إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته:
ما زالت هذه الجلسة مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العطرة، وأيامه المشرقة، وأنفاسه المتوهجة بنور الإسلام صلى الله عليه وسلم، وإن كان للحياة سعادة، وللعيش لذة، وللعمر مواهب؛ فإنما هو في تذكر سيرته صلى الله عليه وسلم.
فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يوفقنا لاتباعه صلى الله عليه وسلم، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يجعلنا من الشاربين من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
ومعنا في هذا الدرس هديه عليه الصلاة والسلام في السفر.
ماذا كان يفعل في سفره صلى الله عليه وسلم؟ في قصره.. إفطاره.. أذكاره.. نوافله عليه الصلاة والسلام.
وقد ذكر الله عز وجل السفر في كتابه، فذكر سفر الأنبياء، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ
[الأنعام:11] ولما دمر قرى قوم لوط، وحاسبهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال لقريش وللمشركين عامة:
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً
[الفرقان:40].
يقول: أما مروا وهم مسافرون في رحلة الصيف إلى الشام على قرية قوم لوط فرأوها مدمرة؟ لماذا لم يتعظوا؟! فالذي يسافر ولا يتعظ لم يستفد من سفره.
وذكر الله عز وجل أن إبراهيم عليه السلام لما سافر إلى مكة، وعاد منها مودعاً أهله قال:
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
[إبراهيم:37].
وذكر سبحانه سفر لوط عن قومه، وقال:
وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
[العنكبوت:26] فانظر إلى تأدبه مع الله فقال: مهاجر، ولم يقل: مسافر؛ لأن من سافر لطاعة الله ولو كان في نزهة فهو مهاجر بإذن الله.
وذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى موسى عليه السلام، وأنه لما كلّ وملّ وجاع في السفر قال لغلامه:
آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً
[الكهف:62] وكان يسافر لطلب العلم.
وقد عقد البخاري في كتاب العلم باباً قال: باب السفر في طلب العلم، ثم أتى بقصة موسى عليه السلام يوم سافر للخضر وركب البحر؛ فأتى بهذه القصة.
وهنا سبع وعشرون مسألة، نتدارسها في هذه الجلسة المباركة، التي نسأل الله أن تكون خالصة لوجهه، وأن تكون كفارة لكل مجلس باطل جلسناه، أو لغو تحدثنا فيه، أو مجلس ضيعناه.
الوقفة الأولى: وداع النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
الوقفة الثانية: عدم التشاؤم
وحق على المسلم الذي يعتقد وحدانية الله عز وجل ألا يتشاءم؛ لأن من عادة المشركين والمشعوذين والكهنة أن يتشاءموا في الأسفار، فإذا حزم أحدهم متاعه وهمَّ بالسفر، ثم سمع صوت غراب ترك السفر، أو سمع صوتاً تشاءم به وترك، وهذا هو مذهب الجاهلية، وأهل الوثنية والإشراك، والصد عن الله عز وجل.
ولذلك يقول لبيد بن ربيعة:
يقول: نحن مسافرون غداً وقد أخبرنا بذلك الغراب؛ لكن ليس عند الغراب خبر، إن الأمر إلا عند الله عز وجل، ولذلك لام الله المشركين؛ لأنهم يستقسمون بالأزلام، فكلما أرادوا السفر ضربوا بالقداح، فإن خرج اخرج خرج، وإن خرج لا تخرج ترك، وهذا من عبادة غير الله عز وجل.
الوقفة الثالثة: ذكر الله في السفر
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، إذا ركب الدابة، وهذا أمر من الله في كتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقاس على الدابة ما في حكمها من سيارة ومركب وسفينة وطائرة، أن إذا ركبها المسلم أن يقول:
سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ 
[الزخرف:13] فالذي سخره هو الحي القيوم، ولولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما سُخر لنا شيء، فإنه الذي سخر وقاد وسهل ويسر، فإذا تمثل العبد هذه النعمة، فليقل:
سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ 
[الزخرف:13].
قال ربيعة -كما في سنن الترمذي -: {كنت مع علي بن أبي طالب أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه وهو في الكوفة، فأراد أن يسافر، قال: فركب دابته، فلما ركبها، قال: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقال له ربيعة: مالك يا أمير المؤمنين تضحك؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب دابته كما ركبتها الآن، ثم ضحك، فقلت: مالك يا رسول الله؟! -وفي لفظ الترمذي- رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب دابته، ثم قال: اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، قلت: ما أضحكك يا رسول الله أضحك الله سنك؟! قال: يضحك ربك إذا قال العبد: اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يقول الله لملائكته: انظروا لعبدي علم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا، صدق عبدي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنا} فكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله ثلاثاً، ويكبر ثلاثاً، ويسبح ثلاثاً، ثم يستغفر الله ويتوب إليه.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا انطلق في السفر، قال: {اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل} وزاد بعضهم: الولد لكن الرواية الصحيحة الأهل.
فهذا الدعاء يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليه، ويستحفظ الله عز وجل في أهله بعده، ثم يسأل الله عز وجل تسهيل السفر، وطي الأرض؛ لأن الأرض تطوى للصالحين، وهذه من كرامات الصالحين.
ومن تيسير الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقطع المسافات الطويلة في وقت قصير، وكلما كثُر صلاح الرجل، واستغفاره، وذكره لله، سهل الله عليه السفر، فلم يأته من وعثاء السفر شيء، أو ما يشغله في سفره، وأعاده الله سليماً معافىً.
ومن السنة والحكمة والمصلحة أن يكثر الإنسان من الذكر، خاصة آية الكرسي والمعوذات وقل هو الله أحد، إذا ركب دابته، ويتعوذ؛ ليحفظ الله عز وجل عليه كيانه، وإيمانه، ودينه؛ لأنه لا يدري بالمتالف ولا بالحوادث، والدعاء يرد القضاء بإذن الله، وإنما تلف من تلف في الحوادث؛ لأنهم ما ذكروا الله وما استعصموا بالله عز وجل، فلوا أنهم دعوا الله وتعوذوا به؛ لأعاذهم الله عز وجل، ولكن إذا وقع القضاء والقدر لطف الله بسبب الدعاء.
الوقفة الرابعة: أنواع أسفار النبي صلى الله عليه وسلم
الأمر الرابع: أنواع الأسفار التي سافرها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
وأسفاره ثلاثة أنواع: إما حج، أو عمرة، أو غزو في سبيل الله عز وجل.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فأسفاره صلى الله عليه وسلم تدور على هذه الأنواع الثلاثة: إما حج، أو غزو في سبيل الله، أو عمرة يعتمر فيها، ولكن ذكر أهل العلم أن هناك سفراً لطلب العلم، وهذا من أعظم الأسفار، وسفر لزيارة الصالحين، وسفر للتفكر في آيات الله المعروضة، وسفر للنزهة، وسفر للمعصية، وقد ذكر ذلك ابن تيمية في فتاويه.
وتساءل شيخ الإسلام: هل يجوز أن تقصر إذا سافرت في المعصية؟ نعوذ بالله من المعاصي ما ظهر منها وما بطن، ومثّل على ذلك بمثال، يقول: كأن يخرج يريد قتل إنسان في المدينة أو في قرية بعيدة، هل له أن يقصر ويفطر، أو سافر لمعصية أخرى لأخذ مال أو نحو ذلك، فقال: نعم. له أن يقصر، وله أن يفطر؛ لأن الله أطلق السفر في القرآن ولم يقيده بشيء، وأما بعض أهل العلم كـأبي حنيفة فقال: أما سفر المعصية فلا يقصر فيه، وهذا سوف يأتي معنا.
إذاً أسفاره صلى الله عليه وسلم حج وعمرة وغزو، ولك أن تسافر في غير ذلك لنزهة، أو لتفكر في آيات الله المعروضة في الكون:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ
[فصلت:53].
وذكروا عن الجنيد بن محمد أنه كان كثير الأسفار، فقيل له: مالك كثير الأسفار؟ قال: لا أذكر الآخرة إلا إذا رأيت الفيافي، وهي الصحاري الطويلة العريضة، فهناك يتذكر الآخرة.
وبعض الناس إذا خرج من المدن والقرى وأصبح في الصحراء؛ يتذكر فناء العالم، ودمار هذه المعمورة، وانتقال الناس والرحيل إلى الحي القيوم، فيخشع ويلين، فما عليه أن يسافر إذا أراد بعمله وجه الله عز وجل ليستعين به على طاعة الله.
الوقفة الخامسة: أفضل أوقات السفر
متى يخرج صلى الله عليه وسلم؟ وما هو اليوم الذي يعجبه؟ وما هو الوقت الذي يحب أن يخرج فيه للسفر؟
يقول كعب بن مالك كما في صحيح البخاري وصحيح مسلم: {كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج خرج صباح الخميس} فكان أحسن الأوقات له صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، يتفاءل فيه عليه الصلاة والسلام وكان يعجبه الفأل، فيخرج يوم الخميس في الصباح، لكنه في بعض الأسفار لا يستطيع أن يحكم ظروفه ليخرج في هذا اليوم، فكان يخرج في أي يوم من الأيام، إلا يوماً واحداً ووقتاً سوف أتكلم عنه.
وأما أحب الأوقات له صلى الله عليه وسلم فكان الصباح بعد صلاة الفجر، وكان صلى الله عليه وسلم يسافر في الغالب بعد صلاة الفجر، وكان يقول كما في حديث أبي صخر الغامدي في مسند أحمد: {بارك الله لأمتي في بكورها} أي: في صباحها يوم تصبح، وفي أثر: أن الأرزاق تقسم والأرض تطوى في الصباح، وهو أعظم وقت يستغله المسلم، ولذلك تقرب له المسافات بإذن الله عز وجل، وينهي أعماله؛ لأن الوقت في الصباح مبارك.
وذكر أهل العلم أن أبا صخر الغامدي راوي هذا الحديث:{بارك الله لأمتي في بكورها} أخذ بهذه الوصية، فكان يبيع ويشتري منذ الصباح الباكر، قال: فكثرت أمواله، حتى لا يدري أين يضعها، والقصة هذه في مسند أحمد وما ذاك إلا لأنه أخذ بوصيته صلى الله عليه وسلم.
والسفر في كل الأيام مقبول بإذن الله، وأحسنها يوم الخميس، وأحسن الأوقات الصباح بعد الفجر، وأما الجمعة فاختلف فيها أهل العلم، قال قوم: لا يسافر حتى بعد فجر يوم الجمعة، وقد رووا: {أن ملكاً ينادي من سافر يوم الجمعة ويقول: لا وفقك الله ولا صحبك الله في سفرك} وهذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة، وقد سافر بعض الصالحين بعد فجر يوم الجمعة، لكن الذي نُهي عنه بعد النداء الثاني من صلاة الجمعة، فلا يسافر المسافر أبداً، أمَّا بَعْد الفجر فله أن يسافر، ولو ترك السفر يوم الجمعة لكان أحسن وأولى حتى يسدده الله؛ لأن يوم الجمعة وقت تفرغ وعبادة، ووقت مقام مع الحي القيوم، وهو عيد المسلمين، فلو صرف السفر يوم الجمعة لكان أحسن، أمَّا بَعْد النداء الثاني فإنه حرام لا يجوز له، ولن يوفق في سفره، إذا عصى الله ورسوله وسافر بعد النداء الثاني.
الوقفة السادسة: اختيار الأصحاب في السفر
وأما المسألة السادسة فهي: اختيار الأصحاب في السفر، وقد أمر صلى الله عليه وسلم باختيار الأصحاب في الحضر وكذلك في السفر:
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ 
[الزخرف:67] وفي
سنن الترمذي بسند حسن، قال
النووي: لا بأس بهذا الحديث، أي: بسند هذا الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: {
لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي} فما هو السر في أن جعل الوصف في السفر مؤمناً وفي الطعام تقياً؟
جعله في السفر مؤمناً؛ لأنها كلمة مطلقة، فكل متق مؤمن، وليس كل مؤمن متقياً، فالمؤمن أقل درجة، أي: أنه يشترط في أكل الطعام ودخول البيت أن تتحفظ أو تستصحب الصالحين أكثر من السفر، أما السفر فكل من آمن بالله عز وجل رافقه، فأما استصحاب الجلوس في البيوت مع الناس فالواجب أنك تؤاخي المتقي لله كثيراً: {فلا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي} لأن الفجرة -والعياذ بالله- تتنزل عليهم اللعنات، ومن كان مع قوم أشركهم؛ فإن الشر يعم والخير يخص.
ولذلك قال جعفر بن محمد الصادق لابنه وهو يوصيه كما في تراجمه: يا بني! لا تصاحب أربعة: لا تصاحب الفاجر، ولا تصاحب عاق الوالدين، ولا تصاحب الكذاب، ولا تصاحب البخيل.
فأما عاق الوالدين فإن الله غضب عليه، فكيف ترضى عليه وقد غضب الله عليه.
وأما الفاجر فإن اللعنة تتنزل عليه، فإياك أن تتنزل عليه لعنة فيصيبك منها مصيبة.
وأما البخيل فيبيعك أحوج ما تكون إليه.
وأما الكذاب كالسراب يقرب لك البعيد ويبعد عليك القريب.
فهؤلاء الأربعة أوصى هذا الرجل الذي له قدم صدق في الإسلام ابنه ألا يصاحبهم، وقس عليهم أمثالهم، والمسلم آتاه الله بصيرة من لدنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
الوقفة السابعة: كثرة الدعاء
الوقفة الثامنة: حسن الخلق
الوقفة التاسعة: أحكام الصلاة في السفر
المسألة التاسعة: مسألة القصر في السفر، ما هي المسافة المطلوبة في القصر؟ وما هو هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في السفر؟
اعلموا بارك الله فيكم، وقد علم كثير منكم أو علمتم جميعاً أن أقوال العلماء في مسافة القصر في السفر متعددة متشعبة، بعضهم قال: يقصر في بردان أو ثلاثة برود أو أربعة، كما بين مكة إلى عسفان، وما بين مكة إلى جدة، وما بين مكة إلى الطائف، وقد نُقل هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري تعليقاً، وأتى مسنداً عنه صحيحاً إليه، وذكره ابن تيمية في المجلد الثالث والعشرين من فتاويه، وورد عن أنس أنه فرسخ، وورد عنه أنه ميل، وورد عن آخرين قولهم: مسافة ثلاثة أيام، وآخرين: يومان، وغيرهم أربعة فراسخ، واضطربت الأقوال في هذه المسألة.
والنتيجة والتحقيق -إن شاء الله- الذي عليه المحققون كـابن تيمية وابن القيم، أنه ليس هناك مسافة للقصر في السفر، وليس هناك سفر له مسافة، بل كل ما سمي سفراً فاقصر فيه.
فإذا تعارف الناس في لغتهم أن هذا الخروج يسمى سفراً فاقصر فيه، أما إذا أنكروا من قلوبهم وأنكروا عليك أن هذا ليس بسفر فلا تقصر فيه، كأن تقول: سوف أسافر إلى الطائف فلا ينكر عليك أحد، أو إلى مكة، أو بيشة.
أما أن تقول: أسافر من هنا إلى السودة، أو الخميس، أو القرعاء فسوف ينكر عليك الناس، فليس بسفر.
فالخلاصة: أن ما سمي سفراً سواء طال أم قصر فهو سفر، قال ابن تيمية: وقصر صلى الله عليه وسلم إلى عرفة هو وأهل مكة، وعد ما بين مكة إلى عرفة مسافة سفر، فلما حج أهل مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصروا، ولو كان ليس سفراً لكانوا أتموا بعده صلى الله عليه وسلم حينما سلّم، لكنهم قصروا فصلوا ركعتين، ولو كان عليه الصلاة والسلام يريد أن يتموا، لقال لهم: {أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر} كما قاله يوم الفتح لأهل مكة، يوم صلى بهم صلى الله عليه وسلم، وقال: {أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر} أي: مسافرون، وأما في منى ومزدلفة وفي عرفة فما قال لهم هذا صلى الله عليه وسلم، بل سكت عنهم، فعلم أن السفر لا يتحدد بطول المسافة، والذين حددوه بواحد وثمانين كيلو متر؛ ليس لهم برهان ولا دليل:
قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا
[الأنعام:ة148]..
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
[البقرة:111].
ومن حدده بالأيام فالأيام تختلف، كما يقول ابن تيمية، بعضهم يقطع مسافة يومين في يوم واحد، وبعضهم يقطع مسافة ثلاثة أيام في ساعات، إما لجواده المسرع، أو لأن مركوبه سريع، والآن الطائرة قد تقطع مسافة عشرة أيام، في ساعة واحدة، فكيف نحدد للناس بأمكنة وأزمنة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا ذكرها الله عز وجل في كتابه، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وإنما الأقوال كلها مضطربة.
إذاً فكل ما سمي سفراً فاقصر فيه، فهذا في مسافة القصر.
وكان عليه الصلاة والسلام يقصر الرباعية ركعتين، إلا صلاة المغرب وصلاة الفجر؛ لأن الفجر مقرة على أصلها ركعتان، وصلاة المغرب وتر النهار فلا تقصر.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا سافر سفراً قصر فيه، وليس هناك سفر سافر فيه صلى الله عليه وسلم فأتم فيه أبداً، ورواية الدارقطني التي تقول عائشة: {سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصر وأتممت، وأفطر وصمت} رواها الدارقطني وضعفها، وقال الإمام أحمد: هذا حديث كذب لا يثبت، وقال ابن تيمية: حديث باطل لا يصح أبداً.
فعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما سافر إلا وقصر.
والقصر أفضل في السفر، ولا يظن أحد من الناس أن هذا بالرأي، فيقول: كيف يكون أفضل أن أصلي ركعتين وأترك أربع ركعات؟ هذا الدين ليس بالرأي، يقول أبو الحسن علي رضي الله عنه وأرضاه: [[لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه]] لأن باطن الخف يلامس الأرض والوساخات، والشارع الحكيم أمرنا أن نمسح على ظهر الخف، فهذا يخالف العقل؛ لأن العقل يقول: امسح على باطن الأقدام، أما ظاهرها فإنها نظيفة، قال: ليس الدين بالرأي إنما الدين بالنقل، ثم قال: {ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه}.
أما نوافله صلى الله عليه وسلم في السفر، فما كان يتنفل العشر الرواتب، بل كان يتركها وهو مسافر عليه الصلاة والسلام، وهذه العشر يقول عنها ابن عمر كما في الصحيحين: {حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الفجر، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء} وكان صلى الله عليه وسلم يترك هذه العشر، وهذا عين الحكمة؛ لأنه يصلي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين فكيف يقوم يتنفل بعدها.
ولذلك قال بعض تلاميذ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لماذا لا تتنفل؟ قال: لو كنت مسبحاً لأتممت، ولو كنت متنفلاً لأتممت الفريضة، فكيف أتنفل؟! لأن الله شرع هذه الرخصة للتيسير على الناس، فكيف تصلي ركعتين ثم تقوم تتنفل، فلا نافلة في السفر، إلا الوتر، فالوتر لم يتركه صلى الله عليه وسلم حضراً ولا سفراً أبداً، وإذا نام عنه من سفر أو مرض أو تعب، فإنه يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة.
لكن سؤال: هل ترك صلى الله عليه وسلم الوتر مرة في عمره؟
الجواب: نعم. ترك صلى الله عليه وسلم الوتر ليلة مزدلفة، يوم نام عليه الصلاة والسلام ليلة مزدلفة وصباح يوم منى يوم يرمي جمرة العقبة، في تلك الليلة ترك الوتر عليه الصلاة والسلام،وهو الظاهر من كلام أهل العلم، فإنه صلى العشاء ثم نام، وما قام عليه الصلاة والسلام حتى أذن لصلاة الفجر، حتى تلك الليلة ما قام يصلي فيها أبداً، وقد ذكر ابن القيم: أنه فعل ذلك ترويحاً على الناس، ويقول: من قامها فقد خالف السنة، ولا نقول: أنه خالف السنة لأنه يصلي في الليل، لكن إذا قام واعتقد أنها سنة أن يقوم في تلك الليلة فهو المخالف، أما من قامها ليتنفل فهو مأجور مشكور وأجره على الله.
لكن الرسول عليه الصلاة والسلام ترك الوتر في تلك الليلة، فما أوتر حتى أصبح، وبعد أن أصبح لم يوتر عليه الصلاة والسلام، فترك في عمره تلك الليلة.
إذاً فالوتر لا يترك في السفر، إلا في ليلة مزدلفة لمن تعب أو كلّ أو ملّ، ومن أوتر فلا عليه، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يوتر تلك الليلة.
فهذا هديه صلى الله عليه وسلم في السفر في الصلاة والوتر.
ويتساءل ابن تيمية من له ورد من الصلاة مثل صلاة الضحى في السفر، هل له أن يصليه؟ قال: نعم. له أن يصلي ذلك، وهو مأجور وأجره على الله عز وجل، فإن كان له ورد واستطاع أن يحافظ عليه في السفر فليفعل، أما التي تركها صلى الله عليه وسلم فلا تفعلها أنت، بل تتركها كما تركها صلى الله عليه وسلم، فلك أن تصلي من الضحى ثمان ركعات أو ست أو أربع أو ركعتين، وليس عليك شيء وأنت مأجور في هذا.
الوقفة العاشرة: حكم الإفطار في السفر
الوقفة الحادية عشرة: أحكام المسح على الخفين
المسألة الحادية عشرة: مسألة المسح على الخفين: وهي لا تخفى على مسلم عنده فقه في دين الله، ولكن يختلف المسح على الخفين في السفر عنه في الحضر، والمسح على الخفين فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم:
قولٌ يقول: لا يحدد المسح إلا في الإقامة، أما في السفر فامسح ما بدا لك، وهذا قول الإمام مالك وابن تيمية، وقد مسح ابن تيمية سبعة أيام في سفره من دمشق إلى الاسكندرية في مصر، وخالفه وغضب عليه علماء الشافعية، مثل ابن مخلوف وابن الزملكاني، وقالوا: خالف السنة، لكن عنده دليل، ومعه أناس منهم عمر رضي الله عنه، وعقبة بن عامر وغيرهم، فالإمام مالك يرى أنه لا يحدد المسح.
وقوم قالوا: ثلاثة أيام في السفر ويوم وليلة في الحضر وهو الصحيح.
وقوم قالوا: لا يحدد في السفر ولا في الحضر وأنكروه، وهم الرافضة الضلال المبتدعة الذين هم أغبى من الحمير.
قال الشعبي لما ذكر هذه المسألة: إذا دخلت باب الزج، فخذ بيدك أحد أهل باب الزج وحرج عليه فإنه حمار، وقد ذكر هذا ابن تيمية في منهاج السنة؛ لأنهم ضلوا في هذه، يقول الإمام أحمد: سبحان الله! نقل المسح على الخفين سبعون من الصحابة وأنكرها الضلال. يعني الرافضة.
يقول سفيان الثوري: من عقيدتنا المسح على الخفين. فأدخلها في مسائل الأصول؛ لأنه خالف فيها تلك الفرقة الضالة.
إذاً فالمسح في السفر ثلاثة أيام، والثقوب في الجورب لا عبرة بها، بل لك أن تمسح ولو كان به ثقوب وقد ذكر ذلك ابن تيمية وقال: إنهم اشترطوا شروطاً في المسح على الخفين ليست في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا من وضع الآصار والأغلال على الأمة، والتكليف بما لا يطاق، والله عز وجل يوم سن هذا ورسوله عليه الصلاة والسلام إنما هو للتيسير على الناس، فكيف نأتي إلى الناس بعد أن يسر الله لهم المسح على الخفين ونقول: لا بد أن يكون مخروزاً، وأن يكون قائماً بنفسه، وأن يستطاع المشي عليه، بل شرطه الوحيد هو أن يسمى خفاً في لغة العرب.
ثم يقول ابن تيمية: وهل كانت خفاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا مشققة، فقد كانوا قوماً فقراء ليس عندهم شيء، فكانوا يلفون اللفائف على أرجلهم حتى أن أحدهم يأخذ من قماشه -من بزه من ثوبه- ويقطعها ثم يلف بها على أرجله ويمسح عليها فيبدو منها ما شاء الله أن يبدوا.
وفي سنن أبي داود عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه، قال: {أرسلنا صلى الله عليه وسلم في سرية، فأمرنا أن نمسح على العصائب -أي: العمائم- وعلى التساخين الخفاف} إذاً فالأمر فيه يسر وسهولة، فالخف عند العرب هو الذي يستر المكان ستراً لا تشدد فيه، فلا يشترط أن يأتي إنسان بناظور وينظر في رجله هل يرى رجله من تحت الجورب أو لا يراها، أو يصب ماء حاراً هل يحس به أو لا، فالتعمق والتدقيق ليس وارداً في الإسلام، إنما يلبس ويتوكل على الله عز وجل ويكون سهلاً ميسراً ويمسح على جوربه بشرط أن يدخلهما على طهارة.
وقد ورد في البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة قال: {خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهويت لأنزع خفيه، قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين} فإذا أدخلت رجليك طاهرتين، فلتمسح عليهما في السفر ثلاثة أيام، ولا تخلعها إلا بعد حدث، أي: يستمر على الوضوء بعد الثلاثة إذا كان متوضئاً فإذا أحدث بعد الثلاثة الأيام فليخلعها.
وهذا هو الأحسن -ثلاثة أيام- لكن من زاد أربعة أيام أو خمسة أو ستة أو سبعة فله ذلك، وما أتى بمحرم، بل سبقه إلى هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كلامه من السنة إذا وافق السنة، لقوله عليه الصلاة والسلام: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} قال عقبة بن عامر [[أتيت من الشام، فدخلت على عمر رضي الله عنه وأرضاه، فرأى في رجلي خفين، فقال: متى لبستها؟ قال: لبستها من الشام، قال: كم أخذت؟ قلت: سبعة أيام، قال: هل خلعتها؟ قلت: لا. قال: لو خلعتها لأوجعتك ضرباً]] لأنها خلاف السنة، فهو أخذها سبعة أيام، وذكر ذلك ابن تيمية وفعلها، فمن فعل ذلك فلا عليه إن شاء الله، لكن الثلاثة الأيام هي الأقرب للدليل.
الوقفة الثانية عشرة: التيمم في السفر
المسألة الثانية عشرة: التيمم: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيباً 
[النساء:43] فالتيمم في السفر والحضر وارد، لكنه لا يجوز في الحضر إلا إذا فقد الماء فلم يجده، أو كان مريضاً متضرراً لا يستطيع أن يتوضأ أو يغتسل، وكثير من الناس لا يفقه مسألة كيف يتيمم وهو يغسل بعض أعضائه.
إنسان فيه شجة في رأسه، وإذا اغتسل آذاه الماء في رأسه، ماذا يفعل؟ حكمه أن يغتسل في بقية جسمه، وأن يتيمم لهذه الشجة، وفي لفظ عند أبي داود يعصب عليها ويمسح على العصابة، ثم يتيمم لها، فمن كان فيه جرح في أعضاء الوضوء فليترك هذا الجرح وليتوضأ ولا يغسل يترك هذا المنطقة، ثم يتيمم بعد الوضوء تيمماً كاملاً.
والتيمم يكون في السفر؛ لأن الماء قليل في السفر، فعلى المسلم أن يتيمم في حالات: منها: إذا خاف على نفسه، حيث نزل في مكان وبجانبه وادٍ يعرف أن فيه ماء، ولكن يعرف أن هناك سباعاً ضارية وحيّات، وأن هناك أعداء، فله أن يتيمم في مكانه ولا يذهب إلى ذاك الوادي.
أو إنسان قام في الصباح وعنده ماء، وادٍ مسيل أو غدير كبير، وقام وإذا الماء أصبح قريباً من التثلج، وخاف على نفسه إذا توضأ واغتسل، فله أن يتيمم ويصلي ولو كان عليه جنابة، وقد دل على ذلك النصوص ظاهراً وباطناً، وتكلم فيها أهل العلم، إلا أن يكون عنده شيء من وقود أو حطبٍ فيسخن به الماء فهذا واجبه، لكن يقول ابن تيمية: إذا خاف أن يسخن الماء؛ فيخرج وقت الصلاة، فعليه أن يترك التسخين وأن يتيمم ويصلي ولا يعيد الصلاة؛ لأن إدراك الوقت واجب، أما هذا الفعل عند تحقق هذا الشرط فإنه يسقط بالعجز، قال تعالى:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا
[البقرة:286].
قال p=1000202>عمرو بن العاص
: {
خرجت في سرية -هذا الحديث أصله في الصحيح، وذكره بطوله أبو داود، وهذه السرية هي غزوة ذات السلاسل، ولها أصل في كتاب الأدب المفرد للإمام
البخاري فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يتألف بعض الصحابة، ومن الأناس المهمين في الإسلام
عمرو بن العاص، فأراد أن يتألفه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فأمّره على سرية - قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ لصلاة العصر، وقد أمرني على السرية -فأراد
عمرو بن العاص أن يبري ساحته، أي: أنه لا يحب المال ولا يحب الإمارة- قال: فقلت: يا رسول الله! لا أريد المال، أريد الجهاد في سبيل الله، قال: فما أنسى تبسمه وهو يتوضأ صلى الله عليه وسلم، وقال: يا
عمرو! نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح} لأنه سوف يحصل في هذه الغزوة غنيمة، فلما خرج وصل إلى ذات السلاسل فسمع صلى الله عليه وسلم أن أعداءهم قد كثروا واجتمعوا عليهم، فأرسل جيشاً أميره
أبو عبيدة وتحت إمرة
أبي عبيدة أبو بكر و
عمر وأناس من الصحابة، فلما وصلوا إلى
عمرو بن العاص قال
أبو عبيدة: أنا الأمير؛ لأن معي أكابر الصحابة
أبو بكر و
عمر، وأرسلني صلى الله عليه وسلم بعدك، قال
عمرو بن العاص: والله لا يتأمر إلا أنا.
قال الذهبي: وكان أبو عبيدة حسن الخلق رضي الله عنه وأرضاه متواضعاً، فتنازل عن الإمرة، فتأمر على الناس عمرو بن العاص، فقام يصلي بهم الفجر-لأن الأمير كان هو الذي يصلي بالناس- فتيمم من الجنابة وصلى بهم وهو جنب، لأنه عندما قام من النوم ليغتسل وجد الماء بارداً لا يستطيع أن يستعمله فتيمم، فأتى إلى المدينة فسبقه الجيش إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن أول وهلة حكم الرسول صلى الله عليه وسلم على فعله هذا أنه صحيح، لكن أراد أن يستدعيه ليرى ماذا في ذهن عمرو، وكان عمرو رجلاً داهية ذكياً لبيباً كما يقول ابن عباس، يقول لـعلي: أجعلت أبا موسى رضي الله عنه قريناً لـعمرو -ذكر هذا الذهبي في ترجمة عمرو - قال: لا تزنه بـعمرو فإنه رجل باز قارح مارس داهية.
فلما دخل عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم: { يا عمرو! أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ -فأتى عمرو يفتي بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله! إن الله يقول:
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
[البقرة:195] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً
[النساء:29] فتبسم صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً} والتبسم عند علماء الحديث معناه الإقرار، فإن الإقرار إما بالسكوت أو بالكلام أو بالتبسم، وقيل: الإقرار بالإشارة، وهذه مسألة مختلف فيها ويعاد فيها إلى المصطلح، فمن أشار إليه بيده هل هو إقرار أو لا؟
إنما هنا تبسم صلى الله عليه وسلم فأقره.
فمن حدثت له هذه الحالة وهو مسافر فعليه أن يتيمم ويصلي ولا عليه، سواء كان جنباً أم محدثاً. بشرط أن يعلم الله عز وجل أنه متقٍ له وأنه لم يستطع أن يسخن الماء أو يحدث شيئاً، وإذا خاف أن يفوته وقت صلاة الفجر، وعلم أنه لن يسخن الماء أو يحضر الماء في ذلك الوقت، فليصلِّ بتيممه والله المستعان.
الوقفة الثالثة عشرة: حكم أداء النوافل في السفر
الوقفة الرابعة عشرة: دعاء نزول المكان
الوقفة الخامسة عشرة: التكبير عند الصعود والتسبيح عند النزول
ومن هديه صلى الله عليه وسلم التكبير عند الصعود، والتسبيح عند النـزول، ولذلك يقول
ابن تيمية: وضعت الصلاة على هذه، وهذا حديث
ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: {
كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا} فالصلاة وضعت على هذا، يوم يرفع المسلم رأسه يقول: الله أكبر، ويسبح في الركوع والسجود، فكان عليه الصلاة والسلام إذا علا شرفاً كبّر، وإذا نزل وأبطن في الوادي والسهل؛ سبح عليه الصلاة والسلام.
الوقفة السادسة عشرة: النهي عن التطويل في الأسفار
المسألة السادسة عشرة: مسألة عدم التطويل في السفر بلا حاجة: ففي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: {
السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعد} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وذكر
ابن كثير في ترجمة
هارون الرشيد أنه سافر ونذر على نفسه ألا يركب مركوباً في السفر إلى الحج، فكان يمشي على أقدامه، فقيل له -وقد تعب كثيراً حتى يقولون: كان يسند رأسه مرة إلى فرس ومرة إلى فرس وهو يمشي- صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: {
السفر قطعة من العذاب...} قال: بل العذاب قطعة من السفر.
فالمسلم ينبغي له أن إذا قضى حاجته ومقصده وطلبه؛ أن يعود إلى أهله؛ لأن السفر يمنعه طعامه وشرابه واستقراره وراحته، وهناك أمور ينبغي أن ينبه عليها؛ لأن بعض الناس قد يضيعون أوقاتهم في الأسفار التي لا طائل منها، فتتشتت قلوبهم، وقد سأل سائل ابن تيمية -في كتاب الجهاد- أي بلد أسكن؟ قال: اسكن في البلد التي تسكن فيها نفسك وتجد قلبك خاشعاً فيها.
فالمسلم يسكن في البلد ويستقر، ولا يشتت عمره في الأسفار، فإنها تشتت الأعمار.
لكن قد يُبتلى المسلم بظروف تحوجه إلى السفر، منها ضيق الرزق، فإن في السفر فتح من الله عز وجل ورزق، ولذلك سافر سفيان الثوري إلى بغداد فقالوا: مالك؟ قال: سافرت إلى بلاد سلة الخبز فيها بدرهم، ومنها أن يكون معك نكد، إما جارٌ أو صاحب، أو كُبدت في بلد.
فالسفر لهذه الأمور ولهذه الدواعي، ولذلك يقول المتنبي:
الوقفة السابعة عشرة: النهي عن الرجوع ليلاً
المسألة السابعة عشرة: استحباب الرجوع نهاراً لا ليلاً: وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كما في
السنن ونهى صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً، حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة -التي أبطأ عنها زوجها- وليس من الحكمة أن يدخل الرجل على أهله ليلاً، لأمور يعلمها الله عز وجل، فالأفضل أن يأتي أهله نهاراً، أو إذا أراد أن يأتيهم ليلاً فيعطيهم خبراً قبل دخوله، إما أن يتصل عليهم أو يخبرهم أنه سوف يقدم عليهم في تلك الساعة ولو ليلاً حتى يكونوا على بينة.
ولما سمع أحد الأنصار -كما في السير- هذا الحديث، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله، ليلاً، قال: وما في ذلك؟ فطرق أهله، فوجد مع امرأته رجلاً لمخالفته للسنة -نسأل الله العافية- فالرجوع يكون نهاراً أو يكون ليلاً إذا أخبر أهله وكان عندهم خبر بقدومه قبل وقت، ليكونوا على أتم استعداد ولا يفاجئهم أو يباغتهم، ولا يخلفهم؛ لأن طارق الليل لا يطرق إلا لخوف أو لحاجة ملحة.
لذلك لما أتى محمد بن مسلمة لقتل اليهودي، قالت زوجة اليهودي: إن هذا صوت يقطر منه الدم. فكان أحرار العرب يفتخرون بإجابة الصوت والداعي ولو في الليل، ويقولون: يجيب الأحرار في الليل لا في النهار، أو كما قالوا.
الوقفة الثامنة عشرة: دعاء الرجوع من السفر
الوقفة التاسعة عشرة: أول ما يفعله المسافر بعد الرجوع
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين، ثبت ذلك من حديث
كعب بن مالك في
الصحيحين:{
أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا أفل قادماً بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين عليه الصلاة والسلام} فمن السنة للمسلم، ومن الأمور التي يؤجر عليها ويثاب، أنه إذا رجع من سفره أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين، وهاتان الركعتان من ذوات الأسباب، فمن قدم في وقت منهي عن الصلاة فيه فله أن يبدأ بالمسجد؛ لأنه لم يتحر الصلاة فيه، فهي من ذوات الأسباب -إن شاء الله- كركعتي الوضوء في حديث
بلال رضي الله عنه الصحيح، لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم دفَّ نعليه في الجنة، فسأله فأخبره رضي الله عنه وأرضاه، أنه ما توضأ في ساعة من ليل أو نهار، إلا صلى بعدها ركعتين، فهذه تلحق بهذا، و
ابن تيمية سئل عن ركعتي الوضوء هذه أتصلى بعد الفجر أو بعد العصر، قال: نعم. لأنها من ذوات الأسباب.
الوقفة العشرون: عدم النوم في الطرقات
المسألة العشرون: عدم النوم في الطرقات في السفر؛ فإنها طرق الدواب: وهذا الحديث عند
أبي داود {
أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن ينام في الطرق} فإذا نزل الإنسان مع رفقة فلا ينم في طرقات الناس أو على قارعة الطريق، بل يرتفع عنها؛ لأنها ممر الدواب، فالدواب تخرج في الليل -الثعابين والعقارب والحيّات- فهي طرق الناس في النهار، والدواب في الليل.
فالرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن هذا لحكمة هي ظاهرة شاهرة معروفة عند الناس.
الوقفة الحادية والعشرون: الاجتماع عند النـزول
المسألة الحادية والعشرون: الاجتماع عند النـزول: ولذلك وصف
جابر حال أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا يتفرقون إذا نزلوا، فأمرهم صلى الله عليه وسلم بالاجتماع، حتى لو بسط عليهم بساط لكفاهم، فالاجتماع أبرك، وهو أجمع للكلمة وأسد، وعدم التفرق في ذلك، ولذلك في حديث
أبي حميد الساعدي عند
مسلم {
لما خرج صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، أمر الناس إذا نزلوا أن يجتمعوا ولا يتفرقوا، فكلهم أنصت وأجاب لهذا، إلا رجلان اثنان خرجا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الخروج تلك الليلة؛ لأنه أخبرهم أنها سوف تهب ريح، فخرج الرجلان فهبت ريح، فحملتهما الريح، فألقت أحدهما في
جبل آجا و
سلمى} وهذا الحديث في
صحيح مسلم.
الوقفة الثانية والعشرون: الاجتماع على الطعام
المسألة الثانية والعشرون: جمع الطعام: من هدي الإسلام في السفر أن يجمع الطعام؛ لأنه كلما كثرت الأيدي بارك الله في الطعام، وهذا عند العرب قبل الإسلام وهو من علامات الكرم، والرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: {
إن الأشعريين إذا أرملوا جمعوا طعامهم فاجتمعوا عليه -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- أولئك مني وأنا منهم} فهؤلاء الأشعريون، وهم قبيلة
أبي موسى رضي الله عنه من أهل
اليمن، كانت فيهم خصلة جميلة أن إذا أرملوا جمعوا ما عندهم من أزواد وطعام ثم اجتمعوا عليه.
ولذلك يذكر ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم، أن من فعل العجم وعاداتهم أن كل إنسان منهم يأكل وحده، أما العرب فلما جعل الله لهم من فطر سليمة، ومن كرم السجايا فإنهم يجتمعون سوياً، فلم يرد لا من السنة ولا من الأدب أن يكون مزادة كل أحد وصحنه وقدره لوحده، بل هذا من اللؤم، يقول أبو تمام:
وقد كان عبد الملك بن مروان -الخليفة الأموي- في مجلس سمر، مع أدباء وشعراء وعلماء، فقال: أي العرب أكرم؟ فذكروا رجالاً. قال: ما وددت أنه ولدني من العرب إلا عروة بن الورد - كان عروة قبل الإسلام- حيث يقول:
يقول: أنت سمنت وتضحك مني أنني هزيل؛ لأني إذا نزلت أنزلت الناس على قدري، فأكلوا معي وبقيت كذا، وأنت؛ لأنه لا ينزل على قدرك أحد سمنت.
ولذلك يقول نافع رضي الله عنه وأرضاه، ورضي الله عن ابن عمر [[كان ابن عمر إذا أُحضر له طعامه، قال: ادعوا لي أناساً يأكلون معي، فيدعون له الفقراء والمساكين]] ويقول حاتم لامرأته -وليته مات مسلماً، ولكن قدر الله وما شاء فعل- يقول:
من كرمه يقول: إذا صنعت الزاد وأحضرتيه، فالتمسي ضيفاً يأتي معي.
وذكروا في سيرة إبراهيم عليه السلام أنه كان لا يأكل طعاماً إلا ويدعو ضيوفاً يضيفهم، ولذلك ذكر الله له روغتين في القرآن، روغة كرم، وروغة شجاعة، فروغة الشجاعة:
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ
[الصافات:93] وروغة الكرم:
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
[الذاريات:26].
والبخيل لا يروغ، وإنما يخرج ظاهراً شاهراً بسكينته ويتنحنح ويتكلم، ويستخير الله ثلاثة أيام ثم يذبح ذبيحته.
أما إبراهيم عليه السلام فإنه خرج، قال ابن القيم: انظر إلى روغته ما أحسنها! وانظر إلى عجلته، فخير البر عاجله، وانظر إلى ذبيحته ما أعظمها! عجل فيه، ثم جاء به سمين حنيذ، فهو عجل سمين وليس بهزيل، وهو حنيذ وليس بمطبوخ، ثم قربه إليهم ولم يقرب الضيوف إلى الأكل، ولكن قرب الطعام إليهم، إلى غير ذلك من الآداب.
فمن الهدي والسنة في السفر أن يجتمع على الطعام، وهو من كرم السجايا.
الوقفة الثالثة والعشرون: الإمارة في السفر
المسألة الثالثة والعشرون: تأمير أحد الرفقة: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يؤمر أحد أصحابه إذا سافروا، وأمر الناس أن إذا سافروا أن يؤمروا أحدهم، يقول عليه الصلاة والسلام: {
الواحد شيطان، والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب} فالثلاثة يؤمر أحدهم.
فنهى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يسافر الواحد وحيداً فإن الوحدة تذم، إلا لمصلحة راجحة.
وقد قيل لـمالك بن دينار: مالك لا ترافق الناس، والرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الوحدة، ويقول: { الواحد شيطان} قال: أنا شيطان بنفسي -تواضعاً منه- فكيف آخذ لي شيطاناً آخر، فأحب أن يسافر وحده.
فالمصلحة إذا ترجحت -لأن هذا ليس من باب الوجوب إن شاء الله- ورأى الإنسان أنه يقوم بنوافله، ويستطيع أن يذكر الله وحده، ويخاف أن إذا رافق أحد الناس أن يكثر من الغيبة، ومن تضييع الوقت، ومن اللغو، فلا عليه بإذن الله؛ لأن بعض الناس قد يكون حملاً ثقيلاً، وعبئاً عليك إذا سافر معك، فما عليك ألا تستصحبه، لكن احرص أن يكون معك أحد.
الوقفة الرابعة والعشرون: عدم سفر المرأة إلا مع ذي محرم
المسألة الرابعة والعشرون: عدم سفر المرأة إلا مع ذي محرم: فالرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح، قال: {
لا تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم -وفي رواية- يوم وليلة} وهي روايات كثيرة، لكن أقصاها ثلاثة أيام، وأدناها يوم أو ليلة، إلا مع ذي محرم، ومن باب أولى إذا كان أربعة أيام أو خمسة، فلا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم.
وابن تيمية تكلم في الحج في هذه المسألة: قال: إلا إذا احتاجت المرأة، مثل أن تكون حاجَّة، فما استطاعت أن تحج وهناك رفقة، وهم من الأخيار الأبرار، وتأمن على نفسها فلها أن تذهب معهم، أو كانت في مكان ثم خافت على نفسها من لصوص وسراق وقطاع فلها أن تسافر مع قوم صالحين لتنتقل من هذا المكان أو ما في حكمه من باب الضرورات.
الوقفة الخامسة والعشرون: عدم استصحاب الكلب والجرس في السفر
وأما المسألة الخامسة والعشرون: فالنهي عن استصحاب الكلب والجرس في السفر: يقول عليه الصلاة والسلام كما في
سنن أبي داود: {
لا تصحبُ الملائكة رفقة فيهم كلبٌ ولا جرس} فهذان منهي عن استصحابهما في الأسفار، فما بالك بالذين يربون الكلاب ويغسلونها بالماء والصابون ويضعون الميداليات في نحورها، ثم يركبونها في المرتبة الأولى، وأهلهم في المرتبة الثانية، وهؤلاء هم الذين طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم، فهذه طباع الكفار، وقد تنتقل هذه العادات بالمشابهة.
يقول الأستاذ محمد قطب: نحن قوم مقلدون، لو وضع أحد الإنجليز حذاءه على رأسه؛ لأصبح في المشرق بعد ثلاثة أيام قوم يضعون أحذيتهم على رءوسهم، فيُخشى أن ينقلوا الكلاب ويغسلونها، ثم يستصحبونها في السفر، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن استصحاب الكلاب والجرس، وما في حكمه من النواقيس والأدوات وآلات اللهو والطرب والدف والمزمار والموسيقى، فهذه منهي عن استصحابها في الأسفار، وهذا هديه صلى الله عليه وسلم.
وأعظم ما يذكر به السفر القدوم على الله عز وجل، فالمسلم يتذكر أنه بانتقاله من بلد إلى بلد، أنه مسافر إلى الله عز وجل، وأن هذه الدار لا قرار فيها، فقبحاً لها من دار، فإنها تنغص بقدر ما تسر، وكلما تم فيها شيء تنغص، ولا يرتفع فيها شيء إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يضعه، فليس للعبد مستقر إلا في الجنة، فحيهلاً:
نسأل الله أن يعيننا وإياكم على سفرنا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يزودنا بزاد التقوى، وأن يجعلنا من المعتبرين المتذكرين المتفكرين، وأن يجعلنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من الذي اتبعوا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وأن يجعل هذا المجلس في ميزان حسناتنا، وأن يتقبل الله منا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.