ونحن يا أيها الناس نعيش مشكلة اجتماعية، واقعاً أعرفه أنا وتعرفه أنت، لأننا من أبناء هذه المنطقة، نعرف الفقراء ونعرف المساكين، بل أعرف منطقة كاملة مشيتها قرية قرية ووادياً وادياً منطقة الساحل و
تهامة يعيشون فقراً مدقعاً، ومن يكذب هذا؟! ومن ينكر هذا؟! إن منطقة واسعة وإقليماً يعيش فقراً مدقعاً، والرجل يعيش في عشة لا يجد أحياناً قوت يومه، وبالقرب أغنياء بلغ غناهم السحاب، وهل الإسلام يرضى هذا! وهل محمد صلى الله عليه وسلم إن كان حياً يرضى هذا الوضع! أن تعيش قرى في البادية وقرى في
تهامة على التراب، لا تتمتع بأقل ما يتمتع به الإنسان في عصر الحضارة والرقي والتقدم، عصر الكهرباء، عصر الاشعاع، عصر المال والماء، عصر الخبز والفواكه والخضروات والثياب، إنها أمانة يجب عليَّ أن أنقلها لكم وأن تعوها وتسمعوها.
من عنده زكاة فليذهب إلى هذه المناطق لينقذ أهلها، من عنده صدقة، هم يأتون إلى هنا ونحن ذهبنا إلى هناك، ووالله لقد استودعنا منهم شيوخاً وهم يبكون أن نبلغكم الوديعة، وأن نخبركم بالأمانة، نعم. إن كانت الإغاثة الإسلامية مستعدة لتغطية حاجة هؤلاء دفعنا أموالنا إليها، وإن كانت تقول إنها سوف تدفعها في بلاد أخرى فلا، أموالنا أولى بها أقاربنا وفقراؤنا ومساكيننا، وعند أهل العلم أنه يبدأ أولاً بالمسكين والفقير القريب القريب، فمن يعذر هذه الأمة التي يعيش أغنياؤها ترفاً هائلاً؟ اقرأ المقابلات مع تجار البلاد، الملايين التي تعادل ميزانية كل تاجر منهم ميزانية الدول الأخرى، ومع ذلك هذه المناطق الشاسعة تعيش التراب والفقر المدقع، مسئولية من؟ إنها مسئولية التجار.
قاصمتا أهل الساحل
وأصيب هؤلاء المساكين في
تهامة الساحل والبادية بخيبتين وقاصمتين: قاصمة فقر العلم والعلماء والدعاة، وقاصمة فقر المال من الأغنياء والتجار، والله يقول عن بني إسرائيل:
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ 
[النساء:37] فهذا بخل بالعلم وبخل بالمال، وأمامي هنا طلبة علم وأغنياء وتجار، فطلبة العلم أمامهم أمانة من الله أن يذهبوا بعلمهم ليعلموا هؤلاء، والله إن فيهم من لا يحسن قراءة الفاتحة، ومنهم من لا يعرف الغسل من الجنابة، فاجتمع عليهم فقر الدين وفقر الدنيا، وهي مسئوليتنا نحن.
نعم، من عنده زكاة، وعنده صدقة، ومن أراد أن يرفع هذا الفقر، وهذا الضيم عن هذه القرى، وعن هذا الساحل، وعن البادية فليذهب، لينفق أمواله ليجدها عند الله.
عاقبة تكديس الأموال
رمضان فرصة سانحة للإنفاق
وإنها فرصة سانحة في رمضان أن تخرجوا صدقاتكم وزكواتكم؛ لأن من ينظر إلى وضع الفقراء وإلى ما يتقدم به الفقراء من مستندات، ثم لا يجد ما يدفع إليهم ويتساءل أين زكاة الناس؟ إلى أين يدفع هؤلاء صدقاتهم وزكواتهم، إذا كانوا صادقين أنهم يدفعون صدقاتهم وزكاتهم؟ فلماذا يبقى هؤلاء القطيع الهائل من الناس فقراء ومحتاجين، ويبقى أحدهم لا يجد ما يفطِّره في رمضان؟ ولا ينكر هذا إلا أحد اثنين:
إما رجل مكابر: أَعْرِضُ عليه هذه المعلومات، التي رأيتها بعيني وعشتها، ويقول: لا. لا يوجد هذا في المنطقة، فهذا مكابر عنيد.
أو رجل آخر جاهل لا يعرف الوضع، ولم يداخل الناس ولم يدخل العشش، ولم يرَ كيف يعيش الإنسان في القرن الخامس عشر، هذه مسألة أعرضها عليكم، وأسأل الله عز وجل أن يرفع الضر عن المستضرين، وأن يقضي حاجة المحتاجين، وأن يسد رمق الفقراء والمساكين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أمَّا بَعْد:
عباد الله: فإن للزكاة في الإسلام حِكَماً لا يعرفها إلا من اطلع على أسرار هذا الدين:
أداء الزكاة زكاة للنفس
أولاً: زكاة للنفس، تزكيها من أوضار البخل، والشح، وترفع قدرها عند الله، وقد وصف عليه الصلاة والسلام المتصدق والبخيل برجلين عليهما جبتان من حديد، كلما أنفق المنفق اتسعت الجبة حتى تغطي أثره، وكلما أمسك الممسك ضاقت عليه الجبة حتى تخنقه {
ولله عز وجل مناديان في كل صباح -كما في الصحيح- ملكان الأول يقول: اللهم اعط منفقاً خلفاً، والآخر يقول: اللهم اعط ممسكاً تلفا} ومن لا يستفيد من المال في الحياة، فلن يستفيد منه بعد أن يموت، فإما حلال فللورثة، وإما حرام يعذب به حتى يلقى الله ويدخله هذا المال النار، وقد رأينا كثيراً من التجار، وسمعنا أخبارهم أنهم شقوا بمالهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
أما في الحياة فبالاستقراء من أخبارهم، تاجر عنده من التجارات الهائلة ما الله به عليم، حضرته الوفاة في منطقة نائية عن منطقته التي فيها قصوره وأمواله وبساتينه ودوره، فلما توفي في المستشفى النائي تصدق عليه الناس بكفن، هذه نتيجة الملايين.
هكذا هي حياة هؤلاء في الدنيا، وأما بعضهم فقد سعد سعادة بهذا المال
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى
[الليل:17-21].
كان ابن هبيرة الوزير تاجر مشهور، يفطر كل يوم في رمضان عشرة آلاف صائم يبني القناطير المقنطرة، يبني المساجد، يبني البرك للحجاج من العراق إلى مكة يشربون ماءً بارداً، وصل إلى منى يقود الحجاج، وفي اليوم الثامن انقطع الماء على الناس، وانتهى الماء، وأصبحوا في أزمة وأشرفوا على الهلاك، فقام هذا الرجل الصالح -وكان من أغنى الأمة الإسلامية في عهد الدولة العباسية- فرفع يديه، قال: اللهم إنك تعلم أني ما أنفقت أموالي إلا ابتغاء مرضاتك، اللهم إن كنت تعلم أني صادق فأغث الحجاج الآن هذه الساعة. قال الراوي: فوالله لقد نـزل الغيث علينا بـمنى وما في السماء قبله سحابة حتى نـزل الثلج مع الماء، فأخذ يأكل الثلج ويبكي ويقول: يا ليتني سألت الله المغفرة، هذا صنف من صنف أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان الذين دفعوا أموالهم وأعطوها سخية أنفسهم، نعم هناك من يحتاج بناء مساجد، وهناك مقاطعات ليس فيها مسجد واحد، هناك قوم يحتاجون إلى برك لإيصال الماء النقي الصحي إليهم لا الماء الملوث الذي يحمل البلهارسيا والموت والسم الزعاف، هناك أناس يحتاجون لبناء بيوت تكنهم من المطر وتظلهم من الشمس، هناك أناس يريدون الحاجة الضرورية، يريدون الخبز -هذا من حوائجهم الضرورية- والأرز والسكر، لا يريدون الكماليات، هناك أناس يريدون اللباس، يتعيد الناس في الألبسة الجديدة والثياب الفاخرة، والواحد منهم يبقى سنة في الثوب الواحد.
الزكاة إنقاذ للنفس يوم القيامة