إسلام ويب

مفتاح النجاحللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن لمن أراد النجاح منطلقات لابد أن يبدأ بها، ويسير عليها، ويستصحبها في طريقه للنجاح، وإن من هذه المنطلقات أن يكون الخير نيته في كل عمل، وأن يستحضر نفع الآخرين، ويكف عن الشر، والجد هو الطريق الأعظم إلى المجد، ولابد لمن أراد النجاح أن يتدبر في حال الناجحين من قبله لينهج نهجهم ويقتبس من سيرتهم؛ لكي تكون له كالشمعة تضيء له الطريق.
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، هذه سلسلة "القمم لأهل الهمم:

    المحاضرة الأولى: (مفتاح النجاح) هذه المحاضرة لكل صاحب همة، ورب عزيمة، ورفيق طموح يريد النجاح في هذه الدنيا وفي الآخرة، فيكون مقبولاً عند الله وعند خلقه، راضياً عن ربه، وربه راضٍ عنه، محبوباً عند أهله وذويه وأصحابه، لحياته معنى، وله قضية، ولديه مبدأ، فأستعين بالله وأقول:

    فصل:

    منطلقات الناجحين: الأعمال بالنيات فانو الخير في كل عمل، واستحضر نفع الآخرين والكف عن الشر، ولا تضق ذرعاً بالمحن؛ فإنها تصقل الرجال، وتقدح العقل، وتشعل الهمم.

    العمل والجد هو الطريق الأعظم إلى المجد، وهو بلسم لأدوائك، وعلاجٌ لأمراضك، بل هو كنزك.

    قيمة كل امرئٍ ما يحسن، والعاطل صفر، والفاشل ممقوت، والمفسق رخيص.

    ركز اهتمامك على عملٍ واحد، وانغمس فيه، واحترق به، واعشقه لتكون مبدعاً.

    ابدأ بالأهم فالمهم، وإياك والشتات، وتوزيع الجهد على عدة أعمالٍ؛ فإنه حيرةٌ وعجز.

    النظام طريق النجاح، ووضع كل شيءٍ في موضعه مطلبٌ للناجحين، أما الفوضى فهي صفةٌ مذمومة.

    الناجحون يحافظون على مقتنياتهم وأمتعتهم، وأشيائهم، فلا يبذرون، ولا يفسدون.

    لا يفوح العطر حتى يُسحق، ولا يُضَّوُع العود حتى يُحرق، وكذلك الشدائد لك هي خيرٌ ونعمة.

    الناجح لا يغلب هواه عقله، ولا عجزه صبره، ولا تستخفه الإغراءات، ولا تشغله التوافه.

    إياك والضجر والملل، فإن الضجور لا يؤدي حقاً، والملول لا يرى حرمة، وعليك بالصبر والثبات.

    من ثبت نبت، ومن جد وجد، ومن زرع حصد، ومن صبر ظفر، ومن عَزّ بَزّ.

    النملة تكرر الصعود ألف مرة، والنحلة تذهب كرةً بعد كرة، والذئب من أجل طعامه هجر المسرة.

    لما هوى السيف قطع، ولما اشتعل البرق سطع، ولما تواضع الدر رفع، ولما جرى الماء نفع.

    الكسول مخذول، والهائم نائم، والفارغ بطال، وصاحب الأماني مفلس.

    من لم يكن له في بدايته احتراق، لم يكن له في نهايته إشراق، ومن جد في شبابه ساد في شيخوخته.

    تذكر أن في القرآن: "سارعوا، وسابقوا، وجاهدوا، وصابروا، ورابطوا" وفي السنة: (احرص على ما ينفعك...) و(بادروا بالأعمال...) و(نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغ).

    نماذج من الناجحين

    أبو بكر الصديق ثاني اثنين، أنفق أمواله، يدعى من أبواب الجنة الثمانية، وهو قامع الردة. عمر بن الخطاب يفر منه الشيطان، ووافقه الوحي أكثر من مرة.

    عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة، ويوقف بئر رومة، ويختم القرآن في كل ركعة.

    علي بن أبي طالب يبارز في بدر، ويفتح حصن خيبر، ويقتل مرحباً، ويذبح عمرو بن ود يوم الخندق.

    خالد بن الوليد يخوض مائة غزوة، ويقتل يوم اليرموك خمسة آلافٍ بيده، ويكسر تسعة أسياف. ضُرب طلحة في جسمه حتى شلت يده، وقتل حنظلة جنباً فغسلته الملائكة، واهتز عرش الله لموت سعد.

    طعن عبد الله بن عمرو والد جابر أكثر من ثمانين طعنة، فكلمه الله بلا ترجمان.

    جمع أبي بن كعب القرآن وجوده، فذكره الله في الملأ الأعلى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه سورة البينة.

    تصدق ابن عوف بألف جمل بحمولتها على الفقراء، وتصدق أبو طلحة بمزرعته في سبيل الله.

    حفظ أبو هريرة غالب السنة، ووزع ليله -ثلاثاً- للصلاة والمذاكرة والنوم.

    مشى أحمد بن حنبل ثلاثين ألف ميل في طلب الحديث، وحفظ ألف ألف أثر، وترك المسند أربعين ألفاً.

    سافر جابر بن عبد الله في طلب حديثٍ واحد إلى مصر شهراً، وسافر ابن المسيب ثلاثة أيامٍ في مسألة.

    روى ابن حبان الحديث عن ألفي شيخ، وصنف الصحيح فصار أعجوبة، وتبحر في الفنون حتى صار نجم زمانه.

    كرر المزني رسالة الشافعي خمسمائة مرة، وكرر عالم أندلسي صحيح البخاري سبع مائة مرة.

    أعاد أبو إسحاق الشيرازي درسه مائة مرة، وأعاد كل قياسٍ ألف مرة، وألف مائة مجلد.

    صنف ابن عقيل الفنون ثمانمائة مجلد، وكان يأكل الكعك على الخبز ليوفر قراءة خمسين آية.

    كتب ابن تيمية في اليوم أربعة كراريس، تفرغ الواحدة منها في أسبوع، ويؤلف كتاباً كاملاً في جلسةٍ واحدة، وكتب عنه أكثر من ألف مؤلف.

    كتب ابن جرير مائة ألف صفحة، وصنف ابن الجوزي ألف مصنف، وحفظ ابن الأنباري أربعمائة تفسير.

    بقي عطاء بن أبي رباح ينام في المسجد ثلاثين سنة في طلب العلم، وما فاتت تكبيرة الإحرام الأعمش ستين سنة.

    ذكر النووي أن كرز بن وبرة كان يختم القرآن أربعاً في الليل وأربعاً في النهار، وختم ابن إدريس القرآن في بيته أربعة آلاف مرة، وكان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة، والبخاري ثلاثين مرة، وكان أحمد يصلي في اليوم ثلاثمائة ركعة.

    كان أبو هريرة يسبح اثني عشر ألف تسبيحة، وكان خالد بن معدان يسبح مائة ألف تسبيحه، وعاصرنا من كان يقرأ قل هو الله أحد ألف مرة كل يوم، ومن كان يختم القرآن كل يوم ختمة، ومن كان يسبح خمسة عشر ألف تسبيحة في اليوم.

    ألف سيبويه أعظم كتابٍ في النحو وهو في الثلاثين من عمره، طرفة بن العبد من أصحاب المعلقات قتل وعمره ستٌ وعشرون، وقاد محمد بن القاسم الجيوش وعمره سبع عشرة سنة.

    روى الحسن الحديث عن جده صلى الله عليه وسلم وعمره خمس سنوات، وعقل محمود بن الربيع مجة الرسول عليه الصلاة والسلام في وجهه وعمره خمس سنوات، وحفظ ابن عباس الحديث وعمره ثمان سنوات، وكان ابن تيمية يفتي وعمره ثماني عشرة سنة.

    ألف ابن حجر الفتح ومقدمته في اثنين وثلاثين سنة، وكتاب الغريب لـأبي عبيدة في أربعين سنة، وكتاب الأغاني للأصفهاني في خمسين سنة.

    قتل جعفر البرمكي الوزير الخطير الجواد وعمره سبعٌ وثلاثون سنة، وعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الزاهد أربعون سنة، وابن المقفع الكاتب اللامع سبعٌ وثلاثون سنة.

    حج مسروق فما نام إلا ساجداً، وصام الأسود بن يزيد حتى اخضر جسمه، وبكى يزيد بن هارون حتى ذهبت عيناه، ومشى أبو موسى الأشعري حتى تشققت قدماه.

    قال البخاري: ما كذبت كذبةً منذ احتلمت، وقال الشافعي: ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً.

    ما عال من اقتصد، وما فشل من اجتهد، ومن تفقه شبابه تعلقت السيادة بأهدابه.

    مالك هو عمك وخالك، وفلوسك هي ضروسك، ودراهمك هي مراهمك، فلا تسرف ولا تبخل.

    إن الماء الراكد يأسن، وإن البلبل المحبوس يموت، وإن الليث المقيد يذل. ألذ طعامٍ بعد جوع، وأعذب ماءٍ بعد ظمأ، وأجمل نجاحٍ بعد تضحية.

    إن الكتب تلقن الحكمة ولكنها لا تخرج حكماء، والسيف يقتل لكنه بكف الشجاع، السباحة لا تتعلم في الدفاتر ولكن في الماء، والرياضة لا تتلقى من الشاشة لكن في الميدان.

    الدنيا تؤخذ غلاباً، وسوق المجد مناهبة، والحياة صراع، والعلياء تُنال بالعزائم، من عنده همةٌ متوقدة، ونفسٌ متوثبة، ونشاطٌ مغوار، وصبرٌ دائم فهو الفريد.

    قيل لـأبي مسلم الخرساني: ما لك لا تنام؟ قال: همةٌ عارمة، وعزيمةٌ ماضية، ونفس لا تقبل الضيم، أسرع الفرس فركبه الملوك، وتبلد الحمار فركبه العبد، وافترس الأسد فملك الغابة. لا يرهب السيف حتى يسل، ولا يُخاف الرعد حتى يجلجل، ولا يهرب من السيل حتى يحتدم.

    أجرى أديسون مكتشف الكهرباء عشرة آلاف تجربة على بطارية كلها أخطأت فواصل حتى نجح، وأقام انشتاين عمره كله في النظرية النسبية، وجمع من براية أقلام ابن الجوزي ما أدفئ به ماء غسله عند الموت، وجمع الغبار من عمامة صلاح الدين فجعل لبنةً تحت رأسه في القبر، وترك حمل الطعام للأيتام في الظلام في جسم علي بن الحسين آثاراً وندوباً.

    يقول تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [النجم:39-41] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ [التوبة:120] {الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني}

    أجمل السواعد سواعد العمال، وأحسن الرءوس رءوس المحلقين، وأهنأ النعاس نعاس المتهجدين، وأطهر الدماء دماء الشهداء.

    الذي يقهر نفسه أعظم ممن يفتح مدينة، والذي يقاوم هواه أجل مِن مَن يحارب جيشاً.

    صام أبو طلحة أربعين سنة سرداً، وحج ابن المسيب ستين حجة، وأفتى الإمام أحمد في ستين ألف مسألة بالدليل، خدم أبو شجاع الملوك ستين سنة، فكفر عنها بخدمة ستين سنة في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.

    فكن رجلاً رجله في الثرى     وهامة همته في الثريا

    لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ     بل فاسقني بالعز كأس الحنظلِ

    طاف ابن بطوطة الدنيا في ثلاثين سنة، ولقي في رحلته الألاقي حتى جمع الغرائب والعجائب وصار حديث الدهر، اعتزل ابن خلدون في قلعة فكتب تاريخه وحرره وحبره فصار آية للسائلين، كتب ابن عساكر الحافظ تاريخ دمشق في ستين سنة، فما ترك عالماً ولا أديباً ولا شاعراً ولا شاردةً ولا واردة عن دمشق إلا سجلها.

    اطلب ولا تضجر من مطلبٍ     فآفة الطالب أن يضجرا

    أما ترى الحبل بطول المدى     على صليب الصخر قد أثرا

    وإنما رجل الدنيا وواحدها     من لا يعول في الدنيا على رجل

    ومشتت العزمات ينفق عمره     حيران لا ظفرٌ ولا إخفاقُ

    كان ابن تيمية إذا صعبت عليه مسألة استغفر الله ألف مرة، وقال تلاميذ الخطيب البغدادي له وهم في سفر: حدثنا، فقال: نبدأ بالقرآن فختمه كله ثم حدثهم، قيل لـأبي الطاهر السُلَفي: من أين لك هذا العلم؟! قال: من جلوسي في بيتي مع الكتب سبعين سنة.

    لا يصلح النفس ما دامت مدبرةً      إلا التنقل من حالٍ إلى حالِ

    نصائح للناجحين

    عليك بالمشي والرياضة والنظافة، فإن الناجحين أقوياء أصحاء {بارك الله لأمتي في بكورها} فإذا أردت عملاً فعليك بالصباح فإنه أسعد الأوقات.

    لا تقف فإن الملائكة تكتب، والعمر ينصرم، والموت قادم، وكل نفسٍ يخرج لا يعود.

    من زرع (سوف) أنبتت له (لعلَّ) وأطلعت له (بعسى) وأثمرت (بليت) لها طعم الندامة ومذاق الحسرة.

    إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وبادر الفرصة، واحذر البغتة، وإياك والتأجيل والتردد، وإذا عزمت فتوكل على الله.

    لا تقل قد ذهبت أربابه      كل من سار على الدرب وصل

    الإبداع أن تجيد في تخصصك، وما يناسب مواهبك فـقَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ [البقرة:60] وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [البقرة:148].

    لا يضير الناجحين كلام الساقطين فإنه علوٌ ورفعة، كما قال أبو تمام:

    وإذا أراد الله نشر فضيلةٍ      طويت أتاح لها لسان حسودِ

    النقد الظالم قوةٌ للناجح، ودعاية مجانية، وإعلانٌ محترمٌ له، وتنويه بفضله:

    وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ     فهي الشهادة لي بأني كاملُ

    الناجح يقوم بمشاريع يعجز عنها الخيال، وتظهر عظماء الرجال، وتثير الدهشة والغرابة والتعجب في الأجيال.

    الناجح لا يعيش على هامش الأحداث، ولا يكون صفراً بلا قيمة ولا زيادة في حاشية.

    من كانت همته في شهواته وطلب ملذاته كثر سقطه وبان خلله، وظهر عيبه وعوره.

    من خدم المحابر خدمته المنابر، ومن أدمن النظر في الدفاتر احترمته الأكابر.

    من خلق الناجح التفاؤل، وعدم اليأس، والقدرة على تلافي الأخطاء، والخروج من الأزمات، وتحويل الخسائر إلى أرباح.

    القطرة مع القطرة نهر، والدرهم مع الدرهم مال، والورقة مع الورقة كتاب، والساعة مع الساعة عمر.

    أمس مات، واليوم في السياق، وغداً لم يولد؛ فاغتنم لحظتك الراهنة؛ فإنها غنيمة باردة.

    المؤمن لا يخلو من عقلٍ يفكر، ونظرٍ يعبر، ولسانٍ يذكر، وقلبٍ يشكر، وجسدٍ على العمل يصبر.

    في الدقيقة الواحدة تسبح مائة تسبيحة، وتقرأ صفحةً من المصحف، وتطالع ثلاث صفحات من كتاب، وتكتب رسالة، وتتلو سورة الإخلاص ثلاثاً.

    كرر النيسابوري صحيح مسلم مائة مرة، وأعاد ابن سيناء كتاب الفارابي أربعين مرة، وقرأ بعضهم المغني عشر مرات.

    احترقت كتب ابن حزم كلها فأعادها من حفظه، وكان قتادة يحفظ حمل بعير، وقال الشعبي: [[ما كتبت سوداء في بيضاء]].

    وقام سفيان الثوري ليلةً كاملة يصلي حتى أصبح، وتذاكر ابن المبارك الحديث هو وأحد العلماء وقوفاً حتى الفجر، وبقي محمد الأمين الشنقيطي يبحث في مسألة يوماً وليلة.

    كتب يحيى بن معين لفظ صلى الله عليه وسلم ألـف ألف مرة -أي: مليون- وكان ربما كتب الحديث خمسين مرة، وقال الشعبي: [[أقل ما أحفظ الشعر، ولئن شئتم لأنشدنكم شهراً كاملاً]].

    الناجح يحترمه أطفال مدينته، والفاشل يسخر منه كل أحد حتى ولو اعتذر لهم ألف مرة.

    من بكر في طلب العلم بكور الغراب، وصبر صبر الحمار، وعزم عزيمة الليث، واختلس الفرصة اختلاس الذئب، حصل علماً كثيراً.

    الكسلان محروم، والعاطل نادم، وماء الحركة البركة، ومن صال وجال غلب الرجال.

    الطريق شاق، ناح فيه نوح، وذبح فيه يحيى، وقتل فيه عمر، وأهرق فيه دم عثمان، واغتيل علي، وجلدت فيه ظهور الأئمة.

    نسخ ابن دريد كتاب الجمهرة أربع مرات، ونقح البخاري صحيحه في ست عشرة سنة، يغتسل عند كل حديثٍ ويصلي ركعتين، أجر أحمد بن حنبل نفسه في طلب العلم، وباع أبو حنيفة بعض سَعف بيته في العلم، وجاع سفيان ثلاثة أيامٍ في طلب الحديث.

    كان النووي يطالع ويكتب، ويحفظ ويصلي ويسبح، فإذا نعس نام قليلاً وهو جالس، وكان للشوكاني اثني عشر درساً في اليوم، وكان ابن سيناء يكتب في اليوم خمساً وعشرين صفحة.

    كان إدريس النبي عليه الصلاة والسلام خياطاً، وداود عليه السلام حداداً، وأجر موسى عليه الصلاة والسلام نفسه في الرعي، وكان ابن المسيب يبيع الزيت، وأبو حنيفة يبيع البز.

    البدار البدار، قبل تقضي الأعمال، وكتابة الآثار، فلا بقاء مع الليل والنهار، أعوذ بالله من خسة الهمم، وسفاهة العزائم، وسخف المقاصد، وثخانة الطبع، وبلادة النفوس.

    بحث علي عن الشهادة في بدر فقالا: في أحد، فهبَّ إلى هناك فقالوا: ربما كانت في الخندق، فسعى إليها قالوا: التمسها في خيبر، فلما أتاها قالوا: تأخر الموعد، قال: ما أحسن القتلة في المسجد.

    يحفظ العلم للعمل به، وتعليمه، والتأليف فيه، ومن حفظه وكرره وذاكره وذاكر به ودرسه ثبت في صدره.

    لا بد للناجح أن يكون قوي الملاحظة، دائم التركيز، حافظاً للوقت، مديماً للتدبر، طموحاً إلى المعالي.

    قال ابن عباس: [[ذللت طالباً فعززت مطلوباً]] وقال عمر: [[تفقهوا قبل أن تسودوا]] وقال مجاهد: [[لا يطلب العلم مستحٍ ولا مستكبر]].

    مثبطات النجاح

    مثبطات النجاح: هوىً متبع، ونفسٌ أمارة، ودنيا مؤثرة، وهمة باردة، وطول أمل مع تسويف.

    الناجح يأنف من الرزايا، ولا يتحمل الدنايا، ووقت الراحة له عمل، ووقت العمل راحة.

    الفراغ مفسدة، والمباحات مشغلة، وأكثر الناس مثبطون، والولد مجبنةٌ محزنةٌ مبخلةٌ، سبعون سنة قضاها الإمام أحمد يتقوت من أجرة دكان، وسبعون سنة قضاها الخليل بن أحمد على الخبز والزيت، وسبعون سنة قضاها سفيان الثوري على خبز الشعير.

    الناجح يرضى عنه ربه بالإيمان، وأهله بالألفة، والناس بالأخلاق، والمجتمع بالنفع.

    تولى أبو بكر سنتين فأقام الخلافة، وهزم المرتدين، وتولى عمر بن عبد العزيز سنتين فنشر العدل وأزال المظالم، وجدد الدين، وتعلم ابن أبي جعد العلم سنتين فصار مفتي المدينة.

    سجن السرخسي فألف المبسوط في ثلاثين مجلداً، وأبعدابن الأثير فصنف جامع الأصول والنهاية ثلاثين مجلداً، وسجن ابن تيمية فأخرج الفتاوى ثلاثين مجلداً.

    كان ابن الجوزي يكتب خواطره، وكان كتاب الفتح بن خاقان في جيبه ليقرأ كل وقت، وكان الخطيب البغدادي يطالع وهو يمشي، قال عمر بن عبد العزيز: [[إن لي نفساً تواقة، تاقت للإمارة فتوليتها، ثم تاقت إلى الخلافة فتوليتها، وهي الآن تتوق للجنة]].

    كان أبو منصور الثعالبي يخيط جلود الثعالب فترقت به همته إلى أن صار أديب الدنيا، وكان الفراء يشتغل بالفراء ثم صار نابغة النحو، وابن الزيات كان يبيع الزيت ثم تولى الوزارة.

    وإذا كانت النفوس كباراً     تعبت في مرادها الأجسامُ

    وقال آخر:

    همةٌ تنطح الثريا وحزمٌ     نبويٌ يزعزع الأجبالَ

    وقال:

    لولا المشقة ساد الناس كلهم     الجود يفقر والإقدام قتالُ

    وقال الشاعر:

    همتي همة الملوك ونفسي     نفس حرٍ ترى المذلة كفرا

    وقال آخر:

    تريدين إدراك المعالي رخيصةً     ولا بد دون الشهد من إبر النحلِ

    وقال:

    إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ     فلا تقنع بما دون النجومِ

    وقال:

    ولم أرَ في عيوب الناس عيباً      كنقص القادرين على التمامِ

    وقال:

    ومن تكن العلياء همة نفسه     فكل الذي يلقاه فيها محببُ

    وقال آخر:

    لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى     فما انقادت الآمال إلا لصابرِ

    وقال المتنبي:

    من يهن يسهل الهوان عليه     ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ

    وقال ابن الرومي:

    لولا لطائف صنع الله ما نبتت     تلك المكارم في لحمٍ ولا عصبِ

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533628

    عدد مرات الحفظ

    777176732