إسلام ويب

خطر ممنوع الاقترابللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن هذا الدين دين شامل لكل جوانب الحياة، وقد حذرنا الله من مخالفة أحكام الدين ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرنا من التلاعب بالدين وأمرنا أن نوقر الدين ونأخذه بجميع أحكامه في كل أمورنا، وحذرنا من الشبه التي يبثها أعداء الدين ليفسدوا جمال الدين وأحكامه، ووعدنا بأننا إذا التزمنا الدين، وحكمناه في جميع مجالات حياتنا رزقنا الله النصر والأمان والاطمئنان.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره نستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    وبعد شكري للواحد الأحد الذي جمعني بكم أشكر مكتب التوعية بـجدة، على تنظيمه لهذه المحاضرات واللقاءات والأنشطة، وقبل أن أبدأ في المحاضرة كما أعلن عن عنوانها: خطر ممنوع الاقتراب.

    لا يتصور متصور أني أنذركم بحرب ضروس سوف تطحن المنطقة، فأنتم أهل الحروب وأنتم أهل بدر وأحد، وأهل حطين والقادسية، وأهل اليرموك وعين جالوت، وأهل أفغانستان، ثم إني أعلم أن سندكم الله تبارك وتعالى تتوكلون عليه، وتفوضون أمركم إليه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58] فإذا توكل الفاني القصير الضعيف على الحي الذي لا يموت، فلماذا يخاف؟

    أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في ابتهالات من الشعر يوم كان الشعر موحداً ومؤمناً، يوم كان ينطلق من المسجد يقول:

    أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت     على شرجع يعلى بخضر المطارف

    ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة     يصابون في فج من الأرض خائف

    إذا فارقوا أوطانهم فارقوا الأذى     وصاروا إلى موعود ما في المصاحف

    ما معنى الكلام؟

    يقول: يا رب! إذا حانت ساعة منيتي فأسألك ألا تقتلني على فراشي، بل ارزقني الشهادة في سبيلك، واجعلني أموت تحت صقع السيوف وضرب الرماح.

    فهذه كانت نفسية المسلم يوم كان يحمل لا إله إلا الله، ويحمل حسبنا الله ونعم الوكيل، ويحمل إياك نعبد وإياك نستعين.

    ثم يقول المسلم الأول:

    إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا     صدود الخدود وازورار المناكب

    صدود الخدود والقنا متشاجر     ولا تبرح الأقدام عند التضارب

    يقول: إذا أردنا أن نفر في المعركة صدت فقط خدودنا وبقينا ثابتين نطلب النصر من الله.

    تعددت الأسباب والموت واحد

    ثم لا أخوفكم الموت وما يتكلم به المهرجون من تخويف البشر؛ فليس عندنا من ذلك شيء، والله يقول: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة:52] فلماذا الخوف؟

    ولماذا الهلع؟

    ولماذا الجبن؟

    أما مات كثير من الناس حبطاً؟

    أما مات كثير من الناس بجرعات من الخمر؟

    أما تزلج بعضهم على الثلج فانكسر ظهره فمات؟

    أما وجد أن بعضهم مات على بعض الجرائم؟

    فقضية أن يموت المسلم على لا إله إلا الله ليس في ذلك من خطر، ولكن للمحاضرة معنىً آخر ومساراً آخر، وأعلم أن الذين أمامي هم أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وصلاح الدين وطارق بن زياد، وهؤلاء علَّموا الناس الموت، ولقنوا الناس دروس الهلاك، ووزعوا المنايا على النفوس التي لا تؤمن بالله، فما الخوف وما الجبن وما الرعب وما شبح الموت الذي نصب أمام الناس إلا شيء من أساطير الأولين وخرافات العاجزين الجبناء.

    نعم: (خطر ممنوع الاقتراب) إنه إنذار لكل من تسول له نفسه أن يقترب، إنها كلمة يعتادها رجال المرور والمشاة، ولكنها بمعنىً إسلامي خالد يعتادها المؤمنون بالله عز وجل ألا يقتربوا من حدوده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    وإن لهذه الكلمة دلالة خاصة يعرفها المسلم يوم يطالع كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    إن (خطر ممنوع الاقتراب) هبطت مع الإنسان يوم هبط من بطن أمه، ونزلت معه يوم رسا على الأرض، وأتت مع النداء العلوي: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8].

    أمر عليه الصلاة والسلام -كما في سنن أبي داود بسند صحيح- أن يؤذن في أذن الطفل إذا ولدته أمه لينشأ على لا إله إلا الله من أول لحظة، وقد فعلها صلى الله عليه وسلم مع الحسن بن علي فما ولدته أمه حتى أخذ أذنه وأذن في أذنه بالنداء العلوي: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لينشأ مؤمناً موحداً من أول لحظة.

    ولدتك أمك يابن آدم باكياً     والناس حولك يضحكون سرورا

    فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا     في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

    ونزلت هذه الكلمة العلوية مع قوله سبحانه تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:1-3] وتواكب هذه الكلمة خطر ممنوع الاقتراب قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6].

    يا أيها الإنسان الضعيف! اتصل بالقوي.

    يا أيها الإنسان الفاني! اتصل بالباقي.

    يا أيها الإنسان الفقير! اتصل بالغني.

    قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:26-27] من يسمع ويطالع ويقرأ يرى أن الناس جعلوا مقاليد الأمور بيد البشر، وكأنه ليس على العرش إله استوى، يتصرف في الأمور كل يوم هو في شأن، يخلع ويولي، ويفقر ويغني، ويهدي ويضل، ويحي ويميت، ويضر وينفع، فما هو أثر هذا التوحيد في كتابات الناس، وفي صحفهم وإذا عاتهم؟

    ما أثر لا إله إلا الله؟

    وما أثر حسبنا الله ونعم الوكيل؟

    وما أثر إياك نعبد وإياك نستعين؟ في مقدرات الأمة وما تقرأ وما تسمع لتتصل بالباري: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3] فالأمر من عند فاطر السماوات والأرض، فهو الذي يقرر مصائر الشعوب ويقرر الحروب، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

    وهذه المحاضرة على فصلين:

    الفصل الأول: خطورة للتقدير والتوقير.

    والفصل الثاني: خطورة للإنذار والتحذير.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522490

    عدد مرات الحفظ

    777111230