إسلام ويب

دستور الصحوة الإسلاميةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحت هذا العنوان سرد الشيخ أكثر من عشرين موضوعاً تنبثق كلها من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، فذكر من أبواب الجنة، وعرَّج على آداب الاستئذان، وعلى أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم.

    مروراً بمواضيع: الحياء، وعلامات الساعة، والربا، والعبودية، والفقر، والشريعة البيضاء.

    وهي تمثل واحة رائعة غناء من الأخلاق، والمواعظ، والفقه، والفكر، والعقائد.

    وقد ختم كلامه بالحديث عن البيعة (البيعة علىالولاء والبراء، ثم البيعة على الإسلام).

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

    أيها الإخوة الفضلاء!

    كنتُ قد أردتُ أن أترجم لبعض علماء الأمة؛ ولكن رأيتُ أن العيش مع متون الحديث ومع كلامه - عليه الصلاة والسلام - أفيد.

    وسوف يكون هناك - إن شاء الله - دروس عن تراجم العلماء وسير الصالحين.

    وهذا الكتاب الذي بين يديَّ سوف يكون سلسلة - إن شاء الله - مستمرة في رمضان وغير رمضان، لطلبة العلم والأخيار والدعاة من أمثالكم.

    وهذا الكتاب يحمل عنوان: (دستور الصحوة الإسلامية)؛ لأنك تحتاج إلى علم شرعي صحيح، على منهج أهل السنة الجماعة في العقائد والأصول والأخلاق والسير والسلوك.

    فأول درس نبدأ فيه: هو من كلام محمد عليه الصلاة والسلام وهذا هو مجموع الأحاديث الصحيحة التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم.

    وسوف ترون في هذه الأحاديث أموراً، منها:

    الأمر الأول: صحتها: فلا يكون فيها حديث ضعيف أبداً.

    الأمر الثاني: أني أذكر الصحابي والمخرج، ودرجة الحديث.

    الأمر الثالث: المسائل المهمة في الحديث.

    الأمر الرابع: أنه لا يتقيد بباب ولا بكتاب؛ إذ سوف يأتي الحديث مرة في العقيدة، ومرة في السلوك، ومرة في العبادة، ومرة في الأخلاق؛ ليكون أسعد وأروح، والله الموفق.

    الكلام عن أبواب الجنة

    يقول عليه الصلاة والسلام: {آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمِرْتُ ألا أفتح لأحد قبلك} حديث صحيح، رواه الإمام أحمد ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه.

    في الحديث مسائل:

    أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم: {آتي باب الجنة} معناه: في يوم القيامة، يوم يجمع الله الأولين والآخرين، فيفصل بينهم في القضاء، يأتي صلى الله عليه وسلم في ذاك اليوم، وذلك من عقيدة أهل السنة.

    ثانياً: وفيه: أن أول من يدخل الجنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثالثاً: وفي الحديث: أن للجنة أبواباً، وقد صح عند البخاري وغيره: أن للجنة أبواباً ثمانية، وأبواب النار سبعة، نسأل الله أن يدخلنا من أبواب الجنة.

    وكما في الحديث الصحيح: {بين المصراعين -من مصاريع الجنة- كما بين صنعاء وأَيْلَةصنعاء عاصمة اليمن , وأَيْلَةهي بيت المقدس - وإنه ليأتي عليه يوم وهو كَضِيْضٌ من الزحام}.

    وتساءل العلماء: هل هناك أبواب داخلية في الجنة غير الأبواب العامة الكبرى.

    والصحيح: أن هناك أبواباً داخل ملك العبد في الجنة.

    قوله صلى الله عليه وسلم: { آتي باب الجنة} قلتُ: أول داخل الجنة هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أنه متأخر في البعثة؛ ولكن الله شرفه، فجعله أول من يدخل، ثم يدخل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام على مراتبهم.

    وتساءل الإمام ابن القيم في الجمع بين قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72] وبين قوله صلى الله عليه وسلم: {لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله؛ إلا برحمة الله}.

    فالجواب الصحيح باختصار: أن دخول الجنة أولياً لا يحصل بالعمل، وإنما هو برحمة أرحم الراحمين، ومن لا تدركه رحمة الله لا يدخل الجنة، وأما النـزول في منازل الدرجات في الجنة فبالأعمال، وهذا على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72].

    ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن أبواب الجنة: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:73] ويقول في أبواب النار: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:71] زاد الواو في أبواب الجنة؛ لأنها هيئت فتحاً قبل أن يصلوا إليها، وهذا من تكريم الله لأهل الجنة، ففتحت الأبواب قبل أن يصلوا إلى الجنة، وأهان أهل النار، فتركهم ينتظرون عند الباب، فلا تفتح حتى يصلوان، وهذا من الإهانة. ولله المثل الأعلى، يقولون: الكريم يفتح أبوابه للضيافة من قبل أن يأتي الضيف، واللئيم لا يفتح الباب حتى يُطْرَق عليه طرقاً مخيفاً مزعجاً. ولله المثل الأعلى.

    فأبواب الجنة من ذي قبل مفتوحة، وهذه يسمونها: الواو التي تزيد المعنى، فإنهم يقولون: الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى، مثل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا [فاطر:37] الأصل في العربية: وهم يصرخون فيها، فزاد يَصْطَرِخُونَ من باب زيادة المبنى لزيادة المعنى. وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ [يوسف:23] والعربية تقول في التخفيف: وأغلقت الأبواب؛ لكن زيادة في المعنى.

    وأنا لا أقصد من هذه الدروس الأحكام؛ لكن أن تكون مساراً إن شاء الله للصحوة الإسلامية المباركة في المعتقد، وفي العبادة، والسلوك، والأخلاق، والعمل، والدعوة؛ حتى يكون الإنسان على بينة وعلى ضوابط من الكتاب والسنة.

    والله الموفق.

    هل الجنة والنار مخلوقتان الآن؟

    قال عليه الصلاة والسلام: { آتي باب الجنة فأستفتح} هنا مسألتان لـأهل السنة:

    المسألة الأولى: هل الجنة موجودة الآن أم لا؟:-

    والصحيح عندهم: أنها موجودة ومخلوقة، وخالف في ذلك المعتزلة، فقالوا: تُخْلَقُ فيما بعد، وقد كذبوا على الله، بل هي موجودة الآن.

    قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي:

    والنار والجنة حقٌ وهما      موجودتان، لا فناءَ لهما

    المسألة الثانية: هل تفنى الجنة والنار؟:

    والصحيح: أن الجنة والنار لا تفنيان.

    والنار والجنة حقٌ وهما      موجودتان لا فناءََ لهما

    وقال بفنائها بعض المعتزلة، كـالعَلاَّف وأبي إسحاق النَظَّام وغيرهما، ورد عليهم أهل السنة.

    والصحيح: أن أهل الجنة خالدون في الجنة، فلا موت، وأهل النار خالدون في النار، فلا موت، والله المستعان!

    آداب الاستئذان

    ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {فأستفتح، فيقول الخازن: مَنْ أنتَ؟...}

    قال أهل العلم: فيه إشارة إلى أدب الاستئذان في الإسلام، وهو أنك إذا طرقت الباب، أن يسأل صاحب البيت: مَنْ؟ وهذا من الحكمة، فإن على الناس أن يتقيدوا بهذه الآداب النبوية التربوية التي هي من أحسن ما يكون.

    وقد أُشِيرَ لكم في بعض الدروس والمحاضرات: أن هناك سلسلة من الآداب النبوية التربوية، وقد وصلت هذه المجموعة إلى أبها هذه الليلة لمن أراد أن يستفيد من آدابه عليه الصلاة والسلام.

    كان عليه الصلاة والسلام إذا استأذن فسُئِل يقول: {أنا فلان} وطلب من الصحابة أن يـخبر الإنسانُ باسمه.

    واستأذن عليه أبو ذر، قال: (مَنْ؟) قال: أبو ذر.

    وطرق جبريل السماء -في الحديث الصحيح- {قال أهل السماء: مَنْ؟ قال: جبريل، قالوا: مَن معك؟ قال: محمد، قالوا: مرحباً بك وبمن معك}.

    واستأذن جابر - كما في صحيح البخاري - {: فطـرق باب الـمصطفى عليه الصلاة والسلام قال: مَن؟ قال: أنا، ففتح صلى الله عليه وسلم الباب، وقال: أنا أنا!! كأنه كرهها}؛ لأن فيها إيهام، لا بد أن تخبر باسمك، هذا من أدب الاستئذان.

    {... فيقول الخازن: مَنْ أنتَ؟ فأقول: محمد...} وهذا هو الأصل: أن يخبر باسمه، قال أهل العلم: ولو أخبر بكنيته لصح، ولو أخبر باسمه لصح، ولو أخبر بلقبه لصح، الشرط أن يكن مشهوراً عند الناس فيُعْرف به.

    أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم

    قال: {... فأقول: محمد...} أسماؤه عليه الصلاة والسلام في السنة خمسة، صح بها الحديث، اسمه: (محمد، وأحمد، والعاقب، والحاشر، والماحي) العاقبٌ: أي الذي يحشر الله الناس على عقبه، والماحي: أي الذي محى الله به ما قبله، والحاشر: أي الذي يحشر الله الناس على قدمه عليه الصلاة والسلام.

    قال حسان:

    وشق له من اسمه ليُجِلَّه     فذي العرش محمودٌ وهذا محمدُ

    يقول: الله شق لمحمد من اسمه؛ لأن الله محمود سبحانه.

    وقال صلى الله عليه وسلم: {أما ترون كيف يصرف الله عني سب المشركين، إنهم يسبون مُذَمَّمَاً، وأنا محمد} -يسمونه: (مُذَمَّم) ويسبونه- محمد، وأحمد، وهو أبو القاسم عليه الصلاة والسلام، والذي سماه محمداً عند أهل السيرة أنه عبد المطلب جده عليه الصلاة والسلام.

    فيقول: {بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك} وفيه مسألة:

    الله يقول: وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:73] دليلٌ على أنها مفتوحة قبل أن يأتي الناس.

    وهنا يقول: {آتي أبواب الجنة فأستفتح} وأستفتح: فعل للتدرج، يعني: أطلب أن يُفْتَح لي؛ ولكن لم يفتح له عليه الصلاة والسلام في هذا، فكيف نجمع بين القولين؟ بين هذا وبين ذاك؟

    الجواب: أن يقال: يأتي عليه الصلاة والسلام قبل أن تُفْتَح، فيستفْتِح، فتُفْتَح، فيأتي الناس وقد فُتِح لهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537042

    عدد مرات الحفظ

    777192711