    متى يتب إلى الله من لم يتب هذه الساعات؟!

    متى يحاسب نفسه من لا بد أن يحاسبها قبل أن تعرض على الله؟

    عباد الله: أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه, إنه هو التواب الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088525762

    عدد مرات الحفظ

    777130302