إسلام ويب

السراج المنيرللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من هو السراج المنير؟!

    إنه معلم الأمة وقائدها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو الرحمة المهداة.

    والشيخ تعرض هنا لذكر صفاته صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت عبادته، وأخلاقه، ودعوته، ومعاملاته، فكان بحق سراجاً منيراً.

    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، وصلى الله على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، وصاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

    ولو أنه حسن فريد عذرته     ولكنه حسن وثان وثالث

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وما دام أن الحسن ثلاثة، فأتقدم وأنثر على رءوسكم باقة من الشعر ثلاثة أبيات، ولكنها لا تعبر إلا عن الحب والوداد والصفاء وتعبر عن الإيمان وعن الحب والطموح.

    سلام الله أرفعه إليكم      بأشواقي وحبي والتحية

    وأرفع من ربى أبها سلاماً      إلى الأحساء في أحلى هدية

    ونادي الفتح أبلغه سلامي      وشكري والوفاء بما لديَّه

    إن كان من شكر فلله الواحد الأحد، ثم لأهل الفضل؛ لأنّا أمة نقول للمحسن: أحسنت، وللمسيء: أسأت، فقد أحسن هذا النادي يوم جعل من رسالته الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وأعلن تفوقه في عالم الإيمان ليقول للناس: إن الرياضة بلا إيمان ملعبة، وإن القلب بلا إيمان كتلة لحم ميتة، وإن العين بلا إيمان مقلة عمياء، وإن اليد بلا إيمان إشارة شلاء، وإن الكتاب بلا إيمان كلام مصفف، وإن القصيدة بلا إيمان كلام ملفف، فلا حياة إلا بالإيمان، ما جئنا لنلعب وما جئنا لنهدي إلى العالم الرياضة، فهم الذين أهدوا لنا الرياضة ولكن جئنا لنعيد الرياضة باسم الإيمان، وندخلها إلى العالم بالإيمان، ونعلم العالم أننا أمة الإيمان والحب والطموح.

    وعنوان هذا اللقاء المفتوح: السراج المنير وهو محمد عليه الصلاة والسلام، والله وتالله، وايم الله ما طرق العالم أفضل منه، ولا أنبل ولا أعدل ولا أجل منه أبداً، يعلم ذلك من يعلمه، ويجهله من يجهله هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].

    يا أمة كانت ضائعة قبل الإسلام، هو الحديث الليلة عن رسولكم الذي أتى بالإسلام.

    يا أمة كانت تلعب بالعرض والدم والنار! هذا هو رسولكم صلى الله عليه وسلم يذكر هذه الليلة.

    إن البرية يوم مبعث أحمدٍ     نظر الإله لها فبدل حالها

    بل كرم الإنسان حين اختار من     خير البرية نجمها وهلالها

    لبس المرقع وهو قائد أمة     جبت الكنوز فكسرت أغلالها

    لما رآها الله تمشي نحوه     لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

    فأمدها مدداً وأعلى شأنها     وأزال شانئها وأصلح بالها

    تربية لأبي بكر وعمر

    من جعل أبا بكر الصديق يصبح أول خليفة يبايع على الكتاب والسنة فتبكي القلوب قبل العيون؟ من جعل عمر بن الخطاب يقف ببردته الممزقة يوم الجمعة، وبطنه يقرقر من الجوع، فيقول لبطنه: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين!]]؟

    من جعل كسرى وقيصر الذين حكما أكبر دولتين في الأرض إذا ذكر عمر بن الخطاب في دواوينهم أغمي عليهم؟

    يا من يرى عمراً تكسوه بردته      والزيت أدم له والكوخ مأواه

    يهتز كسرى على كرسيه فرقاً      من خوفه وملوك الروم تخشاه

    اليوم وفي هذه الليلة، أريد أن أتحدث عنه صلى الله عليه وسلم، لكن أصابني الدهش، وأصابني الذهول من أين أبدأ؛ وفي أي مكان أنتهي؛ وفي أي باب ألج إلى عظمته صلى الله عليه وسلم؟!

    إنني لا أتحدث عن عظيم فحسب، بل معلم للعظماء ولا عن عالم فحسب، بل أستاذ للعلماء، ولا عن أديب فكفى، بل مخرج للأدباء.

    أي عظيم للدنيا أو مصلح، إنما هو ورقة من شجرته عليه الصلاة والسلام:

    عقبة بن نافع رباه النبي صلى الله عليه وسلم

    المصلحون أصابع جمعت يداً     هي أنت بل أنت اليد البيضاء

    الرسول عليه الصلاة والسلام أدهشتني وأدهشتكم عظمته ولا تدهش إلا من يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، جباهنا كانت في الأرض مدسوسة قبل مبعثه، فلما بعث رفع جباهنا، وانطلقنا بعد خمسٍ وعشرين سنة على الجبال وعلى المحيطات نرفع لا إله إلا الله، وقف عقبة بن نافع بفرسه على المحيط الأطلنطي يقول للماء: يا ماء! أوراءك أرض؟ والله، لو أعلم أن وراءك أرض لخضت البحر إليها لأنشر اسم الله العظيم هناك....

    ربعي بن عامر

    يدخل ربعي بن عامر أحد الصحابة في القادسية على رستم قائد أنو شروان الضال المبتدع الخرافي الجاهل، فيضحك رستم، يضحك من العرب!! الذين كانوا بدواً لا حضارة لهم ولا ثقافة ولا معرفة، يطاردون الضب والجعلان، ويأكلون الخنافس، وينامون على وجوههم في الصحراء..

    القوميون اليوم يقولون أنهم أهل تاريخ من قبل البعثة، وكذبوا لعمر الله، والترابيون يقولون: تاريخنا قديم من عهد عنترة، وحاتم الطائي، عنترة والله ما سفك إلا دماءكم، وحاتم الطائي إن أطعم بغاله وحميره فما كان يؤمن بالله.

    فلما أتى صلى الله عليه وسلم دفع هذا الجيل ليأخذ منبر العالم، ويتكلم إلى المعمورة، ولذلك يصل ربعي بن عامر في ثيابه الخلقة التي ما غيرها -ما فتحنا الدنيا والله بعتاد هائل على الشعوب، لكن بإيمان وحب وطموح- فدخل على رستم وقال رستم وهو يضحك لوزرائه، ويلتفت إلى المسلم: أتريد أن تفتح هذه الدنيا بفرسك المعقور ورمحك المثلم، وبثيابك البالية؟! قال ربعي: [[نعم. إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] وانتصر الإسلام وارتفعت لا إله إلا الله.

    قصة محمد بن واسع

    قتيبة بن مسلم يحاصر كابل، فلما حضر قال: أين محمد بن واسع؟ ومحمد بن واسع عابد زاهد عالم، قالوا: هو في طرف الجيش، قال: اذهبوا إليه وانظروا ماذا يفعل، فذهبوا ونظروا، فإذا هو يذكر الله ويدعو الله وإصبعه تشير إلى السماء، فعادوا إلى قتيبة فدمعت عينا القائد قتيبة، وقال: والذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع، خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير.

    وانتصر الإسلام يوم عرفنا الله، والأمة التي لا تعرف الله يعرفها نفسه بالأعداء، ويدعك أنفها في التراب حتى تعرفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وثقافة بلا إيمان والله لا تنتج إلا خسارة ودماراً وانهزامية، وأدب بلا إيمان ضياع لمعطيات الشعوب والأمم، ورياضة بلا إيمان ضحك على العقول، وضحك على العقلاء والعلماء وعلى الأمم جميعاً، يوم أتى صلى الله عليه وسلم كان الناس بحاجة إلى مصانع، ومأكولات، ترك ذلك وبنى مسجده من طين، وبدأ من مسجده يبث الثقافة الهائلة والحضارة العامرة، يعلم في مسجده صلى الله عليه وسلم، أخرج أكبر العلماء وأجل المفسرين، وأكبر الأدباء، فما حصر مسجده في مهمة، إن بعض الناس قد ينكر استخدامنا لبعض الوسائل، ويقول: كيف تحضر هذه الوسائل في مثل المسجد؟ إننا نقول له: يا أيها المسلم! أنترك هذه الوسائل للكافر ليتعدى بها علينا ويبث بأفكاره في مجتمعاتنا بالوسائل ونبقى على الوسائل البدائية الساذجة القديمة؟ لا. والله لا يسبقنا، نحن أمة الإيمان والحب الطموح.

    الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد مهرجاناً أدبياً في مسجده ويحضر الشعراء في مسجده ويقرب المنبر بيديه الشريفتين لـحسان ويقول: {اهجهم وروح القدس تؤيدك} الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد الندوات، ويحول المسجد إلى دار قضاء يفاوض القضاة ويطرح الأحكام والفتيا.

    الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل من المسجد مجلس شورى، ويجعل صلى الله عليه وسلم من المسجد تعليماً وتربية وثقافة، من أين أدخل عليه صلى الله عليه وسلم؟

    المصلحون أصابع جمعت يداً     هي أنت بل أنت اليد البيضاء

    لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] وقال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ آل عمران:159] الله يزكيه من فوق سبع سموات ويقول له: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] عظيم صبرك، وعظيم حلمك وكرمك، كيف استطعت على أمة العرب التي هي كقرون الثوم متشاكسة متضاربة متحاربة متحاقدة، كيف جمعت بينها وألفت بين قلوبها؟ قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63].

    إن أكبر معجزة أن يأتي صلى الله عليه وسلم إلى أمة أمية، إلى أمة جاهلة وهو أمي، فيبني منها أعظم حضارة في تاريخ الإنسان.

    أتطلبون من المختار معجزة      يكفيه شعب من الأموات أحياه

    من جعل الرجل من الصحابة يتذكر عظمة الله في كل ساعة وفي كل طرفة؟

    عمر بن الخطاب يمر على راعي غنم ويقول لراعي الغنم: [[يا أيها الراعي! بعني شاة من غنمك، قال: إنها لسيدي وإن سيدي لا يسمح بذلك، قال: قل لسيدك أكلها الذئب، قال الراعي: الله أكبر يا عمر..! أين الله؟ فبكى عمر حتى جلس، وقال: إي والله أين الله؟]] فمن علم الراعي مراقبة الواحد الأحد؟

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530210

    عدد مرات الحفظ

    777155071