إسلام ويب

سلسلة محاسن التأويل تفسير سورة الأحزاب [7]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن قدرة الله على أعدائه، ونصره لأوليائه أمر يجاوز كل الاحتمالات والتصورات، فإنه يعلم جنوده سبحانه إلا هو. وقد جاء نصره للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد أن ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، وبلغت القلوب منهم الحناجر، وهكذا تأييد الله لأوليائه في كل زمان ومكان.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم...)

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فقال الله جل وعلا: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [الأحزاب:25].

    بعد أن سلط الله جل وعلا على أهل الكفر ريحاً وجنوداً لم يرها المؤمنون ولا الكافرون، وكفى الله جل وعلا المؤمنين القتال كما عبر القرآن، عاد صلى الله عليه وسلم إلى حجراته، فجاءه جبريل وأخبره أن الله يأمره أن يأتي بني قريظة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم رهطاً من أصحابه قائلاً لهم: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة).

    والمفهوم من هذا بادئ الرأي وأول الأمر وهو الحق، أن هذا البعث كان بعد صلاة الظهر، فبعد الفراغ من صلاة الظهر قال النبي صلى الله عليه وسلم لرهط من أصحابه: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)، وبنو قريظة كانوا يسكنون في الجنوب الشرقي من المدينة، وهم إحدى قبائل ثلاث من اليهود كانت تسكن المدينة، وهي قبائل بني النضير، وبني قريظة، وبني قينقاع.

    فبنو قريظة كان عليهم سيد يقال له: كعب بن أسد ، فحاول حيي بن أخطب أن يقنعه بأن يكون مع الأحزاب، رغم أن كعباً هذا سيد بني قريظة لم يكن موافقاً، وكان يقول لـحيي : إنك رجل مشئوم، لكن حيياً زين له الأمر، وما زال يفتل له في الذروة والغارب؛ حتى أوقعه فيما أوقعه فيه، فمالت بنو قريظة إلى الأحزاب، وائتمروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رد الله جل وعلا أهل الكفر، ورد الأحزاب لم يناولوا خيراً -كما عبر القرآن- أمر الله نبيه بوحي جبريل إليه أن يأتي بني قريظة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأنزل الذين ظاهروهم...

    يقول الله جل وعلا: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الأحزاب:26] ومعنى: ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الأحزاب:26]. أي: ظاهروا الأحزاب، وهم بنو قريظة، وكلمة (أنزل) تدل على إهباط من مكانٍ عالٍ، وكانت لبني قريظة حصون، تحصنوا بها، فالله جل وعلا أنزل أولئك من حصونهم، فقال الله: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ [الأحزاب:26].

    و(صياصي) بمعنى: حصون، مفردها صيصة، ويقال لقرني البقر صياصي؛ لأن البقر بقرنيه يدافع عن نفسه.

    ثم قال الله: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الأحزاب:26] القذف في اللغة: الإلقاء السريع.

    ومما آتى الله النبي صلى الله عليه وسلم أنه نصر بالرعب.

    ثم قال تعالى: فَرِيقًا تَقْتُلُونَ [الأحزاب:26] أي: من أهل بني قريظة.

    وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا [الأحزاب:26]، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في بني قريظة سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وسعد بن معاذ سيد الأوس، وهو صحابي جليل معروف، ولما مات فرح أهل السماوات بصعود روحه.

    قال ابن القيم معلقاً: فإذا كان هذا فرحهم بصعود روح سعد وهو خير من خير الأصحاب، فكيف فرح أهل السماوات بصعود روح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فـسعد رضي الله عنه لما حكم قدم به -وكان مريضاً، أصابه سهم- إلى الأنصار، وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم وبنو قريظة ينظرون، فقال عليه الصلاة والسلام للأنصار: (قوموا لسيدكم) فلما طلب منه أن يحكم وكان رجلاً عاقلاً، مع أنه لم يتجاوز السادسة والثلاثين، أي: أنه كان صغيراً، لكنه كان جسيماً رضي الله عنه وأرضاه، رجلاً طوالاً، فقال: هل ينفذ حكمي على هؤلاء؟ يقصد بني قريظة، قيل له: نعم، فتأدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: وعلى هؤلاء. ولم يشر بوجهه إلى النبي عليه الصلاة والسلام أدباً. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم.

    ومن هنا يفهم: أنك لا تقبل أن تكون حكماً حتى يرضى بك الطرفان، فإن لم يرض بك الطرفان فلا تقبل أن تحكم أو تقضي، فإن رضيا بك فخذ منهم ميثاقاً على أن يرضوا بحكمك؛ حتى لا يذهب قولك هدراً، وحتى تقيم الحجة عليهم، فلما قيل له ذلك رضي الله عنه وأرضاه، قال: لقد حكمت فيهم بأن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذريتهم ونساءهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (لقد حكمت فيهم بحكم الله يا سعد !) وجاء الحديث بعدة روايات.

    والنبي عليه الصلاة والسلام لما قبل حكم سعد في بني قريظة، وكان من السبي فتىً لم يبلغ الحلم بعد، يقال له: كعب القرظي ، وكعب كبر وأسلم، وجاء بولدٍ اسمه محمد وأصبح اسمه محمد بن كعب القرظي ، وهو من أئمة أهل التفسير، وإذا من الله على الإنسان بالاستمرار في هذا الفن من العلوم وهو فن التفسير، فسيمر عليه كثيراً اسم محمد بن كعب القرظي ؛ لكونه أحد أئمة التفسير رحمة الله تعالى عليه، رغم أنه من أصل يهودي. لكن فضل الله جل وعلا يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

    الذي يعنينا هنا قول الله: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا [الأحزاب:26] وهذا بناء على حكم سعد .

    1.   

    تفسير قول الله تعالى: (وأورثكم أرضهم...)

    ثم قال الله: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ [الأحزاب:27]، وهذا واضح، فمنازل بني قريظة ومزارعهم بما كان فيها من مواشي من ثاغية وراغية، كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

    ثم قال الله: وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب:27]. أي: وأورثكم أرضاً لم تطئوها.

    كلمة (أورثكم) تدل على أنه حصل، وكلمة (لم تطئوها) تدل على أنه لم يحصل بعد، مثل قول الله جل وعلا: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [النحل:1] ثم قال الله بعده: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1] وهذا يدل على أنه لم يأت؛ لأن الأمر إذا أتى وانقضى لا يقال له: فلا تستعجلوه.

    فقول الله جل وعلا: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ [الأحزاب:27] وتعقيبه جل شأنه بقوله: لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب:27] يدل على أن الأرض لم يحتلها أو لم يملكها المسلمون بعد؛ لأن الله قال: لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب:27].

    وقد اختلف العلماء فيما هي هذه الأرض، أي: أي أرضٍ عناها الله جل وعلا بقوله: وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب:27]؟ فقيل: هي مكة، وهذا مروي عن قتادة ، وقيل: هي أرض فارس والروم، وقيل: هي كل أرض فتحها المسلمون إلى يوم القيامة، وهذا قول عكرمة واختاره أبو حيان ، فهذه ثلاثة أقوال، والذي يترجح عندي هو القول الرابع ولم أقله، وهو أنها أرض خيبر؛ لقرينتين:

    القرينة الأولى: لقرب معركة خيبر من معركة الخندق زمناً، وهذه القرينة ليست هي القرينة القوية.

    القرينة الثانية والأقوى: أن الله يتحدث عن أرضٍ كان يسكنها اليهود، وخيبر أرض كان يسكنها اليهود.

    فهذا الذي جعلنا نرجح -والعلم عند الله- أن المقصود بقول الله جل شأنه: وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب:27] أرض خيبر، وقد حكيت لك أقوال أهل العلم رحمهم الله.

    ثم قال تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [الأحزاب:27] إلى هنا انتهى الحديث عن سياق معركة الأحزاب.

    وأفاء الله جل وعلا على نبيه صلى الله عليه وسلم من بني قريظة الشيء الكثير، ومن هنا فهم بعض أجلاء أهل التفسير أن أمهات المؤمنين لما رأين النبي عليه الصلاة والسلام قد أفاء الله جل وعلا عليه ما أفاء من بني قريظة، أصبحن يسألنه النفقة والتوسع فيها بكثرة.

    فجاء في الصحيح أن أبا بكر استأذن فلم يؤذن له، واستأذن عمر فلم يؤذن له، ثم أذن لهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينها صامتاً، فأراد عمر أن يدخل السرور على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (لأضحكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله! لو رأيت ابنة خارجة -يقصد زوجته- وهي تسألني النفقة فوجأت عنقها، فضحك صلى الله عليه وسلم، فقال: هن حولي -أي: نساؤه- يسألنني النفقة)، فاعتزلهن النبي صلى الله عليه وسلم في مشربة له شهراً، وكان ذاك الشهر تسعة وعشرين يوماً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك...)

    ثم أنزل الله جل وعلا عليه قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28-29] وهذه الآيات تسمى آيات التخيير.

    وقول الله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] تسمى آية الكرسي.

    وقول الله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ [المجادلة:1] تسمى آية المجادلة.

    وقول الله: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ [آل عمران:61] تسمى آية المباهلة.

    وقول الله: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة:5] تسمى آية السيف.

    وقول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282] تسمى آية المداينة، أو آية الدين.

    فهذه الآيات تسمى آيات التخيير، وهي قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28].

    النبي صلى الله عليه وسلم من كمال بشريته أنه شخص واضح جداً في حياته، فقد اختار عليه الصلاة والسلام أن يعيش مسكيناً، وأن يكون عبداً، ولم يختر أن يعيش نبياً ملكاً، فهنا لم يجبر نساءه على حياته، وإنما عمد بأمر له إلى التخيير، وكلما كان الإنسان واضحاً مع الناس كان أقدر على أن يسير معهم، ولا ينبغي أن يلوم أحدٌ أحداً على وضوحه.

    فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم في التخيير بـعائشة ، فقال: (يا عائشة ! إني سأعرض عليك أمراً فلا تعجلي علي حتى تستأمري أبويك، فقالت: يا رسول الله! أفيك أستأمر أبوي)، ثم أخبرها، فاختارت رضي الله عنها وأرضاها البقاء معه صلى الله عليه وسلم، على الحال التي هو فيها، واختارها لأن يعيشها عليه الصلاة والسلام.

    قال بعض العلماء: لماذا طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة أن تستأمر أبويها مع أن الأصل في مثل هذه المسائل أن ليس للأبوين فيها علاقة؟ قالوا: وهي لطيفة جيدة: إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب عائشة ، فخاف أن يغلب عليها فرط الشباب، فتختار الاختيار الثاني، فأرشدها إلى أن تستأمر أبويها لعلمه أن أبويها سيرشدانها إلى أن تبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها لم تحتج إلى أن تستأمر أبويها، وكانت تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً عظيماً؛ فلم تستأمرهما، وإنما أجابت سريعاً، وهي ذكية من أذكى النساء، فقالت: (يا رسول الله! -والمرأة تبقى امرأة ولو كانت أم المؤمنين- لا تخبر زوجاتك بما أنا أجبتك)، يعني: لا تقل لهن: إنني خيرت عائشة وبدأت بها فاختارتني، فربما هي تريد أن تقل النساء مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تحضى لوحدها به صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يبعثني متعنتاً ولا معنتاً، وإنما بعثني معلماً ميسراً، فمن سألتني عنك أخبرتها)، وهذا جواب في منتهى البلاغة والأدب، وحسبك أن ترى محاضرة ما بين خير الخلق وسيد الأمة وإمام الملة صلى الله عليه وسلم وامرأة في مقام عائشة ، فتخرج بفوائد لا حصر لها، لا يكذب أحدهما، وإنما كلاً منهما بأدب جم وعبارة ذكية، ولطف في الخطاب يصل إلى مراده.

    فخير النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترن جميعاً البقاء معه، والسؤال هنا تأريخياً: من هن المخيرات؟ أولاً: كم كان عددهن؟ الجواب: تسع: خمس قرشيات، وأربع غير قرشيات.

    الآن ندخل في سياحة تأريخية، أولى القرشيات عائشة ، وأبوها أبو بكر من بني تيم، رغم أن بني تيم لم يكن لهم صيت في قريش.

    ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود

    لكن أخرج الله منهم هذا الصديق ، فوزن الأمة كلها، لا قريش وحدها رضي الله عنه وأرضاه.

    إذاً: فـعائشة قرشية من بني تيم؛ لأن المرأة تنسب لأبيها، وأبوها رضي الله عنه من بني تيم.

    القرشية الثانية: حفصة بنت عمر ، وعمر من بني عدي .

    القرشية الثالثة: رملة ، أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وهذه قرشية من بني أمية.

    القرشية الرابعة: أم سلمة من بني مخزوم، واسمها هند ، رضي الله عنها وأرضاها، وبنو مخزومٍ من قريش، ومن مشاهيرهم: الوليد بن المغيرة ، وخالد بن الوليد ، وأبو جهل ، فهؤلاء أربع قرشيات، والخامسة سنؤخر ذكرها.

    نأتي لغير القرشيات، الأولى: جويرية بنت الحارث ، فهذه خزاعية من بني المصطلق.

    والثانية: ميمونة بنت الحارث ، وهي هلالية من بني هلال، وليست من قريش.

    والثالثة: صفية بنت حيي لها نسبان، فهي صفية بنت حيي بن أخطب النغيرية الهارونية ، تنسب إلى هارون بن عمران، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنك ابنة هارون)، فهي نغيرية هارونية.

    فالآن مضى معنا من غير القرشيات: جويرية ، وميمونة ، وصفية .

    والرابعة: زينب بنت جحش ، وهي غير قرشية بل أسدية.

    دخل النبي صلى الله عليه وسلم على إحدى عشرة امرأة، اثنتان ماتتا في حياته، وهما خديجة وزينب بنت خزيمة الهلالية ، ومكث مع الأخيرة ثمانية أشهر، فالباقي تسع، وهن اللاتي خيرن، واللاتي توفي النبي صلى الله عليه وسلم عنهن.

    أما الخامسة من القرشيات فهي سودة بنت زمعة رضي الله عنها، وهي عامرية قرشية وقد أخرنا الكلام عنها حتى نتفرغ للحديث عنها.

    فـسودة رضي الله عنها كانت بدينة جداً، وهي التي تنازلت عن ليلتها لـعائشة ، فلما أنزل الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم تخرج، لا لمسجد، ولا لحج، ولا لعمرة، وإنما من بيتها إلى قبرها في خلافة عمر ، فلما سئلت كانت تقول رضي الله تعالى عنها وأرضاها: إنا أمرنا بأن نقر في بيوتنا، قال الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].

    إذاً: فهؤلاء اللاتي خيرن من نساء النبي صلى الله عليه وسلم التسع، وقلنا: إن زينب بنت خزيمة لم تلحق التخيير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمكث معها إلا ثمانية أشهر، وخديجة من أول نسائه موتاً رضي الله عنها وأرضاها.

    إعراب قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك...)

    أما من حيث إعراب قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [الأحزاب:28].

    فالحياة إعرابها مفعول به للفعل تردن، والدنيا صفة للحياة.

    قوله تعالى: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ [الأحزاب:28]؛ جزم الفعل في قوله تعالى: أُمَتِّعْكُنَّ؛ لأن قبله (فتعالين) وهو فعل أمر، فأمتعكن جزمت؛ لأنها وقعت في جواب الطلب، أي: الأمر، والفعل من أحوال جزمه أن يقع في جواب الطلب، أو في جواب الأمر؛ لذلك جزم: أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28].

    و(سراحاً) مفعول مطلق للفعل أسرح، و(جميلاً) صفة لسراح، فإذا جاء المفعول المطلق بعده صفة فيصبح هذا من المفعول المطلق مبين للنوع؛ لأن المفعول المطلق له ثلاثة أحوال، إما أن يأتي مؤكداً أو مبيناً للعدد، أو مبيناً للنوع، فالمؤكد مثل: أسرحكن سراحاً، فيصبح تأكيداً، ومنه قول الله جل وعلا: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] فتكليماً: مفعول مطلق مؤكد للفعل كلم.

    أما إذا قلت لأخيك: ضربتك ضربتين، فهذا مفعول مطلق مبين للعدد، وأما في قول الله جل وعلا الذي بين أيدينا: وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28] فجميلاً كما قلنا: إنها صفة لسراح، لكن أصبح المفعول المطلق مبيناً للنوع.

    هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، والعلم عند الله.

    وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768252864