إسلام ويب

ساعة الصفرللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • غزوة الأحزاب من أعظم غزوات المسلمين، فيها تجمع أحزاب الكفر لاستئصال شوكة المسلمين والقضاء على دينهم، ولقد بلغ حال الصحابة فيها مبلغاً حرجاً حتى زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وفي هذه الغزوة مواقف عظيمة، وأحداث جسيمة أظهرت ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

    فتصفح هذه المادة لترى هذه الأحداث عن قرب، وتأخذ منها الدروس والعبر.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    ومع حادثٍ آخر، وموقف آخر من مواقف الرسالة الخالدة؛ التي أتى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ومع الإمام البخاري وهو يتحدث لنا عن غزوة الأحزاب، تلك الغزوة كما قال بعض العلماء العصريين: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والصحابة في هذه الغزوة درجة الصفر، أي: أن فيها انتهت الآمال، وانقطعت الحبال، إلا حبل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ حتى يقول الله تعالى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11].

    ضيافة جابر للمصطفى عليه الصلاة والسلام وما فيها من المعجزة

    قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في غزوة الأحزاب وهو يسوق بسنده إلى جابر رضي الله عنه وأرضاه، قال جابر: { بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحزاب إذ عرضت لنا كدية -أي صخرة وهم يحفرون الخندق- قال: فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل عليه الصلاة والسلام إلى الخندق بمعولٍ بيده، وعلى بطنه حجرٌ مربوطٌ من الجوع عليه الصلاة والسلام، قال: فلما رأيت آثار الجوع في بطنه عليه الصلاة والسلام، ذهبت إلى أهلي، وقلت: هل عندكم من شيء؟ قالت: عناق وشيءٌ من شعير، فَذبحتُ العناق وطحنت هي الشعير وعجنته، ثم ذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخبرته الخبر وقلت: يا رسول الله! تعال أنت واثنين معك، قال: فلما انتهيت من كلامي لرسول الله صلى الله عليه وسلم -وكان قد ساره الخبر لئلا يشعر الناس- نادى عليه الصلاة والسلام في أهل الخندق، وقال: يا أيها الناس! إن جابراً صنع لكم طعاماً فحيهلاً بكم -وكانوا مئات من الصحابة من المهاجرين والأنصار، وبلغوا من المجاعة مبلغاً عظيماً الله أعلم به- فلما سمعوا الخبر ألقوا المساحي من أيديهم والمكاتل وهرعوا إلى الصوت زرافات ووحداناً.

    وانطلق أمامهم مربي البشرية، ومعلم الإنسانية صلى الله عليه وسلم- قال جابر: فأتاني من الحياء ما الله به عليم.

    فدخل عليه الصلاة والسلام وقال: يا جابر! أين اللحم؟ قلت: يا رسول الله! في البرمة قال: وأين العجين؟ قلت: هذا هو يا رسول الله، فبصق عليه الصلاة والسلام فيه -بصقاً مباركاً طيباً ألذ من العسل المصفى، وأحلى من الشهد، ودعا الله عز وجل وسمى- ثم قال: يا جابر! أدخل الناس عليَّ عشرة عشرة} فأخذ الصحابة يدخلون عشرة عشرة والرسول عليه الصلاة والسلام صاحب الضيافة في هذا اليوم يدخلهم ويدنيهم صلى الله عليه وسلم، فكلما أكل عشرة قاموا وأتى عشرة، ثم يقوم العشرة فيأتي عشرة، فدخل هذا العدد الكثير، وهو عدد جيشٍ ضخم يريد أن يرد كيد المعتدين عن المدينة المنورة، فلما انتهوا نظر عليه الصلاة والسلام إلى اللحم كما هو لم ينقص شيئاً، وإذا بالشعير بحاله لم ينقص شيئاً.

    لو لم تكن فيه آياتٌ مبينة      لكان منظره ينبيك بالخبر

    ثم قال: {يا جابر! تعال كل، قال: فدنوت فالتفت إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم وقال: أشهد أني رسول الله، فيقول جابر: أشهد أنك رسول الله، فيقول: يا جابر! كل أنت وأهلك واقسم لجيرانك -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- قال جابر: فقسمنا على جيراننا، فوالذي نفسي بيده لقد باتوا على خبزٍ ولحمٍ في تلك الليلة} وقد ذكر الله عز وجل هذه الغزوة وعلق عليها، وندد في كتابه بالمعتدين، وأخبر أنه قطع دابرهم، وفل شوكتهم، وأنه كفى المؤمنين القتال.

    قال جل ذكره وهو يتحدث في سورة الأحزاب عن ساعة الصفر التي بلغها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:9-11] ثم يتحدث الله عز وجل عن المنافقين: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12].

    تجمع الأحزاب لاستئصال المسلمين في السنة الخامسة للهجرة

    وغزوة الأحزاب وقعت حدثاً تاريخياً في واقع المسلمين في السنة الرابعة وقيل في الخامسة، والأصوب أنها في الخامسة، فمن قال في الرابعة ألغى الكسر، ومن قال في الخامسة جبر الكسر، وهذه الغزوة من أشد الغزوات في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكادت هذه الغزوة أن تودي بالرسالة وبصاحبها وأن تجتاح الصحابة والمهاجرين والأنصار، وأن تقطع حبل هذه الرسالة، ذلك أن العرب اجتمعوا في حزبٍ ائتلافي، وكونوا جيشاً يريدون به خوض المعركة ضد المصطفى صلى الله عليه وسلم.

    وهذا الحزب الائتلافي المشرك يتكون من قريش التي بغت على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ويقودها آنذاك أبو سفيان ومن غطفان التي يقودها عيينة بن حصن ومن بني قريظة اليهود الذين نقضوا عهد الله وكفروا برسل الله.

    اجتمعوا عشرة آلاف وتوجهوا إلى المدينة وتعاهدوا وتواعدوا على أن يقاتلوا رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى ينتهي الدين تماماً، وتنتهي لا إله إلا الله من الأرض، وتنتهي الرسالة، فلا يكون هنالك رسولٌ ولا رسالة، ولا مصل ولا صائم، ولا معتمرٍ ولا حاج: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] يقول أحد المفكرين المسلمين: إن المشرك أو الملحد الذي يريد أن يطفئ نور رسالة الإسلام كالطفل الذي ينفخ في الشمس، وهل يطفئ الطفل نور الشمس؟! فهذه رسالته عليه الصلاة والسلام.

    نزل الأحزاب هناك وتمركزوا حول المدينة، وجعلوا النخل وراء ظهورهم، وطوقوا المدينة والرسول عليه الصلاة والسلام داخل المدينة، وتصوروا هذا الحدث العظيم، تصور أنك في قرية من القرى مثل المدينة المنورة أنت وجماعة معك، وينـزل بك عشرة آلاف مقاتل من أشجع شجعان العرب على الإطلاق؛ كل مقاتل يغلي دمه حقداً وحسداً وبغياً وعدواناً على من في المدينة، يقطعون عنهم الإمدادات، المواصلات، وكل ما استطاعوا أن يقطعوه قطعوه، نزلوا هناك، وحق للقرآن أن يتحدث ويقول وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [الأحزاب:10] فالقلب في موضعه لكنه من الخوف يرتفع حتى يبلغ الحنجرة، ضاقت الأمور وزلزلوا زلزالاً شديداً حتى يقول الله: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب:10] حتى أن بعض من أسلم ظن أن الرسالة سوف تنتهي، ولن يعود هناك توحيد في الأرض ولا إسلام، فلما نزلوا هناك اعتد عليه الصلاة والسلام بقوة الله عز وجل، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ واجتمع بالصحابة الأخيار الذين قاتلوا في بدر وأحد؛ أصحاب السيوف البيضاء، وأهل الأيادي الطولى في دين الله عز وجل، واستشارهم ماذا يفعلون؛ فالموقف مربك، أيتركهم يدخلون، ثم يقاتلهم في الزقاق وفي السكك وعلى أفواه الطرق، أم يستسلم ويقدم خطةً استسلامية لينتهي الدين، أم يقدم غرامة مالية وهو لا يملك هو والصحابة ما يملئون بطونهم من الخبز، حتى يربط على بطنه صلى الله عليه وسلم الحجارة، أم ماذا يفعل؟

    لكن الله في السماء.

    فاشدد يديك بحبل الله معتصمـاً     فإنه الركن إن خانتك أركان

    فتوجه إلى الحي القيوم الذي إذا نصر نصر، وإذا هدى هدى.

    واستشار أصحابه عليه الصلاة والسلام، فتقدم الرجل الذكي المدره الداهية سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه.. الباحث عن الحقيقة، الذي أتى يقطع آلاف الأميال ليملأ قلبه بلا إله إلا الله، وبعض الناس يسكنون في بعض الأحياء القريبة من المساجد ويسمعون: لا إله إلا الله تتردد فلا يأتون ولا يستمعون.

    حفر الخندق وما فيه من بشارات

    فأشار سلمان بأن يُحفر حول المدينة خندقٌ لا تخترقه خيول المشركين، فاستجاب صلى الله عليه وسلم لهذا الرأي، وقام الصحابة يحفرون الخندق، وشاركهم المصطفى عليه الصلاة والسلام بحفر الخندق بيده، وقامت المعاول والمساحي تشتغل ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم معهم، كل اثنين من الناس معاً، فأحدهم يحمل المكتل على ظهره، والآخر يعبئ المكتل (الزنبيل).

    والرسول صلى الله عليه وسلم جعل له رفيقاً من هذا الجيش، وهو جعيل، وهو رجلٌ ضعيفٌ، فكان رفيقاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فكان عليه الصلاة والسلام ربما يعبئ له الزنبيل، فيحمله هذا المسكين حتى يوصله إلى المكان الآخر، وربما يحمل صلى الله عليه وسلم الزنبيل، وكان يقول له صلى الله عليه وسلم: يا جعيل! أنت عمرو، فيقول الصحابه:

    سماه من بعدِ جعيل عَمْراً وكان للبائس يوماً ظهراً

    وأخذوا ينشدون هذا النشيد الحبيب ليحركوا النخوة القتالية في نفوس المقاتلين؛ الذين ما أصبح في بطونهم شيءٌ من الطعام، وأوشكوا أن يسقطوا على وجوههم من الجوع، فأخذ ينشد معهم صلى الله عليه وسلم كما قالوا:

    سماه من بعدِ جعيل عَمْراً وكان للبائس يوماً ظهراً

    يقول: عمرا، ويقول ظهراً.

    وأتى عليه الصلاة والسلام في كوكبةٍ من الصحابة وهم يحفرون، فأخذ يردد معهم ويقول:

    والله لو لا الله ما اهتدينا      ولا تصدقنا ولا صلينا

    فثبت الأقدام إن لاقينا      إنا إذا كيد بنا أبينا

    وهذه الأطروحة والأنشودة الغالية أرسلها عبد الله بن رواحة المقاتل العظيم نشيداً للمسلمين، فكان ينشد بها صلى الله عليه وسلم.

    وبينما هو يحفر عليه الصلاة والسلام إذ هو بـزيد بن ثابت قد أخذ سلاحه عليه ونام في الخندق وهو شاب، فأتى عليه الصلاة والسلام يمازحه فحمله بيده، وكان عليه الصلاة والسلام قوي البنية، قوي العاطفة، زعيماً إدارياً يقود الدنيا إلى الله عز وجل، فحمله بيده وقال له: {قم يا أبا رقاد} فتبسم الصحابة رضوان الله عليهم.

    وبينما هم يحفرون، عرضت لهم في الخندق صخرة كبيرة، فتوقفوا عن الحفر؛ لأنها لا تعمل فيها المعاول، ولا تشتغل فيها المساحي، فدُعي الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتى والحجر على بطنه الشريف؛ فأين الذين يرمون الموائد في الزبالات والقمائم. والمسلمون يموتون جوعاً وعرياً وهلاكاً في أفغانستان وفلسطين وإفريقيا وفي كل صقع؟ وهم يموتون في المستشفيات تخماً وحبطاً وتبجحاً بنعمة الله عز وجل.

    فينزل عليه الصلاة والسلام فيطلب فأساً، فيناول فأساً عليه الصلاة والسلام فيضرب الصخرة؛ فتلمع لمعاناً رهيباً في الجو، فيقول: { والذي نفسي بيده لقد أضاءت لي قصور كسرى، وإن الله سوف يفتحها عليَّ، ثم يضرب الضربة الثانية فتلمع الصخرة لمعاناً رهيباً في الجو، ويقول: والذي نفسي بيده لقد أضاءت لي قصور قيصر الروم، ثم يضرب ضربة ثالثة ويلمع البرق العجيب في الجو ويقول: والذي نفسي بيده لقد أضاءت لي قصور صنعاء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فيتغامز المنافقون ويقولون: لا نجد كسرة الخبز وهو تلمع له قصور كسرى وقيصر!

    فلذلك صور الله هذه الصورة ونقلها لنا وهو يبكتهم ويخزيهم -انظر إلى الرسالة الخالدة كيف انتشرت في الأرض- قال سبحانه: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12] يقولون: لا قصور كسرى ولا قصور قيصر ولا صنعاء وإنما هذا غرور وكذب، ولكن بعد خمسٍ وعشرين سنة يسقط إيوان كسرى الطاغية الظالم على وجهه في الأرض، وينصدع بتكبيرات كتائب الإسلام التي دخلت، فهل هذا غرور؟! وهل هذا كذب؟! وهل هذا دجل؟!

    من الذي سجد في صحراء سيبيريا؟!

    ومن الذي أعلن لا إله إلا الله في الأندلس؟

    ومن الذي خاض بحر الجنج إلا أتباع من ضرب تلك الصخرة.

    أرواحنا يا ربِّ فوق أكفنا      نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

    كنا جبالاً في الجبال وربما      سرنا على موج البحار بحارا

    بمعابد الإفرنج كان أذاننا      قبل الكتائب يفتح الأمصارا

    وبينما هو يحفر عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ به الجوع مبلغه، واحمر وجهه من الجوع مع الصحابة، أتاه جابر، فوجد هذا الجائع العظيم وهو يكد ويكدح لصالح: لا إله إلا الله، فذهب إلى امرأته وعرض عليها الخبر، وكانت امرأة صالحة قوامة صوامة، فقالت: عندنا عناق، والعناق عند العرب لا تكفي إلا اثنين أو ثلاثة، فما بالُك إذا كانوا جائعين، وبعض الناس يستطيع أن يأكل عناقين إذا جاع لكبر جسمه أو لتعبه.

    وقالت: وشيءٌ من شعير فذبح جابر العناق، وسلخها وأنزلها في القدر، وأتى بالشعير فطحنته زوجته وعجنته، وذهب ونادى الرسول صلى الله عليه وسلم بصوتٍ خافت؛ لئلا تنفضح المسألة ولا تصبح شائعة فيأتي الناس، فيتكدسون في الشوارع على عناق وعلى شيءٍ من شعير.

    لكن الرسول صلى الله عليه وسلم رفع صوته ونادى الناس، فظن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فهم الدعوة، فقال في نفسه: حسبنا الله ونعم الوكيل، وذهب ووصل الناس مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقدم الطعام، ولكن بركة الهادي صلى الله عليه وسلم، والمعجزة الحقة من رب السماوات والأرض تنزل على هذا الطعام، فيأكلون عشرة عشرة، فينتهون كما سلف في الحديث.

    مبارزة علي رضي الله عنه لعمرو بن ود

    ويعود عليه الصلاة والسلام إلى الخندق، فيأمر بالنساء والأطفال فيلجئهم في الحصون وراء ظهره عليه الصلاة والسلام، ويدعو الأبطال لينـزلوا في أرض المعركة، فينزل ابن أبي طالب ذاك الفارس الذي سجَّل أسطورة الفداء في ذاك اليوم، ويتم والحمد لله حفر الخندق حول المدينة، ويأتي أبو سفيان فيتمركز قريباً من الخندق وتأتي غطفان وتنزل بجانبه، وتأتي قريظة من اليهود، فلما اجتمعوا قال أبو سفيان: إن هذا شيء لا تعرفه العرب، وإنما هو من عند فارس. ويحاول أبو سفيان أن يخترق الخندق ثلاث مرات ولا يستطيع، وفي المرة الرابعة يخترق أحد فرسان المشركين، واسمه: عمرو بن ود وهو من أشجع العرب على الإطلاق، يسمى بيضة البلد، فيخترق الخندق بفرسه يثب به وثباً ويقفز به قفزاً -وسلاحه عليه- فيدعو: من يبارز؟ من يبارز؟ فيبرز له علي بن أبي طالب.

    وعلي في السابعة والعشرين من عمره، وذاك فوق الخمسين، وذاك كأنه اسطوانة، وإن شئت فقل: عمود، فإن عمرو بن ود يصفه المؤرخون: بأنه عظيم جسيمٌ مدره فياض.

    فينزل ويقول: من يبارز؟ فيبرز له علي، هو في السابعة والعشرين من عمره لكنه يتوقد حماساً وغيرة لدين الله عز وجل، فقال له عمرو بن ود: من أنت؟ قال: أنا ابن أبي طالب فقال له: أنت ابن شيخ الأباطح؟ لأنهم يعرفون أبا طالب، قال: نعم، قال: إنك شابٌ وإني لا أحب أن أهريق دمك، أي: لا أحب أن أذبحك أو أن أسيل دمك، يظن الرجل أنه استعد مائة في المائة للذبح، فقال علي: ولكني والله أحب أن أهريق دمك، فنـزل من على فرسه ونزل علي، وكان على علي درع قصيرٌ رضي الله عنه، ولكن:

    عناية الله أغنت عن مضاعفة      من الدروع وعن عالٍ من الأطم

    وتجاولا، وسد الغبار الأفق، وأصبح المسلمون يكبرون من هذه الناحية، والمشركون يقولون: اعلُ هبل، اعلُ هبل، اعلُ هبل، وأصبحت الرؤية منسدة أمام الأعين، والرسول عليه الصلاة والسلام يلتجئ إلى الله أن ينصر هذا الفارس المجاهد؛ فارس الإسلام والمسلمين الذي خرج غيرةً لدين الله، وما أخرجته إلا (لا إله إلا الله) وما وقف في هذا الموقف إلا لينصر شرع الله عز وجل، والله عز وجل يغار، والله يغضب لأوليائه، والنصر للمؤمنين مهما بلغ كيد المعتدين، ومهما ضرب المسلم وأهين، فإن الدائرة على أعداء الله، وينكشف الغبار وإذا بـأبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه -ورحم الله تلك العظام- على صدر الكافر وقد ذبحه كما تذبح الشاة، فيكبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعود علي مرتجزاً ومنشداً أغنية المعركة وهو يقول:

    أنا الذي سمتني أمي حيدره

    كليث غابات كريه المنظره

    أكيلهم بالسيف كيل السندره

    ويلتجئ صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل أن يفك هذا الحصار الذي طوق هذه المدينة، ونحن واجبنا أن نلتجئ إلى الله أن يفك كل حصار على الإسلام، فإنه قد حصر الإسلام في كل مكان، ففي أفغانستان يخنق الإسلام ويموت الأطفال في الشوارع، وعلى مطارح الطريق، وتهدم المنازل على رءوس الشيوخ، وفي فلسطين يأتي أعداء الله من إخوان القردة والخنازير بالهراوات، وما كان لهم أن يعتدوا على أعراض المسلمين لكن:

    رب وامعتصماه انطلقت      ملء أفواه الصبايا اليتم

    لامست أسماعهم لكنها      لم تلامس نخوة المعتصم

    أمتي هل لك بين الأمم      منبرٌ للسيف أو للقلم

    أو ما كنتِ إذا البغي اعتدى      موجةً من لهبٍ أو من دم

    ألإسرائيل تعلو راية     في حمى المهد وظل الحرم

    أين لا إله إلا الله التي تلبي دعوة المسلم من قطرٍ إلى قطر؟ لكن أملنا في الله عز وجل.

    انهزام المشركين بجنود الله والاستكشاف عن أخبارهم

    ويظلم الليل وتهب رياحٌ شديدة وراء الخندق، فتقتلع الأشجار وتأخذ الخيام فتلقيها على الأرض، أما ما دون الخندق -والمسافة بضعة أمتار- فنسيمٌ عليل بارد على القلب، فسبحان الله! يوم يُذكِّر المؤمنين يقول: انظروا كيف أرسلنا الرياح فهي هوجاء عاصفة تلقي بالشجر في هذه الناحية، وفي هذه الناحية نسيم، فيقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا [الأحزاب:9] ريحاً عاصفاً وجنوداً من السماء، وفي تلك الليلة الظلماء الدامسة أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم أخبار المعتدين وراء الخندق، قال حذيفة: كدنا من الظلام إذا مد أحدنا يده لم يرها، فيقول عليه الصلاة والسلام: من يذهب إلى الأعداء ويأتينا بخبرهم؟ فيسكت الناس جميعاً؛ لأن المسألة مسألة موت، لأنهم في جوع، وخوف، ومتلفة، وتعب وإعياء لا يعلمه إلا الله، فيقول صلى الله عليه وسلم: {من يذهب وهو رفيقي في الجنة} انظر إلى الجائزة، ليس هناك دراهم ولا دنانير، ولا مناصب ولا كراسي، ولا سيارات أو وظائف، أو قصور.

    يا حبذا الجنة واقترابها      طيبة وبارد شرابها

    فيسكت المقاتلون، فيقول: {من يذهب وهو رفيقي في الجنة؟ فيسكتون، فيقول: قم يا حذيفة!} وهذا أمر لا يحتاج فتوى، فهذا أمر ولا بد أن ينفذ هذا الأمر إن كنت تؤمن بالله، قال حذيفة: {فلما سمعت اسمي ما كان لي من أمر الله، ولا من أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فقمت وبي من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، وبي من الخوف ما لا يعلمه إلا الله -في ظلام لا يعلمه إلا الله- قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله} انظر ما أحسن الدعاء! وهو الآن أصبح في حراسة وحفظ الله.

    يا واهب الآمال     أنت حفظتني ورعيتني

    وعدا الظلوم عليَّ كي     يجتاحني فمنعتني

    فانقاد لي متخشعاً     لما رآك نصرتني

    فذهب، قال: فوالله ما وجدت للخوف مكاناً في قلبي، وقال: مرةً أحبوا على يدي؛ لأنه في ظلام بين النخل لا يرى يده، ومرة أمشي حتى نزلت الخندق وذهبت ودخلت في جيش المشركين، فوجدتهم حلقاً حلقاً وأبو سفيان يتدفأعلى نارٍ عنده قد أوقدها، وهذا هو القائد العسكري للحملة كلها، وهو رئيس الحزب الائتلافي غطفان وقريش واليهود، قال حذيفة: فلما جلست رأيت الريح ما أبقت لهم خيمةً إلا أخذتها، وأخذت تكفأ القدور من على النار، فتجعله على وجهه: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45] قال أبو سفيان وكان من أذكياء العرب: يا أيها الناس! إن الرياح لم تبق لنا قدراً ولا خيمةً إلا أخذتها، فالتمسوا فإني لا آمن أن يرسل محمد في هذا الليل من يأتيه بخبرنا، قال حذيفة: فقال أبو سفيان: كلٌ منكم يسأل من بجانبه، قال حذيفة: فخفت أن يسألني من بجانبي فسبقت وقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، ونزلت إلى هذا وقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، لأنه لو سكت وقالوا: من أنت؟ وأتى باسمٍ غريب أو كذب لكُشف فسبقهم.

    قال حذيفة: فرأيت أبا سفيان قام على بعيره وقال: أيها الناس! إني مرتحل، كما قال تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً [الأحزاب:25] ردهم والغيظ والنار في صدورهم، لم ينالوا خيراً من الإسلام والمسلمين: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً [الأحزاب:25].

    ثم التفت الله إلى أبناء القردة والخنازير وقال: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً [الأحزاب:26-27] فخرج أبو سفيان، وانفل هذا الحزب الظالم، الذي ائتلف لسحق الحق.

    إصابة سعد بن معاذ وحكمه في بني قريظة ووفاته رضي الله عنه

    أما سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه فله الموقف المشهور يوم الخندق، وإن ننس كل موقف فلن ننسى موقفه.

    فالشاب الذي بلغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً، أما ثلاثون فكانت في الجاهلية، وأما سبعٌ ففي الإسلام، لكنها سبع سنوات تعادل سبعة قرون، لأنه لا يجوز لك بعد أن تهتدي إلا أن تجعل كل دقيقة لله عز وجل، فبعد سبع سنوات جعله الله شهيداً يهتز له عرش الرحمن، حتى يقول بعض المفكرين: بعض الناس يعيش في الإسلام سنة لكنها خيرٌ عند الله من ألف سنة.

    عاش فلما أصبح في هذا السن نزل ليشارك في الخندق وينزل بدرعٍ عليه، فلما تصاول الفريقان أرسل ابن عرقة أحد المشركين سهماً، فوقع في ذارع سعد بن معاذ صاحب الخطب والمواقف المشهودة التي لا تنسى أبد الدهر، أسكن الله تلك العظام الجنة، وسقاه من الحوض المورود، وحشرنا معه وإياكم أجمعين.

    فوقع سهم في ذراعه فقال ذاك الكافر: خذها وأنا ابن عرقة، فقال سعد بن معاذ: عرق الله وجهك في النار، وعاد رضي الله عنه وأرضاه وذراعه يسيل بالدم وتقبل منه صلى الله عليه وسلم هذه الهدية التي رفعها إلى الله وهي نفسه، لأنه وقع السهم في الأكحل، والأكحل عند العرب من أصعب المناطق التي إذا ضربها السهم فإن معناه الموت والقتل، وكان يرتجز لما ضرب بالسهم ويقول:

    لبث قليلاً يشهد الهيجا حمل     ما أجمل الموت إذا الموت نزل

    فيأتي ويسيل دمه قطرة قطرة وجاماً بعد جام، ودفعة بعد دفعة، لكنه يسيل مسكاً أذفر، يلقى الله عز وجل الريح ريح المسك واللون لون الدم.

    فيضرب له صلى الله عليه وسلم خيمةً في المسجد وينـزله فيها ليمرضه من قريب، ويأتيه ويزوره في تلك الليالي ودمه يسيل، وسعد يلتفت إلى القبلة ويرفع يده ويقول: اللهم إن كنت أبقيت حرباً لقريش مع رسولك عليه الصلاة والسلام فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب فتوفني في هذه الساعة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.

    ثم يستمر الحال به، ويزوره عليه الصلاة والسلام، وبينما يفتح صلى الله عليه وسلم قريظة قال: من ترضون أن يكون حكماً بيني وبينكم؟ فقالوا: نرضى بـسعد بن معاذ؛ لأنه كان حليفهم في الجاهلية، وظنوا أنه سوف يداهنهم ويحابيهم، وظنوا أن الصداقة مكانها، ولكن ما دروا أن الأحداث تغيرت، وأن القلوب غير تلك القلوب.

    قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى سعد وأتوا به، فذهبوا إليه فأركبوه على حمار، وكان رجلاً طويلاً، وجهه كالبدر ليلة أربعة عشر، وعليه مطارف -كلما لبس لباساً أثقله وأغرقه من دم ذراعه، فأخذوا يركبونه وحوله صف من الأنصار، وعن يمينه صف وعن يساره صف، ويقودون الحمار ويقولون: يا أبا عمرو! تلطف بحلفائك، أي: حاول أن تشفع لهم، أو مثل هذا الكلام الطائش، فيقول: والله لا تأخذني بالله لومة لائم، فلما وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أيرضى بحكمي من هنا؟ احترام للرسول صلى الله عليه وسلم، قال: نعم. وقال: أترضون بحكمي؟ -يقول: لأبناء القردة والخنازير- قالوا: نعم. فيلتفت ويقول: أحكم فيهم -يا رسول الله- بأن تقتل مقاتلتهم -كل من حمل السلاح يعدم إعداماً- وأن تسبى ذراريهم، وأن تؤخذ أموالهم، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: {فوالذي نفسي بيده لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات!}.

    هذا هو حكم الله في أعداء الله، وقتلة الأنبياء والرسل.

    أخذوا صحيفة الرسول صلى الله عليه وسلم -المعاهدة- يوم دخل المدينة ووقعها فوقعوها: أنه إذا اعتُدي على المدينة أو على أي حيٍ من أحياء المدينة أن يكونوا يداً واحدة، أو على أي حيٍ من أحياء اليهود أن يقوموا يداً واحداً، فأتوا إلى هذه الصحيفة فشقوها، وتفلوا فيها، وداسها بعضهم بأرجله، وقالوا: تنفع محمداً صحيفته، ودخلوا مع أعدائه في حلفٍ وحزبٍ ائتلافي ليهاجموا المدينة فما جزاؤهم إلا هذا.

    وعاد سعد وقام السيف يجزر في أعداء الله حتى ارتفع النهار، وقتل سبعمائة ملك من ملوكهم في الخندق، وسُبيتْ ذراريهم وأُخذتْ أموالهم، وعاد سعد فيسيل جرحه، ويعود صلى الله عليه وسلم سعداً وهو في آخر رمق، وهو يتلفت إلى الحياة وهي زهيدة في عينه، ذهبها لا ينفع، وفضتها لا تجدي، لا مناصب، ولا دور ولا قصور، وإنما الدور والراحة العميمة في الجنة، ويودعه صلى الله عليه وسلم وهو في الرمق الأخير، قالت عائشة: {فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد كنت أنظر من صائر الباب، فأعرف بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من بكاء عمر من بكاء أبي بكر}.

    وأخذ أبو بكر -كما في سير النبلاء للذهبي - يقول: [[واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد]] لأنه هو القائد الشهير في الأنصار، فلما ارتفعت روحه قال في الألفاظ الأخيرة: جزاك الله يا رسول الله، عن الإسلام خير الجزاء، لقد لقينا ما وعدنا ربنا حقاً.

    ثم توفي فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له.

    لعمرك ما الرزية فقدُ مالٍ      ولا شاة تموت ولا بعير

    ولكن الرزية فقد شهمٍ      يموت بموته بشرٌ كثير

    ويقول صلى الله عليه وسلم: أتدرون ماذا حدث لموت سعد؟ قالوا: لا والله، قال: {والذي نفسي بيده لقد اهتز عرش الله لموت سعد} وفي بعض الروايات لما توفي سعد اهتز عرش الله لموته، فأخذت الملائكة بأقطاب العرش يقولون: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

    وأخذ حسان يترنم بمرثية عظيمة وهو من شعراء الأنصار يقول:

    وما اهتز عرش الله من موت هالكٍ     سمعنا به إلا لسعد أبي عمر

    ويحضر صلى الله عليه وسلم مراسيم تشييع الجنازة والدفن، ويكفكف ثيابه، فيقولون: ما لك يا رسول الله؟! قال: {والله ما أرى شبراً في الأرض إلا وفيه ملك، والله لقد شيع سعداً سبعون ألف ملك من ملائكة السماء} ويستحق هذا الفارس البطل الشاب الذي بذل مهجته في سبيل الله، فهنيئاً لأولئك النفر: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171].

    ويعود أبو سفيان، وتعود غطفان وقريش، ويُسحق بنو قريظة سحقاً تاماً، وتنتصر: لا إله إلا الله، وترتفع كما كانت دائماً وأبداً.

    إن هذا الدين لن يموت، إنه يمرض ولكنه لا يموت، وإنَّ أصحابه يمرضون ولكن لا يموتون، وسوف ينتصر -بإذن الله- مهما طالت الأزمان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088529485

    عدد مرات الحفظ

    777151945