إسلام ويب

الدعاة والورقة الرابحةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أهل السنة والجماعة هم وسط بين الفرق، ومن أئمة السنة الشيخ عبد العزيز بن باز، وقد وجه الشيخ لأهل السنة توجيهاً خطابياً فيه من الإرشاد الكثير، واستغله بعض الناس في الكلام على طلاب العلم من أهل السنة، وفي هذا الدرس يوضح الشيخ ما غمض فيها، ويبين أهم معالم أهل السنة والجماعة.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    إخوة الإيمان! حملة التوحيد! رواد العقيدة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    نعم!عنوان هذه المحاضرة: (الدعاة والورقة الرابحة) وقبل أن أبدأ؛ أشكر المولى على أن جمعني بهذا الجمع المبارك الكريم، وأسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يتمم هذا الاجتماع بكم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشكر الزميلين الفاضلين: فضيلة الدكتور/ إبراهيم الهويمل، وفضيلة الشيخ/ أحمد الباتلي، وأتوجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى من هذا المنبر الكريم أن يحفظ إمام السنة، وعالم الأمة في هذا العصر؛ سماحة الوالد الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وله مناسبة ولسماحته مقام في هذه المحاضرة؛ إذ خطابه الذي وجهه إلى الأمة هو الورقة الرابحة للدعاة إلى الله على بصيرة.

    ائذنوا لي قبل أن أبدأ بالمحاضرة أن ألقي على مسامعكم مقطوعة بعنوان: (أسماحة الشيخ).

    أسماحة الشيخ الجليل تحية     تهدى إليك وأنت فيض خطابي

    براقة كجلال وجهك يا أبي     محفوفة بالأهل والأصحاب

    أنا إن مدحتك صرت أمدح مهجتي     فرضيت تلويحاً عن الإعراب

    يا بن الثمانين التي أفنيتها     في العلم والأخلاق والآداب

    يا بن الثمانين التي أهديتها     لله بين هداية وصواب

    يا بن الثمانين التي أمهرتها     للمجد لا لملذة وكعاب

    أنت الصدوق إذا تلعثم كاذب     برقاعة الأسمال والأثواب

    أنت الوفي إذا تعثر خائن     وأتاك بالأحفاد والنواب

    لله درك لم تزل متوقداً     كالفجر في إقدامه الوثاب

    حلفت قلوب الناس إنك صادق     نسب المحبة أعظم الأنساب

    يا عالم الإسلام كل معلم     تلميذكم في هذه الأحقاب

    بالله يا محبوب أي فضيلة     خلفتها للصيد والأحباب

    أسرج فديتك خير جيل محمد     من طنجة الفيحا إلى البنجاب

    عرضي لعرضك من سفيه فدية     سود العيون تصان بالأهداب

    ودمي على مسعاك سال منادياً     شاهت وجوه الزمرة الأذناب

    أهل الحداثة والتفرنج والخنا     هم زعزعوا الإسلام بالأطناب

    مردوا على الكفر العظيم وظاهروا     أسيادهم بالفكر والأسباب

    ورووا خطابك يا كريم فحرفوا     ألفاظه أشباه أهل كتاب

    حملوه من مرض النفوس محاملاً     مغلوطة في الحضر والأعراب

    وتقصدوا أعراضنا بخناجر     مسمومة من صنع ذاك الغاب

    ورموا حمانا بالتطرف ويلهم     من زمرة الأوثان والأنصاب

    يا رب فاقبلنا حماة عقيدة     نرجوك في الأخرى عظيم ثواب

    أيها الكرام البررة! يا تلاميذ المدرسة الربانية؛ مدرسة أهل السنة والجماعة، المدرسة الخالدة التي تستمر وتعطي وتنتج، رضيها الله عز وجل، طائفة منصورة إذا اجتمعت معصومة من الخطأ والزلل، يمثل هذه المدرسة إمامها محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تلاميذها: أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ: محمد بن عبد الوهاب، والشيخ: عبد العزيز بن باز، وهذه المسيرة الرائدة.

    وإنني من هذا المكان أدل الجيل على كتب جيدة علمها من علم! وطرحها من طرح؛ لفضيلة الشيخ الدكتور/ ناصر العقل، فلله دره! كيف أجاد في عرض مذهب ومنهج أهل السنة والجماعة بعرض عصري مع احتفاظه بروح النص، وجلالة المأخذ من الكتاب والسنة، وأنا أدعوه من هذا المكان إلى المزيد من الكتابات والأطروحات في هذا المنهج الخالد وتوضيحه؛ وإنني لألتمس إليه باسمكم -جميعاً- أن يضع كتاباً في مسائل الدعوة والعمل، والخلاف والافتراق، وما للدعاة من مكانة، وماذا يجب عليهم تحت مظلة أهل السنة والجماعة؟!

    أيها الإخوة الكرام! سبق وأن ألقيت محاضرة بعنوان: (كيف يذبح الإسلام؟) وهي طريق إلى هذه المحاضرة التي هي بعنوان (الدعاة والورقة الرابحة) وسوف ألخصها في دقائق، عرض هناك كيف ذبح ديننا بسكاكين إسلامية، أي: أن الإسلام ذبح على الطريقة الإسلامية! ونحن نقول هذا مضطرين دفاعاً عن دين الله عز وجل.

    ذكر الإمام الذهبي أن أحد المحدثين أتته سكرات الموت، وهذا المحدِّث طوال حياته يسمع حدثنا، حدثنا.... ويعيش معها، ويحبها، ويعشقها، ويتلذذ بها، فلمَّا سمع (حدثنا) وهو في سكرات الموت استفاق وجلس. قالوا: تجلس وأنت في سكرات الموت! قال:

    سقوني وقالوا لا تغنِّ ولو سقوا      جبال سليمى ما سقيت لغنَّتِ

    والبيت لـمجنون ليلى، ومعناه: أنه سقي الخمر - مجنون ليلى - فلما سكر غنى، قالوا: لا تغنِّ، الغناء حرام، قال: تسقوني الخمر ولا أغني؟!

    فالدعاة مضطرون إلى أن ينفاحوا ويكافحوا، وأنتم كذلك -جزاكم الله خيراً- يوم كثرتم السواد وحضرتم، منكم من هو أفضل من المتكلم وأعلم وأتقى وأنبل وأجل، ولكن حضر ليكثر السواد، وليراغم أهل الردة والنفاق، وليحضر بكيانه ليقف في جبهة التوحيد، ولينصر مسيرة أهل السنة والجماعة؛ فحضر أولئك ليكثروا السواد، ومنكم من هو على أبواب الامتحان، لكن أتى ليرابط على الثغر في مسجد فاضل، يسمع قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.

    من مظاهر محاربة الدين

    ذكرت في تلك المحاضرة (كيف ذبح الإسلام) في قرآنه الخالد، الأطروحة الحضارية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لينقذ البشر؛ أصبح يقرأ في الحفلات وعلى الموتى، وإذا صرع مصروع يقرأ عليه من مس، وهذا فحسب، ولو أن هذا من السنة، ووارد؛ لكن مهمة القرآن فوق ذلك.

    وانظروا الأعجوبة! إننا أبناء العرب أنا وأنت، وليست العروبة التي نتفاخر بها لكن اللغة العربية الخالدة، أنا وأنت أبناء قحطان وتغلب ومضر وربيعة ومذحج والأزد؛ أصبحنا ندرس في المساجد بأساتذة من العجم، فأصبح أساتذتنا -والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه- من باكستان وأفغانستان، وليس هذا تهويناً بهم ولا ازدراء، فإن الله يقول: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89].

    وذبح الإسلام في السنة، فطعن في رواتها، وفي أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي مصداقيتها، وآخر من طعن حاكم ليبيا الخسيس الحقير معمر القذافي، وهو يعرض في مذكراته وخطبه أن السنة ليست مصدر تشريع، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام صلح لفترة بدوية قديمة ولا يصلح الآن، وكأنه المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام في السنن: {رُبَّ شبعان ريان متكئ على أريكة يأتيه الأمر من أمري، فيقول: حسبكم ما في القرآن، ما وجدتم من حلال فأحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه} والله أعلم.

    وممن طعن في السنة من الكتبة المعاصرين أبو ريه -لا أرواه الله من الحوض المورود- وقد صلمه محمد أحمد الراشد في كتاب دفاع عن أبي هريرة، ولو كان هناك كتاب يرشح لهذا القرن كان هذا الكتاب المجيد، فأثابه الله.

    وذبح الإسلام بالطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم؛ في شخصه الكريم، في عصمته، في عرضه، وآخر من فعل ذلك المجرم اللعين/ سليمان رشدي.

    ثم انظر إلى أهل البدعة ماذا فعلوا؟

    تحركوا في خطب الجمعة باستنفار عجيب، وألقت إذاعاتهم وصحفهم، وحكموا على هذا المجرم بالإعدام غيابياً ولم يتحرك من أهل السنة أحد، والعجيب أنهم كما قال عليه الصلاة والسلام: {كل له بواك إلا حمزة فلا بواكي له}.

    وطُعِن الإسلام في العلماء والدعاة لتسقط عدالتهم، وجاء سماحة الشيخ الوالد/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز يدافع عن الدعاة، ويصفهم أنهم من أهل السنة والجماعة، وأنا أدعو الذين لم يفهموا الخطاب أن يفهموه وأن يعيدوا قراءته، وأن يتمعنوه وأن يردوه إلى أهل العلم وأهل الاستنباط.

    وطعن الإسلام في أن حول العامة إلى المعيشة فحسب، لا نصرة للإسلام؛ فيشتغل الواحد منهم بمكسبه ومطعمه من الصباح إلى المساء.

    وطعن الإسلام في أن وجه الناشئة إلى المسائل الخلافية والجدل العقيم، والغرور والعجب، وعدم الوثوق بالعلماء.

    حديث معاذ وموقف الدعاة أمامه

    وقبل أن أدخل إلى هذه المسائل معي لكم هدية كأنها وقفة أو استراحه في غضون المحاضرة، أروي هذا الحديث من مسند أحمد ولو أن أصل الحديث في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه وأرضاه، قال: {كنت رديف الرسول صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له: يعفور} سمى الحمار ومعنى ردفه: أي ركب وراءه مباشرة، ومعلم البشر وخير من خلق الله، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور، يركب على حمار عليه الصلاة والسلام! فلما ردفه قال: {سار بنا الحمار فعثر فسقطت أنا والرسول عليه الصلاة والسلام} لك أن تتأمل المشهد ولك أن تتصور.

    ركب الرسول صلى الله عليه وسلم الحمار ورديفه معاذ، وانطلق بهم الحمار، فعثر فسقط الرسول صلى الله عليه وسلم من على الحمار، وسقط معاذ، قال: {فذكرت من نفسي أسفاً} يقول معاذ: تأسفت على سيد البشر صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس زعيماً ولا مفكراً ولا أديباً ولا عالماً، وإنما سيد البشر، وخير من خلق الله!

    قال: { فذكرت من نفسي أسفاً، وقام صلى الله عليه وسلم يضحك -هكذا رواية أحمد - ثم ركب ثانية فعثر الحمار فسقط! فقام صلى الله عليه وسلم يضحك -وعند أحمد الثالثة- ثم سار الحمار فقال صلى الله عليه وسلم: يا معاذ! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سار، وقال: وهل تدري ما حق العباد على الله إن هم فعلوا ذلك؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: ألا يعذبهم} وهي بشرى تحرَّج معاذ أن يخبر بها الناس، ولكن أخبر بها الناس عند موته تأثماً؛ لأن سيد العلماء خاف أن يتكل الناس على هذا الحديث ويتركوا العمل.

    ولذلك توج الإمام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (هذا الحديث في كتاب التوحيد بباب التوحيد وما يكفر من الذنوب). ثم أتى بهذا الحديث، فهي بشرى أزفها بين يديكم من محمد عليه الصلاة والسلام.

    أيها الإخوة الكرام! في غضون هذا الحديث، هناك مطالبات يطالب بها الداعية إخوانه وطلابه وأحبابه في هذه الفترة الحرجة من فترات التاريخ؛ التي كثرت فيها الردود والأهواء؛ وتشعبت فيها الأفكار، وتفرقت فيها الكلمة، ما هي العصمة يا عباد الله؟

    كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، والالتجاء بعد الله إلى العلماء، إلى أهل الفقه في الدين، إلى علماء أهل السنة والجماعة، ومنهم: كبار العلماء في بلادنا، فإن لهم من الحسنات ما الله به عليم، وإن أخطئوا في بعض المسائل فهم مجتهدون، وكما قال الأول:

    وإذا الحبيب أتى بذنب واحد     جاءت محاسنه بألف شفيع

    فلهم من العقيدة الصافية، ولهم من كثرة الاطلاع، ومن الفقه في الدين، ومن حب الله ورسوله ما يشفع لهم أخطاءهم التي لا يسلم منها البشر، فالرجاء الاحترام لهم، والالتفاف حولهم، وزيارتهم ومعرفة قدرهم، فإنها من الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله تعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088472319

    عدد مرات الحفظ

    776907994