إسلام ويب

لقاء مع الشبابللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الشباب هم الثروة الثمينة التي لا تعوض, وهم تاج وعز الأمة، بصلاحهم تنهض الأمة، لذلك كان لزاماً من تلمس حاجاتهم، والسؤال عن أحوالهم، ووضع حلول لمشاكلهم وهمومهم، وقد تعرض الشيخ لبعض القضايا التي تهمهم، كضعف الإيمان وكيفية معالجة هذا المرض, وتعرض لقضية فتور الشباب عن الدعوة إلى الله, وتكلم عن قضية مهمة أخرى وهي: تذبذب الشاب, أسبابها، وعلاجها ، وألمح إلى قضية سلبية عند الشباب وهي قلة الاطلاع في الدين والواقع.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    عنوان هذا الدرس: لقاء مع الشباب.

    حييت يا هذا الشباب      لك التحية والسلام

    أثلجت قلبي بالحضور      وزاح عن عيني المنام

    يا بسمة الفجر الجديد      إلى الأمام إلى الأمام

    بشر بنا دنيا الورى     نحن المشاعل في الزحام

    وإمامنا المعصوم أنعم      خير من وطئ الرغام

    صلى الله عليه وسلم، اجتمعنا على حبه وعلى مبادئه وسنته.

    أولاً: إني أحبكم في الله -تبارك وتعالى- حباً لا يعلمه إلا هو، أسأله أن ينفعني وإياكم بهذا الحب, فما جمعنا هنا رغبة ولا رهبة إلا حب فيه تبارك وتعالى.

    ثانياً: أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، كما جمعنا هنا أن يجمعنا: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55].

    اللهم إن أهل الدنيا اجتمعوا لدنياهم، وقد اجتمعنا الليلة لديننا، اللهم فلنا عليك حق الضيافة وأنت أكرم الأكرمين.

    اللهم إن ضيافتنا مغفرة من عندك، فنسألك أن تغفر لنا ذنوبنا, وأن تستر عيوبنا, وأن تحفظنا من كل مكروه, وأن تنصرنا بالإسلام, وأن تنصر الإسلام بنا.

    اللهم إن من سلَّ علينا سيفاً فاقتله بسيفه, واكفنا شره, واجعل تدبيره في تدميره يا رب العالمين.

    أيها الفضلاء: أعدكم -إن شاء الله- أن يرتقي هذا المنبر في القريب العاجل كثير من العلماء والدعاة، كالشيخ: العمر والعودة والحوالي والطريري وابن مسفر، والقحطاني والبريك وابن زعير والجلالي... وغيرهم من العلماء، أعدكم -إن شاء الله- بهذا؛ لتسمعوا منهم ويسمعوا منكم مباشرة, وما نحن إلا إخوة يسعى بذمتنا أدنانا.

    وأحببت هذه الليلة أن أجعل القضايا قضايا الشباب, فأنا شاب أعيش مشكلات الشباب وطموحاتهم ومعاناتهم, وكثير من القضايا استفدتها من الشباب، وكم فرحت -ويعلم الله- هذه الليلة وأنا أرى الشباب من كل حدب ينسلون, يأتون إلى المسجد حاملين في قلوبهم حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام، فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا. وأشكر شكراً جزيلاً أصحاب الفضيلة العلماء الذين حضروا والأساتذة والأدباء, وأشكركم يا زملائي ويا إخواني من الشباب.

    هذا اللقاء -كما قلت- للشباب فحسب، وسوف يكون هناك لقاء -إن شاء الله- للشابات ومشاكلهن وقاضاياهن، والقضايا كثيرة ومزدحمة, وقضايانا ومشكلاتنا ومسائلنا لا تحل إلا من المسجد ومن المحراب, من منبر محمد -عليه الصلاة والسلام- وأنا أعلم أن فيكم من هو أعلم مني وأصلح وأكرم وأتقى، ولكن كما قال الأول:

    لعمر الله ما نسب المعلى     بذي كرم وفي الدنيا كريم

    ولكن البلاد إذا استعرت     وصوح نبتها رعي الهشيم

    فأنا هذه الليلة الهشيم الذي يرعى لما ذهب النبت الأخضر، أسأل الله أن يعيده للمسلمين.

    ظاهرة ضعف الإيمان

    أول قضايانا يا معشر الشباب: ضعف الإيمان.

    ونشكو أحوالنا فيه إلى الله, ولكن أبشركم أن من علم أن إيمانه ضعيف، وشكا حاله إلى الله، وانطرح بين يدي رب العزة, وبقي عند عتبات الباب؛ يوشك أن يدخل -بإذن الله- كلما أكثر الطرق وقرع الباب.

    إن أهل السنة يقولون: إن الإيمان يزيد وينقص، قال البخاري: باب زيادة الإيمان ونقصانه, قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13] فتدرجوا في الهداية فأعطاهم الله الهدى, كتدرجكم في طلب العلم، وفي كثرة النوافل، وفي مصاحبة الصالحين، وفي حضور المحاضرات والدروس العلمية.

    واعلموا أن الله لا يذهب علمكم سدى، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] وقال تعالى: وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً [المدثر:31] وقال الله تبارك وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] فإذا ترك شيء من الكمال فهو نقص.

    يا أيها الفضلاء! إن إيماننا يضعف كثيراً, ونحن نُحارب بالشهوات والأطروحات والأفكار الهدامة صباح مساء, المتمثلة في الوسائل الإعلامية وفي الأفلام، والأندية, والجامعات, والكتبة, فمالنا حيلة إلا أن نلتجئ إلى الله, لكن في المسجد: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:36-37].

    واعلموا -رحمكم الله- أن كثيراً من أهل العلم نص على ضرورة العمل في الإيمان، قال الحسن البصري رحمه الله: [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني, ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل]] رواه مالك في الموطأ، وليس من كلامه عليه الصلاة والسلام.

    فليس الإيمان دعاوى وكلاماً يقال:

    والدعاوى مالم يقيموا عليها     بينات أصحابها أدعياء

    الإيمان عمل, ولعلك تفاجأ بشاب من الشباب يدَّعي حب الله عز وجل وحب رسوله عليه الصلاة والسلام، ولكنه: ينام عن صلاة الفجر, ويهجر القرآن, ويعق والديه, ويسيء الجيرة مع جيرانه, ولا يقوم بحقوق المسلمين, ولا يتمعر وجهه عند المنكرات, ولا يغضب إذا انتهكت حقوق الله ومحارمه، فأين الإيمان؟! أين الإيمان؟!

    قال الربيع بن خثيم: [[أتدرون ما الداء, وما الدواء, وما الشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء: الذنوب، والدواء: الاستغفار, والشفاء: أن تتوب ثم لا تعود]] فنحن بحاجة إلى أن نتوب توبة صادقة, قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

    قال الحسن: [[القلوب تحيا وتموت، فتحيا بالفرائض والنوافل، وتموت بالمعاصي]] ونحن في زمن قل الناصح, وذهبت القدوة إلا القليل, وانطوى العلم الشرعي, ووجدت أطروحات أهل الباطل, وملكوا الوسائل, وليس لنا إلا المنبر والمحراب، ولكن معنا الله, قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

    التوبة النصوح وشروطها

    إخوتي في الله! إنَّ مما يرفع هذا النقص في الإيمان -يا شباب الإسلام- التوبة النصوح إلى الواحد الأحد من الذي يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تصنعون؟!

    إنه الله، والله تعالى تحدَّى أعداءه, وتحدَّى محاربيه أنه لا يغفر الذنب إلا هو، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

    قال ابن القيم -رحمه الله-: شرائط التوبة ثلاثة:

    1- الندم.

    2- الإقلاع.

    3- الاعتذار.

    قال: أما الندم فأوله تعظيم الجناية؛ أن تعلم أنك أخطأت خطأً عظيماً مع الله تبارك وتعالى، الذي أنعم عليك, وكساك ثوب الشباب, وأسدى لك الجميل, ثم قلبت ظهراً لجنب وأخطأت معه؛ ولذلك يغضب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من ثلاثة- لأنهم احتقروا الجناية, وعلموا أنهم ما أساءوا, واعتقدوا في أنفسهم أنّ ما عملوه حقير أو قليل- {ثلاثة لا ينظر الله إليهم, ولا يكلمهم, ولا يزكيهم, ولهم عذاب أليم: أشيمط زانٍ- شيخ كبير دنا من القبر ويزني- وملك كذاب- وما الداعي له أن يكذب وقد ملك الدنيا- وعائل مستكبر- وهو الفقير الذي يتكبر على عباد الله عز وجل}.

    واتهام التوبة بألا تثق من توبتك ,فأنا أعرف من نفسي ومن إخواني أنهم يتوبون كثيراً، ويظن الواحد منهم أنه صدق في التوبة, لكن سرعان ما يعود إلى الذنب، فعليه أن يحذر، وأن يعلم أن السقوط قريب, وأن النفس أمَّارة بالسوء فليحاذر، وعليه بالتوبة دائماً ولا يثق بنفسه، فإن بعض الشباب تاب من معصية ثم عاد لها بعد سبع سنوات، ومنهم من عاد لها بعد عشر سنوات، والقلب يحن للذنب حتى يقع فيه فلا ينجو إلا بتوبة نصوح.

    علامة فساد التوبة

    واعلموا أن من علامة فساد التوبة أمور:

    منها: ضعف العزيمة, فلا يعزم على فعل الخير, يتوب من المعصية لكن تراه متخلفاً عن الفرائض, ووالله لو صدق في توبته ما تخلف عن أذان الفجر، ولو تقطع جسمه من الماء البارد، والحب ليس بالدعوى, قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].

    ومن علامات فساد التوبة وضعف التوبة: إلتفات القلب إلى الذنب الفينة بعد الفينة, فيحن إلى الذنب, كذنب الزنا أو النظر, أو استماع الغناء, أو ذنب تناول المخدرات، أو شرب الخمر, فتجده دائماً بعد شهر وبعد سنة يحن إلى ذاك، ويحاول أن يرتكبه، فإذا حيل بينه وبين الذنب، قال: أشهدك يا رب أني تبت، وهذه ليست بتوبة.

    ومنها: أن يثق بنفسه, فإن الله -عز وجل- قال: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21] فبعضهم يثق بنفسه, فإذا نهيته أن يسافر إلى الخارج وتنذره بالخطر أن يقع في فتنة من الفتن، قال: أنا واثق من نفسي، أنا قوي الإيمان، لا يمكن أن أقع في الخطأ؛ فيقع في الخطأ، فإن العزيز الحكيم هو الله، والغالب على أمره هو الله، فحذارِ حذارِ من هذا.

    ومن علامات ضعف التوبة: جمود العين, فلا تدمع ولا تبكي أبداً, وهذا من علامة فساد القلب.

    ومنها: استمرار الغفلة, فتجده مع الغافلين, وقد أنذره الله بالنذر, فرأى أحبابه, ورأى زملاءه يصرعون في حوادث السيارات, ويحملون على النعوش, ويدفنون أمامه, ويبعثرون في التراب؛ ومع ذلك لا يرتدع ولا يعود, ويسمع الإنذار من الخطباء والعلماء والدعاة ومع ذلك لا يرتدع.

    ومنها: أنه لا يستحدث بعد التوبة أعمالاً صالحة، فتجده بعد الخطيئة مثله قبلها لا يزيد من عمله الصالح, ولا يحاول أن يستدرك ما فرط فيه في أيامه, أو أن يجمع ما مزق، وهذا من ضعف التوبة.

    علامات التوبة الصحيحة

    إخوتي في الله! للتوبة الصحيحة علامات، وهي التي ترفع ضعف الإيمان:

    منها: أن يكون العبد بعد التوبة خيراً منه قبل التوبة، فقد سئل شيخ الإسلام العلامة ابن تيمية -رحمه الله-: هل يكون العبد بعد التوبة مثله قبل الذنب؟ قال: قد يكون مثله أو أعلى أو دون ذلك، وهذه بحسب الأمور، وقد يكون -يا أيها الشاب- ذنب من الذنوب تلم به, سبباً لسعادتك في الدنيا والآخرة، ولا تعجبوا من هذا، قال الحسن رحمه الله: "إن المؤمن ليذنب الذنب فما يزال كئيباً باكياً حتى يدخل الجنة".

    وقال سعيد بن جبير: [[رب عاملٍ عمل ذنباً ما زال الذنب بين عينيه حتى دخل الجنة]] فهذا شأن بعض الصالحين؛ أنهم أذنبوا وأخطئوا, فبكوا وتقطعت قلوبهم، حتى دخلوا بتوبتهم جنة عرضها السموات والأرض.

    ومنها: ألا يزال الخوف من الله مصاحباً لك ليلاً ونهاراً.

    قرأت في ترجمة سفيان الثوري: أنه كان إذا أراد أن ينام تقلب على فراشه يبكي خائفاً وجلاً، قال: أتذكر القبر بالفراش. كلما أتى إلى فراشه ولحافه, تذكر ظلمات القبر وهول ذاك المكان الذي لا بد أن ننـزله جميعاً.

    والقبر فاذكره وما وراءه     فمنه ما لأحد براءة

    وإنه للفيصل الذي به      ينكشف الحال فلا يشتبه

    والقبر روضة من الجنان     أو حفرة من حفر النيران

    إن يك خيراً فالذي من بعده       أفضل عند ربنا لعبده

    وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ      ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ

    ومن علامات التوبة الصحيحة: انخلاع القلب؛ أن يكون قلبك منخلعاً من خوف الله متقطعاً, قال الله تعالى: لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:110] قال الثوري: تقطع بالتوبة، لا يمكن أن يخرجوا من هذا الذنب إلا أن تقطع قلوبهم بالتوبة.

    ومن علامات التوبة: أن ينكسر قلبك تواضعاً لله, فإن أنين المذنبين عند الله خير من إجلال العابدين, وبعض الناس يتكبر بفعل الخير، وبالحسنات والأعمال الصالحة حتى تلحقه في درجة الجبروت على الله، وبعضهم ينكسر بالذنب ويبكي ويتقطع ويخشع لربه حتى يكون هذا الذنب سبب سعادته عند الله -عز وجل-, وفي الحديث الصحيح: {أن رجلاً -من بني إسرائيل- قال لأحد المذنبين: تب إلى الله. قال: اتركني وربي. قال: والله لا يغفر الله لك. قال الله عز وجل: من الذي يتألى علي، أشهدكم أني غفرت لهذا وأحبطت عمل هذا}.

    ومن علامات التوبة: أن تلزم ما يرضي ربك -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- من قراءة القرآن، وأن تلزم الطاعة حتى يأتيك اليقين, كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] فلم يجعل الله -عز وجل- أجلاً في العبادة إلا بمسألة واحدة حتى يأتيه الموت, فليست العبادة شهراً ولا شهرين ولا ثلاثة ولا أربعة ولا سنة ولا سنتين, إنما هو عمر مستمر حتى نلقى الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- بذلك.

    أسباب زيادة الإيمان

    اعلم أن هناك أسباباً ترفع ضعف الإيمان، ذكرها أهل العلم، وقد وصلتني عشرات الأسئلة، ولا أبالغ إن قلت: مئات الأسئلة من الشباب، كلٌ يشكو ضعف إيمانه, وجمود عينه, وقسوة قلبه, وأنا من ذلك الصنف, نشكو حالنا إلى الله، ولعل الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- أن ينظر لنا في هذا الجمع المبارك بنظرة رحمة فيقول لنا: انصرفوا مغفوراً لكم فقد رضيت عنكم وأرضيتموني:

    إن الملوك إذا شابت عبيدهم     في رقهم عتقوهم عتق أبرارِ

    وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً     قد شبت في الرق فاعتقني من النار

    السبب الأول في زيادة الإيمان:

    أن تناجي ربك -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- وأن تكثر من دعائه ورجائه وتذكره كثيراً.

    السبب الثاني:

    أن تتدبر كتابه, فلا يلم شعث القلب إلا كتاب الله -عز وجل- ووجد أن كثيراً من الشباب تشاغلوا حتى بالعلم الشرعي عن قراءة القرآن, فتجد أحدهم في المسائل وفي الترجيحات والتنقيحات والتحقيقات وتخريج الأحاديث -وهو في طاعة ولكنه- تشاغل عن القرآن حتى قسا قلبه، فكيف بمن قسا قلبه بالمعاصي والمخالفات والجلوس مع البطالين؟!

    ومنها وهو من أعظمها: أن تحافظ على الفرائض جماعة، فإن الله ضمن لمن حافظ على الفرائض جماعة ألا يخذله ولا يذله، وأن يحفظه في الدنيا والآخرة.

    ومنها: أن تحافظ على السنن الرواتب, وأن تكثر منها, فإنك كلما سجدت لله سجدة رفعك بها درجة.

    ومنها: أن تصاحب الصالحين وأن تحبهم {المرء يحشر مع من أحب} وقال -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح: {والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل} رواه مسلم وغيره، وقال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي: {لا تصاحب إلا مؤمناً, ولا يأكل طعامك إلا تقي} وأرى لزاماً على الشباب أن يجددوا إيمانهم بحضور الندوات والمحاضرات والدروس, وألا يقولوا: الملقي أقل منا علماً, فإن الله قد يكسبك بالحضور أموراً لا تحصل عليها في غير هذا المكان، منها: أن يذكرك الله في الملأ الأعلى.

    ومنها: أن الملائكة تحفك بأجنحتها.

    ومنها: أن السكينة تتنزل عليك.

    ومنها: أن الرحمة تغشاك.

    هذه بعض الأمور التي ترفع من درجة الإيمان، وزاد النووي وغيره أموراً: منها:

    المراقبة؛ أن تعلم أن الله معك: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] وأنه يعلم سرك وعلانيتك، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].

    يا شباب الإسلام! يا فتية محمد عليه الصلاة والسلام! يا رواد الحق! إنه ينقصنا في عالم الإيمان مسائل.

    ينقصنا محاسبة النفس كما كان يفعل السلف، كانوا يحاسبون أنفسهم عند النوم محاسبة عظيمة ماذا قدمنا من الخير، وماذا فعلنا من الشر.

    ينقصنا أيضاً: استرشاد أهل العلم والدعاة وطلبة العلم, وطلب النصح منهم.

    وينقصنا أيضاًً: زيارة المقابر، حتى ألهينا وشغلنا بالحياة الدنيا.

    وينقصنا قراءة تراجم السلف , التراجم الحية المتمثلة في سيرة الصحابة والتابعين, والأئمة كـأحمد , والشافعي ومالك والثوري والأوزاعي، وغيرهم كثير.

    أيضاً ينقصنا الدعاء والمناجاة في الثلث الأخير من الليل، والجلسات الروحية بعد الشمس إلى طلوع الفجر وقبل الغروب: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:16-17].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521973

    عدد مرات الحفظ

    777105728