إسلام ويب

علم السلف وعلم الخلفللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تهدف المحاضرة إلى بيان أفضلية علم السلف على علم الخلف، وقد ذكر الشيخ أخطاء المتأخرين باهتمامهم بالجزئيات، وابتكارهم لعلومٍ لا حاجة لها، بل بعضها مضرتها أكثر من نفعها، وكذا تعصبهم وبعض مزالقهم وألقابهم العلمية، وانتقد كل ذلك بأسلوب شيق.

    ثم تحدث عن أصالة علم السلف ويسره وسهولته، ثم انتقل إلى بيان اهتمام السلف بالمقاصد والغايات، كما أثنى على واقعية علومهم وعدم تجشمهم الإجابة على المسائل الافتراضية التي لم تقع.

    ثم ذكر بعض الوسائل التي تحفظ العلم، وأسهب في الكلام عن المذاهب والاختلاف والجوانب والسلبية في ذلك.

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    عنوان هذا الدرس: علم السلف وعلم الخلف، وانطلق هذا العنوان ليرد على مقولة صنفها الفلاسفة والمناطقة، وأهل علم الكلام، يقولون فيما نقل عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم؛ طريقة السلف أسلم، لأنهم في معتقد هؤلاء وعلى زعمهم يتوقون الدخول في المعمعات وفي المسائل المشكلات، ولا يستطيعون أن يخوضوا غمار المسائل العلمية التي تتساقط فيها عمائم الأبطال، وتتكسر فيها النصال على النصال، فهؤلاء المناطقة والفلاسفة مثل من يقول: السلف قومٌ مساكين، لا يدخلون في هذه الغمار، ولا هذه البحار، ولا يعبرون هذه المحيطات التي نعبرها نحن، فطريقتهم أسلم وطريقتنا أعلم وأحكم.

    والرد عليهم بإيجاز أن يقال: طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم، وطريقتكم أغشم وأظلم وأسقم، وما وجد عند السلف إلا الأصالة والعمق واليسر، ووجد عند الخلف إن لم يكن عند السلف وجد عندهم علم (القِدْر) لأن العلم علمان:

    علم قبر، وعلم قِدر؛ فعلم القبر هو الكتاب والسنة الذي يوصلك إلى مرضاة الله والدار الآخرة، ويدخلك جنةً عرضها السموات والأرض، وتجوز به الصراط، ويسقيك من الحوض قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] وقال: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] وقال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] وقال: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49] وقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] وقال: وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] وقال: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً [القصص:80].

    إلى غير ذلك من الآيات، فهذا علم القبر؛ علم ينجيك من عذاب القبر، وينوره لك.

    وأما علم الخلف إن لم يكن متصلاً بهذا فهو علم قدر؛ فن الطبخ، وفن تقطيع البصل.

    لأنها ألفت رسائل ماجستير في هذا العصر في فن الطباخة ونوقشت، ووجدت رسالة أخرى في فن الأزياء، وكيف يلبس النساء في الموضات الجديدة، والموديلات، رسالة ماجستير؛ فهذا علم الخلف، علم القدر، وعلم الصحن والملعقة والشوكة.

    وأما علم السلف: فهو علم النجاة والنور والإيمان والاستقامة، وإذا أردت أن تلخصه فهو: الإيمان والحب والطموح.

    ويوم وجد السلف كانت الدنيا مشرقة بنور العلم، ويوم أتى المتعمقون من الخلف أتت التشقيقات في الكلام حتى نسبوا إلى بعضهم أنه يتساءل ويسأل نفسه:

    إذا خرجت سمكة من البحر، ثم صلت بالناس، ثم عادت، هل تجوز الصلاة وراء السمكة؟

    هذه الافتراضات وغيرها هو ما نسمعه في هذه الجلسة.

    محاور الدرس

    وهذا الدرس يدور على ست مسائل:

    أولها: أصالة علم السلف؛ وهي الأصالة والعمق، وعلم الخلف؛ علم الكلام والمنطق وعلم الفلسفة.

    المسألة الثانية: يُسر علم السلف، وصعوبة التحصيل عند الخلف.

    المسألة الثالثة: علم السلف؛ علمٌ موجزٌ مختصرٌ غزيرٌ مبارك، وهذا في كتاب فضل علم السلف على علم الخلف لـابن رجب.

    المسألة الرابعة: علم السلف علم مقاصد، وعلم الخلف علم وسائل.

    المسألة الخامسة: علم السلف علم تطبيق وتأثر ونفع عام، وعلم الخلف علم جدلٍ وأمورٍ لا يكون لها دور في الواقع غالباً.

    المسألة السادسة: علم السلف منضبط بأصول وقواعد كلية؛ وهذه من كلام ابن تيمية والشاطبي، وعلم الخلف مبعثر في جزئيات لا يكون تحت مظلة ولا قاعدة في الغالب.

    قبل التفصيل سوف نعرج على أمور:

    أقوال نيرة في فضل علم السلف

    سوف نسلم الليلة على ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه ليحدثنا كيف كانوا يتلقون عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

    ونقف مع الإمام المرتضى سيف الله أبي الحسن علي بن أبي طالب، ومدرسته في الكوفة، وكيف ألقى أول دروسه في الكوفة في الرحبة؛ وهي عاصمة العراق آنذاك.

    ثم قبل ذلك نستمع إلى أنس وهو يقرر لنا كيف كان الصحابة يتلقون العلم فيحفظون ويوجهون.

    أما ابن عمر فهو يعترض على أهل الرأي، وينشئ مدرسة النقل، ويحارب العقل الذي يحارب النقل؛ لما يسأله السائل عند الجمرات: أرأيت لو فعلت كذا، أرأيت لو فعلت كذا، قال: اجعل (أرأيت) في اليمن.

    ثم نأتي إلى الإمام أحمد ونتساءل لماذا كره الإمام أحمد تأليف الكتب؟! وتصنيف المصنفات؟! والتوسعة في الشروح؟!

    حتى قال له سائل: أكتب رأي إسحاق بن راهويه وابن المبارك والأوزاعي؟

    قال: لا، اكتب الحديث، وخذ من حيث أخذ القوم.

    وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: كره الإمام أحمد تأليف الكتب.

    ونتساءل معه: يا إمام أهل السنة! والجماعة، يا أبا عبد الله، يا أيها النور المشرق، يا أيها المجدد الكبير! لماذا ألفت أنت المسند وكرهت للناس أن يؤلفوا الكتب؟!!

    هي وقفة مع الإمام أحمد.

    أما الشاطبي فيقول في أول الموافقات: كتب المتقدمين أنفع من كتب المتأخرين، وهو يقول عن نفسه: أنا لا أقرأ في فقه المتأخرين.

    حياك الله أيها الشاطبي من عقلية باهرة، توازن عقلية شيخ الإسلام ابن تيمية.

    وفي الشاطبي هذا شيء عظيم؛ الشاطبي هذا صخرة الوادي:

    أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت     وإذا نطقت فإنني الجوزاء

    ومن شاء أن يقرأ عمق الرجل، وأصالته وروعته وإبداعه فليقرأ الاعتصام والموافقات، كتابان اثنان.

    قال رشيد رضا؛ الكاتب المتأخر، تلميذ محمد عبده؛ المتأخر المصري الإمام في التفسير قال: دخلت المكتبة في القاهرة فكم من كتب وقعت عيني عليها، فما رأيت بعد الكتاب والسنة إلا كتابين اثنين هما: الموافقات والاعتصام للشاطبي، فتذكرت قول الأول:

    سامحن بالقليل من غير عذلٍ     ربما أقنع القليل وأرضى

    أو قول الآخر:

    وقد كانوا إذا عدوا قليلاً     فقد صاروا أقل من القليل

    التعصب المذهبي والجهل بالحديث

    وبعد ما انتهينا من الشاطبي، نأتي إلى التعصب المذهبي، ونسأل الذي كسر إصبع أخيه المسلم يوم أشار بها في الصلاة؛ لأنه لا يرى الإشارة بالسبابة في الصلاة؛ فكسر إصبعه: لماذا كسرت إصبعه؟!

    ثم نسأل الحنابلة: لماذا يتضاربون بالأحذية في سوق بغداد من أجل التعصب المذهبي؟!

    ونسأل كذلك الوزير الخادم مرجان العباسي يوم يقول: أنا مقصودي أن أقتلع المذهب الحنبلي. ورد ابن الجوزي وابن هبيرة عليه.

    ثم نسأل الذين يقولون: الرأي الصحيح ما ذهب إليه الأحناف، لكن ننتصر لمذهبنا رياضةً وتقليداً، لماذا والحق أحق أن يتبع؟

    عدم معرفة بعض الفقهاء بعلم الحديث؛ أليست مصيبة!! نعاها ابن تيمية للمسلمين!

    يأتي محدث فيقول في أول الكتاب، وهو في كتاب من كتبنا نحن الفقهاء، أو نحن أهل هذه البلاد: {أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم} وهو حديث موضوع.

    فرحم الله ذاك العالم، هل سأل نفسه أن هذا حديث موضوع؟!

    أو عالم آخر يأتي في كتاب الطهارة بأول حديث: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـابن مسعود في ليلة الجن أمعك ماء؟ قال: معي نبيذٌ. قال عليه الصلاة والسلام ثمرة طيبة وماء طهور} واستدل به هؤلاء في كتبهم، والحديث باطل من أصله، لم يكن ابن مسعود مع الرسول عليه الصلاة والسلام ليلة الجن.

    ثم نأتي كذلك إلى عدم معرفة بعض المحدثين للفقه والاستنباط من الدليل، محدثٌ يروي حديثاً واحداً من أحد عشر طريقاً؛ حديث عائشة وهو في صحيح البخاري وصحيح مسلم: {كان صلى الله عليه وسلم يخرج لي رأسه من المسجد وأنا حائض، فأرجل رأسه} يُسْأَلُ هذا العالم فيقال له: هل يجوز للحائض أن تمس الرجل؟

    قال: لا أدري؛ اسأل أبا حنيفة الذي يقول إنه يفهم علم الأولين وعلم الآخرين.

    فذهب الرجل إلى أبي حنيفة فقال: نعم يجوز للحائض أن تمس الرجل، حدثنا الذي أرسلك عن فلان عن فلان عن عائشة أنها قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج لي رأسه من المسجد فأرجله وأنا حائض} فانظر كيف خفي الاستنباط والمقايسة في المسائل على هذا المحدث، وظهر لذاك؛ مع العلم أن هذا بارع في الحديث وذاك بارع في الفقه، وهذا ليس له باع في الاستنباط وذاك ليس له باع في الحديث.

    ثم مجلس مع أحد الخرافيين عند ابن تيمية في الإسكندرية ومع أخيه عبد الله وقد ادعى العلم، وسوف يندد به ابن تيمية وأخوه ويضحكان عليه في المجلس.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088540892

    عدد مرات الحفظ

    777219489