إسلام ويب

من آداب النبوة (2)للشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تواصلاً لما بدأه الشيخ من عرض لآداب الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب الأدب في صحيح البخاري، يتحفنا في هذه المادة بآداب أخرى هامة يستهلها بالحديث عن صلة الأخ المشرك.

    ثم ذكر قصة وفد بني تميم مستخرجاً منها بعض الفوائد والآداب، ونبه على المخالفات التي وقع فيها ذلك الوفد كما تكلم عن استحباب التجمل في الإسلام بما ليس محرماً.

    كما احتوت هذه المادة على باب آخر هو باب رحمة الولد وتقبيله، تكلم فيه الشيخ عن التعامل مع الأطفال ذاكراً مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم وتعامله مع الحسن والحسين رضي الله عنه.

    الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة فانقادت لاتباعها، وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالبدعة بعد أن تمادت في ابتداعها، وتغالت في نزاعها، والصلاة والسلام على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أشهد أن الله حق، وأن وعده حق، وأن النبيين حق، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق.

    عباد الله: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:100-102].

    ومعنى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] أي: كيف تزيغون وعندكم الكتاب والسنة؟

    وكيف تضلون وبين أظهركم الكتاب والسنة؟

    إنه شيء عجيب مذهل، ونحن هذه الليلة مع آداب النبوة في الحلقة الثانية، مع المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يؤدب الناس بالأدب الذي أدبه الله به، فمع البخاري في مسيرته الرائدة الحافلة الموجهة، التي شقت طريقها ما يقارب أحد عشر قرناً في الأمة الإسلامية.

    يقول رحمه الله تعالى في كتاب الأدب (باب صلة الأخ المشرك): حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (رأى عمر حلة سيراء تباع، فقال: يا رسول الله! ابتع هذه والبسها يوم الجمعة، وإذا جاءك الوفود، قال عليه الصلاة والسلام: إنما يلبس هذه من لا خلاق له، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم منها بحلل، فأرسل إلى عمر بحلة، فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟! فقال عليه الصلاة والسلام: إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم) هذا الحديث له قصة وفيه قضايا.

    قصة هذا الحديث

    أما قصته فكما قرأناها؛ فقد كان عمر رضي الله عنه وأرضاه، يريد أن يظهر الداعية عليه الصلاة والسلام بمظهر الجمال والجلال والكمال، وكانوا يحبونه عليه الصلاة والسلام أكثر من أنفسهم، وفي صحيح البخاري أن عمر قال: {يا رسول الله! والله إنك أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يا عمر! -أي: ما وصلت تلك المنزلة التي أريدها منك، فالدين يريد منك أن تكون أكبر من هذا- فقال: لا. حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: فو الله الذي لا إله إلا هو إنك الآن أحب إلي حتى من نفسي} وصدق، ونشهد الله أنه كان أحب إليهم من أنفسهم.

    وفي الصحيحين من حديث أنس، قال: قال عليه الصلاة والسلام: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...}.

    فـعمر أتى بهذه الحلة، وهذه الحلة لـعطارد بن حاجب بن زرارة وهو تميمي، وفد المدينة بحلل يبيعها، وكانت هذا القصة في السنة التاسعة كما بين ذلك الحافظ ابن حجر، فأتى وفد تميم في السنة التاسعة، يريدون الإسلام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أرادوا الإسلام، وكانوا عقلاء دهاة نبلاء، وكان بنو تميم آنذاك قرابة عشرة ألف، وكانت تضرب من نجد إلى بادية السماوة في العراق.

    فقالوا: نريد أن نفد على هذا الرسول عليه الصلاة والسلام مسلمين، فاختاروا أحلمهم وهو قيس بن عاصم، وهذا قيس بن عاصم أحلم العرب، وهو: {سيد الوبر} كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي أثر في سنده ضعف أن قيساً هذا لما وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {يا رسول الله! دنا أجلي، ورق عظمي، ولاح شيبي؛ فأوصني بوصية جامعة، فقال له صلى الله عليه وسلم: يا قيس! إن مع الغنى فقراً، وإن مع القوة ضعفاً، وإن مع العزة ذلة، يا قيس! إن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، يا قيس! إن معك قريناً يدفن معك وأنت ميت، وتدفن معه وهو حي، فهو عملك فأقلل منه أو أكثر} فترقرقت دموع قيس بن عاصم وكان في السبعين.

    وقد عقد له البخاري ثلاثة أبواب في كتاب الأدب المفرد، وله حديث عند أبي داود في اغتسال المشرك إذا أسلم، وهو من سادات العرب، وهو أول من قتل الموءودة كما سلف معنا في الدرس الماضي، سامحه الله وغفر الله له فقد أسلم, وهو الذي يقول فيه الأول:

    عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما

    تحية من ألبسته منك نعمةً     إذا زار عن شحط بلادك سلما

    وما كان قيس موته موت واحد     ولكنه بنيان قوم تهدما

    مخالفة وفد بني تميم للآداب الإسلامية

    أخذ بنو تميم أحلم العرب وهو قيس هذا وعطارد بن حاجب خطيب العرب كان من بني تميم، وأخذوا شاعرهم وهو الزبرقان بن بدر، وأخذوا حكيمهم وهو عمرو بن الأشهل، فوفدوا سبعة، ثم طرقوا المدينة فدخلوا وقت القيلولة، والإسلام يعلم المسلم التربية الحسنة وحسن التصرف، ثلاث عورات لا يجوز الدخول فيها، قبل صلاة الفجر، وحين نضع ثيابنا من الظهيرة، وبعد صلاة العشاء، هذه أوقات لا يدخل فيها على أحد ولا يزار فيها أحد، فهي أوقات حرجة، خاصة بهدوء المؤمن وراحته مع أهله وأطفاله.

    ولكن هؤلاء لم يتعلموا تعاليم الإسلام، وما سكب في أرواحهم رحيق الإيمان، وما تدربوا في مدرسة القرآن، فأتوا بعد صلاة الظهر السبعة، وأتوا يصيحون من وراء الحجرات: يا محمد! يا محمد! يا محمد! اخرج إلينا، فما سمعوا راداً يرد، وفي الأدب المفرد للبخاري: {من بدا جفا} وقال تعالى: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ [التوبة:97] لأنهم تربوا مع التيوس والكلاب، ولذلك يقول الشاعر علي بن الجهم لما دخل على المتوكل يمدحه، وكان ابن الجهم بدوياً:

    مرحباً مرحباً قليل الخطايا     من كثير العطا قليل الذنوب

    أنت كالكلب في حفاظك للود     وكالتيس في قراع الخطوب

    فأرادوا قتله، فقال المتوكل: اتركوه، وأنزلوه في الكرخ سنة، وهو بلد جميل فياض ناعم في حضن بغداد، وفيه نهر دجلة يعانق نهر الفرات، فأنزلوه سنة ثم أتى بعد سنة، فاستفتح قصيدته الرائعة، التي يقول في أولها:

    عيون المها بين الرصافة والجسر     جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

    وهي طويلة، والمقصود أنهم أهل جفاء فقالوا: يا محمد! اخرج إلينا، فمدحنا زين وذمنا شين، فقال عليه الصلاة والسلام: {ذلك هو الله} أي: إن الله إذا مدح مدح، وإذا أثنى أثنى، وإذا ذم ذم، فالممدوح من مدحه الله، والمذموم من ذمه الله، والمحبوب من أحبه الله، والمكروه من كرهه الله، ثم أنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات:4-5] ومع ذلك فالله يغفر ويرحم

    فخرج صلى الله عليه وسلم ورأي هذا الوفد وكأنهم النجوم، خيرة قومهم وقاداتهم، الواحد منهم يستطيع أن يقود قبائل من الناس.

    من تلقَ منهم تقل لاقيت سيدهم     مثل النجوم التي يسري بها الساري

    فقال عليه الصلاة والسلام: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد الإسلام، ولكن قبل أن نسلم بين يديك نشترط عليك شرطاً، قال: ما هو الشرط؟ قالوا: لا نسلم حتى نفاخرك وتفاخرنا، قال: كيف؟ قالوا: يأتي شاعرنا يفاخر شاعرك، وخطيبنا يغالب خطيبك، فمن غلب رأينا ذلك، وهذه سنة الجاهلية، إذا وفدوا عند الملوك تمادحوا وتفاخروا في حلبة المصارعة، ليروا المنتخب الذي يفوز بين يدي الناس حتى يرى الناس فضله.

    قال عليه الصلاة والسلام: حيهلا وسهلا، الأمر سهل، عنده خطيبٌ يمكن أن يدمرهم تدميراً، وعنده شاعر حسان بن ثابت لا يبقي في ميدانهم عوجاً ولا أمتاً، فنازلهم صلى الله عليه وسلم، وهذا عقد له البخاري أبواباً، وهو في أسد الغابة لـابن الأثير بأسانيد ثلاثة.

    مفاخرة وفد بني تميم عند الرسول صلى الله عليه وسلم

    فجلس صلى الله عليه وسلم في المسجد، وجمع الناس، وحضر الأطفال والنساء، فقال: ليقم خطيبكم، فقام عطارد صاحب الحلة، وهو صاحبنا هذه الليلة، وكان خطيباً مصقعاً كأنه الرعد يتقاصف، فأخذ المنبر وقام يمدح بني تميم، وبنو تميم قبيلة كبيرة عظيمة شهيرة، ولكن الفضل لمن رفعه الإسلام، والفضل بالتقوى، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فكانت أكثر قبائل العرب.

    فقام فمدح قبيلته فلما انتهى، قال عليه الصلاة والسلام: أين ثابت بن قيس بن شماس، وهو الذي قتل في اليمامة رضي الله عنه وأرضاه، فقام يرد على الخطيب، فقال: الحمد لله الذي رفع السماوات بلا عمد، وبسط الأرض في أحسن مدد، الذي خلق الإنسان في كبد... ثم أخذ يأخذهم بفواصل الكلام حتى كأنه الصواعق تنزل على رءوسهم وعرقهم يتصبب، ولما انتهى، قالوا: غلب خطيبك خطيبنا.

    ثم قام الزبرقان شاعرهم وقال:

    نحن الكرام فلا حي يضارعنـا     منا الملوك وفينا تنصب البيع

    فلما انتهى، قال صلى الله عليه وسلم: كيف أنت يا حسان؟ أتستطيع أن ترد عليه في الحال، أو نمهلك حتى تفكر؟ فالموقف صعب، يحتاج إلى مهلة، ويحتاج إلى تخمير الرأي، لكن حساناً كان من أشعر العرب فقام؛ فرد عليهم ارتجالاً بما يقارب ستين قافية من أروع الشعر، يقول فيها:

    إن الذوائب من فهر وإخوتهم     قد بينوا سنناً للناس تتبع

    يقول: المكرمات عند الرسول عليه الصلاة والسلام، وليست عندكم

    يرضى بها كل من كانت سريرته     تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا

    حتى انتهى، فقالوا: وغلب شاعرك شاعرنا فأسلموا، فجاء عطارد هذا بحلة من ديباج، وقيل: من حرير، فأراد أن يهديها مع حلة أخرى، فرفضها صلى الله عليه وسلم، فتعرض عمر رضي الله عنه وأرضاه للحلة، فرآها في السوق تباع، وكانت جميلة، ويريد عمر كل جميل للرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذها من السوق وأتى بها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! خذ هذه الحلة، تلبسها لصلاة الجمعة وللوفود، أي: لأنك قائدنا ومعلمنا ومربينا، وإذا استقبلت الوفود نريد أن تظهر بمظهر القوة.

    موقف الإسلام من الملابس وحكمه عليها

    فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر الجمال، ولم يقل له: أنا لا ألبس الجميل.. أنا متواضع.. أنا أريد الزهد، فالزهد لا يدخل في هذا، بل أقره على هذا المبدأ ولكن أنكر عليه الحلة التي من حرير، وقال: {إنما يلبس هذه من لا خلاق له} قال أهل العلم: من لا حظ له عند الله في الآخرة؛ لأن الكافر يأكل ويشرب بالحلال والحرام، ولكن يلقى الله ولا نصيب له عند الله.

    والرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يحرم اللباس الجميل، وقد يظن بعض الناس أنه إذا استقام والتزم في الإسلام، فعليه أن يلبس ثوباً ممزقاً، وغترة قذرة، وأن عليه ألا ينظف حاله، ولا يظهر بالجمال، وهذه دروشة لا يعترف بها الإسلام، وأين الجمال إلا في الإسلام؟! وأين الروعة إلا في الإسلام؟! وأين النظافة إلا في الإسلام؟! وأين القوة إلا في الإسلام؟!

    أما رأيت الله كيف جمل الكون؛ وعند الترمذي بسند حسن: {إن الله جميل يحب الجمال} وعند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال رجلٌ يا رسول الله: {إني أحب أن يكون لباسي جميلاً، ونعلي جميلة، أفمن الكبر ذلك يا رسول الله؟ قال: لا. إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس} بطره: رده ودحضه، وغمط الناس: أي: ازدراؤهم واحتقارهم.

    فالكبر لا يدخل في اللباس، والروعة لها مقام في الإسلام، ولذلك كان ابن عباس يلبس حلة بألف دينار كما في ترجمته، فقالوا له في ذلك، قال: أريد أن أظهر نعمة الله عليَّ، وأعز دين الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام.

    وكان مالك بن أنس يلبس أحسن الحلل، وهو من أتقى الناس، فقالوا له في ذلك، قال: أريد أن أنصر هذا الدين بهذا اللباس، ليقف بمنظر الإسلام منظراً عزيزاً جميلاً يحبه الله ويرضاه.

    إذاً قال له صلى الله عليه وسلم: {إنما يلبس هذه من لا خلاق له} فعاد عمر بالحلة؛ لأنها محرمة، ولم يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى يبين لهم، وأتى يعلمهم الحلال والحرام.

    وبعد فترة دعي عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام دائماً يعيش مع أبي بكر وعمر في مشاوراته وجلساته وسمراته، دائماً يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فهو يحب الشيخين حباً جماً؛ لأن بهم بني الإسلام بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

    وفي صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: {رأيت البارحة كأن الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، ومر علي عمر بن الخطاب بقميص يجره في المنام، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ -ما معنى ذلك؟ وما تفسير ذلك؟- قال: الدين} دين عمر رضي الله عنه يستره ظاهراً وباطناً، ولذلك من رأى عليه قميصاً في المنام، قال أهل العلم: فتأويله الدين، فإن رآه قصيراً فلقصر دينه، وإن رآه قذراً فلغش في تدينه، وإن رآه أبيض طويلاً فلصلاحه ولخيريته إن شاء الله.

    ويقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {رأيت البارحة كأنني أشرب من لبن، حتى رأيت الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} أي: علم الخشية، وعلم قال الله ورسوله.

    ولذلك كان عمر من أعلم عباد الله بالله، والعلم في الإسلام معناه: الخشية، ولذلك كان يكفكف دموعه دائماً من خشية الله، لا يسمع الآية إلا ويتأثر، وذكر عنه المؤرخون أنه كان إذا صلى الفجر وقرأ سورة يوسف، لا يسمع الناس إلا نشيجه وبكاءه من القراءة، فهذا العلم هو الذي فسره عليه الصلاة والسلام يوم فسر اللبن في المنام، فلما أُتي الرسول عليه الصلاة والسلام بحلة، دعا عمر بن الخطاب، وقال: خذها، فقال: يا رسول الله أتيتك بحلة عطارد وقلت فيها ما قلت، واليوم تعطيني هذا الحلة فقال: {إني لم أعطك إياها لتلبسها، ولكن لتبيعها أو تكسوها} فلا يشترط في الهدية أن تلبسها، لكن بعها أو أهدها، قال أهل العلم: أي لغير الرجال المسلمين.

    وعند الإمام أحمد بسند جيد في المسند، وعند النسائي كذلك بسند آخر، عن علي رضي الله عنه وأرضاه، قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وأخذ قطعة من ذهب بيده اليمنى، وقطعة من حرير بيده اليسرى، وقال: {هذان حلالٌ لإناث أمتي، حرامٌ على ذكورها} فليعلم هذا، فالذهب والحرير بأنواعه حلالٌ للنساء، خلافاً لمن قال: لا يجوز لبس الذهب إلا مقطعاً؛ لأن هذا الحديث متقدم، وخلاف إجماع أهل العلم في إباحة الذهب للنساء، فهذا أمر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532708

    عدد مرات الحفظ

    777171481