إسلام ويب

الطريق إلى الجنةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى خلق الجنة، وجعلها منزلاً للمؤمنين، ودار حبور وقرار، فالوصول إليها سهل على المؤمن ومتعسر على المفرط، فهي غالية على الكسلان، رخيصة لمن اشتاق إليها وعمل لها، ومفتاحها سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا دخول للجنة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم.

    وفي هذا الدرس بيان الطرق التي توصل كل عبد مؤمن إلى جنة رب العالمين، وذكر الأوصاف التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها حتى ينال هذه الجائزة العظيمة.

    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.

    الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام فكسر بدعوته ظهور الأكاسرة، وقصر بمبادئه آمال القياصرة الذين طغوا وبغوا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة، والصلاة والسلام على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل صلى الله عليه وسلم من معلم نبيل ومن هادي جليل، صلى الله عليه وسلم على صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والصراط الممدود، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته.

    يا مجمع الخير حيوا لي محياه     نداء حق من الفصحى سمعناه

    وفي الجبيل لقاءات وأمنية     مع الشباب الذي قد طاب مسعاه

    يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا     وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

    كم نطلب الله في ضر يحل بنا     فإن تولت بلايانا نسيناه

    ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا     فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

    ونركب الجو في أمن وفي دعة     فما سقطنا لأن الحافظ الله

    أليس من انتصار الإسلام أن تجتمع هذه الشبيبة لترفع راية الإسلام؟ أليس الإسلام يعلن تفوقه يوم يأتي شباب مخلصون يعيشون رمزاً للصحوة الإسلامية التي أعلنت أن لا إله إلا الله، وأن لا بقاء إلا للا إله إلا الله، ولا عمق ولا أصالة إلا للا إله إلا الله؟

    حب الله ورسوله وكثرة السجود طريق إلى الجنة

    فهذا لقاء مفتوح لكنه تحت مظلة وعنوان (الطريق إلى الجنة) والطريق إلى الجنة سلكه محمد عليه الصلاة والسلام، وبينه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يوم قال له الأعرابي قبل أحد: {يا رسول الله! لا تمنعني دخول الجنة -يقول: لا تمنعني دخول الجنة- فوالله الذي لا إله إلا هو، لأدخلن الجنة، فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويقول: بما تدخل الجنة؟ -أي: ما هي مؤهلاتك لدخول الجنة؟- قال: بخصلتين: بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: إن تصدق الله، وورد المعركة وقتل شهيداً فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت الله فصدقك الله} وأصبح من أهل الجنة إن شاء الله؛ لأنه صدق الله، وفي صحيح مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي ذاك الشاب المتوقد إيماناً، الذي يريد الجنة، يقول: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة، فيقول عليه الصلاة والسلام: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود}.

    فمن طرق الجنة كثرة السجود.

    ومما زادني شرفاً وفخراًً     وكدت بأخمصي أطأ الثريا

    دخولي تحت قولك يا عبادي     وأن صيرت أحمد لي نبياً

    ويوم يأتي ثوبان -كما في صحيح مسلم - يروي لنا حديثاً لكنه حديث راقٍ، يقول عليه الصلاة والسلام: {من سجد لله سجدة رفعه الله بها درجة}.

    الطريق إلى الجنة لا يعرفه إلا الخواص من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وقد أغلق الله طريق الجنة فلا تفتح بعد رسالته صلى الله عليه وسلم إلا من طريقه، فمن ظن أو وسوست له نفسه أو اعتقد أنه سوف يدخل من طريق غير هذه الطريق، أو يهتدي بغير هدى الله الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب عظيم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: كل أرض لم تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة، وكل قلب لم يهتد بهذا الدين فهو قلب مغضوب عليه. ولذلك يقول معاذ وكلكم يعرف معاذاً، ذاك الذي عاش العلم والسمو والحب والإيمان والطموح، وكان معاذ أمة وسجلٌ تاريخه حافلٌ بالمكرمات ورفع لا إله إلا الله، رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه، ثم بعثه داعياً بعلم قليل، ولكن علمه طيب مبارك، ذهب إلى أهل اليمن ورفع لا إله إلا الله محمداً رسول الله وترك هناك إسلاماً وإيماناً، وترك مؤمنين ومسلمين وشهداء، جاء في حديث حسن عنه صلى الله عليه وسلم: {معاذ يأتي يوم القيامة برتوة} أي يتقدم العلماء إلى الجنة برمية حجر.

    عبادة الله وإقامة أركان الإسلام طريق إلى الجنة

    جاء في الترمذي بسند حسن، أن معاذاً سرى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس في آخر الليل، والرسول صلى الله عليه وسلم كان له ورد من القيام في آخر الليل يناجي فيه ربه، يشكو على ربه ذنوبه وخطاياه وتقصيره وهو سيد الخلق وأعرف الناس بربه ومولاه، والليل عجيب! الليل يحب القرآن والقرآن يحب الليل.

    قلت لليل هل بجوفك سر     عامر بالحديث والأسرار

    قال لم ألق في حياتي حديثاً     كحديث الأحباب في الأسحار

    قال معاذ: {يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ -وفي لفظ صحيح-: دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار} ما أحسن السؤال! دل على اختيارك سؤالك؛ لأن هذا من انبعاث الإيمان وحرارته وشوقه حين يسأل عن طريق الجنة، دلني على عمل إذا عملته، يقربني من الجنة: ويباعدني من النار، هذا سؤال من أعظم الأسئلة والأطروحات التي وردت في كل العالم، ومن أعظم الأسئلة التي وردت في تاريخ البشرية، ومن هو المجيب؟ إنه سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، الدليل الماهر الذي عرف الطريق وما عرف العالم مصلحاً كمثل محمد صلى الله عليه وسلم، عرف ذلك الأعداء قبل الأصدقاء، عرف ذلك الفلاسفة الذين هم أذناب الصابئة المجوس كـابن سينا يوم يقول في كتابه الإشارات: ما طرق العالم مصلح كمحمد عليه الصلاة والسلام، ولفظه يقول: ما طرق العالم ناموس كناموس هذه الرسالة. وهذا أمر معروف، فيجيب صلى الله عليه وسلم على معاذ، هل قال: تدخل الجنة بالمؤهل، أو بالمنصب، أو بالشهادة والمرتقى، أو بالمال والولد؟ لا والله كلها لا تساوي في ميزان الحق ذرة، ويوم يتخلى المال عن الإيمان يصبح تبعةً ولعنةً وغضباً، ويوم يتخلى المنصب عن الإيمان يصبح فرعونياً دكتاتورياً طاغية، ويوم يتخلى الولد عن الإيمان يصبح عذاباً وشقوةً وندامةً، ويوم تتخلى الشهرة عن الإيمان تصبح ملعنةً ومسبةً على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ثم إذا تخلى الحب عن الإيمان أصبح حب المعشوقين والمعشوقات، والمغنيين والمغنيات، والفنانين والفنانات، ويوم يتخلى الشعر عن الإيمان يصبح كلاماً مصففاً مزجياً كبضاعة الأخسة الذين طفروا بها وهي في ميزان باطلهم تتردى معهم في جهنم، يوم يحاسب الله المجرمين على كلماتهم، والخبيثين على تصرفاتهم، يحاسب الله عز وجل هؤلاء وأولئك لأنهم جردوا الحب والمنصب والمال والولد عن الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام وهو يجيب معاذاً: { لقد سألت عن عظيم} هذا السؤال عظيم، إن بعض الناس يسأل عن تكبيرة الإحرام، أو وضع اليدين، أو سجود السهو، أو المسح على الخفين أو التيمم، لكن العلامة الجهبذ معاذاً سأل عن سؤالٍ خطيرٍ محتواه أمر صعب وهائل وكبير، {لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه} فيا من يسر للصالحين طريقهم! يسر لنا طريقنا، العون والسداد والهداية منك وحدك وما جلسنا -إن شاء الله، ويعلم الله- إلا نريد نوراً وتوفيقاً وهداية من الله سبحانه.

    وإذا كان عاقبة مجالسنا واجتماعاتنا هذه غير محمودة فالشكوى إلى الله، والله المستعان.

    إذا لم يكن عون من الله للفتى     فأول ما يجني عليه اجتهاده

    إنها تنعكس عليه المقاصد، {لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه} وهذا يسمى (الإجمال في الجواب قبل التفصيل) وهو أسلوب قرآني، ويسمى عند أهل البلاغة: اللف ثم النشر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه} فما هو اليسير؟ وما هو هذا الجواب؟ وما هو طريق الجنة؟ قال: {تعبد الله عز وجل ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً -ثم قال له صلى الله عليه وسلم وهو يواصل حديثه الشائق الرائق إلى القلوب الوالهة- يقول: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله} ثم يواصل صلى الله عليه وسلم في طريق الجنة وفي وصفها، قال: {ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة} أي وقاء لك، تجتن به، وتتحصن به من النار، لذلك يقول عمر بن أبي ربيعة:

    وكان مجني دون ما كنت أتقي     ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

    فيقول: إن كنت تريد الجنة والغطاء والساتر عن النار فالصوم، { الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل بجوف الليل ثم تلا عليه الصلاة والسلام تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة:16]} ثم يقول عليه الصلاة والسلام ليختتم باللف بعد النشر، وبالإجمال بعد التفصيل فيقول: {ألا أدلك على ملاك ذلك كله} أي على ما يجمع لك شتات هذا الموضوع، {قال: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأخذ عليه الصلاة والسلام بلسان نفسه، قال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟} إلى اليوم سيد العلماء لا يعرف أن الكلام يسجل في عالم الخطيئات، وأن له حسنات ومثوبات وسيئات وعقوبات، قال: {ثكلتك أمك يا معاذ! -أيخفى عليك هذا والخطايا أكثرها من اللسان- وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم} صلى الله وسلم على صاحب ذاك الجواب.

    بالله لفظك هذا سال من عسل      أم قد صببت على أفواهنا العسلا

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088562169

    عدد مرات الحفظ

    777344253