إسلام ويب

حاجة الصحوة إلى العلم الشرعيللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الدين الإسلامي دين حضارة وعلم، وقد امتدح الله العلم والعلماء، ورفع شأنهم في كتابه الكريم ؛ وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وما أحوج الأمة في هذا الزمان وهي تعيش زمن الصحوة المباركة الإسلامية إلى العلم الشرعي، ما أحوجها أن ترجع إلى سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين والعلماء الكبار لتعرف أهمية العلم وفضله، وأسباب زيادته، وبركته، وفوائده، ومسائله العويصة، لكي تبلغه للناس وتقيم به الأسر والمجتمعات.
    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ياأهل الصحوة، وسلام الله عليكم يا أهل الإقبال على الله، وسلام الله عليكم يا من في أرضهم نبتت بذرة تجديد التوحيد.

    يا رياض الخير قد جئت وفي      جعبتي أبها بلقياك تسامى

    حلفت لا تشرب الماء ولا      تأكل الزاد ولا تلقى مناما

    أو ترى الأحباب في نجد فإن      لم تجدهم صار ممساها حراماً

    فسلام الله أهديه لكم      يا رجال الفضل في نجد الخزامى

    أنا قد أحببتكم في الله ما      كان قلبي في سواه مستهاما

    موضوع الدرس وعناصره

    أما موضوع هذه المحاضرة وهو: (الصحوة الإسلامية وحاجتها إلى العلم الشرعي) وحاجتنا نحن إلى سماع الموضوع، وحاجتنا إلى القبول من الله عز وجل، فإنه الذي يقبل، والأجر منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو يثيب وما سوى إثابته سبحانه من عروض أو ثناء أو تسهيلات فإنما هي عرض زائل قد توفر للبر والفاجر.

    هذا الموضوع: (الصحوة الإسلامية وحاجتها إلى العلم الشرعي) يدور على أربعة عناصر:-

    العنصر الأول: كيف أثنى الله على العلم وعلى أهله في كتابه العظيم، أو كيف تحدث القرآن عن العلم، وما هي المساحة التي أخذها العلم في القرآن.

    العنصر الثاني: كيف تحدث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عن العلم، وكيف بين فضله، وكيف تعامل السلف معه، خشية لله وطلباً فيما عنده، وخوفاً من عذابه، ورجاء في ثوابه، كيف أصبحوا نسخاً من القرآن الكريم تمشي على الأرض، وتدرج في الوهاد، وتسير على الجبال.

    العنصر الثالث: ما هو موقفنا نحن أهل الصحوة إن كنا صادقين.

    العنصر الرابع: أن أهل صحوة هم أهل هذا الميراث الذي ورثه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فما هو نصيبنا من هذا الميراث، وما هو موقفنا من هذا العلم المسلسل المروي عن الثقات حتى يوصلونه إلى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، ومن رسول الهدى إلى جبريل، ومن جبريل إلى رب العالمين.

    استشهاد أهل العلم على الوحدانية

    فأما القرآن فاسمعوا إليه وهو يتحدث عن أهل العلم، وما أعظم قيمة أهل العلم في القرآن، وما أجلها وما أنبلها، يريد الله أن يستشهد على وحدانيته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وعلى ألوهيته، فبمن يستشهد؟ يقول جل ذكره: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] فانظر كيف استشهدهم على أعظم شهادة، وترك غيرهم فلم يستشهدهم مع من شهد له بالوحدانية، فهل هناك أعظم من أن يستشهد الله نفسه على وحدانيته، ويشهد الملائكة أن لا إله إلا هو، ويشهد العلماء أن لا إله إلا هو، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى شهدت له الكائنات بالوحدانية، السماء تشهد أن لا إله إلا الله، والأرض تشهد أن لا إله إلا الله، اللمعة من الضوء، القطعة من السناء، اللفحة من الهواء، ورقة الشجر، خرير الماء، هديل الحمام، كل شيء يشهد أن لا إله إلا الله.

    وفي كل شيء له آية      تدل على أنه واحد

    فياعجباً كيف يعصى الإله      أم كيف يجحده الجاحد

    إلا هذا الإنسان يوم يتكبر ويتنبر على كرسي الطغيان، فإنه يجحد الله ظاهراً لا باطناً، فرعون ملك نفراً من الناس، وقطعة من الأرض، ذرة من ذرة، وبقعة من بقعة، فقال لقومه: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] وقال: وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه؛ عندها علم من هو الذي يجري الأنهار، ويملك الديار، ومن هو الواحد الجبار، ومن له عقبى الدار، ومن بيده نواصي كل المخلوقين حتى يرث الأرض ومن عليها قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] يقول له موسى، أستاذ التوحيد وشيخ العقيدة: يا فاجر يا خبيث: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء:102] قرارتك ونفسك وخلدك يقول لا إله إلا الله، ولكن لسانك يكذب.

    تفضيل أهل العلم على غيرهم والأمر بالتزود منه

    اسمعوا إلى أهل العلم يوم يريد الله عز وجل أن يفاضل بينهم وبين غيرهم، فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] ثم ترك الجواب عند أهل البيان للعلم به، فإنه ليس هناك مفاضلة بين أهل العلم وبين غيرهم من الناس، ولذلك لا تفاضل بين العظيم الشريف النبيل وبين الحقير الخسيس.

    ألم تر أن السيف ينقص قدره      إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

    فلم يقل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أهل العلم أفضل، وإنما سكت للعلم به: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] ويوم يرفع الله أهل العلم درجات، أخبر بتلك الدرجات، وكل درجة الله أعلم بها، وإنها لدرجة عظيمة: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].

    الذين آمنوا وأوتوا العلم، ولم يقل أوتوا العلم واكتفى؛ لأن العلم قد يكون إلحاداً، وقد يكون زندقة، وقد يكون فسوقاً وفجوراً.

    أما أتت العلمانية اليوم تقول: لا إله إلا العلمانية؟

    أما أتى أتاتورك فدوخ الدنيا وتركيا أولاً ليقول لها لا إله والعلمانية هي الدين؟

    فالله يقول: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] ويقول الله لرسوله وهو يأمره أن يتزود من الزاد، فأي زاد يتزود منه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؟ هل يتزود من الذهب والفضة؟ أو من القصور، أو من الدور؟ وهو عاش في بيت واحد لا يساوي طوله ثلاثة أمتار؟! لأنه يربي الأرواح، والذي يربي القلوب مشغول عن بناء الدور، وعن توسيع الجيوب، والذي يربي القلوب لا يشغله توسيع الجيوب أو ملئ الجيوب.

    كفاك عن كل قصر شاهق عمدٍ      بيت من الطين أو كهف من العلم

    تبني الفضائل أبراجاً مشيدة      نصب الخيام التي من أروع الخيم

    يقول الله له: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] يا محمد -عليك أفضل الصلاة والسلام- تابع هذا الدعاء صباح مساء مع كل صلاة: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] فإن الطرق تتفتح أمامك، والشهوات تنجلي أمام عينيك، والشبهات تكون أنت على بصيرة منها، والظلمات تتجلى لك: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114].

    الأنبياء يتحدثون عن أنفسهم بالعلم

    ويتحدث الأنبياء عن أنفسهم عليهم الصلاة والسلام، فاسمعوا إلى إبراهيم يقول لأبيه الشيخ الضال العفريت الملحد: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ [مريم:43] يقول: استحي على وجهك أيها الشيخ الضال، يا من يريد أن يؤسس الإلحاد والزندقة في الدنيا، خف من الله، فإنه قد أتاني من العلم مالم يأتك، عندي سند ليس لقوة جسمي، ولا لمنصبي، ولا لأسرتي، ولا لجاهي، ولكن يا أبت إني قد جاءني من العلم الشرعي الذي أتى من فوق سبع سماوات إلى الدنيا.

    ويقول سليمان هو يتحدث إلى الجيوش والجماهير في عرض عسكري باهر، يوم جمع له إلانس والجن والطيور والزواحف والحشرات قال للجماهير: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [النمل:16] قال بعض المفسرين: لو حق للإنسان أن يفتخر بشيء يفتخر به لكفى بالعلم، يا أيها الناس حمداً لله علمنا منطق الطير، حتى الهدهد وهو طائر صغير يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: "عجباً للهدهد يفتخر بالعلم بين يدي الرسول الكريم سليمان عليه السلام - وسليمان هو الذي أتي بالتوحيد وشق طريق الدعوة وبنى مدرسة العقيدة في الدنيا في فترته - أتى الهدهد من اليمن يوم تخلف فأراد أن يعاقبه سيده على تخلفه، قال: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ [النمل:22] ثم أخذ يتحدث له عن التوحيد، وعن الشرك في أرض اليمن، وما ينبغي للمرأة أن تقوم به من دور في الحياة، وقد أفاض في الحديث حتى قال بعض العصريين: لقد ألقى الهدهد محاضرة على سليمان، يقول: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ [النمل:23] عجيب المرأة تملكهم في دين من؟ إلا في دين الأوروبيين الذين لا يعرفون إلا ظاهر الحياة الدنيا، أما في علم الناس ومفهوم العقلاء، فلا يصح للمرأة أن تملك الرجال: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل:23] مما يقبل التملك: وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23].

    كأنه يقول له: إياك أعني واسمعي يا جاره، عرشك ينبغي أن يثبت، فلا تثبت هذه الملحدة هنا، والواجب أن يكون عرشك أعظم من عرشها لتبقى راية التوحيد أعظم من راية الشرك: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23].

    لكن الداهية الدهياء، والفاحشة الفحشاء، والمصيبة الشنعاء أنهم يعبدون الشمس: يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [النمل:24] عجباً لك أيها الهدهد يوم تفتخر بالعلم، صح عن علي بن أبي طالب أنه قال: [[قيمة كل إنسان ما يحسنه]] وهذه الكلمة لو كتبت بماء الذهب ما أنصفاها ماء الذهب، حتى يقول ابن عبد البر: "ما عرف بعد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أحسن من هذه الكلمة، قيمة كل إنسان ما يحسن " وورد عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[كفى بالعلم فخراً أن يدعيه من ليس من أهله]] تجد الجاهل الرعديد البليد يقول: عندي من العلم ما يكفيني، فكفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله.

    العلم قرين الإيمان والفهم والتعقل

    والله عز وجل ذكر أهل العلم في القرآن، فقرنهم بالإيمان، فقال: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ [الروم:56] فقرن الله الإيمان بالعلم، وأتى الله عز وجل بالعلم في مقام الشهوات لما ذكر قارون عندما خرج على قومه في زينته، قال أهل الدنيا، أهل الجهل، أهل المادة: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79] فماذا قال أهل العلم، قال: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ [القصص:80] خافوا من الله، استحيوا من عذاب الله، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [القصص:80] فانظر كيف وقفوا هناك في موقف الشبهات، ووقفوا هنا في موقف الشهوات.

    والله عز وجل ذكر أهل العلم في القرآن بالفهم والتعقل والتثبت والتؤدة فقال: وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] ما يفهم العبر ولا يفهم النصائح إلا أهل العلم، وذكرهم الله بالحفظ في كتابه فمدحهم فقال: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49].

    في صدروهم كأنها مسطَّرة ومكتوبة، لأنهم وعوها، فانظر إلى هذا الشرف العظيم، والله عز وجل دائماً يذكر العلم في معرض إرسال الرسل، حتى لما ذكر الله الكلاب، ميز الكلب المعلم عن الكلب الجاهل، قال: مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ [المائدة:4] فجعل الكلب المعلم إذا صاد فصيده حلال بشروط، وأما الكلب الجاهل فصيده لا يجوز، لأنه ما درس، وما تخرج في مدرسة، وما عنده شهادة.

    وميز الله حتى في البهائم ما منـ     ها يعلم عن باغ ومغتشم

    ولذلك احتاج الإنسان إلى أن يورد هذه النصوص بما تردد في الساحة وسوف نأتي إليه في العنصر الرابع من تقليل شأن العلم، ومن تهوين شأن العلماء في بعض الأوساط، ومن الدعوة إلى الانطلاق، وترك البيوت والمكتبات والحلق، وأن الأمة غارقة في حمأة آسنة، وأن الإنقاذ لا يتأتى لها من الركود وإنما يتأتى لها من الانطلاق، فكان لزاماً علينا أن نورد هذه الآيات، والله يقول لرسول الدعوة عليه الصلاة والسلام: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].

    قال الإمام البخاري في الصحيح في كتاب العلم: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، حياك الله أيها الإمام البخاري، ولا فض فوك، وما أحسن ما دبجت ووشحت ونسقت!

    وصدق حين بدأ بالعلم قبل القول والعمل، فرسالة بلا علم جهل، وتعليم للناس بلا فهم ضلال، ودعوة بلا قال الله قال رسوله عليه الصلاة والسلام خسارة وتباب، فوجب على الدعاة، وأهل الصحوة، والمقبلين على الله أن يتعلموا، ثم ينطلقوا، وأن ينطلقوا يتعلموا حتى يلقوا الله عز وجل، واسمع إلى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام الذي فجر الكلمة الصادقة في الأمة، والذي جاء إلى أمة الصحراء، الأمة المسكينة، التي ما تعرف حتى بناء البيوت، ولا تسقيف المنازل، ولا الخياطة والنساجة، الأمة الجاهلة، الأمة الأمية التي أحياها الله برسالة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    إن البرية يوم مبعث أحمد      نظر الله لها فبدل حالها

    بل كرم الإنسان حين اختار من     خير البرية نجمها وهلالها

    لبس المرقع وهو قائد أمة      جبت الكنوز فكسرت أغلالها

    لما رآها الله تمشي نحوه     لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

    وأمدها مدداً وأعلى شانها      وأزال شانئها وأصلح بالها

    والله يمتن على الأمة الأمية الجاهلة التي ما سجدت في عمرها لله، وما عرفت الوضوء بالماء، وما عرفت أن تقول لا إله إلا الله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2]

    إي والله، ضلال لا يعلمه إلا الله، ضلال الخرافات، ضلال الشركيات، ضلال الجهل والتخلف، ضلال التبعية والتقليد، ضلال الذلة والصغار لأمم الأرض، فلما أتى صلى الله عليه وسلم ماذا فعل: هل قال للناس إنكم بحاجة إلى مصانع أو صوامع للغلال أو الحبوب، أومنتجات، أو مشروبات، أو مأكولات؟

    نعم. كلهم بحاجة إلى هذه الأمور، لكنها ذرة في مسألة، وفي رسالته التي جاء من أجلها صلى الله عليه وسلم، أعرض عن هذه تماماً وتركهم في بيوت الطين، يركبون الحمير والجمال، ويأخذون الماء على ظهورهم في القرب، ويأكلون خبز الشعير، لكنه عقد الندوات والحلقات، وأرسل العلم في الدنيا، ليحرر الإنسان من جهل الخرافة، لأنه إذا تعلم فسوف يفجر الدنيا، وسوف يوجه البشرية إلى بر الأمان والسلام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537796

    عدد مرات الحفظ

    777199271