إسلام ويب

يا حبذا الجنة واقترابها!للشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وقد حث الله سبحانه وتعالى ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأمر العظيم، فتسابق رجال الإسلام إليه من الصحابة والتابعين وأتباعهم.

    وفي هذه المادة ذكر لبعض مواقف هؤلاء الأبطال.

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    من حكمة الله عز وجل أن جعل من أسباب ثبات هذا الدين أن يقوم علم الجهاد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25] فالرسل تأتي بالبينات، وهذه البينات لا تثبت إلا بحديد وقوة وجهاد، فديننا مصحف وسيف، وكان رسولنا عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس ويقاتل أمامهم؛ يقوم في الليل قارئاً وتالياً وعابداً وناسكاً، ويحمل السيف في النهار مقاتلاً ومجاهداً ومتقدماً، وكان من لوازم هذه الفترة التي لا تنسى أن نتكلم عن الجهاد الذي عاشه أسلافنا والناس جميعاً لا يعترفون إلا بالقوي، ولا يحترمون إلا القوي إذا لم يكن هناك دين وورع ومخافة من الله.

    والعرب في الجاهلية كان بعضهم يزري على بعض بضعفه وذلته وعدم قتاله، يقول أحد شعرائهم وقد سُرقت إبله، فذهب إلى قبيلته يستنجدهم فما أنجدوه وما نصروه، فقال في مقطوعة له:

    لو كنت من مازنٍ لم تستبح إبلي     بنو اللقطية من ذهل بن شيبانا

    يقول: أنا لو كنت من آل فلان، ما أخذ إبلي آل فلان، لكني منكم وأنتم جبناء:

    قومٌ إذا الشر أبدى ناجذيه لهم     هبوا إليه زرافات ووحدانا

    لا يسألون أخاهم حين يندبهم     في النائبات على ما قال برهاناً

    فلامهم على ضعفهم وجبنهم وذلهم.

    وهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه يأتيه أناس يشكون أن أحد الشعراء يسب قبيلتهم، قالوا: يا أمير المؤمنين! سبنا وشتمنا وجدعنا، قال: ماذا يقول فيكم؟ قالوا: يقول لنا:

    قُبيِّلَةٌ لا يغدرون بذمةٍ      ولا يظلمون الناس حبة خردلِ

    فهل هذا سب أو مدح؟ هو مدح عند أهل الإسلام لكنه عند أهل الجاهلية سب، قبيِّلة يعني: صغيرة ذليلة.

    قال عمر: يا ليتني منهم، وهو لا يدري أنه سب، قالوا: يا أمير المؤمنين! يعني أننا جبناء.

    ولا يردون الماء إلا عشيةً     إذا صدر الوارد عن كل منهلِ

    قال: هذا أحسن للزحام، يقول: ما يأتون بالإبل إلا إذا صدر الناس عن الماء من الخوف والخور، قالوا: يا أمير المؤمنين يسبنا ويجدعنا، فعرف عمر رضي الله عنه وأرضاه فأدب الشاعر، يقول زهير:

    ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه      يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلمِ

    فأمر الله عز وجل بالجهاد، وحمل لا إله إلا الله والسيف للقتال، ومبارزة العدو، وقد فعلها خلفاء الإسلام فهذا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لما رأى أن الأمر سوف يخرج من يده في حروب الردة، وقد قال عمر: أرى أن نفاوضهم، وكأنها مسائل فنية فنعرض الأمر مثلاً على مجلس الأمن، فإن قرر بالأغلبية قاتلناهم، لكن تحول أبو بكر إلى أسد وصعد المنبر، وقال: [[والذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لقاتلتهم عليه]] قال الصحابة: لا نرى قتالاً، قال: [[والذي نفسي بيده لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة]] ثم استدعى خالداً، وأعطاه الراية من على المنبر،.. ثم أدب المارقين تأديباً عظيماً، فعادوا ودخلوا في دين الله، فهذا هو منطق القوة.

    عمر بن الخطاب أتاه الهرمزان يفاوضه على الصلح، يقول: نعطيكم بعض الأراضي، واتركوا لنا بعض الأراضي، كان يظن المسألة مسألة الضفة الشرقية والضفة الغربية لكن المسألة ليست مسألة أراضي أو رمال، بل المسألة أن تهيمن لا إله إلا الله في الأرض، فـعمر لا يكتفي بـإيران، أو تركيا أو أفغانستان يقول: هذه الأرض لا بد أن تفتح كلها بلا إله إلا الله، إما أن يجيبوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لماذا المفاوضة على الأرض؟ فهو لا يسمع مفاوضة على الأرض، فأرسل سعد بن أبي وقاص بجيش عرمرم عداده اثنان وثلاثون ألفاً كل واحد منهم في قلبه لا إله إلا الله، يحمل الموت ويصدق اللقاء، وفتحت الأرض حتى يقول الشاعر:

    يا من يرى عمراً تكسوه بردته     والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه

    يهتز كسرى على كرسيه فرقاً      من خوفه وملوك الروم تخشاه

    وهذا معاوية يختلف مع علي رضي الله عنه وأرضاه وكلٌ مجتهد والحق مع علي، فيكتب ملك الروم لـمعاوية كتاباً يقول فيه: يا معاوية أجتمع أنا وإياك على علي لتستتب لك الخلافة، فهذا الكلب عدو الله وجدها فرصة أن علياً متشاجر مع معاوية، فيدخل في صراع ضد علي بن أبي طالب، فلو كان غير معاوية، لقال: حيهلاً وسهلاً، فكتب له معاوية: [[من معاوية بن أبي سفيان إلى كلب الروم.

    أمَّا بَعْد..

    فوالذي نفسي بيده إن تقدمت بكثيب -يقصد الأرض- أو عبرت بسفينة البحر، لأجتمعن أنا وابن عمي علي بن أبي طالب عليك، فالحذر الحذر!]] يقول: أنا وعلي تحت مظلة لا إله إلا الله، فابن عمي يحمل: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وأنا أحمل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ابن عمي يصلي كما أصلي، ويصوم كما أصوم، أما أنت فمجرم، فلا تقترب أبداً، ولو اقتربت، اجتمعت معه ضدك.

    المعتصم وفتح عمورية

    وتستمر الحال، ويحاول الروم -أهل الصليب- أن يجربوها تجربة خاطئة مع المسلمين، وقد حدث في سوقهم في عمورية في شمال تركيا أن أتت امرأة ضعيفة مسلمة، فلما عرضت ما معها في السوق وكانت وحيدة، ليس في السوق مسلم إلا هي وأعرابي عنده بضاعة في السوق، فقام روميٌ، فلطمها على وجهها، فصاحت: وامعتصماه! من هو المعتصم؟ إنه الخليفة في بغداد، أمير المؤمنين، المعتصم أخو المأمون وابن هارون الرشيد والمعتصم هو الخليفة العسكري الذي كان يأخذ السيخ ويكتب به اسمه في الهواء، كان يربط رجليه في وتدين، ثم يقفز فيكسر الوتدين، ويقطع الحبال، ويعتلي على ظهر البغلة، يقول أهل التاريخ: لم يكن أقوى منه جسماً، قالت المرأة: وامعتصماه! فتضاحك الروم، وقالوا: انتظري للمعتصم حتى يأتي على فرسه الأبلق لينصرك في هذا المكان، بيننا وبين المعتصم ما يقارب ألف ميل، فذهب هذا الأعرابي من السوق إلى بغداد ودخل، قال: أريد الإذن من أمير المؤمنين، قال الحرس: ماذا تريد؟ قال: أمرٌ خطيرٌ، فأدخلوه، ومثل أمامه، قال: يا أمير المؤمنين! كنت يوم كذا وكذا في سوق عمورية، فضُربت امرأة مسلمة بين الكفار، فصرخت باسمك من عمورية تقول: وا معتصماه! فتضاحكوا، وقالوا: انتظريه على فرسه الأبلق لينصرك، فوثب من على الكرسي، وثبة معناها أن يقف له التاريخ، قال: والذي لا إله إلا هو لا يصل رأسي ماءٌ من جنابة حتى أنصرها بإذن الله، القتال القتال، أعلنوا في الأقاليم من يستطيع حمل السلاح ويتخلف فإن عقوبته الإعدام، وجهز جيشاً عرمرماً عداده تسعون ألفاً، وجعل إمامه في الصلاة أبا يوسف القاضي الحنفي العالم، وبدأ الاستغفار والتوبة والعودة إلى الله، ثم مضى بالجيش، ولما وصل حدود الروم بدأ يحرقها مدينة مدينة، أول مدينة وصل إليها بدأت النيران تشتعل في الروم، ثم قال: أين عمورية؟ قالوا: يا أمير المؤمنين! في الشمال، قال: يأتيها حسابها.

    لما رأت أختها بالأمس قد خربت      كان الخراب لها أعدى من الجربِ

    يقول أبو تمام: كل مدينة تغار من الأخرى، يقول: فالخراب يسعى فيها أعدى من الجرب في الغنم، ووصل إليها هناك، قال: هذه عمورية؟ قالوا: نعم، قال: الله أكبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، قالوا: نفاوضك على الصلح، قال: حتى أرى حريقاً في المدينة، لا صلح حتى أرى الحصون تحترق، وبدأت الحصون تحترق، وأتى فارس الروم، فقال: من يبارز؟ قال المعتصم: أنا أبارزك، فنـزل المعتصم، فلما برز، قام المعتصم -من الشجاعة- فخلع الدرع من على صدره وقد كان من أشجع الناس، فالتقى بالرومي، فضربه الرومي، فنشب سيف الرومي في درع المعتصم فأخذ المعتصم سيفه، فضرب الرومي، فقسمه نصفين، ثم بدأت المعركة، فسحقهم سحقاً عظيماً، فلما دخلها قال: لن أخرج من المدينة حتى يأتي الرجل الذي ضرب المرأة، فاجتمعوا وقالوا: هذا هو المجرم، فأتوا به، قال: أين المرأة؟ فأتوا بالمرأة، قال: يا أمة الله! أنا المعتصم، وهذا هو الرجل الذي لطمك، فهو عبدٌ لك إن شئت أعتقتيه لوجه الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، وإن شئت فهو مولى لك، قالت: قد أعتقته يا أمير المؤمنين!

    أحوال المسلمين اليوم مع الجهاد

    وأما اليوم فـ:

    ربَّ وا معتصماه انطلقت      ملء أفواه الصبايا اليتمِ

    لامست أسماعهم لكنها     لم تلامس نخوة المعتصمِ

    أمتي هل لكِ بين الأممِ     منبرٌ للسيف أو للقلمِ

    أتلقاك وطرفي حاسرٌ     خجلاً من أمسك المنصرمِ

    ألإسرائيل تعلو رايةٌ     في حمى المهد وظل الحرمِ

    أوما كنت إذا الموت اعتدى     موجةً من لهبٍ أو من دمِ

    كم من امرأة اليوم تقول: وا معتصماه! واإسلاماه! في أفغانستان وفلسطين والفلبين ولا يجيبها مجيب، كم من طفل يقتل! كم من مسجد يهدم! كم من شعيرة لله عز وجل تسحق! ثم لا مجيب يجيب! بلغت الأمة من الذلة والمهانة يوم تركت الجهاد وتخلت عن الدين مبلغاً لا يعلمه إلا الله، يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم} وبيع العينة منتشر وهي أن تباع السلعة من الرجل ديناً، ثم يشتريها بثمن أقل قسطاً قسطاً ومقدماً وهذا موجود وفاشٍ.. {وأخذتم أذناب البقر} تتحول الأمة من أمة جهاد إلى أمة مزارعة، والزراعة ليست حراماً، لكن أبطال الإسلام وشباب لا إله إلا الله وحملة التوحيد يتحولون إلى باعة بطاطس، وخيار وباذنجان وجرجير وخس في الأسواق، ويصبح حمل السلاح لا يطيقه إلا القليل، ويصبح الآلاف من الشباب لا يستطيع أحدهم شحن المسدس والرمي به، ولا يحمل الرشاش، بل أجزم جزماً لو اعتدي على كثير من البيوت الآن لما استطاع الشباب المدافعة عن بيوتهم، بعضهم لا يملك سلاحاً، عندهم سكاكين للبصل في المطبخ، والسلاح أصبح كيماوي ومزدوج، وبعضهم عنده سلاح لكنه لا يستطيع أن يرمي، ولا يصيب الهدف، وما لديه تدريب قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] والرسول عليه الصلاة والسلام ربى شبابه على القوة العسكرية وعلى حمل السلاح والأنفة، اسمع إلى أبي تمام يصور معركة المعتصم في عمورية، لما انتهى المعتصم، وعاد إلى بغداد، عاد وعلم النصر فوق رأسه والعلماء يبكون لنصر الله ويفرحون، واستقبلته الأمة ونساء الأمة وأطفال الأمة، لأنهم أثبت عدة للا إله إلا الله، وقف أبو تمام يحيي هذا البطل ويقول:

    السيف أصدق إنباءً من الكتبِ     في حده الحد بين الجد واللعبِ

    فتح الفتوح تعالى أن يحيط بـه     نظمٌ من الشعر أو نثرٌ من الخطبِ

    يا يوم وقعة عمورية انصرفت     عنك المنى حفلاً معسولة الحلبِ

    ثم قال:

    تدبير معتصمٍ بالله منتقم     لله مرتقب في الله مرتغب

    ثم يروي أبو تمام قصة المنجمين الذين أتوا قبل المعركة إلى المعتصم وقالوا: لا تحاربوهم هذا الشهر، قال: ولمَ؟ قالوا: لأن برج الثور حل علينا، وبرج الثور إذا حل، لا ينتصر المقاتل، قال: آمنت بالله وكفرت بكم، قال: أبو تمام:

    أين الرواية أم أين الدراية كم     صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذبِ

    طلاسم وأحاديثٌ منمقةٌ     ليست بنفع إذا عدت ولا غربِ

    فالنصر في شهب الأرماح لامعةً     بين الخميسين لا في السبعة الشهبِ

    فالنصر في السيوف وليس في النجوم، إلى أن يقول في آخرها:

    لما رأت أختها بالأمس قد خربت      كان الخراب لها أعدى من الجربِ

    إلى أن يقول للخليفة: أنت لست الذي انتصر، بل الله الذي رمى بك: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]:

    رمى بك الله جنبيها فهدمها     ولو رمى بك غير الله لم يصبِ

    إنه تدبير الله وقوته إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] إن يخذلكم بأعمالكم وتصرفاتكم وأكلكم الربا وسكوتكم على المنكرات؛ تبرج النساء، وانتشار المخدرات، وضياع الشباب: وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] من يقدم لكم النصر؟ فهذه أمور عاشها السلف.

    موقف هارون مع نقفور

    هارون الرشيد كانت تسلم له الجزية من كل الأقاليم، وكان يحكم اثنين وعشرين دولة من دول العالم الآن، وهو في بغداد، وقد صعد مرة على قصره في بغداد، وكان مكتوباً على سيفه الحاج الغازي هارون الرشيد، يغزو سنة ويحج سنة، وكان يتنفل في النهار مائة ركعة، صعد على القصر وكان يستبشر بالمطر، فالناس في قحط، فمرت سحابة، قال: اللهم اسقنا الغيث، اللهم اسقنا الغيث، فمرت السحابة، فتبسم وقال: أمطري أنى شئت، فإن خراجك سوف يأتيني إن شاء الله، يقول: اذهبي حيثما شئت، إن تريدين الذهاب إلى إفريقيا، فـإفريقيا في حكمي، وإن تريدين آسيا إلى السند، فـالسند لنا، وإن تريدين الشمال إلى طاشقند فـطاشقند لنا.

    ماتت امرأة كانت تحكم الروم، فتولى نقفور بعدها، فكتب لـهارون الرشيد كتاباً، وهو لا يعرف هارون الرشيد يقول: أمَّا بَعْد:

    فإن المرأة التي كانت قبلي كانت ضعيفة العقل، وكانت تدفع لك الجزية، وأما أنا الآن فلن أدفع لك درهماً ولا ديناراً، فوصل الكتاب وقرأه هارون الرشيد، ومن الاستهتار به أنه لم يكتب في ورقة أخرى، بل أخرج القلم وكتب:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم.

    أمَّا بَعْد.. فالجواب ما تراه لا ما تسمعه.

    ثم قال لقائده: جهز جيشاً، فجهز جيشاً وما أمسى إلا وقد طوق الروم وأخذوا قائدهم وكتفوه، وقالوا له: هل تدفع الجزية؟ قال: أدفع الجزية، قالوا: مضاعفة، قال: مضاعفة، فقد كانوا يدفعون على الواحد عشرة دراهم، فجعل هارون على الواحد عشرين درهماً.

    ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه      يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلمِ

    أما نصف البيت فنؤمن به، وأما نصفه الآخر فنكفر به، ولكن نقول:

    تعدو الذئاب على من لا كلاب له     وتتقى مربض المستأسد الضاري

    فالأمة تعيش في سؤدد وقوة وعظمة حتى يتخلى الناس عن الجهاد، ويتولى جيلها وشبابها عن حمل السلاح، وحتى يكون الكافر المستعمر يدرب قوته، ويجرب سلاحه.

    تخاذل العلمانيين عن الجهاد

    في الحرب العالمية الثانية أدخلت أمريكا الفتيات في الجيش، ونحن نقول: لا، هذا حرام وخطأ، والعلمانيون يدخلون شبابهم في الجيوش، ويحولون الثانويات إلى جيش، لكن اهتمامات شبابنا إلا من رحم ربك، سطحية.. افتح يا سمسم.. جمع الطوابع.. المراسلة.. هواية صيد الحمام وصيد الدجاج.. السفر إلى بانكوك وباريس.. التصفيق.. المنتخب، إننا نحتاج إلى حمل سلاح، وإلى جهاد في سبيل الله، ونسأل الله أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يوفق ولاة الأمر لما يحبه ويرضاه، وأن ينصر بهم الدين، وأن يحمي بهم مقدساته، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً [التوبة:41] هذه الآية يستشهد بها صدام في الإذاعة، في بيانه الرسمي يقول: انفروا خفافاً وثقالاً، لحماية المقدسات.

    قلنا: أنت يا صدام آخر من تنفر، فأنت تنفر لكن على الأطفال والنساء، وعلى أعراض المسلمين، وأنت تنفر لكن على الجيران وهدم البيوت وتمزيق المصاحف، وأنت تنفر لكن لهدم المساجد ولقتل الدعاة والعلماء، فأنت آخر من يتكلم عن المقدسات، أما من ينفرون خفافاً وثقالاً، فهم أبناء التوحيد وأتباع محمد عليه الصلاة والسلام، وأنصار لا إله إلا الله، ليسوا بأتباع ميشيل عفلق والبيطار، أنت لا يحق لك أن تتكلم، لأنك نجس، ولا يجوز أبداً أن تدخل البيت إلا بعد أن تسلم، إذا قلت: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ودخلت في الإسلام، وسجدت لله، وحكمت الشرع في شعبك، وكففت عن سفك الدماء، فعندما تنادي بحماية المقدسات، أما الآن فلا يجوز لك أن تطوف أو تسعى أو تتكلم عن المقدسات، غيرك الذي يحمي المقدسات: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10].

    فالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة لمن ترك هذه التجارة، فكأن السائل يقول: ما هي التجارة؟ قال تعالى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصف:11-12] فلما علم الله من أوليائه أنه يحبهم وأنهم يحبونه، قال: وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا [الصف:13] فما علموا ما هي الآخرى حتى بينها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا هي خصلةٌ من الجهاد نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف:13] ولكن النصر والفتح القريب من الله ينـزله على أوليائه متى شاء، فتقدم أهل السلاح يحملون أرواحهم على أكفهم وفتح الله لهم السوق، فأتوا من الصباح، فعرضوا السلعة، وقالوا: من يشتري؟ قال الله: أنا أشتري، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم وأما الثمن فالجنة، وأما السلعة فأرواحكم، قال: تبيعون؟ قالوا: نبيع، فتبايعوا في السوق، ثم قام الأولياء عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: هل تريدون أن تردوا البيعة؟ قالوا: لا، ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، وتمت البيعة، والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإذا تفرقا فقد وجب البيع.

    ومن الذي باع الحياة رخيصةً      ورأى رضاك أعز شيءٍ فاشترى

    أم من رمى نار المجوس فأطفئت     وأبان وجه الصبح أبيض نيراً

    ومن الألى دكوا بعزم أكفهم      باب المدينة يوم غزوة خيبرا

    موقف للبراء بن مالك في جهاد الكفار

    حضر المسلمون معركة تستر بين المسلمين والكفار، وكان قائدها أبا موسى الأشعري فالتقوا، فإذا جيش الكفار أكثر من المسلمين، قال: يا براء بن مالك! تعال.

    والبراء بن مالك ثيابه مقطعة، ليس عنده دراهم، ولا قصر أو سيارة ولا رصيد أو شيكات، ولا شيء عنده إلا لا إله إلا الله، قالوا: نسألك بالله أن تقسم على الله اليوم أن ينصرنا، قال: سبحان الله! قالوا: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنك إذا أقسمت على الله أبر قسمك، ففي صحيح البخاري: {أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخت البراء يريد القصاص منها، لأنها كسرت ثنية امرأة أخرى، فقال صلى الله عليه وسلم للمرأة هذه أن تأخذ دية، وهي تقول: لا بد أن تكسر ثنية الربيِّع أخت البراء، فقال صلى الله عليه وسلم: لا بد من القصاص، حكم الله، قال البراء بن مالك: يا رسول الله! تكسر ثنية الربيِّع؟ قال: نعم قال: والله لا تكسر ثنيتها -سبحان الله! يحلف على أمر عظيم- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى تلك هل ترضى بالأرش، بعد ما حاور، فذهبوا، فرضيت، قال عليه الصلاة والسلام: ربًّ أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك

    } ودخل عليه أخوه أنس وإذا هو رافع رجلاً على رجل، وهو منقعر على ظهره، ويرفع النشيد الإسلامي داخل البيت، قال أنس: تنشد وأنت من الصحابة؟! لكن كان نشيده إسلامياً قوياً، كان نشيده يصل إلى القلب، كان نشيده من النشيد الخالد مثل:

    والله لولا الله ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا

    فأنزلن سكينةً علينا     وثبت الأقدام إن لاقينا

    كان نشيده مثل نشيد علي رضي الله عنه:

    أنا الذي سمتني أمي حيدره

    كليث غابات كريه المنظره

    أكيلكم بالسيف كيل السندره

    ونشيد جعفر:

    يا حبذا الجنة واقترابها      طيبةٌ وباردٌ شرابها

    والروم رومٌ قد دنا عذابها     كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها

    عليَّ إن لاقيتها ضرابها

    ليس نشيداً ميتاً، كنشيد الطعام والشراب، أو نشيداً من الذي يميت القلوب، فهذا لم يكن عندهم، قال: تنشد وأنت من الصحابة؟! فقال: اسكت عني، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد قتلت مبارزة مائة فارس، ولن أموت إلا شهيداً، فحضروا تستر، قالوا: تقدم، قال: انتظروني قليلاً، فانتظروه، فذهب واغتسل ولبس أكفانه وتحنط وتطيب، قال: [[اللهم إني أقسم عليك هذا اليوم أن تنصرنا وأن تجعلني أول قتيل]] وبدأت المعركة وقتل أول الناس وانتصر المسلمون: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088514576

    عدد مرات الحفظ

    777058342