إسلام ويب

من نفس عن مؤمن كربةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المؤمن يمر بكرب وابتلاءات، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم حث على التعاون والمؤانسة بين المسلمين في النوازل والكرب، وقد ذكر الشيخ في هذا الدرس حديث: (من نفس عن مؤمن كربة) وتحدث عن أسباب حدوث الكربة للمؤمن، وذكر بعض أدعية الكرب، وكيف كانت خدمة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، كما يوجد في هذا الدرس قصص لمن فرج الله عنهم بسبب تفريجهم لكرب إخوانهم.
    الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم، عزَّ جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، والصلاة والسلام على لسان الحق الذي بلغ الدعوة كاملة فما كتم منها من شيء، وما بخل بها صلى الله عليه وسلم.

    والصلاة والسلام على أذن الخير، خير أذن وعت وحي الله وبلغته للناس، نشهد أنه بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    فلقد رأيت كما رأى بعض الإخوة أن يكون هذا الدرس عاماً لا يتقيد بـ صحيح البخاري؛ لأن هناك قطوفاً في السنة وأحاديث جمة غالية، أي غالية في التوحيد والإيمان والسلوك والأحكام والأخلاق، لا توجد في صحيح البخاري، فليكن هذا الدرس مطلقاً في السنة، مرة نعيش مع البخاري في صحيحه العالي، ومرة مع مسلم، ومرة مع الترمذي في تصحيحاته وتضعيفاته، ومرة مع أبي داود في جمعه المحكم لأحاديث الأحكام، ومرة في الموطأ إلى غير ذلك من الرياض الجامعة التي تركها محمد صلى الله عليه وسلم وهي ميراثه، فمن أراد سهمه ونصيبه فليأخذه، فإن الميراث الذي تركه محمد صلى الله عليه وسلم هو هذا الحديث النبوي.

    من زار بابك لم تبرح جوانبه      تروي أحاديث ما أوليت من منن

    فالعين عن قرة والكف عن صلة      والقلب عن جابر والسمع عن حسن

    حديث: من نفس عن مؤمن كربة

    وقبل البدء بالحديث نقول: إن المهم أن يجتمع مثل هؤلاء النفر ليذكروا الله ويشهدوا بيوته لتتنزل عليهم رحمة الله وسكينة الله وتحفهم ملائكة الله، وهذا الحديث الذي معنا هذه الليلة يدور حول هذه القضايا، وحول هذه المقدمة والديباجة، وهو حديث من قواعد الإسلام، ولكنه لم يروه الإمام البخاري بل رواه العالم الرباني أبو الحسين مسلم بن الحجاج في صحيحه فقال: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه -استمعوا إلى كلامه صلى الله عليه وسلم يوم يلقى على الأسماع فيربي القلوب- يقول: قال صلى الله عليه وسلم: {من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا نزلت عليهم الرحمة، وغشيتهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه} رواه مسلم. ومسلم هذا الذي نسمع اسمه يدوي على منابر المسلمين، وفي حلقات العلم، وفي فصول الدراسة، وفي المجامع العامة، من هو؟

    إنه علم ونجم من نجوم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أخلص لهذا الدين، وسعى لمشروع باهر وهو جمع الأحاديث الصحيحة كما فعل البخاري، فلما اطلع الله عز وجل على نيته وإخلاصه رفعه وحفظ كتابه: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] إن من يتكلم لله يحفظ الله كلامه، ومن يكتب لله يحفظ الله كتابته، ومن يعمل لله يحفظ الله عمله، وأما المراءون والمفترون والدجالون فلا حظ لهم في سنة محمد صلى الله عليه وسلم.

    جاء أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري فعمل هذا الكتاب العظيم الذي أُرشدكم لمطالعته لتزدادوا إيماناً ويقيناً وعلماً وفهماً وفقهاً في الدين، فلقد أخذت منا الكتب البيضاء -ولا أهاجم كل الكتب البيضاء، لكن الكتب الرخيصة التي لا تساوى حبرها الذي كتبت به- أخذت منا الساعات الثمينة وصدتنا عن كتب السلف فأصبح علمنا محجوزاً وفهمنا للدين ضعيفاً هزيلاً.

    فهل من عودة إلى كتب السنة؟ وهل من جلسة مع صحيح البخاري أو مع صحيح مسلم في الرياض اليانعة، في تلك البساتين الوارفة التي تقودك إلى جنات النعيم.

    بعض صفات الإمام مسلم

    الإمام مسلم ألف كتابه هذا طيلة عشرين سنة ثم قدَّمه للأمة فتقبله الله؛ لأن الله يتقبل من المتقين، وعاش حياته ما بين استغفار وذكر وما بين صلاة وعبادة متقللاً من الدنيا لا يعرف إلا بيته ومسجده، كان خفيفاً لطيفاً كما هي ثياب أهل الحديث ورائحته مسك كما هي رائحة المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم، يجلس إلى تلاميذه لا كما يُحاضَرُ تلك المحاضرات الرنانة الطنانة، إنما هو حدثنا فلان عن فلان عن أبيه عن أبي هريرة فيقوم تلاميذه وقد امتلئوا إيماناً ويقيناً بالله الواحد الأحد.

    سبب موت الإمام مسلم

    ولا بأس أن نورد لطيفة في سبب موته، يقول ابن كثير في كتاب " البداية والنهاية " و" الذهبي في سير أعلام النبلاء " كان سبب موت مسلم رحمه الله: أنه تحاج وتجادل هو وعالم من علماء الحديث في حديث واحد، فذهب مسلم إلى البيت بعد صلاة العشاء ليبحث عن هذا الحديث، فوضع السراج بجانبه ووضع سلة من التمر أمامه وفتح الكتاب فكان يفتح صفحة ويأكل تمرة وكلما فتح صفحة أكل تمرة ونسي نفسه، والكتاب كان كثير الأوراق ومن كثرة استغراقه في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم نسي أنه يأكل مع كل صفحة تمرة، وهذا التمر الذي يأكله سلق حار جداً من أكثر منه قتله، فلما عثر على الحديث نظر وإذا المجلد قد انتهى وإذا السلة قد انتهت من التمر، فقال: الله المستعان! فتوضأ وصلى الفجر وأتته منيته بعد صلاة الفجر، فرحمه الله رحمة واسعة، وإن كانت الشهادة بالسيف أو بالبندق أو بالعسل أو بتمر السلق فإنما يكون العمل خالصاً لله عز وجل في مرضاته تبارك وتعالى، نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحشرنا في زمرة الصالحين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522021

    عدد مرات الحفظ

    777106534