وفي هذا الدرس بيان لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح في رمضان، وبيان للأخطاء التي يرتكبها الناس في رمضان.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم عليه من معلم جليل، ومؤيد بجبريل، ومذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
يا مسلمون! يا مصلون! يا صائمون! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى على أن أجلسني أمام الصالحين الأبرار، والنبلاء الأخيار، ثم أشكر أهل الفضل لفضلهم وهم الداعون من ثانوية الملك خالد بهذه المنطقة، مديراً وأساتذة وطلاباً.
جاءكم ضيف كريم على أنفسكم، وأتاكم حبيب طالما تشوقتم إليه، أو الكثير منكم طالما تشوق إلى هذا الضيف، وهو الصيام وشهر رمضان.
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام |
قد لقيناك بحب مفعمٍ كل حب في سوى المولى حرام |
فاقبل اللهم ربي صومنا ثم زدنا من عطاياك الجسام |
لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام |
أتى شهر رمضان وقد فقدناه سنة، وفي هذه السنة الله أعلم ماذا فعلنا فيها؟ ذنوباً وخطايا، ومعاصٍ وفواحش، كبائر وصغائر، تخلف عن الجماعات، وإغضاب لرب الأرض والسماوات، سيئات كثيرة، لكننا نسأل الله مغفرة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تغش كبيرة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
أتى رمضان ووقف العصاة على أبواب التوبة.. أتى رمضان وتحركت القلوب إلى باريها.. أتى رمضان لتبكي العيون التي ما عرفت الدموع.. أتى رمضان لتلين القلوب التي كانت قاسية.. أتى رمضان لتجوع البطون التي طالما شبعت وما عرفت الجوع.. أتى رمضان لتضمأ الأكباد التي ما عرفت الضمأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183].
يا مؤمنون! يا مصلون! يا حملة الرسالة الخالدة! يا أهل المساجد! يا أهل الثلث الآخير من الليل! أنتم المؤمنون لا غيركم، الآية لا تخاطب الفنانين والفنانات، ولا الراقصين والراقصات، ولا المطبلين والمطبلات، إنما تخاطب أهل الإيمان، الذين غرسوا في قلوبهم لا إله إلا الله، والذين سجدوا لله، وتوجهوا إلى الله: يا أيها الذين آمنوا.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك: يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] فهو واجب وفريضة وليس بسنة: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] والمقصد من الصيام أن يتقي العبد ربه.
كيف يتقي العبد ربه بالصيام؟
إذا جاع انكسر وتواضع وعرف الله، فالعين لا تغض عن الحرام حتى يتقي العبد ربه، والفرج لا يحفظ إلا إذا اتقى العبد مولاه، ومتى يحفظ؟ إذا جاع.
إن الشبع وكثرة المطعومات والملبوسات، والمرطبات والمشروبات والمشهيات تجعل القلب جباراً، لا يغض طرفه، ولا يحفظ فرجه، ولا يدري ماذا يأكل، ولا يحفظ أذنه من الحرام.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] فالتقوى في الصيام، يقول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) يوم يصوم العبد تذبل روحه، وينكسر قلبه، ويتوجه إلى الله، ويصبح عبداً لله.
فيا أيها الإخوة! من منطلق هذه الآيات نأخذ دروساً من الصيام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ [البقرة:183-184] ليست شهوراً، كم أكلنا؟ كم شربنا؟ كم تمتعنا؟
إحدى عشر شهراً ونحن نأكل أفلا نصوم شهراً واحداً؟ إحدى عشر شهراً نشرب أفلا نصوم شهراً واحداً؟ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184]
مرحباً برمضان، شهر التوبة، وأسأل الله في هذه الليلة المباركة أن أكون وإياكم والمسلمين من عتقاء هذا الشهر، الذين اطلع الله عليهم في ليال حبيبة قريبة من ليالي الصيام، فأعتقهم من النار، ويحرَّم أجسادهم على النار، وعظامهم وعصبهم وشحمهم ودماءهم.
يا رب! عبادك بين يديك من يرحمنا إذا لم ترحمنا؟! من يغفر إذا لم تغفر لنا؟! من يقبلنا إذا رددتنا؟! من يتوب علينا إذا لم تتب علينا؟!
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار |
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقنا من النار |
شَهْرُ رَمَضَانَ [البقرة:185] ما هي مواصفاته وصفاته؟ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]؟
يا أيتها الأمة التي كانت أعرابية بدوية متخلفة ساذجة، فأنزل الله عليها القرآن؛ فحكمت الدنيا!
يا أيتها الأمة التي ما عرفت الثقافة والمعرفة والنور فأنزل الله عليها القرآن ففتحت الدنيا!
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185] لك الحمد، ولك الشكر، ولك الثناء الحسن: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] لكن هنا قضايا:
أولاً: هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام. كيف كان يصوم؟
ثانياً: أثر الصيام في تربية النفس.. التلاوة.. الصدقة.. النوافل.. ذكر الله.. التفرغ للعبادة.. طرد الشيطان.. إلى غير ذلك من القضايا.
ثالثاً: الأعمال الصالحة في رمضان، بم نقضي شهر رمضان؟
وهذه المآسي التي نعيشها إن لم نوجد لها حلاً إسلامياً سوف نستمر في الخطأ، أصحيح أن رمضان يحدث في بعض الأماكن، وفي بعض الأسر والبيوت رجالاً ونساء يكون موسماً للنوم، النهار نوم والليل يقظة وسمر وسهر في غير طائل، بل في المعاصي والمخالفات، ثم يأتي الإفطار فتكون مطعومات ومشروبات ومرطبات تكفي الجماعات الهائلة ثم ترمى وتهلك وتهدر بلا حساب ولا مراقبة لله؟
تلك خطايا سوف نمر بها هذه الليلة، لكن ما هي الأعمال الصالحة التي نقضيها في شهر رمضان؟
ذلكم ما سوف نستمع إليه في هذه الليلة المباركة إن شاء الله.
المسألة الرابعة: محاذير يقع فيها كثير من الناس في رمضان.
أ- السهر الضائع أولاً.
ب- كثرة المطعومات والمشروبات والتهيؤ لهذا الإفطار والسحور بشيء الله به عليم.
ج- إدمان النوم وكثرته على حساب رقة القلب والعبادة.
د- عدم التأثر بالصيام، يدخل الشهر ويخرج ولا أثر ولا تربية ولا نزع ولا فائدة؛ فما هي فائدة الصيام؟
هـ النزول إلى المحلات والأسواق بكثرة حتى أصبحت ظاهرة عند كثير من المسلمين في رمضان؟
أولاً: صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصحيحين: (يقول الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره أو بصومه، وإذا لقي ربه فرح بصومه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام ثم قال في آخر الحديث: (ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك والصوم جنة -يعني وقاءً وساتراً وحاجباً- فإذا كان يوم صوم أحدكم فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم).
أولاً: يقول الله في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي) لأن الصلاة والناس يرونك، والحج والعمرة تكونان مع الناس، والزكاة تزكي بمرأى ومسمع من الناس، لكن الصيام سر بينك وبين الله.
من يعرف -أيها الإخوة المسلمون- أنك صائم أو غير صائم إلا الله؟ بإمكانك أن تتستر بالحيطان، بإمكانك أن تختفي وراء الجدران ثم تأكل وتشرب ولا يدري بك إلا الله.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان |
فاستحي من نظر الإله وقلها إن الذي خلق الظلام يراني |
والمؤمنون يتميزون عن الكفرة بالإيمان بعلم الغيب: آلم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3] إيمانٌ بالغيب، يعبدون الله كأنهم يرونه فإن لم يروه فإنه يراهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
أحد الصالحين توفي فرئي في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ذنبي، قالوا: بماذا؟ قال: أذنت وحدي في الصحراء وأقمت ولا يراني إلا الله.
والصيام سر بينك وبين الله، ولذلك تميز الصيام عن غيره من الأعمال أنه لا يعلم بك إلا الله، وقد سمعنا وشاهدنا ونقل إلينا من كثير من أبناء المسلمين الذين يعيشون في بلاد المسلمين ممن قلت رقابتهم لله، وممن ضعف إيمانهم في قلوبهم، وممن تذكروا كل شيء إلا الله، استحيوا من الناس وما استحيوا من الله: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ [النساء:108] مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7].
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب |
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب |
وجد من شبابنا بل من كبار السن ممن قلت رقابتهم؛ من يأكل ويشرب في رمضان، لا إله إلا الله! أبعد هذا العمل خوف من الواحد الديان؟! أبعد هذا التصرف خشية للرحمن؟! أي إيمان هذا؟ وهذا لأنهم تربوا على غير القرآن، ولم يعرفوا المساجد، ولم يداوموا على الصلوات الخمس، أخذوا ثقافتهم من المجلة الخليعة، والجلسة الآثمة، والأغنية الماجنة، والجلساء السيئين، فانقطعوا عن القرآن والحديث، وانقطعوا عن الدعوة والمحاضرات والدروس، فوقعوا في براثن المعصية.
ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم |
يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم |
أما لياليه فلا تسأل عنها، فهي عبادة وبكاء، ومناجاة للواحد الديان.
قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار |
قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار |
وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:17].. تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].. كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17] يا من أذهب ليله بالمعاصي! يا من جعلها في السهرات والسمرات! يا من ضيعها في المخالفات والسيئات! أما خفت الله؟ أما راقبته وحاسبت نفسك قبل أن يحاسبك الله؟
من فوائد الصيام -ومن لم يستفد من صيامه في رمضان فليراجع نفسه، وليعلم أن في صيامه نظر، وليعلم أن في صيامه نقص، وليعلم أنه ما صام صياماً حقيقياً-:
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ فكلك عورات وللناس ألسن |
وعينك إن أبدت إليك معايباً فصنها وقل يا عين للناس أعين |
بل الصيام أن تصوم عينك عن الحرام، ويصوم لسانك عن الخنى والغيبة والنميمة والفحش، الصيام أن يصوم فرجك عن الحرام وبطنك عن أكل الحرام، وإلا فلا مدلول للصيام، دل عليه قول صلى الله عليه وسلم كما سبق في الصحيحين: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} ومعنى وجاء، أي: مانع من المحرمات أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي لفظ: {فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج} فهذه مدرسة الصيام، أولها: حفظ اللسان وغض البصر، وحفظ الفرج والجوارح مع الله الواحد الأحد، فمن وجد نفسه من أول يوم في رمضان أنه لم يحدث له شيء ولا تغير وأنه إذا نزل إلى الأسواق نظر إلى عورات المسلمين والمحرمات والأجنبيات فليعلم أنه لم يصم، وأنه ما دخل في الصيام، بل جاع وضمئ فقط لكنه لم يصم.
التواضع وانكسار النفس، فالنفس جموحة طامحة لا تنكسر إلا بجوع، والجوع هذا مدرسة، يوم تجوع تتذكر الفقراء والمساكين، فكثير من الناس اليوم شبعان ريان في قصره وسيارته الفاخرة، ووظيفته العالية، يظن أنه ليس في الدنيا فقير، وقد سمعت عن فقير أنه ما وجد عشاء ليلة هو وثمانية من الأطفال عنده، ولم يجد الوقود الذي يعبئ به سيارته ليس له وظيفة أو دخلٌ أو منصبٌ، وهو رجل يعول عائلة، ومستأجر في بيت، فلم يجد عشاء ليلته، فذهب إلى جيرانه يطرق عليهم ليستلف منهم ما يعشي به أطفاله، ولكن كثيراً من الذين يتعاملون بالربا ويستقلون السيارات الفاخرة، والمناصب العالية، والأموال الغزيرة لا يشعرون بهذا، لكن يشعرون إذا صاموا بحرارة الجوع وحرقته ولوعته، فكيف لا يعيش الإنسان هذه الأحداث؟!
فيا أيها المسلمون! مقصدي ومقصدكم إن شاء الله أن نشعر بالجوع، وهو المحذور الذي ذكرنا من النوم في رمضان، فإن بعضهم ينام بعد الفجر إلى قريب من الظهر، ثم ينام من العصر إلى قريب المغرب، فمتى يصوم ويحس بالصيام، هل هو صوم النوم؟ كتب عليه الصوم وهو نائم في الأحلام، يرى في المنام أنه صائم، فلا يستيقظ إلا ثلاث ساعات، وبعضهم وجد أنه لا يستيقظ إلا وقت الصلاة، يصلي الفجر ثم ينام حتى صلاة الظهر فإذا سمع الأذان توضأ وأتى فنقر أربع ركعات، وليس فيها نافلة، ثم يعود مباشرة لئلا يضيع الوقت فينام إلى صلاة العصر، ثم يصلي العصر ثم لا يستيقظ إلا في صلاة المغرب، فهل هذا صوم؟
هذه كصلاة عجائز نيسابور وليس بصوم هذا، فليس المقصود في الإسلام أن يستلقي الإنسان على فراشه ثم لا يشعر بالجوع والظمأ، ولا يتلو القرآن ويعيش التلاوة، ولا يتذوق السيرة، أو يقرأ الحديث، ولا يدعو إلى الله، ويغتنم الذكر والاستغفار والتوبة، إذاً ماذا قدم؟ وماذا فعل؟
إذا علم ذلك فإن الطعام والشراب يكثر جريان الدم، والشيطان يجري -كما في الحديث الصحيح- من الإنسان مجرى الدم، كلما أكثر الإنسان من الأكل كلما كان شيطانه أكبر إلا أن يستغفر الله ويذكره، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الكافر يأكل في سبع معي -أمعاء- والمؤمن في معي واحد} لأن الكافر يأكل معه الشيطان والعفاريت والجن، ويحضرون مأدبته ويشاركونه هذه الضيافة الكريمة منه لإخوانه وقرنائه.
أما الصالح فإنه يسمي ويأكل وحده، ولذلك يقول بعض العلماء لما قال صلى الله عليه وسلم في صيام أيام البيض: إنما خص البيض -وهذا علم عصري يقبل الرد والقبول -يقول: إنما خصص الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأيام البيض؛ لأن الأيام البيض يكثر جريان الدم في العبد، ولذلك المد في البحر يزيد، والجزر ينقص إذا اختفى القمر فقالوا: جريان الدم يزيد في الثلاثة الأيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فجعل صلى الله عليه وسلم الصيام في هذه الأيام لتضيق مجاري الطعام والدم، ليندحر الشيطان، فأخسأ ما يكون الشيطان في رمضان.
ولذلك إذا دخل رمضان فتحت الجنان- اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من ورثة الجنة -وغلقت النيران -نعوذ بالله من النار وصفدت الشياطين- ومصفودة، يعني: مغلولة أياديها إلى أعناقها لا تتحرك في رمضان، لأنه حجر عليها في الطعام والشراب.
ونحن لا نقول للناس لا تأكلوا وتشربوا لكن نقول لهم: نظموا حياتكم وبرمجوا أوقاتكم ليكون هناك استثمار للعبادة وطائل من الحسنات ووقت لرفع الدرجات عند المولى، أما تنظر إلى الخواجة الكافر وهو في مصنعه ومعمله يهدر وهو لا يجد وقتاً، يأكل الطعام وهو واقف، وهو لا يرجو جنة ولا ثوباً ولا يخاف ناراً ولا عقاباً، فكيف يذهب الوقت سدى؟
قالوا: من فرص الصيام التفرغ للعبادة وهو صحيح، فإنك من صلاة الفجر ليس عندك ما تشتغل به، ثم يأتي الظهر وهو وقت الوجبة التي يأخذ على الناس لإعدادها وإحضارها ساعتين أو أكثر، فهذا أنت معفي عنه أيام رمضان، ثم العصر حتى تتفرغ ويتفرغ قلبك للاتصال بالحي القيوم وهي فرصة.
أنا أوصيكم ونفسي أن يكون رمضان خاصاً بالقرآن، وأوصي أهل الاطلاع أن يقللوا من اطلاعهم إلا في القرآن، وقد ذكر عن الإمام مالك: أنه لما دخل رمضان امتنع عن الفتيا ومجالس العلم، وقال: هذا شهر القرآن شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185].
فأدعو نفسي وإياكم إلى أخذ هذا المصحف من أول يوم، ثم الإدمان في النظر فيه، والاستمرار في القراءة والترداد والتكرار والتدبر، علَّ الله أن يجعله بلسماً لقلوبنا، فقد روى الحاكم في المستدرك بسند حسن أنه قال عليه الصلاة والسلام: {يأتي الصيام والقرآن يوم القيامة يشفعان للعبد، يقول الصيام: يا رب! منعته طعامه وشرابه وشهوته، ويقول القرآن: يا رب! منعته نومه فشفعني فيه، فيشفعان فيه}.
فيا مسلمون! أوصي نفسي وإياكم بكثرة تدبر القرآن، وكثرة قراءته وتلاوته، وسوف أورد بعض القصص لا على أنها سنة، لكن تدل على أن بعض السلف كان يجتهد اجتهاداً عظيماً في رمضان:
الإمام الشافعي ذكر عنه الإمام الذهبي: أنه كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وقد نقل هذا ابن كثير أيضاً، أنه كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، مرة في الليل ومرة في النهار، ونحن أمرنا في السنة أن نختمه في سبع ولا يفقهه من قرأه في أقل من ثلاث لكن لزيادة الأجر: {من قرأ القرآن فله في كل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف} والحديث عند الترمذي.
فكان السلف من أحرص الناس على قراءة القرآن.
وذكر ابن حجر أن البخاري صاحب الصحيح: كان يقرأ القرآن في رمضان ثلاثين مرة.
فأين الهمم؟ وأين أصحاب العزائم؟ فليتقربوا إلى الله في رمضان بكثرة تلاوة القرآن؛ فيختمه كثيراً ويكرره كثيراً، ويتدبره كثيراً فإنه سوف يكون شفيعاً له عند الله.
وعند ابن حبان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من عمل به قاده إلى الجنة، ومن أعرض عنه أخذه وقذفه على وجهه في النار} وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].
نشكو إلى الله حال الكثير منا، فالكثير يأتي إلى الصحف والمجلات، والجرائد والمنشورات، فيعطيها الوقت الكثير ولا يعطي كتاب الله إلا قليلاً من وقته، أهذا حال الأمة الإسلامية؟ أهذا حال مؤمنين يريدون الله والدار الآخرة؟!
إن هذا معناه -والله أعلم- أن في الأمة قسوة، وأن فيها قلة فقه، وعدم توجه إلى الله.
إذاً: أكثر ما يستغل في رمضان المصحف -القرآن- فأكثروا من ختمه، وأكثروا من تدبره وحفظه، فشهر رمضان شهر القرآن.
فالمحافظة -أيها المسلمون- على صلاة الجماعة في رمضان وغير رمضان، لكن يمتلئ العالم الإسلامي بأناس كأنهم يدجلون على الله، أو يريدون الضحك على مبادئ الله، إذا أتى رمضان ملئوا المساجد، المصحف في يده.. البكاء.. صلاة التراويح.. فإذا صلى العيد تاب من دخول المسجد، ولا يعرف المسجد وفي أثر: {بئس قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان} فرب رمضان هو رب شعبان، وهو الذي يراك وهو الديان أينما كنت، ينظر إليك في منامك ويقظتك وفي تقلبك في الساجدين، فالانتباه الانتباه يا أيها الإخوة.
وبعض الناس سمعت منهم أنه كان يقول: ما دام أن رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما، إذاً نصلي في رمضان ونحضر ويكفر الله ما بينهما، وهذا أخطأ خطأً بيناً، وغلط -والله- غلطاً فاحشاً، فرمضان مكفر لما بينه من الصغائر، أما ترك الجماعة فكبيرة لا يكفرها إلا التوبة إلى الله.
إلى الآن لم نشعر بفائدتنا، ويظن بعض الناس إذا حدثنا في بعض المحاضرات أو الدروس وقلنا حرام، قال: هذا تنطع وتزمت، لكن انظر لبناتك وأبنائك الذين تربوا على الغناء ماذا فعلوا، ارتكبوا فيما بعد الفاحشة؛ لأنهم سمعوا من المغني أنه يحب ويرى ويعشق وأنه يموت ويذوب فتجدهم يقولون:
هل رأى الحب سكارى مثلنا |
يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني |
السبيل! نار جهنم إن لم يتب إلى الله، فيكفينا قلة حياء كما قال بعض العلماء: أُحل الغناء بإجماع الفساق وسكوت العارفين، أخذوا الفتوى من فساق، وأنا لا أقصد أن من يفتي بإباحة الغناء أنه فاسق، لكن من تصدر لإغواء الآمة وإرهاق وتضييع أوقات، وصد شبابنا عن القرآن، وعن حلقات الدروس تعقد في العصر في كثير من المساجد، محاضرات ودروس تقام في الجوامع في أكثر مناطق المملكة والشعوب الإسلامية، فيأتي هذا المغني الفاجر فيأخذ عوداً ويقف أمام الملايين ليعلمهم طريق الفاحشة، يقول: من هنا الزنا، من أراد أن يزني فليتبعني، حتى يقول ابن القيم: الغناء بريد الزنا ورقية الشيطان، وما داوم أحد على الغناء إلا وقع في الزنا، والعياذ بالله.
يا أيها المسلمون! هل من عودة إلى إدخال الإسلام في البيوت؟ وإدخال القرآن والشريط الإسلامي بدل الشريط الغنائي والمسلسل المهدم والفيديو المخرب، جلسة روحية بدل جلساء السوء، كتاب إسلامي بدل المجلة الخليعة، هل من عودة؟
لا يكفي أن نصلي فقط، والصلاة لها أثر في الواقع، ولذلك تجد بعض الناس يقول: نحن على خير والحمد لله، قلنا: والغناء، والربا، والزنا، والغيبة، والنميمة، قال: انظر المساجد الناس يصلون وسددوا وقاربوا والله غفور رحيم، وأبشر بالخير، الأمة في خير وإلى خير، نعم. لكن من أفسد الأمة؟ ومن حول طريق الأمة من أن تكون أمة صالحة مهتدية، وأن تكون أمة عابدة متجهة إلى الله تبارك وتعالى.
والله! يوم القيامة يحتاج الإنسان ولو إلى بصلة أو إلى قرش واحد أو كسرة خبز، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل إنسان في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن لله ملكين يناديان كل صباح يقول أحدهم: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تصدق من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً- فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تصبح كـجبل أحد} يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96] ويقول: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274].
كثير من الناس يقول: الآن ليس في الناس فقر، كلهم مرتاحون والحمد لله، كل إنسان مستور في بيته وهذا خطأ، بل فيهم فقراء، وأنا عندي اثنا عشر معروضاً لاثني عشر من الذين وقعوا في أزمة مالية، أحدهم تحمل رقاباً، وآخر هو وذريته وأهله لا يجدون دخلاً لا شهرياً ولا سنوياً، طلبة أتوا من بلادهم يدرسون بأهلهم ولا يجدون سكناً ولا طعاماً ولا شراباً، وهؤلاء تحق فيهم الزكاة، فلا يقول أحد من الناس: ليس في الناس فقر، فاغتنم رمضان في الصدقة، واغتنمه في الزكاة، واغتنم أن تعتق رقبتك من النار.
أحد الصالحين -عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير - كان يسأل عن ديته ثم يدفع ديته في رمضان حتى أعتق نفسه واشترى نفسه من الله أربع مرات، ويوم حضرته الوفاة قال: "اللهم إني اشتريت نفسي منك أربع مرات، اللهم لا تخزني يوم يقوم الأشهاد، اللهم لا تخزني يوم يقوم الأشهاد" هذا الرجل الصالح كان إذا صلى الفجر قال: "اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فحضرت صلاة المغرب، فقبض الله روحه في السجود في صلاة المغرب في آخر ركعة": فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ [محمد:21].. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] الجنة لا تُدخل بالمؤهلات، ولا تعرف الجنة دكتوراه أو ماجستير: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:1-3] قالوا: تخفض أناساً كانوا مرفوعين في الدنيا، لا ينظرون إلى البشر، فتجعلهم يوطئون بأقدام الناس، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم قال: {يحشر المتكبرون يوم القيامة على صورة الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم} وترفع أناساً كانوا مخفوضين، ينامون على الأرصفة، فهم فقراء لكنهم أهل سجود، وخشوع، وتبتل، وإقبال على الله.
محمد إقبال ينظر إلى المساجد والوعظ، وإلى حياة الأمة الإسلامية وما وقعت فيه، قال:
أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال |
وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال |
ثم يقول:
وعند الناس فلسفة وفكرٌ ولكن أين تلقين الغزالي |
وجلجلة الأذان بكل حيٍ ولكن أين صوتٌ من بلال |
منائركم علت في كل ساحٍ ومسجدكم من العباد خالي |
ولذلك في الحديث الصحيح: {إن الله عز وجل يسأل ملائكته وهو أعلم: أين كنتم؟ قالوا: مررنا على عباد يسبحون ويهللون -والله أعلم- قال: هل رأوني؟ قالوا: ما رأوك ولو رأوك كانوا لك أكثر تقديساً وتسبيحاً، قالوا: ويسألونك يا رب! قال: ما يسألونني -والله أعلم؟- قالوا: يسألونك الجنة، قال: هل رأوا الجنة؟ قالوا: ما رأوها، قال: كيف لو رأوا الجنة؟ قالوا: كانوا أكثر سؤالاً وطلباً وإلحاحاً، قال: ومما يستعيذون؟ قالوا: يستعيذون من النار، قال: هل رأوها؟ -والله أعلم- قالوا: ما رأوا النار، قال: كيف لو رأوها؟ قالوا: كانوا أكثر استعاذة واستجارة من النار، قال: أشهدكم أني غفرت لهم وأدخلتهم الجنة، فتقول الملائكة: يا رب! -وهو أعلم- فيهم فلان بن فلان ما حضر معهم إلا جالساً، لا يريد ما أرادوا، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وله غفرت} فاغتنم صلاة التراويح ولا تفوتك لعل الله نظر إلى عباده في مسجد من المساجد فغفر لهم جميعاً وأنت معهم.
يقول ابن القيم: "اهجم هجمة الكذابين، وادخل مع المتطفلين؛ علك أن تكون مع الصادقين" المتطفل هذا هو الذي يأتي للضيفة ولم يدع إليها، إذا رأى زواجاً وقناديل معلقة في الشوارع لبس ثوبه وأتى، يوهم أهل البيت أنه من الضيفان، ويوهم الضيفان أنه من أهل البيت، وهذا كثير في فن التطفل، فيقول ابن القيم: افعل مثل ما يفعل المتطفل، ادخل معهم وأنت لست معهم لكنك مذنب مخطئ عل الله أن يجعلك مع الصادقين.
وصلاة التراويح على الصحيح إحدى عشرة ركعة، ولا بأس بمن زاد عليها لكن صح عند مسلم عن عائشة قالت: {ما زاد رسول صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا غير رمضان على إحدى عشرة ركعة} فعلى الأئمة أن يأخذوا هذه السنة فيصلوا إحدى عشرة ركعة، ثمان ركعات وثلاث وتر، فهذه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي رواية عن ابن عباس في صحيح البخاري: {ثلاث عشرة ركعة} جمع بينها ابن القيم فقال: بركعتي الفجر، وإلا فالأصل إحدى عشرة ركعة، لكن صلاة الليل بركعتي الفجر ثلاث عشرة ركعة.
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل |
وقد جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الليل لباساً، والنهار معاشاً، وجعل النوم سباتاً، والليل سكناً، والنهار معاشاً ونشوراً، فلماذا نخالف سنة الله في الحياة؟
وبعد أيام سوف ترى السهر من صلاة التراويح إلى صلاة الفجر، وهو ليس بحرام والحمد لله، لكن على ماذا السهر؟
إن الحدائق سوف تكتظ بالناس، وتسمع الغناء كأنهم في عيد سبتمبر، عيد الخسارة والدمار يوم أحرق وجه الأمة وأرغم في التراب، أرغمه مثل شامير ورابين وأذنابهم وأمثالهم، وتجد كثيراً من الرحلات والجلسات التي لا ترضي المولى بل قد تغضبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، جماعات من كثير من الشباب الذين ما اهتدوا، يتجمعون في رمضان في السهر إلى السحر، ثم قد ينامون بدون سحور النهار كله، فهذا السهر لا يرضي الله، وهو سهر في المعصية، وحبذا من أراد أن يسهر أن يكون له برنامج في السهر، يسهر مع أهله يعلمهم السنة، مع كتاب وشريط إسلامي، مع دعاة، في دروس، في تهجد، يأخذ المصحف ويصلي تارة، ويدعو تارة، ويقرأ تارة، ويستغفر تارة، فهذه -والله- فرص لا تتعوض.
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حيٍ |
ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيء |
تتمنى يوم القيامة دقيقة صرفتها في الطاعة، ولكن لا تجد دقيقة.
توضع السفر فتوضع فيها أنواع الأطعمة والأشربة، وأنواع المأكولات وما هب ودب، وما تعرف اسمه وما لا تعرف اسمه، وهذا فيه ثلاثة محاذير:
أولاً: إغضاب لله لأن فيه تبذيراً، وقد وجد أن ما يرمى من الأكل في الزبالات والقمامات والمجامع العامة أكثر مما يؤكل.
الثاني: أن فيه إرهاق لأهل البيت، فالمرأة المسلمة تريد الخير مثلما تريد أنت، أما أن تحولها إلى مباشرة وطباخة في رمضان، لا تقرأ ولا تسبح، ولا تستغفر وتبقى من صلاة الظهر وهي عند الفرن، فهذه ليست بحياة، وهذه ليس فيها عبادة، كل يوم تبقى المرأة في مطبخها حول إنائها وقدرها وصحنها، هذا ليس بصحيح وليس منهجاً إسلامياً، فلو اكتفى بالقليل من الطعام لكان أحسن.
الثالث: أن فيه كذلك اشغال للنفس عن مطلوبها وهو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلذا نحث المسلمين على أن يبدءوا من الآن، فيرشدوا النفقات، وأن يكتفوا بنوعين أو ثلاثة أو أربعة إذا زادوا، أما عشرون صنفاً وثلاثون وأربعون فهذا خطأ، وهذا لا يفعله حتى الكفار، وليس عندهم هذه الأصناف، فهذا تبذير وإسراف وإرهاق للأسر وإتعاب للبيوت وعليك -أيها المسلم- أن تريح أهلك فإنك راع ومسئول عن رعيتك، أما هذا الإجهاد والإرهاق، والتبذير فلا يرضي الله تبارك وتعالى.
ولا يعيش الصيام، ولا يدخل أثر الصيام إلى قلبه ولا يستفيد من الصيام، فقضية نوم النهار كله، لك أن تنام إلى قبيل الظهر إذا أردت، لكن يبقى لك من بين الظهر إلى العصر ومن العصر إلى المغرب، ليكون لك قراءة وتسبيحاً وتلاوة ومطالعة كتاب إسلامي استغفاراً ودعاء، أما كل الوقت نوم -وقد عرفنا من بعض الناس من ينام كل الوقت- حتى من بعد صلاة العصر ينام حتى يوقظه أهله للإفطار كأنه قام لصلاة الصبح، يقوم يتوضأ قبل المغرب ويبدأ يأكل، فهذا لم يصم، بل هذا صام في عالم النوم، رأى سبع بقرات سمان وسبعاً عجافاً، حتى يأتي يوم العيد ماله طعم عنده؛ لأن العيد لمن صام وقام، والعيد لمن خاف الواحد العلام، ولمن اتقى الله، وأكثر من التلاوة والاستغفار، وليس العيد لمن نام النهار وقام الليل في السهرات والضياع والفحش والبعد عن الله، هذه من الظواهر التي نشكوها صالحين وطالحين، بررة وفجرة.
يقول كثير من أهل العلم كـأحمد وغيره: كان الصالحون إذا دخل عليهم الصيام، أخذوا مصاحفهم وجلسوا في المساجد -هذه ميزة الصيام في الإسلام- يتعبدون الله عز وجل، ولا تتحول حياة هذه الأمة إلا بتقوى الله عز وجل والعودة إليه بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا بد للمسلمين من اليوم الأول أن يبدءوا بالتوبة -نسأل الله أن يهله علينا وعليكم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والمثوبة والأجر- ولابد أن نسأل أنفسنا، التاجر في متجره، والأستاذ في فصله، والموظف في دائرته، والعامل في عمله، يسأل هل تغير في هذا اليوم في صدقه ووفائه، وخوفه من الله وخشيته وعبادته، وإلا فليعلم أنه سيخسر رمضان حتى ينتهي رمضان.
الأمر الأول: قسوة قلب.
الأمر الثاني: اختلاط الرجال بالنساء.
الأمر الثالث: ضياع للوقت الثمين: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116] {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ}
فيا مسلمون! سيطل عليكم الشهر الكريم بعد أيام فاستقبلوه برضا وتسليم وحاولوا كل المحاولة أن يكون كفارة لما سبق، واجتهدوا أن تكونوا من عتقاء الله في هذا الشهر: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء:101-103].
يا مسلمون! فرصة والله لا تتعوض، فرصة نادرة سانحة لمن أراد الله والدار الآخرة أن يجدد توبته، فيا من عصى الله كثيراً!
ويا من تمرد على الله كثيراً!
ويا من تعدى حدود الله كثيراً!
ابدأ بالتوبة واستغفر الله وجدد توبتك إلى الله؛ وعد إلى الله علّ الله أن يجعلك من التائبين والمقبولين، فإن عطاء الله يغدو ويروح وبابه مفتوح ونواله ممنوح: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136].
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق |
الأم نبت إن تعاهده الحياء بالري أورق أيما إيراق |
أسأل الله لنا ولكم صلاحاً، رجالاً ونساء، وتوفيقاً خالداً، حضوراً وغياباً، وأن يتغمدنا برحمته ويجزل لنا مثوبته، وأن يجعلنا من عتقائه في هذا الشهر، وألا يجعلنا من قوم دخل عليهم رمضان ولم يخافوا فيه الديان، ولم يتقربوا إلى الرحمن، ولم يستفيدوا فيه من الدروس وما اتعظوا بالعبر.
اللهم لا تجعلنا من قوم انسلخ عنهم رمضان وهم في الغضب والخسران والخذلان والحرمان، واجعلنا ممن أعتقتهم من النيران، وصفدت عنهم الشياطين وأدخلتهم الجنان، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أسدل علينا عفوك وبرك ورحمتك، واعتق رقابنا من النار، فإن أجسامنا على النار لا تقوى.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا ممن تقبلت عنهم أحسن ما عملوا وتجاوزت عن سيئاتهم في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
.
الجواب: الإخوة الذين ذكر الأخ السائل أنهم يقومون بذلك، لا أدري كيف صيغة القيام بذلك؟! إن كان قصدهم يعني إعطاء الأمة من هذا، فالأمة والحمد لله مكرسة جهدها في هذا الأمر، وإن كان قصدهم أنهم يذهبون أوقاتهم في الكرة أو في الدورات هذه فما أظن عاقلاً يفعل بعمره هكذا، يسلب عمره من بين يديه في هذه التراهات، الكرة عندنا نعتقدها اعتقاداً جازماً أنها وسيلة والرياضة وسيلة وليست غاية، وسيلة لأن نكون أقوياء على العبادة؛ وأن نكون دعاة ومجاهدين؛ أما أن تكون غاية فلا.
فإذا رضي لنفسه هذا المنـزل فهو وذاك، لكني أوصيه كأخ وحبيب لي يجمعني أنا وإياه دين واحد، ونسير وراء رسول واحد -صلى الله عليه وسلم- ونقرأ كتاباً واحداً: أن يتقي الله في عمره ووقته، ماذا يقول للملكين في القبر؟
أين أذهبت أيامك ولياليك؟ مع المشرف الرياضي في ليلة كذا وكذا، نعم لكن رويداً رويداً، دائماً أهداف، دائماً منتخب، دائماً أجوال وحارس مرمى، أين وقت القرآن والعلم والخشية؟ هي ليست حراماً لكنها تحرم إذا تركت من أجلها الصلاة أو أخرت أو كانت حزبيات -هؤلاء ينقمون على هؤلاء- فأنا أرى أن على الأخ أن يتبصر ويتفقه: بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة:14] ويتثبت من هذه الأمور.
الجواب: صاحب السؤال دعاكم وهو ليس بسؤال وإنما أضم صوتي إلى صوته، وهي فرصة ثمينة في رمضان، أن يخصص هذا الشهر لمدارسة القرآن وتحسين قراءته.
كثير من الناس يعرف كل شيء إلا القرآن والدين، يعرف قيادة السيارة وهندستها وكل مسمار منها، لكن إذا قرأ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] لا يعرف، فيقرأ مثل: الأحمق يقول: أحفظ أشعار العرب، قالوا: اقرأ القرآن، قال: وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً، وأكيد كيداً، فمهل الكافرين أمهلهم رويداً، وهذه ثلاث سور.
ولذلك يوجد من الناس من لا يعرف يقرأ، لكن إذا حدثتهم عن السيارات والموديلات والموضات، والعمارات، والمشروبات والمطعومات، والمفروشات تجده محاضراً من الدرجة الأولى.
فيا إخوتي! تعالوا إلى المساجد، كثير من المساجد فيها طلبة علم وكثير من الأماكن والجمعيات الخيرية فيها أساتذة جديرون بأن يتعلم منهم ويقرأ عليهم، وهذه دعوة ما أظن أحداً منكم يخالفها، لأنها طيبة وصحيحة، الخير طيب والشر سيئ، النهار مضيء والليل أسود.
الأرض أرض والسماء سماء والأرض فيها الماء والأشجار |
الجواب: أولاً: أحبك الله الذي أحببتني فيه، وأشهد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا المجلس أني أحبكم جميعاً في الله، وأعلم أنه ما حضر في هذا المجلس إلا رجل -إن شاء الله- يريد الله والدار الآخرة، وأسأل الله أن يجعلها كفارة له مما سلف من ذنوبه، وواجبنا وضيافتنا عليكم وضيافتكم علينا: الدعاء، أن تدعوا لنا وندعو لكم، فإنا إذا تعاونا على البر والتقوى -ومنها الدعاء- غفر الله لنا ذنوبنا.
وأما ما ذكره الأخ السائل أنه أجرم وأذنب، فمهما أذنب ولو أتى بمثل الجبال، وتاب تاب الله عليه، لو كان مثل جبل كهلان وأحد وجبال السروات وكله جبال من الخطايا والذنوب والمعاصي ثم تاب؛ تاب الله عليه، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} وهذا الحديث في سنن الترمذي: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].. {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وعند مسلم {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} وفي الصحيحين: {أن رجلاً قتل تسعة وتسعين رجلاً، فقال: دلوني على عالم، فدلوه على عابد -خرافي صوفي متخلف في غار- قال: هل لي من توبة؟ قال: ما لك توبة، -تقتل تسعة وتسعين وتتوب من أين تتوب؟ قال: نبدأ بك، نتغدى بك قبل ما تتعشى بنا، وهذه فتوى لا تصلح- فذبحه ذبح الشاة فوفى به الرقم مائة، قال: دلوني على عالم آخر، فقالوا: العالم الفلاني، فذهب اليه وقال: هل لي من توبة؟ قال: ماذا فعلت؟ -ظن الرجل أنه تخلف عن صلاة ثم صلاها في الوقت، أو ثوبه تحت الكعب، أو أتاه الشيطان فأخذ سجارة مرة من المرات، أو استمع أغنية- قال: قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ قال: ومن يغلق عليك باب التوبة، باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، قال: أتوب إلى الله وأستغفر الله، قال: اذهب إلى تلك القرية فإن فيها قوماً صالحين -بعض القرى تعينك على طاعة الله، صيام وصلاة ودعوة وبعض القرى شقية والعياذ بالله؛ عندهم الفئوس هذه معلقة للذبح على الطريقة الإسلامية، في الجمعة يتضاربون والعيد والاستسقاء، وغيبة ونميمة، وحسد وفحش، وبغضاء، وإذا رأوا إنساناً صالحاً بقوا في وجهه حتى يترك الصلاح- فقال: اذهب إلى تلك القرية فإن فيها قوماً صالحين، فذهب وفي الطريق أدركه الموت فمات، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ملائكة الرحمة يقولون: تاب وأناب وأقبل إلى الواحد الوهاب، فيدخل الجنة، وملائكة العذاب قالوا: لا ما سجد لله سجدة وما فعل شيئاً، وهو تاب الآن فقط، فقال الله عز وجل: قيسوا ما بين القريتين، ثم أوحى الله إلى تلك القرية الصالحة أن اقربي ولتلك أن تباعدي -رحمة الله- فكان أقرب إلى تلك فدخل الجنة}.
وفي الصحيحين: {أن رجلاً قال لأبنائه: إذا حضرتني الوفاة فأحرقوني فإني قد فعلت فعائل مع الله، أحرقوني بالنار ثم اسحقوني ففعلوا، فأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي بدأه أول مرة، قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك وخفت ذنوبي، قال: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}.
فيا أخي! لا تتعاظم.. زنيت.. قتلت.. شربت الخمر.. تب من الآن في هذا المجلس، وأقبل إلى الله وأبشر، يبدِّل الله سيئاتك حسنات، لا يتوب عليك فقط، بل السجلات السود تقلب لك حسنات عند الله.
الجواب: هذا السؤال مقلوب، تقول: مستقيم، والله أعلم، في المسألة نظر، ولكنك مقصر وهذا صحيح، والدليل على تقصيرك سماعك للغناء.
إذاً: أنت من قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، أما استقامتك فيتعارض معها سماعك للغناء.
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع |
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع |
فلو كنت صادقاً في حبك لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ ما تعوضت بلذاذة الأوتار والعيدان عن آيات الرحمن والقرآن.
قال ابن عباس: هذا غناء أهل الجنة نسأل الله ألا يحرمنا غناء الجنة، والذي يسمع غناء الدنيا لا يسمع غناء الجنة، بل يكفيه ما سلف في الدنيا، يقولون: أخذت حسابك في الدنيا، أما من حرَّم على أذنيه سماع غناء الدنيا فيسمع غناء الجنة، وعند أحمد في المسند بسند جيد عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة جوارٍٍ يغنين: يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} وقد نظمها ابن القيم فقال:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان |
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات في الأوزان |
يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان |
ولو تذكرت القبر، ويوم ينفخ في الصور، ويبعثر ما في القبور، ويحصَّل ما في الصدور -والله- ما استمعت إلى الغناء، لكن هذا لمرض في القلوب، فنسأل الله أن يكشف هذا المرض عنك ويعافينا منه، وان يرزقنا التوبة النصوح، إنه على كل شيء قدير.
الجواب: جزى الله الأخت السائلة خيراً ويبدو من السؤال أنها سائلة عن كل خير، وبيض الله وجوه من يفعل ذلك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وما ذكرتيه من إطعام المسكين، فأبشري ثم أبشري يوم يأتيك هذا يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94] وأما ما قلتي: أنه من أطعمه يوماً فيلتزم بقية الأيام فليس بصحيح، ولم يأتِ في الكتاب والسنة والله يقول: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91] يعني لا يوجب على المحسنين وجوباً، وإنما أنتم أحسنتم، فإن أطعمتموه بعض الأيام فمأجورون ومشكورون، وإن تركتموه فما على المحسنين من سبيل، ولا يجب عليكم المداومة وإنما هو تفضل منكم.
الجواب: أما مسألة زكاة الحلي، فالصحيح من أقوال أهل العلم الذي دلت عليه النصوص أن في الحلي زكاة، سواء استخدم، أو لم يستخدم لما صح عند أبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: {أن امرأة أتت الرسول صلى الله عليه وسلم وعليها سواران فقالت: أكنـز هذا يا رسول الله!؟ قال: أتؤدين زكاته؟ قالت: نعم. قال: فليس بكنز} وفي لفظ آخر: {أن امرأة دخلت وعليها سواران قال: أتؤدين زكاته؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار} وكل ما عارض هذه الأحاديث فهو حديث ضعيف، وأما ما ذكرت فلزوجها أن يزكي عنها إذا تبرع من ماله، ولها أن تزكي والأمر فيه سعة، فما دام تبرع فله ذلك ويكفيها زكاتها عن نفسها.
وأما ما ذكرت من السوارة فصورة الثعبان إن كان صورة ثعبان مشخص فهذه صورة محرمة، وإن كان على الشكل ولكنه لا يقرب من الثعبان مع أنه يسمى ثعباناً، فهذا ليس به بأس، لكن الصورة الممثلة المشخصة المرسومة على صورة الأحياء محرمة، ويشملها نص: {لعن الله المصورين}.. {ويل للذي ذهب ليخلق كخلقي، فليخلقوا شعيرة، فليخلقوا ذرة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن تلبس ما فيه صور، كصور عقارب أو حيات أو أسود أو نمور ممثلة أو ثعابين، فهذا يحرم عليها.
الجواب: أما ما ذكرت من عمرك أنه اثنا عشر، فلا أعرف عمراً يحدد الصيام ولكنه تقريبي، إذا بدأ الإنسان يعرف ويميز فيؤمر بالصيام، وأقرب ما يقال سن الصلاة أو قريباً منها عند العاشرة: {مروا أبناءكم للصلاة لسبع، واضربوهم لعشر، وفرقوا بينهم بالمضاجع} فالعاشرة قريبة من هذا، أن يؤمر بالصيام ويحث عليه ثم يتدرج فيه حتى يكون له عادة ويستمر على ذلك، أما اثنتا عشرة سنة فأرى أنه يصوم وأن أهله يأمرونه بالصيام.
أما ما ذكر الأخ من لعب البلوت أو الورقة ففيها تفصيل، إن عارضت صلاة أو أخرت الصلاة فهذه تحرم، وإن كان في وقت آخر فهي مكروهة على أقل أحكامها؛ لأنها تشغل وتلهي فإذا كانت على رهان كانت محرمة، إنما إذا كانت في وقت فارغ، فليست من شيم المؤمن أن يمضي وقته في هذه اللعب والضياع والخسار والحرمان والخذلان، ولا يفعل هذا مسلم يريد الله والدار الآخرة، فحياة قصيرة ستون سنة وتجعلها في ورقة وفي لعب غير مجدٍ ما أظن المسلم يفعل ذلك.
الإجابة: ليس للريق كمية محددة، ولا يفطرك مهما بلعت من ريقك، فالريق أمره سهل، وهذا مما تجاوز الله عنه، وعفا عنه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ولم يرد فيه شيء يدل على أنه يفطر، فالحمد لله على التيسير.
الجواب: ما دام أنك لست محتاجاً وأنك تزكي أموالك فلا تأخذ الزكاة، فالزكاة لا يأخذها إلا أهلها الذين عددهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة التوبة، فما دام أنك تزكي فهذا دليل على أنك غني، فلماذا تأخذ زكاة أقربائك؟
فلا يجوز لك أنك تأخذ زكاة أقربائك إلا إذا كنت فقيراً.
وزكاة الفطر لا تعطى للغني بل تعطى للفقير، وعند الناس عادة أنهم يعطون الزكاة صباح العيد، فيعطيها قريبه ويرد قريبه له، منكم وإليكم، وهذا ليس بصحيح، بل يلتمس الفقراء؛ لأن السر فيها كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الدارقطني: {اغنوهم عن الطواف في ذاك اليوم} يعني الفقراء، فكيف نعطيهم حبنا ونأخذ حبهم؟!!
الجواب: أما تعمير المساجد فلا تدفع فيها الزكوات؛ لأن الزكاة قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60] فهؤلاء الأصناف تدفع فيهم الزكاة، أما بناية المساجد فهي للأوقاف، وقد أفتى أهل العلم في هذه المسألة أنه لا تدفع.
أما أشقاؤنا السودانيون فلا أعرف ماذا يقصد؟
إن كان يظن أنه لا يجوز الزكاة إلا على السعوديين فهذا خطأ، بل يجوز على اليمنيين والسودانيين والسوريين وكل مسلم وليس هناك تمييز، بل تدفعها إليهم إذا تأكدت أنهم على الدين الإسلامي وهذا ظاهر منهم، لكن في بعض مدن السودان نصارى فلا تدفع لهم زكاتك إنما تتأكد من دفعها إلى المسلمين.
الجواب: أما ما ذكرت هذه الأخت من أنها أمية فالله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] لكن هناك حد أدنى للعلم لا يعذر المسلم والمسلمة بجهله فيها، وهو ما تقوم بها عبادتها: صلاتها وصيامها، فإذا أخذتي هذا القدر فما زاد فهو نافلة فأنتِ على خير، ومادام أنكِ تشعرين بهذا وأنتِ متجهة إلى الخير، فاتقي الله ما استطعت، لكن حافظي على الصلوات وتعلمي ما يهمك من أمور الدين والسور التي تقوم بها صلاتك، وما زاد فالحرص الحرص، لكن إذا تعذر ولم تستطيعي فالله المستعان.
وعلى كل حال أنت مأجورة إذا صدقت مع الله، وحاولي أن تكثري من الذكر ما دام أنكِ لا تستطيعين القراءة من المصحف؛ فأكثري من الذكر والاستغفار والتوبة والصدقة.
أما صلاة المرأة بالمرأة فلها ذلك، فتصلي المرأة بالمرأة في البيوت، لكن توقف بعض السلف هل هذا يعتبر وارد ويسمى سنة، لكن يقولون: إذا كان الأنفع والأحسن فلها ذلك لما عند أبي داود بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم: {أمر
الجواب: ليلة القدر فيها مسائل، فقد اختلف في وقتها على أقوال، والراجح أن آكدها في ليلة سبع وعشرين، وتلتمس في أيام الوتر من العشر الأواخر: ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، ودعاء ليلة القدر كما سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأت ليلة القدر ماذا تقول؟ قال: {قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني} فهذا من أحسن الأدعية، وما شابهه من دعاء وما فتح الله عليك من دعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة وغير ذلك.
أما علاماتها ففي حديث صحيح صححه بعض الأئمة والأساتذة العصريين: أن السماء في صبيحة ليلة القدر تكون صافية من السحب والشمس لا شعاع لها، فتأتي بيضاء كالقرص لا شعاع لها، وهذا حديث صحيح والله أعلم.
وبعضهم يقول: تكون الليلة خضراء، لكني ما وقفت على نص صحيح في خضرة الليلة، لكن على كل حال من جعله الله من المقبولين وفق ولو كان في جزيرة في البحر، ومن كان من المحرومين لا يوفق لليلة القدر ولو كان عند الحجر الأسود من الكعبة، والقبول من الله، وهو أن تعمل وتصدق مع الله وسوف تجد القبول منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
الجواب: إذا طهرت المرأة قبل الأربعين وانقطع دمها فعليها أن تغتسل وتصلي وتصوم ويأتيها زوجها، ولو طهرت قبل الأربعين بيوم واحد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر